الشريان يثير غضب السوريين
3 جمادى الثانية 1436
منذر الأسعد

نشر الكاتب داود الشريان مؤخراً عدة مقالات بصحيفة الحياة استفزت كثيراً من السوريين؛ لأنهم رأوا فيها انحيازاً سافراً منه إلى جانب طاغية العصر بشار الأسد، الذي فاقت جرائمه طغاة التاريخ قديمه وحديثه، بحسب تقارير المنظمات الأممية نفسها، التي ينتقي الشريان منها ما يستطيع تسخيره لخدمة فكرة لا تختلف عن مزاعم أبواق النظام السوري إلا في كونها متأخرة أربع سنوات.. فالطعن في الثورة والشعب كان الرد الفوري من جانب نيرون العصر الحديث منذ انطلاق الثورة السورية التي ظلت سلمية بإقرار الإرهابي بشار نفسه في لقاء مع محطة تلفزة غربية!!

 

أكثر مقالات الشريان إثارةً لسخط السوريين من ضحايا النظام الطائفي النصيري، حملت عناوين تنطق بمضمونها:
-    إسقاط الدولة السورية
-    سورية على أبواب الصومال
-    التفاوض مع سورية آتٍ!!

 

فهو يختزل سوريا في عصابة بشار التي أهلكت الحرث والنسل ودمّرت البلد وشردت أكثر مواطنيه، وجعلت سوريا العريقة محافظة إيرانية تحمل الرقم 35 بحسب تصريحات صفوية وقحة من مسؤولين بارزين في عصابة ملالي قم!! فمن الذي وضع سوريا على أبواب الصوملة: أهم أطفال درعا الذين خلع ابن خالة الطاغية أظفارهم، أم عصابة بشار التي أعلنت بصفاقة منذ اليوم الأول: الأسد أو نحرق البلد؟؟

 

وما أثار علامات استفهام أكثر حول مقالات الشريان النارية، أنها تتناقض جملة وتفصيلاً مع الموقف السعودي الرسمي والشعبي المؤيد للثورة السورية منذ بداياتها الأولى!!

 

من الردود المبالِغة في نعومتها على صواريخ داود، مقال كتبه المُعَارِض السوري جمال مامو بموقع أورينت نت، عنوانه: أربع سنوات ثورة / دع عنك لومي يا داود.. قال فيه:

مكمن خبرة السوريين بطبيعة النظام الوحشية والمستعصية على أي إصلاح، سدد ثمنها صراع مديد خاضه السوريون ضد النظام منذ سبعينيات القرن المنصرم ودفعوا جزاء ذلك تدميراً واسعاً لمدينة حماة بشكل خاص وللحياة السياسية والحريات بشكل عام، تحولت سورية بعد ذلك إلى مملكة للصمت والخوف وسيقت أجيال بأكملها إلى آلة التدجين المرعبة عبر مؤسسات ومنظمات التعبئة الجماهيرية التابعة للنظام بغية القضاء على أية محاولة مستقبلية لتغيير فكرة أبدية هذا النظام وملكيته غير المحدودة لسوريا وللسوريين.

 

لا تخفى هذه البديهيات على الأشقاء العرب الذين نال بعضَهم جزءٌ وفيرٌ من عنف نظام الأسد وبطشه ولعل لبنان، الجار القريب، هو المثال التوضيحي الأبرز على حقيقة النظام السوري وعلى بديهيات يحتاج البعض إلى إنعاش ذاكرتهم بها، ولكن إن كان مفهوماً حرص بعض الأشقاء العرب على سورية كدولة وخوفهم من صوملتها كما عبر عن ذلك داود الشريان في مقالته، فإن من غير المفهوم وغير المسوغ أخلاقياً مطالبة السوريين بأن يسلموا رقابهم مرة أخرى لنظام لم يبادر لإعلان أي خطوة ذات مصداقية في ما يخص مستقبل علاقته بمحكوميه!

 

قد يكون من المفيد تذكير أشقائنا العرب الذين يلومون السوريين على خياراتهم وعلى استمرارهم في خيار مقاومة النظام، بأن الأخير هو من بادر إلى إعلان حرب مفتوحة عليهم، رافعاً شعار " الأسد أو نحرق البلد " وأن نظاماً استخدم كل الأسلحة التقليدية وغير التقليدية لقمع مواطنيه وتسبب في مقتل أكثر من ربع مليون سوري وفي تدمير 40 بالمائة من المدن السورية وتهجير 12 مليون سوري لن يكون أكثر رحمة بهم مستقبلاً حال تمكنه من إخماد ثورتهم، لا يحتاج السوريون إلى كتاب دي مستورا الذي يحتوي على أسماء مئة ألف قتيل ليتذكروا أن حربهم مع النظام قد تسببت في هذا العدد الهائل من الخسارة، هم أولياء الدم وأصحابه، وهم ليسوا بحاجة إلى أرقام وإحصائيات داود الشريان ليعرفوا عن عجز الموازنة ومعدلات البطالة ومستويات الفقر التي يعيشون في كنفها منذ زمن بعيد وكان الأجدر بداود الشريان بدلاً من لوم السوريين ووصف المعارضة السورية بأنها من طلاب الحرب واتهامها باقتفاء أثر المعارضة العراقية بتدمير بلدها لإسقاط نظام صدام، تذكير من خبت ذاكرته من "أصدقاء الشعب السوري " بوعودهم غير المنجزة التي لو كانت تحققت لتغير مسار العملية العسكرية والسياسية في سورية، ليست حرب الاستنزاف التي يخوضها السوريون دفاعاً عن حريتهم هي المتسبب الأوحد في انهيار الدولة السورية التي لم تكن قط دولة لكل السوريين بل هي رؤية منهجية لنظام الأسد الذي عمل جاهداً على عسكرة الثورة وتطييفها واستقدام كل المليشيات الشيعية لحمايته ,رؤيته التي مفادها:"أنا في السلطة، إذن أنا موجود" إما أن يكون له ذلك وإما إفناء سوريا دولة وشعباً.

 

وختم الكاتب مقاله بقوله:
بعد سنوات أربع خَبِرَ فيها السوريون كل صنوف التعذيب والقتل واللجوء والخذلان وسط صمت دولي ومبادرات خجولة ومساعدات شحيحة، يحق للسوريين أن يسحبوا ثقتهم من العالم بكل مؤسساته وهيئاته ويحق لهم أن يدافعوا عن خيارهم الوحيد الذي وضعهم العالم أمامه حماية لمستقبلهم الذي لن يكون آمناً في ظل استمرار النظام وحيازته لأسباب القوة والبطش، وقد يكون من المفيد في هذا السياق تذكير العالم والمجتمع الدولي بمسؤوليتهم عن فتح خيارات أخرى للسوريين تضمن مستقبلهم ومستقبل أولادهم غير تلك التي يراها داود الشريان مدمرة وغير ذي جدوى على المستوى السياسي، ومن المؤكد حينها أن السوريين لن يبقوا متمسكين برهانهم على حل تأتي به فوهات المدافع ما دامت السياسة قادرة على تحقيقه، غير ذلك فإن لومهم على خيارهم في القضاء على سجانهم وقاتلهم والخلاص من سجن عبوديتهم بأي ثمن، لا يفعل فيهم إلّا كما فعل اللوم بأبي نواس، يغريهم ويدفعهم إلى المضي قدماً في معركة الحرية مهما كلفهم ذلك.