حقوق مسلمي الفلبين و الأطماع الاستعمارية
21 جمادى الأول 1436
د. عامر الهوشان

لا شيء يعلو أو يتقدم على المصالح المادية والأطماع الاستعمارية في السياسة الأمريكية والغربية الصليبية عموما على ما يبدو , فأينما وُجد المال والثروة وُجدت مكائد اليهود والنصارى التي تحاك للوصول إلى تلك الثروة بأي وسيلة أو طريقة , وحب الذهب والفضة واكتنازهما صفة ملازمة لليهود على كل حال .

 

 

وإذا أضفنا إلى المصالح المادية كراهية اليهود والصليبيين للإسلام منذ بزوغ فجر الدعوة الإسلامية وحتى الآن , فإن الدافع إلى محاولة طمس معالم الإسلام والنيل من أتباعه من المسلمين في شتى أنحاء العالم يصبح أمرا لا يشك فيه مسلم عاقل . ولعل تلك الدوافع هي التي تحدو بالولايات المتحدة الأمريكية للحلول دون حصول مسلمي الفلبين على حقوقهم المشروعة , فها هي الأصابع الأمريكية تعبث بالاتفاق الذي تم بين جبهة مورو الإسلامية ممثلة برئيسها حاجي مراد إبراهيم من جهة , و الحكومة الفلبينية ممثلة بالرئيس الفلبيني " بنينو أكينو" من جهة أخرى، وذلك في أكتوبر من عام 2012م، والذي ينص على إقامة منطقة حكم ذاتي للمسلمين ، يطلق عليها اسم "بانجسامورو"، في جنوب الفلبين ذو الغالبية المسلمة بحلول عام 2016.

 

 

تبدو أصابع العبث الأمريكية بالاتفاق الذي تم واضحة , فهي تسعى لعرقلة أي مسعى يحقق للمسلمين هناك حلمهم بالاستقلال , خاصة إذا عُلم أن هناك فوق الحؤول دون حصول مسلمي الفلبين على حقوقهم المشروعة , منافع اقتصادية ومادية لا تعد ولا تحصى , حيث يعتقد أن المنطقة الجنوبية من البلاد تضم احتياطيات من النفط والمعادن تصل قيمتها إلى تريليون دولار أمريكي . ولعل بصمات الأصابع الأمريكية لا تخفى على جريمة مقتل عدد كبير من رجال الشرطة الحكومية جنوب البلاد في كانون الثاني من العام الماضي , والتي على إثرها بدأت الحكومة بحملة أمنية منذ 21 شباط الماضي ضد المنطقة , قتل خلالها العشرات من حركة مقاتلي "بانجسامورو الأحرار الإسلامية" وجنود من الحكومة الفلبينية , الأمر الذي يهدد اتفاق الحكم الذاتي الذي تم عام 2012م .

 

 

لقد اتهم النائب في البرلمان الفلبيني "تيري ريدون" الإدارة الأمريكية صراحة بالوقوف وراء تنسيق عملية "ماماسابانو" ، والتي أسفرت عن مقتل 44 قائداً عسكرياً من القوات الخاصة الفلبينية نهاية كانون الثاني/يناير الماضي ، وما نجم عنها من عودة المواجهة العسكرية بين الحكومة وحركة مورو الإسلامية , وذلك لوضع العصي في عجلة تنفيذ اتفاق الحكم الذاتي لمسلمي الفلبين في الجنوب . وأضاف ريدون أن الهدف الوحيد من تلك الهجمات ؛ هو ترحيل شعب المورو من المنطقة ؛ من أجل إفساح المجال أمام الشركات الأجنبية لاستغلال الموارد الطبيعية الهائلة هناك , مشيرا إلى أن أمريكا تحاول أن تجد موطأ قدم لها في المنطقة الغنبية بالنفط والمعادن . لم يكن هذا الاتفاق هو الوحيد الذي تتم عرقلته , فقد تمت عرقلة اتفاق عام 1976م المسمى "اتفاقية طرابلس" نظرا للوساطة الليبية آنذاك , والذي ينص على منح المسلمين حكماً ذاتيا أيضا ، إلا أنه لم يدخل الاتفاق حيز التنفيذ نظرا لمماطلة الحكومة الفلبينية .

 

 

لا يبدو أن الاحتلال الإسباني للفلبين قد اكتفى بما صنعه في زمن الاحتلال , من عبث بالهوية الإسلامية لهذا البلد الذي عرف الإسلام منذ عام 800 هجري عبر الدعوة إلى الله كما أمر القرآن الكريم : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن } النحل/125 , و ذلك من خلال طمس معالم الإسلام في تلك البقعة النائية في أقصى شرق آسيا , بدءا بتغيير اسم المنطقة ككل بتحويل اسمها الإسلامي الحقيقي "عذراء ماليزيا" إلى "الفلبين" نسبة إلى ملك الإسبان فيليب الثاني عام ( 923 هجري – 1521م ) , وتحويل اسم عاصمتها الإسلامي "أمان الله" إلى "مانيلا" ... كما لا يبدو أن الاحتلال الأمريكي اكتفى بحرمان المسلمين من حقوقهم المشروعة في حكم ذاتي في المنطقة التي يشكلون فيها أغلبية جنوب البلاد قبيل نيل الفلبين الاستقلال عام 1946م , وذلك من خلال ضم الأمريكان الجنوب إلى الشمال قبيل مغادرتهم البلاد عسكريا , مع توريث الصليبيين مقاليد السلطة والحكم ليسوموا المسلمين سوء العذاب والاضطهاد . لقد كان طبيعيا تحت وطأة الظروف التي يتعرض لها المسلمون في الفلبين أن يقوم نور مسواري بتأسيس "الجبهة الوطنية لتحرير مورو" سنة 1972م ، وذلك بعد أن أعلن الرئيس الفلبيني "ماركوس" الأحكام العرفية في الجنوب ، ليبدأ الصراع العسكري بين الحكومة والجبهة لمدة 40 عاما حتى عام توقيع الاتفاق الأخير 2012م . وعلى الرغم من أن مسلمي الفلبين يشكلون ما نسبته 25% من عدد السكان الذي يفوق 98 مليونا حسب آخر إحصاء دولي , إلا أن أمريكا وأزلامها هناك مصرين على ما يبدو على حرمان المسلمين من أبسط حقوقهم في حكم أنفسهم بأنفسهم .