بكاء فتاة محجبة...
21 جمادى الأول 1436
خديجة قاراخان

 أخذت لنفسي زاوية أبكي بها وإذ بي أفاجأ بيد تمتد إلى كتفي لتسألني عن سبب بكائي، التفت إلى الوراء وعيناي مليئة بالدموع.
- لماذا تبكي يا بنيتي؟ ماذا حدث؟
 لم استطع ان أتمالك نفسي لأرد على سؤالها، فتابعت هي السؤال
- لماذا لست بالداخل، ألم يبدأ الحفل بعد؟
 كانت الأصوات في الداخل تعلو شيئاً فشيئاً، إلا أن العباءة التي كانت علي وهيئتي لم تعط المرأة الجواب الكافي.
- لقد أخرجوني من الحفل. استطعتُ قول هذا
- لماذا؟
- إنه حجابي...

 

 

هنا لاحظت ردة فعل المرأة وغصتها. "حسناً، لا تبكي" قالتها وهي تمسح على ظهري، واكتفت بذلك. بدت عليها العجلة، وأرادت الذهاب بسرعة.
ابتعدت وهي تقول أن الفتاة كان من الواجب أن تكون في الداخل.

 

 

أما الأب الذي دخل مع ابنته إلى مكان الحفل بكل حماس خرج منه مضطرباً، وهو يبحث عن ابنته التي حرمت من المشاركة.
لا أنسى تلك اللحظة عندما أتى أبي مسرعاً وعيناه الزرقاوان مغرورقتين بالدموع! وهذا الذي ما زال يؤلمني حتى يومنا هذا أكثر مما حزنت على نفسي.

 

 

أذكر هذه الحادثة الصغيرة وأنا خجولة من نفسي أمام عشرات المظلومين في تلك الحقبة... على الأقل كنت محظوظة نوعاً ما، فقد استطعت أن أنهي دراستي الجامعية بالرغم من كل المعوقات التي وقفت في طريقي، إلا أنها لم تمنعني من الوصول إلى هدفي.
لهذا السبب لم أكن أتوقع أن أطرد من حفل التخرج دون استلام شهادتي، وأردت كما كل شاب وشابة أن يرى عائلته تعيش هذه اللحظة.
لم أكن أعلم أني تحت تصرف أحد الضباط الذين كانوا بين الحضور، وأنني سوف أستبعد بسبب حجابي.
لكن كما قلت لكم على الأقل كنت محظوظة، واستطعت أن آخذ شهادتي، وأكمل دراساتي العليا في نفس الجامعة حتى.
لقد عوقبت كثيراً أثناء دراستي، ورأيت ظلماً لا ينسى.

 

 

وهنا نتساءل إن كنت أخذت الحد الأدنى من حقوقي، فماذا عن الذين حرموا من التعليم والعمل وحرية المعتقد والحياة؟ أكتب هذا المقال من أجلهم، أتكلم عن فئة من الناس هُضمت حقوقهم وخاصة من النساء. ولهذا خصصت هذه الزاوية لهم.
أتكلم عن مئات الآلاف من النساء اللواتي حرمن من العمل والاستشفاء وطردن من مدارسهن ورأين أصناف العذاب في حياتهن. هن اللواتي رسمت لهن الحدود أولا ثم تم إخبارهن بها.
نساؤنا اللواتي لا يكفيهن العمر ليذكرن لنا ما رأينه في حياتهن. ذلك العنصر البشري الذي تم استبعاده عندما كنا في أمس الحاجة إليه. لقد كن مستقبل الأمس ومهندساته ومعلماته وطييباته وأمهاته. وبالطبع لم يكن المظلوم في تلك الفترة النساء فقط. إلا أن الذي عشنه كان مختلفا جدا في كل أبعاده.

 

 

نحن اليوم نكافح من أجل الحقوق التي يستحقها شعبنا. نصرخ بأعلى أصواتنا لنحفظ للمرأة حقها. نتكلم هنا باسم بناتنا ونسائنا بل ونناضل من أجلهن. نحن اللواتي كممت أفواههن عندما طالبنا بأبسط حقوقنا الطبيعية.
سوف أستمر كل يوم بالتذكير بما كنا نعيشه بصفتي إحدى شابات 28 شباط، إحدى خريجات مدارس الأئمة والخطباء، ابنة عائلة بكت على أولادها، أخت فتاة منعت من الدخول إلى الجامعة حتى بالطاقية، قريبة امرأة طردت من امتحانها بسبب الباروكة على رأسها، صديقة فتاة طردت من مدرستها بسبب احترامها لمعتقداتها الدينية، وبصفتي أيضاً مواطنة تركية حرمت من تمثيلها في المجلس النيابي عندما طردوا النائبة المحجبة.
هناك بعض الآلام التي لا تنسى، أو بالأحرى لا يجب أن تنسى!

 

 

أكتب عن 28 شباط.
ذلك التاريخ الذي نفذوا فيه انقلاباً عسكرياً بصيغة مدنية اقتصادية.
يجب علينا أن نشرح لأجيالنا القادمة أن ما وصلنا إليه اليوم لم يكن سهلاً... أردت أن أشير إلى صعوبة الألم الذي شعر به شعبنا؛ وخاصة نساؤنا، وحجم الظلم الذي تعرضنا له... أن أعلمهم قيمة الوطن والإنسان والمسؤولية تجاهه. وأن الانقلاب الذي شهدناه ليس إلا خدمة للخارج وأعداء الوطن والإنسان... أردت أن أضيف قطعة صغيرة في هذه اللوحة التي ترسم الحقيقة.
مع كل تمنياتي بأن يكون الجيل القادم أقوى بوجه الانقلابيين من الداخل والخارج، وأن يحافظ على العدل والحرية والديمقراطية لنخطو سوياً نحو الأفضل.
 

 

المصدر: صحيفة يني شفق

ترجمة وتحرير تركيا بوست