28 ذو الحجه 1436

السؤال

أنا متزوجة منذ 6 أشهر، وحامل في الشهر الخامس، ولقد كرهت حياتي وأريد الهرب من البيت، ومشكلتي أن زوجي لا يحبني ويتجاهلني ولما كنت عروسا ضربني بسبب بنت اتصلت به وأقفل هاتفه، ولما عدنا إلى البيت صار يضربني ويهينني، فكرهت حياتي لأنني أحبه وهو لا يحبني..

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكر لك رسالتك وطرحك لاستشارتك..
أما بخصوص مشكلتك فيمكن أن ألخصها كالتالي:
- تكرهين حياتك وترغبين بالهروب من بيت الزوجية..
- لا تشعرين بالثقة والأمان والاستقرار والراحة النفسية مع زوجك..
- تعانين من الإهانة والضرب من طرف زوجك، وعدم احترامه لمشاعرك واحتياجاتك العاطفية..
وهذه المشاكل قد تتعرض لها الزوجة لأسباب كثيرة منها:
الفهم الخاطئ لغايات الزواج ومقاصده، فتتحول العلاقة الزوجية عن أهدافها ومعانيها التي توثِّق صلات المودة والرحمة والمحبة بين الزوجين، ويتحول الميثاق الغليظ إلى مجرد خيط رفيع معرَّض للتمزُّق وتفسُّخ الروابط المتينة، وتتلاشى معاني الارتباط وإشاعة مشاعر الصدق والصفاء والألفة داخل محيط البيت والأسرة، بسبب غياب قيم التديُّن الصحيح، وعدم الشعور بالمسؤولية والالتزام بالحقوق والواجبات المشتركة..
ومن الحلول التي أقدمها لحلِّ مشكلتك مع زوجك ما يلي:
أولا: إن حلَّ مشكلتك ليس في الهروب من البيت ورفض الحياة، بل بمواجهتها بصورة صحيحة عن طريق التفكير الإيجابي المنتِج، والبحث المسؤول عن أسبابها الحقيقية وإيجاد حلول عملية..
ثانيا: التغيير يبدأ من داخل النفس ثم ينتقل أثره إلى بقية أفراد الأسرة، وينعكس على البيت وعلى العلاقة التي تربط بين أفراده، مصداقا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾..
والتغيير الإيجابي يعتمد على: إصلاح ظاهرك وباطنك معا، وذلك بالاعتناء بشكلك ومظهرك وملابسك، واهتمامك بأناقتك وتزينك أمام زوجك بالشكل الذي يلفت انتباهه ويناسب ذوقه واختياراته.. واهتمامك بأسلوبك في الحديث والحوار والنقاش، فتختارين من الكلمات أجملها وأحبَّها إلى سمعه وأقربها من إحساسه، والتودُّد إليه بالمعاملة الطيبة، والإحسان إليه قدر استطاعتك، والاعتناء بشؤونه وأحواله في حضوره وغيابه، وملاطفته والتقرب إليه، واحتوائه نفسيا وعاطفيا..
ثالثا: إحساسك بأن زوجك لا يحبك ليس عليه دليل إثبات يؤكِّد صدقَه، فالأولى بك أن تصُدِّيه بقوة وتحذفي هذا الإحساس من ذاكرتك، ولا تصدِّقي كل ما تشعرين به من أحاسيس وأفكار سلبية حتى ولو كانت صحيحة، بل ركِّزي خلال هذه الفترة على منح زوجك الكثير من المشاعر الإيجابية، وستحصدين ثمارها من مشاعر حبِّه واهتمامه، فالحب برعُمٌ صغير إذا اعتنيتِ به بالسِّقاء والرعاية سيتفتح ويزهر، ويرطِّب حياتك بقطر الندى وفوح الشذا، والحب عطاء غير محدود بنِسَب عددية أو بأسلوب وطريقة مشتركة، بل لكل طرفٍ فلسفته الخاصة وأسلوبه في التعبير عن حبه للطرف الثاني، وزوجك له كذلك فلسفته الخاصة به كرجل، وإلا لما اختار أن يتزوج بك ولانفصل عنك وهجرك منذ البداية..
رابعا: تسلَّحي بالحكمة ورجاحة العقل وحسن التدبير لأمورك وشؤون بيتك، واستوعبي طبيعة زوجك كرجل، بأحلامه، واهتماماته، وذوقه، واختياراته، وعالمه الرُّجولي، فزوجك قد لا يكون ممن يتقن التعبير الشَّفهي عن حبه لزوجته، أو لا يحسن التعامل معك بالشكل المرغوب فيه، إنما لا يعني هذا أنه لا يحبك، بل قد يكون اكتسب ثقافة سيئة في بيئته أو أسرته أو محيط أصدقائه وزملائه في الدراسة أو العمل، فأخذ فكرة خاطئة عن أسلوب التعامل بين الزوجين، أو ربما هو يحاول أن يثبت أمامك قوامته ورجولته بالشدة والعنف، أو بالضرب والإهانة، أو ربما هو من صنف الرجال الذين يتوهَّمون أن الرقة والحنان والتعامل بالرفق والتعبير للزوجة عن الحب هو استضعاف لرجولته وإهانة لشخصيته، فتحملي تصرفاته وستكتشفين مع طول العشرة بينكما مدى تعلقه بك، في مواقف كثيرة، وفي غيرته وخوفه عليك..
خامسا: أنت حاليا حامل، وخلال هذه الفترة بالذات تعاني بعض النساء من حالة نفسية سيئة، وينتابها الخوف وعدم الشعور بالأمان والاستقرار العاطفي، لأنها تعيش تجربة مختلفة وإحساس جديد بالأمومة، مع تعلُّق شديد بالزوج، إلا أن هذه المشاعر المضطربة سرعان ما ستختفي بالتدريج بعد الإنجاب، وستتبدد مخاوفك مع انشغالك بمولودك الجديد، وستشعرين بمتعة مختلفة وستجعلك الأمومة أكثر اتِّزانا وهدوء وارتباطا ببيتك، وكذلك الأمر بالنسبة لزوجك سيمنحه شعوره بالأبوة إحساسا بالدفء والاستقرار، والشعور بالمسؤولية،والانتماء للبيت والأسرة، وسيتحرر بالتدريج من طبعه العنيف..
سادسا: زوجك كأي رجل يحب عالمه الخاص بكل ما كان يحمله قبل الزواج من عواطف، وأفكار، وعادات وتقاليد، وهوايات، وأنشطة، وهذا لا يعني أنه لا يحب عالمك أو يكره وجوده معك، إنما طبعه كرجل يختلف عن طبع المرأة في ارتباطها الشديد بزوجها فتشاركه حياتها بالكامل، ويصبح هو السكن، والأسرة، والبيت، وكل ما كانت تحلم به، ولهذا ستلاحظين أنه يميل إلى التحرر والانطلاق، ورفض تدخلك في شؤونه الخاصة حتى لو كانت في مصلحته، ورفض الأوامر والشروط والضوابط، إنما هذا الاختلاف لا ينبغي أن يفسد العلاقة بينكما، بل يحتاج فقط إلى كثير من الصبر والأناة لتقريب المسافات وتحقيق الانسجام..
فامنحي زوجك الشعور بالحرية، ولا تكوني قيدا ثقيلا يشده للوراء ولا عائقا أمام تحقيق أحلامه لمجرد أنها تختلف عن أحلامك، وراقبيه عن بعد دون أن تشعريه بذلك، واقتربي منه حين يحتاج إلى قربك، وابتعدي عنه حين يحتاج إلى الابتعاد عن عالمك وحتما سيعود إليك بمشاعر أفضل وأجمل..
سابعا: اصنعي عالمك الخاص، من خلاله تمارسين هواياتك المحببة إليك، وتزاولين أنشطة يومية، بمساعدة أفراد من اسرتك أو صديقات تثقين بهن، واجعلي لحياتك مسارا مختلفا عن السابق، وهدفا وغاية نبيلة تعملين لأجلها وتوفرين لها طاقة، وأهِّلي نفسك خلال هذه المرحلة لتكوني أما صالحة، ولن تنجحي في تحقيق ذلك إلا لو أدركت معنى الاستقرار النفسي والسِّلم العاطفي، وأحسنت التعامل مع زوجك، وواجهت مشاكلك بحكمة وصبر وحسن تدبير..
وختاما.. أُذكِّرك أختي الكريمة بتوثيق علاقتك بربك، فمن أصلحت ما بينها وبين خالقِها أصلح الله ما بينها وبين زوجها، وجدِّدي النِّيَّة في عبوديتك لله، وأكثري من ذكره وطاعته في القول والعمل وفي السر والعلن، فالطاعة تجلب السعادة، وذكر الله يجلب الطمأنينة والاستقرار النفسي، وما تغرسينه في الدنيا من خير سواء في علاقتك بزوجك أو بأهلك ومن حولك ستجدين ثوابه في الدنيا والآخرة، ويُحدِّثنا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – عن قيمة العبادة والذكر حين قال لصحابته: "ألا أُخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مَليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومَن أن تَلقوا عدوَّكم، فتَضربوا أعناقهم، ويَضربوا أعناقكم؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "ذِكر الله - عزَّ وجلَّ"؛ وثقي بأن حياتك ستتحسن للأفضل لو استعنت بالله وتوكلت عليه، وسيكفيك ما همَّك من أمر الدنيا والآخرة، ولو نظرت إلى حياتك مقارنة مع من هن أسوأ منك حالا ستشعرين بأنك أفضل بكثير، ولو تخلصت من أفكارك ومشاعرك السلبية ستتغير نظرتك لنفسك ولزوجك ولحياتك بالكامل، فكثيرا ما نشقى بسبب ما نتوهَّمه من معتقدات خاطئة.
أسأل الله أن يوفِّق بينكما في الخير.