20 شعبان 1436

السؤال

ابنتي تسرق مني ومن أمها لتشتري جوالاً، أخذنا منها حوالي 5 جوالات، وكل مرة تتصرف بطريقة مختلفة لشراء جوال، وعندما يكون معها جوال تتحدث مع بعض الشباب.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم..
نشكر لك أخانا الكريم ثقتك بإخوانك في موقع المسلم ونسأل الله سبحانه أن يعينك على هذه المشكلة وأن يجمع بين أسرتك على طاعته ومحبته ورضاه.
الأخ الفاضل:
في هذه الأيام التي تتسم بكثرة الفتن والمغريات تزداد تربية الأبناء صعوبة، فما كان بالأمس من المتابعة والمراقبة يمكن أن يكون يسيراً صار اليوم عسيراً جداً، وربما يكون الأمر غداً أشد صعوبة، ولهذا وبقدر هذه المشقة الكبيرة سيكون أجر التربية عظيماً بإذن الله.
والمشكلة التي تخص ابنتكم - أخي الكريم - مشكلة كبيرة ومهمة وابْتُلِيَتْ بمثلها بيوت إسلامية كثيرة، فالتطور التقني المذهل فاق كل استيعاب من عموم الآباء والأمهات وفتح مجالات كثيرة من الانحرافات التي نسأل الله لأمتنا المسلمة المعافاة منها.
وبالفعل فتح هذا التطور التقني آفاقاً عديدة ومجالات واسعة من الاتصالات التي يسرت سبل التواصل بين الكثيرين والتي اخترقت كل الحجب، فصار لزاماً على الأمة كلها أن تنتبه للمخاطر المحدقة بها من هذا الباب.
ولا شك - أخي الفاضل - أن هذه المشكلة تحتاج لتضافر جهود كل الأسرة للتغلب على مظاهرها وآثارها، لأني أعتقد هذه المشكلة ليست إلا عرضاً لمشكلة أخرى ربما تحتاج لأن تكون هي الأَوْلى بالبدء بالعلاج.
وربما كان من الأفضل والأيسر تحديد سن ابنتك أخي الكريم في الرسالة، فالطفلة غير البالغة تختلف عن الكبيرة في طرح ومناقشة مثل هذه المشكلة وطرح تصورات الحلول لها، وأغلب الظن أخي أنها في مرحلة المراهقة حيث تكثر مثل هذه المشكلات.
وأول ما ينبغي أن يلتفت النظر إليه أن السرقة بوجه عام في الأبناء لها عدة أسباب، منها الشدة والغلظة في التعامل معها، ومنها الرغبة في لفت النظر إليها - وقد يخص ذلك الفتيات الصغيرات - ومنها الحرمان، ومنها تقليد الصديقات المسيئات، ويستحسن أن تجلس أنت ووالدتها لمناقشة السبب، فمعرفته ولو على سبيل الترجيح سييسر بإذن الله العلاج.
وغالب الأسباب النفسية للسرقة في الصغر تكمن في حاجة الابن أو البنت إلى لفت نظر من حوله وجذب انتباههم، فكثير من الآباء والأمهات يعتبرون أن احتياجات أبنائهم لهم مادية فقط، ولا يدركون أن الحاجات المعنوية النفسية أكثر إلحاحا وشدة على الأبناء، ولها التأثير البالغ في نفسياتهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم.
ولهذا قبل أن نتساءل عن فعل الابن لابد وأن نتساءل جميعاً عن الأبوين وعن الوجود الحقيقي لهما في حياة أبنائهما، فالعبرة بالوجود الحقيقي المؤثر في حياة الأبناء لا مجرد الوجود الشكلي أو الوجود السلطوي بإصدار الأوامر والنواهي - مع أهميتها بالقطع - فحسب.
ومن الخطوات التي يمكن اقتراحها:
- ينبغي قبل البدء في أي علاج سلوكي إعادة النظر إلى الابنة بصورة مختلفة ليكون التعامل بطريقة مختلفة، فتبتعد طبيعة العلاقة عن علاقة المحقق بالمجرم لتتحول إلى طبيعة أخرى وهي علاقة الطبيب بالمريض وخاصة أن العلاقة أسمى من ذلك وهي علاقة الأب الشفيق المحب لابنته وفلذة كبده التي يرجو لها كل خير، فيجب إعادة تشكيل الذهن وإخراج فكرة المجرم والجريمة من المعالجة.
- ينبغي بناء علاقة بين الأبوين والبنت، فالأم لها دورها الكبير في حياة ابنتها، وأقوى أسلحة الأم فيها هو سلاح الحنان والاحتضان والتفهم والاستيعاب، فليس من أسلحة الأم الصوت المرتفع والعصبي وإصدار الأوامر والنواهي بكثرة وتقرير العقوبات وغيرها، فهذا إخراج لدور الأم عن طبيعته التربوية وبالتالي يمثل خسارة تربوية شديدة للأم والبنت على حد سواء.
ودور الأب لا يقل أهمية بل يزداد بزيادة عمر أبنائه وخصوصاً مع البنات، حيث يمثل كل أب الخبرة والحكمة الرجالية في حياة بناته، ولذا ربما يكون أحد أهم أسباب البنت في الحرص على السرقة لشراء أجهزة المحمول حاجتها للشعور بالاهتمام حيث يمنحه كل طامع فيها طمعا فيما تملكه كل بنت.
- ومما يدعم هذا أن الفتاة تسرق في كل مرة لشراء محمول فقط، فالسرقة ليست هي المشكلة الأولى عندها ولهذا لا يجب أن نترك المرض لنعالج العرض، فالبنت في حاجة إلى تواصل الأبوين معها والتقرب منها والمهمة بشكل أساسي تقع على عاتق الأب.
- ينبغي التخلص تماما من فكرة العقوبات سواء اللفظية أو البدنية أو حتى بالتشهير والفضح بين الإخوة أو الأهل، فهذا ليس باباً للعلاج بل يكاد يكون باباً لتعميق المشكلة وزيادتها، فينبغي الحرص الشديد على الستر عند معالجة المشكلة لحصرها في أضيق نطاق ممكن لتيسير العلاج حرصاً على الابنة وعلى نفسيتها.
- الحرص بعد التقارب مع الابنة على الحوار الصريح في المشكلة ومناقشتها بهدوء، فبالتأكيد سيكون هناك جوانب تقصير عند الجميع، فاعمل على تشجيع مثل هذه الجلسات مهما كانت آلامها فنتائجها الإيجابية أكبر من آلام كلماتها.
قبل وبعد وأثناء ذلك يجب على المسلم أن يستعين بربه سبحانه في تربية أبنائه، وفي كل أمر، فلدعاء الوالد لولده أثر عجيب ومجرَّب في تقويم سلوكهم واستقامة تصرفاتهم، وليحذر كل والد من الدعاء على ولده مهما زادت أخطاؤه، فليكن الدعاء له لا عليه.
- وفقك الله - أخي الكريم - وحفظ الله ابنتك من كل مكروه وسوء، وأسأل الله أن يجزيك على صبرك على تربية أبنائك خير الجزاء، فالتربية مسئولية سنسأل عنها جميعاً؛ فكما جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".