داعش و الصراع الدائر في ليبيا .. الآثار،الخطر، والحجم الحقيقي
10 جمادى الأول 1436
عبد الباقي خليفة

في أبريل 2013 م تأسس" تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق"{ داعش} واتسم بعدة مميزات، منها سرعة الإنتشار، والقسوة، والعدوى، بمعنى انتشار نفس الأفكار إلى أماكن أخرى، مثل الإنقلابات العسكرية التي شهدتها المنطقة في خمسينات وستينات القرن الماضي. والتي لم تكن  بمنآى عن التأثيرات الخارجية بشكل مباشر أوغير مباشر. لا سيما وأنها ساهمت هي الأخرى كما تفعل" داعش" حاليا في تمزيق الأمة واستعداء الآخر،وبالتالي استدعاء القوات الأجنبية إلى المنطقة، بشكل متزايد. وهي تمهد لما مهدت إليه حروب ملوك الطوائف في الأندلس، وهي أخطر من الإنقلابات العسكرية في الخمسينات والستينات والتي مهدت لظهورها، إذ كانت خطوة ضرورية لانبعاثها. فتلك الإنقلابات عمقت الإحتقان بمختلف أنواعه بما فيه الاحتقان الطائفي والسياسي والآيديولوجي والذي نراه اليوم بشكل دراماتيكي.

 

 وإن كانت الإنقلابات العسكرية قد عمقت الخلافات والتجاذبات الإقليمية، بإختلاف الأنظمة الحاكمة، { ملكية، اشتراكية، عسكرية، وغيرها } فإن تنظيم داعش، عمق الخلافات داخل المجتمع أكثر، وحول الحروب والمناوشات والخلافات التي جرت في وقت سابق بين الدول { الجزائر والمغرب، ليبيا ومصر، تونس وليبيا، اليمنين. قطر والبحرين، وغيرها } إلى حروب داخلية { طائفية، آيديولوجية، سياسية، وصراع على السلطة على أساس مذهبي أوالمجتمع النمطي، أوالنمط المجتمعي الذي لا يزال يعشش في أذهان أضنتها اليوتوبيا الخاصة بها } وهذا مكمن الخطورة .
والحقيقة أن" داعش" كانت من العوامل التي عمقت الانقسامات وزادت من حدة الأخطار التي كانت كامنة، وليس العامل الوحيد في ذلك. 

 

خارطة داعش: تفيد  بعض التقارير المتخصصة بأن 20 ألف مقاتل من أكثر من 80 دولة يقاتلون إلى جانب داعش في سوريا والعراق، من بينهم 5 آلاف مقاتل انظموا في الفترة ما بين أكتوبر 2014م ويناير 2015 { المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي} ومن المفارقات أن 44 ليبيا يقاتلون في سوريا والعراق. وأصبح عدد المقاتلين الفرنسيين 1200 مقاتل  والألمان 600 مقاتل، في حين لم يزد عدد المقاتلين الباكستانيين عن 500 مقاتل والأفغان 50 مقاتلا، والتونسيين 3آلاف مقاتل والمغرب 1500 مقاتل والامارات 15 مقاتلا والكويت 71 مقاتلا والمملكة العربية السعودية 2500 مقاتل واليمن 110 مقاتلين والعراق 247 مقاتلا والبحرين 12 مقاتلا وقطر 15 مقاتلا.

 

لا يعرف بالضبط عدد مقاتلي "داعش" في ليبيا، وإن كان البعض يحددها بنحو ثلاثة آلاف مقاتل ، وهناك مصادر داخلية تشير إلى أن عدد أفرادها لا يتجاوزون الألف مقاتل. وقد حققت الجماعات التي تتماهى مع "داعش" أويعجبها أسلوبها،أو تسعى لتحقيق نفس الأهداف انتصارات كبيرة خاصة في بنغازي، ثم شهدت بعض الانكسارات إلا أنها عادت للتواجد بقوة في بنغازي، وقد نظمت عرضا عسكريا الأسبوع الماضي شاركت فيه سيارات دفع رباعي جديدة. وكان التنظيم قد دخل بعد موت زعيمه الزهاوي مرحلة البحث عن تحالفات جديدة خلّفت الكثير من الجدال بين المنضوين تحته من القادة الليبيين والذين أتوا من خارج ليبيا وخاصة من البلدان المغاربية ومن مصر حول ضرورة الالتحاق بتنظيم "داعش" الذي أعلن نفسه في درنة.

 

في هذا الاتجاه كان هناك جدل كبير ليس حول وجود تنظيم "داعش" في ليبيا، بل حول زعامته فيها، وهنا كان "لأنصارالشريعة" شرط القيادة لإعلان البيعة لأبي بكر البغدادي زعيم داعش، على أساس أن الليبيين هم المضيفين وعلى أن التنظيمين لهما هدف "إرساء شرع الله في الأرض"، نفس الهدف كان محل نقاش من قادة آخرين وخاصة من الأجانب والذين وافقوا على التحاق أنصار الشريعة بداعش وامتدادها لدرنة حيث بايعت مجموعات من هناك تنظيم البغدادي لتعلن عن وجودها في 31 أكتوبر الماضي وليكون يمنيا واليا عليها.
ويبدو أن هذا السبب هو الذي كان وراء زيادة ضعف تنظيم أنصار الشريعة وخروج أكثر منتسبيه الأجانب منه وإعلان البيعة للبغدادي على أساس أن "الخلافة" هي خلافة الهدف الكبير لكلا التنظيمين، وعلى أساس أن الانصهار بينهما استقواء لـ"المجاهدين" وللحركة العالمية لـ"الجهاد الإسلامي" على قاعدة امتداد دولة الخلافة خارج مربع سوريا والعراق الذي يتعرض لضغط دولي كبير وهو ما يفرض فتح جبهات جديدة خارج هذا المربع، أمر يتضح جيدا في فتح جبهتي سيناء وليبيا، على اعتبار ليبيا مرتكز جيوساسي كبير ويتيح للتنظيم التمدد وإنشاء مناطق تحكم بالشريعة والتحول لتحرير مناطق أخرى، خاصة وأن ظروف عدم وجود دولة ومؤسسات وإدارة أمن مركزة في البلاد سيخلق فرصة لتكون هذه الجماعات المعوّض للدولة والحاكم ب "الشريعة".

هذا الطريق بدأ بدرنة قبل أن يبدأ بمناطق أخرى في بنغازي تحت سيطرة "أنصار الشريعة" وكذلك بمناطق قرب مدينة سرت وخاصة بالنوفلية والسبعة، وكذلك بالغرب بمناطق قرب مدينة صبراتة الموجودة بالجبل الغربي والتي لها صبغة أن تكون المركز الأساسي لتجمع المقاتلين الآتين من المغرب العربي والخارج عن طريق مطارات العاصمة الليبية طرابلس وغيرها من المطارات في غرب ليبيا.

في بنغازي وعدة مناطق وخاصة القوارشة من المناطق التي أنشأ فيه تنظيم أنصار الشريعة محكمة إسلامية وجهاز شرطة إسلامي وديوان للحسبة وغيرها، وهو نفس الشيء الذي ظهر في درنة.

منطقة النوفلية وسرت والتي قال التنظيم أنه سيطر عليها قبل الانسحاب، كانت له نية أن يقيم فيها "الشريعة" بعد طرد موظفي مصالح الدولة هناك والطلب من المواطنين التزام بيوتهم قبل أن ينسحبوا بعد أن تلقوا معلومات عن قدوم تعزيزات كبيرة من قوات مصراتة. إلا أنهم موجودون ويحاولون السيطرة على سرت وكذلك على مينائي السدرة وبني جواد النفطيين.

 

منطقة صبراتة المعتبرة كمنطقة استراتيجية وهي من المدن التي ساهم أبناؤها في الجهاد ضد السوفيات بأفغانستان،وكانوا ضمن الجماعة الليبية المقاتلة ومن ثم في المجلس العسكري المحلي إبان ثورة 17 فبراير في ليبيا وتعتبر منطقة جذب للجهاديين المهاجرين من دولهم الأصلية إلى هناك وخاصة من المغرب العربي.

 

داعش في ليبيا: من المفارقات التي تبعث على السخرية، أن يطلق على بعض السلفيين اسم " داعش" ولا سيما السلفيين الجهاديين، وأحيانا الذين لا يرون بضرورة القتال من أجل أفكارهم ولا سيما داخل بلدانهم { السلفية العلمية } بل يتعدى الإطلاق إلى تلك الحركات التي تؤمن بالديمقراطية. وذلك من باب الكيدية الآيديولوجية والسياسية أو لتبرير رفضها، واستعداء الآخرين ضدها تحت ذلك الشعار الذي رفع يوما ما في أوربا التي كانت متنافية { ....الجيد هو الميت } فإذا كانت{ داعش} هي" الدولة الاسلامية في الشام والعراق" فما دورها من الإعراب في ليبيا؟ ولماذا داعش في ليبيا ؟ فمن خلال الإسم{ داعش } نفهم أن التنظيم خاص بالشام والعراق، وهذا منتهى آماله كما يبدو من الإسم ؟ أي أن الخلافة المزعومة خاصة بالقطرين المذكورين في الإسم .أما أن تكون خلافة خاصة بالشام والعراق وتضم إليها ليبيا ودولا أخرى ليس هناك روابط ترابية حدودية بينها، فهذا لا يستقيم عقلا ولا منطقا ولا سياسة ولا تنظيما. مما يؤكد على أن التنظيم لا يمتلك رؤية واضحة، ولا مشروعا، وإنما هو حاطب ليل، يخبط غبط عشواء. وربما يقوم بدور وظيفي لا يعرف المتحمسون له الذين يمثلون وقود حرائقه حقيقته. وما جذبهم إليه كما يبدو هو العاطفة والإسم السحري الذي يستهويهم ويستهوي الملايين من العرب والمسلمين وبطرق مختلفة وتصورات متباينة "الخلافة" و" الشريعة" . وهو هروب من الواقع الموضوعي، إلى التصور النموذجي التاريخي للخلافة الراشدة ، وهم أشد الناس رفضا لفقه الواقع،" اطلبوا فقه زمن العز ولا تنظروا في فقه زمن الانكسار" .

 

ومن هذا المنطلق، نفهم وجود أناس يبايعون" داعش" من ليبيا وغيرها من الأقطار المغاربية، قد يأتمرون بأمر زعيم" داعش" الأم، وقد يعتقدون بأنهم انضموا إلى دولة الخلافة الموهومة، أولأنهم يلتقون في الأهداف" توحيد المسلمين، وإقامة الخلافة" من خلال الحرب، مستلهمين بطريق الخطأ تجربة دولة المدينة المنورة ، في قفز على الزمان والمكان، وموازين القوى، والظروف المحلية، والإقليمية، والدولية المختلفة تماما عن ظروف انبثاق أول دولة إسلامية في نسختها الرسالية المحمدية، والخلافة الراشدة برموزها الرباعية { أوبكر، عمر، علي، عثمان} مع خامستها العمرية الثانية { عمر بن عبدالعزيز }. هذا إذا كانوا درسوا السير، أوالتجارب التوحيدية كالتي قادها ابن تومرت 1080 / 1130 م { دولة الموحدين} في المغرب الكبير.
وهذا في حال كانت داعش، نتاج تصورات فكرية ما لنمط الحكم الإسلامي، وطرق إقامته، وفهم خاطئ لبعض المعاني التي أخرجوها من سياقها تماما كحديث" نصرت بالرعب" ويعني أن الله يوقع الرعب في قلوب الأعداء المحاربين { وليس الآمنين والمسالمين } من خلال الجينات المسؤولة عن ذلك، وليس بارتكاب الجرائم المروعة كما يفعل الجبابرة ، نيرون، محاكم التفتيش،ايفان الرهيب، هتلر، موسيليني، ستالين، بينوشيه،الخمير الحمر،التشتنيك، الأستاشا، راتكو ملاديتش، وغيرهم.

 

ظاهرة اعلامية: لا شك أن فضاعة الجرائم، التي تنسب ل" داعش" لا يمكن أن تكون انعكاسا لطبع عنيف، أو ترجمة للنص المقتبس في جريمة ،أحميتشي، أوسيبرينتسا، أودرينا، وغيرها من جرائم الإبادة الجماعية في الشرق والغرب، وإنما تعكس" صناعة الصورة " لخلق صورة مغايرة لحضارة أنصفها الباحثون الغربيون كهونكة، ومرمرديوك باكتول، ومونتغومري وات، وغيرهم. وهذا ما تؤكده عملية قتل الطيار الأردني، في سوريا، وعملية قتل 21 قبطيا للذكر لا الحصر، حيث أن الجرائم التي هدفت أساسا لإشغال الرأي العام أكثر من أن تحصى، ومنها اغتصاب وبيع الزيديات ومهاجمة المسيحيين في العراق وسوريا. لقد كانت الصورة هدفا في حد ذاتها، حتى أن خبراء وأهل صنعة لم يخفوا انبهارهم بالجودة العالية لصورة الجرائم المنسوبة لداعش وتحديدا قتل الأقباط المصريين.. صورة هدفها تسويق الصورة، وزرع الإنطباع اللازم ، وقد تحقق الهدف.. فهل هناك "مسلمون" أبدعوا في استعداء العالم، وأبدعو في إظهار المسلمين بشكل بدائي متوحش أكثر من هؤلاء؟

 

 

من سوء الحظ أن الإعلام يكون حيث الدم، وحيث الإثارة ، وحيث الجرائم، وحيث الحروب، وأولئك يدركون ذلك، وقد نجحوا في جعل الإعلام في خدمة أهدافهم، وليس هناك حديث في وسائل الإعلام عبر العالم يعلو أو يفوق ما يخصص لهم ولجرائمهم، وأظهروا بأن دعوات مقاطعة ما يقومون به سذاجة وانتصروا في هذا ، ودفعوا خصوما ومنافسين ومعارضين وجميع الاقوام واللغات والأديان للحديث عنهم ولو بالتهديد والتقريع والتعيير والسب والنقد والتسفيه والوعيد، فما يهمهم أو من جملة ما يهدفون إليه أن يكونوا حديث الجميع، وها هم حديث الجميع.

 

 وهذه من الأخطار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية حيث أن الفوضى التي تسود في بلد ما تكون لها ارتدادات مثل الزلازل والتسونامي، لا تقف عند حدود البلد الذي تقع فيه، وداعش، مثال على ذلك فما إن ظهرت في العراق وسوريا حتى انتقلت إلى دول أخرى" بفضل" { الصورة } الإعلام . وظهور العنف في بلد ما انذار بالخراب، فلا سياحة ولا استثمار في ظل أوضاع أمنية متدهورة لها انعكاسات خطيرة على الإقتصاد وعلى الأوضاع السياسية والاجتماعية وغيرها. ومجتمع تنبعث فيه فيروسات العنف يصبح ثقافة، لأن من يشعر بالتهديد قد يستخدم مقولة أفضل وسائل الدفاع الهجوم، وهو ما نشاهده في تصرفات دول وأحزاب ومجموعات إثنية وغيرها، استشعرت الخطر فانخرطت في حروب، دخولها سهل ولكن تداعياتها على الجميع قد تكون كارثية على المستوى المتوسط والبعيد، فالحرب ككرة الثلج، لا سيما الحروب من هذا النوع .. أما إذا كانت الحرب بإدارة استخباراتية دولية وبأجندات هدفها تدمير الدول وشيطنة الثقافات والأديان تكون الكارثة أعمق.

 

 

قتل الأقباط أوكرة الثلج: جاء مقتل 21 قبطيا مصريا متزامنا مع الذكرى الرابعة لثورة 17 فبراير، استهدافا للثورة من قبل أعداء الثورة الليبية، والمتخوفين من تداعياتها في الداخل والخارج. وقد اتهمت قوات" فجر ليبيا" جماعة" داعش" ليبيا بأنها أنشئت لخدمة أهداف ما وصفتها بالثورة المضادة" ما يحصل في سرت و ما نتوقعه سيحصل في غيرها من مدن غرب ليبيا لهو خير دليل لاستخدام هذا السلاح من قبل أعداء الثورة ضد الثورة ، وها هي  قناة تلفزيونية أو إثنتين قد وجهتا التهم لفجر ليبيا بدعشنتها و في هذا وتنبيه وتذكير بما وعد به

 

قذاف الدم علنا عندما قال: لن تهنأ ليبيا ونحن خارج السلطة". وكان قذاف الدم قد أثنى على" داعش" صراحة ولم تتخذ ضده أي اجراءات رغم وجوده في مصر.
وكانت آثار الجريمة قد بدأت بالتشكل منذ وقوعها، إن لم يكن قبل وقوعها حيث لم نسمع لا قبل الجريمة ولا بعدها وحتى الآن، بأنه كانت هناك مساعي فضلا عن وجود مفاوضات لإطلاق سراح الضحايا ، وقد نفت قوات "فجر ليبيا" التي تسيطر على 80 في المائة من ليبيا حصول أي اتصالات بها من الطرف المصري. وهناك تساؤلات كثيرة أثارها بعض الإعلاميين المصريين حول الهوية الحقيقية للقتلة. وما إذا كانت داعش الليبية صناعة استخبارية ، لعزل" الإسلام السياسي" وتدميره أوحركة متطرفة أجهل ما تكون بالإسلام من أي شئ آخر، وفي الحالتين يحققان نفس الهدف. لا سيما بعد فشل خليفة حفتر، في تحقيق هذه المهمة رغم الإمكانيات الضخمة التي وضعت بين يديه، بل ساهمت مصر ودول أخرى في تقديم خدمات عسكرية مباشرة من خلال القصف بالطائرات دون جدوى، وأدركت تلك القوى الإقليمية أن الحل في التدخل البري المباشر بشكل فردي، أو إقليمي أو دولي، قبل مقتل الأقباط وأخذ زخما أكبر بعد الجريمة. لكن المجتمع الدولي رفض التورط في المستنقع الليبي حيث أن ما يجري في العراق هو بسبب تدخل عسكري دولي زاد من تعفين الأوضاع أكثر فأكثر.

 

وقد تطورت الأحداث في هذا الإتجاه، فبعد ساعات من كلمة وجهها الرئيس المصري لمواطنيه في أعقاب الجريمة ألمح فيها إلى أن بلاده سيكون لها رد فعل تجاه الحادث، ثم جاءت الضربة الجوية التي وجهتها القوات المصرية لما قالت إنها "مواقع لتمركز قوات لتنظيم ، داعش، في ليبيا". والتي تلقاها المصريون والليبيون ومن خارج القطرين بمشاعر متباينة، بين مشجع ومنتقد للضربة التي سقط على إثرها مدنيون أبرياء تراوح عددهم حسب المصادر بين 7 و10 أشخاص بينهم ثلاثة أطفال. وقد غطت الضربة العسكرية المصرية على درنة، على التجاذبات السياسية، وعلى التعليقات على ما عرف ب" التسريبات" التي يقال أن السيسي، تحدث فيها عن دول الخليج بشكل مسيئ. كما غطت على الجدل حول الإنتخابات التي أثارت ردود أفعال سياسية واعلامية وشعبية مختلفة. وظلت الصحف المصرية بعد عملية الذبح والضربة العسكرية لا حديث لها سوى عما جرى، وأخذت القضايا الثانية ركن الهوامش على أهميتها. وكما جاء حادث مقتل الأقباط متزامنا مع ثورة 17 فبراير، جاء متزامنا أيضا مع موعد الإنتخابات البرلمانية، والتي ستبدأ مرحلتها الأولى بعد أيام ، ليصبح المشهد الانتخابي، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. بل هناك دعوات تطالب بتأجيل الانتخابات بسبب الظروف الأمنية. علما بأن كبار المانحين اشترطوا اجراء الإنتخابات لعقد المؤتمر الإقتصادي الدولي لصالح مصر والذي تعلق عليه الحكومة المصرية آمالا كبيرة ، في تحسين الوضع الإقتصادي وايجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة في البلاد، رغم المليارات التي وصلت لمصر بعد وصول عبدالفتاح السيسي للحكم.

 

وكان السيسي، قد برر عدم مشاركة مصر في الحرب على" داعش" في سوريا والعراق، لضعف الإمكانيات وعدم قيام القوى الكبرى بتلبية طلبات حكومته من السلاح ولا سيما الطائرات . لكن مراقبين يرون بأن " مصر لم تقبض الثمن المأمول حتى تشارك في تلك الحرب، حيث حصلت مؤخرا على طائرات رافال الفرنسية، بينما يرى السيسي أن أي نظام يختلف معه في ليبيا يمثل تهديدا مباشرا لحكمه ".

 

ومن تداعيات ذبح الأقباط في مصر، ومن ثم الضربة العسكرية المصرية لمدينة ، درنة الليبية، ارتفاع الأصوات التي طالما رددت في كل مناسبة مقولة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون سنة 2011 م " عندما يتعلق الأمر بالأمن الوطني لا تحدثوني عن حقوق الإنسان".

 

وأعطى فيديو الذبح زخما لهذه الرؤية، وظهر ذلك في كثير من وسائل الإعلام، التي طلب مقدموا البرامج فيها بالتعامل بحزم مع كل متظاهر. بل وصل الأمر إلى المطالبة بالاغتيال السري لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين سرا، وهي الرؤية التي طرحها الكاتب الصحفي عاصم حنفي يوم الأربعاء 18 فيفري في مقال بجريدة "المصري اليوم" تحت عنوان "ابدأ بالإخوان".

 

كما ظهر أثر تلك الأحداث في حدوث تراجع ملحوظ بالتظاهرات المناهضة للسلطات الحالية، وذلك على الرغم من أن استئناف الدراسة بعد إجازة نصف العام كان ينبئ بموجة عاتية من التظاهر.
خارجيا، لم تنجح عملية ذبح الأقباط البشعة، في تحقيق آمال عبدالفتاح السيسي،فعلى المستوى الإقليمي رفضت الجزائر وتونس، التدخل العسكري، كما رفضته الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وايطاليا، التي كانت قد أيدت السيسي في طلب التدخل الدولي، أو التفويض الدولي بالتدخل، عبر مجلس الأمن. كما رفضت القوى الرئيسية في ليبيا كل من عملية الذبح والضربة العسكرية معا، واستنكر وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ الوطني، الليبية محمد الغيران، ما وصفه" بالعدوان الغادر والوحشي، للطيران المصري فجر الإثنين الماضي على مدينة درنة، والذي أسفر عن مقتل 7 مدنيين من بينهم ثلاثة أطفال وجرح العشرات وتدمير الممتلكات والمباني وترويع الآمنين" وطالب الغيران، بتحقيق دولي في ما وصفه بالعدوانين على المصريين وعلى الليبيين . وقال إن بلده" تدين الإرهاب بكافة أشكاله وفي كل مكان وضد أي شخص بغض النظر عن دينه وانتماءاته" وأنها" تنبذ التطرف والأعمال الإرهابية التي لا تمت للدين والتقاليد بصلة". بل وشكك الغيران في صحة فيديو قتل المصريين وفي امكانية تصويره على الأراضي الليبية. واتهم عبدالفتاح السيسي، بأنه قصف ليبيا" كمحاولة يائسة للتهرب من أزماته الداخلية السياسية والإقتصادية والأمنية على حساب أرواح الأبرياء في مصر وليبيا". ولم تختلف جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا في موقفها عن موقف حكومة الإنقاذ الوطني الليبي. بينما وصفهم العميد جمال مختار من استعلامات الداخلية المصرية بأنهم لا يختلفون عن " داعش" وقال" الإخوان مثل تنظيم بيت المقدس مثل داعش"

 

كما تجددت الأزمة المصرية القطرية، حيث أعلنت قطر، مساء الأربعاء، استدعاء سفيرها لدى مصر سيف بن مقدم البوعينين للتشاور، على خلفية تصريح مندوب مصر لدى جامعة الدول العربية، اتهم فيه الدوحة بدعم الإرهاب بعد تحفظها على عبارة "التفهم الكامل" لمجلس الجامعة، لتوجيه مصر ضربة عسكرية ضد مواقع قالت إنها لتنظيم "داعش" بليبيا.

 

في الوقت الذي رفض أمين عام مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف بن راشد الزياني، الاتهامات التي وجهتها مصر لقطر بدعم "الإرهاب".

 

وقال في بيان له، إنه يرفض "الاتهامات التي وجهها مندوب مصر الدائم بجامعة الدول العربية إلى دولة قطر بدعم الإرهاب"، ووصفها بأنها "اتهامات باطلة تجافي الحقيقة".

 

والفترة الأخيرة توترت العلاقات بين مصر وقطر مجددا، بعد تقدم محدود جرى في العلاقات بين البلدين في ديسمبر الماضي، برعاية العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
أما مستقبل " دعش " في ليبيا فإنه رهن باتفاق بين ممثلي الحكومتين الليبيتين في الشرق والغرب ، وقيام حكم مركزي في طرابلس وإنهاء النزاع العسكري بين حفتر وفجر ليبيا " لكن نهاية داعش ليست نهاية المتاعب في ليبيا ...