الحوثي "الشمالي" وهادي "الجنوبي".. تفاهم جديد قديم
9 جمادى الأول 1436
أمير سعيد

يحكي الرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه هادي منصور عن خروجه من صنعاء إلى اليمن فيقول: "خرجت من الحوش الغربي بسيارة فيها ثلاثة أشخاص، ومررنا بطرق غير معبدة بأكثر من سيارة وأكثر من مهرب"!

 

يعتقد أن كثيرين في اليمن وخارجها لا يصدقون أن الأمر بهذه البساطة؛ فرئيس محتجز بواسطة ميليشيا قوية يوجهها الحرس الثوري الإيراني ذو الخبرة العالية في مجال الاختطاف حول العالم العربي يستحيل أن تخترق احتجازاته الأمنية لواحدة من أهم أهدافه في اليمن على الإطلاق، وهو الرئيس الذي باستقالته واختفائه تعبد الطريق للحوثيين لنيل قدر من "الشرعية" يمكنها البناء عليه في سدها لـ"الفراغ" الذي أحدثته استقالة الرئيس والحكومة معاً؛ لذا كانت الرواية الأكثر استبعاداً وسذاجة هي تلك التي يسوق لها هادي نفسه، وهي أنه "غافل حراسه"، وهرب سالكاً طرقاً وعرة حتى وصل إلى عدن على بعد يناهز الـ400 كيلو متراً من دون أن ينجح الحوثيون في اقتفاء أثره!

 

غالب ظن اليمنيين يتركز في احتمالين، أحدهما أن الرجل خرج عبر عملية استخبارية معقدة سهلتها استمالة مالية ضخمة للدائرة الواسعة التي تحرس مقر احتجازه، فكما سُهلت السبل للحوثيين بالاستيلاء على صنعاء ومقرات عسكرية استراتيجية عبر شراء الذمم؛ فإنه يمكن إخراج الرئيس بطريقة مشابهة في الاتجاه العكسي، والأخرى أن هادي قد خرج بعلم الحوثيين للمساهمة في تحقيق تفاهم دولي يمنح الحوثيين الشيعة حكم الشمال، والسنة حكم الجنوب.

 

ليس من الضروري أن نرجح هذا أو ذاك؛ فالقضية اليمنية أهم من هادي بكثير، وهو الرجل الضعيف الذي لا يتمتع بحاضنة شعبية كبيرة تجعل منه رمزاً لثورة حقيقية أو مضادة، وهو الذي اختاره الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح نائباً له لمدة 17 عاماً لأنه لا يخشى غائلته، فما يستشف من نتيجة "تهريبه" أن ثمة رغبة في ألا ينسحب النفوذ الحوثي على الجنوب، وهو أمر طبيعي يتسق مع قدرة الحوثييين أنفسهم المحدودة على التمدد، ويحقق لليمن توازناً إقليمياً ما بين الإبقاء على الوجود السني حاكماً في الجنوب، ومنح الحوثيين نفوذاً كبيراً في الشمال سواء أحكموه مباشرة أم من وراء ستار.

 

إصرار دول الإقليم الخليجية على "شرعية" هادي، ثم قبولها الضمني لانحيازه المبرمج للجنوب، والشروع في جعل عدن عاصمة ولو عملية فقط حتى الآن، وعملية نقل السفارات لعدن، وبيان مجلس الأمن الخجول، المعترف ضمنياً للحوثيين بالنفوذ، المطالب لهم بـ"التوقف عن الاستفزاز" يعني أن العالم يوشك أن يسلم للحوثيين بنفوذ قوي في الشمال، ويمنعه عنهم في الجنوب.

 

واستهداف الحوثي لقيادات التجمع اليمني للإصلاح قولاً وفعلاً، وسعيه لربطهم بالقاعدة، هو يعني أن المهمة الحوثية في الشمال لن تتوقف حتى تبلغ منتهاها، بعدما يتم عزل القبائل الشمالية عن الجنوبية مع اختلاف المصائر تلقائياً.

 

عملية معقدة إذن، لم ينكشف منها إلا رأس جبل الجليد؛ فالحوثي فاقد للشرعية دولياً لكنها ممنوحة له عملياً، وهادي وفريقه يحتفظون بها، لكنهم محجمون لحد الآن عن تسمية العاصمة الجديدة واعتبار صنعاء عاصمة محتلة لحاجة في نفس صناع القرار خارج العاصمتين واليمن كله! وهذا يعني أن حالة من التوازن قد تصل إلى حدود التقسيم السياسي أو تتوقف عند حاجز النفوذ الموزع، وربما ينزع البعض للتفكير في أن ما تم في الجنوب يمكن أن يتكرر جزئياً في الجنوب.. لكن مع فارق بسيط أنه ينضج على نار هادئة أو بالأحرى "هادي"..