مراحل النظر في النازلة الفقهية
4 جمادى الأول 1436
د. خالد بن عبد الله المزيني

المقدمة

كلما غاب التجديد توارى معه البحث العلمي المتجرد، وحضرت عوضاً منه النتائج الجاهزة، التي يتلقاها الآخر عن الأول عفواً كما هي، دون جهد ذي بال في التأصيل والتدليل، أو التحقيق والتنزيل. وقد كان المجددون من أئمة الإسلام على مر الزمان يبدءون بتحرير أصول الأدلة، ومرادات الشارع، على ما أحكمته صناعة الفقه، مستضيئين بنور الوحي، مسترشدين بعمل السلف من فقهاء الصحابة وأئمة الفقهاء، ملتزمين في بحثهم بنظام الاستدلال، وأصوله الحاكمة على الأغراض المقولة في الفقه.
وقد درج المعاصرون على تخصيص مسار مستقل لبحث النوازل الفقهية، وصار البحث النوازلي له اسمه الخاص، وأفرد له حيز في المكتبة الفقهية المعاصرة، وهذه بحمد الله بادرة حسنة أن يعتني الناس بقراءة الواقع ووقائعه على هدي الوحي، وتأصيل مسائل الشريعة، وتأثيل قواعد الملة.
والمتأمل في تصريف حركة البحث الفقهي المعاصر لا تخطئ عينه ما ينوء به هذا الميدان من ضعف وقصور، وذلك راجع إلى أسباب عديدة، ومن مظاهر هذا القصور: التوثب على مراحل البحث النوازلي، واستعجال النتائج قبل اختمار التصور أو الاستدلال.
إن التناول العلمي الرشيد للنوازل هو الذي يستمدُّ مشروعيته من ردِّ الاعتبار لفقه الشريعة، ذلك الفقه الذي يتأسس على صحيح النصوص، وعريقِ الأصول، ومتين القواعد.
وهذه الورقة تناقش مراحل النظر في النازلة الفقهية تحديداً، وتدل على أهم المناهل في أثناء تلك المراحل، ولهذا تحاشيت الاستطراد بالمقدمات والقَبْليات التي هي في متناول عموم الباحثين.
وتتلخص مشكلة البحث في وضع المعايير المحددة لجودة النظر الفقهي، ورسم النموذج النظري لدراسة النوازل، وتقسيم عملية البحث في النازلة الفقهية إلى مراحل متوالية زمنياً، متراتبة منطقياً، وتسميتها مرحلة مرحلة، بحيث يتهدَّى البحث الفقهي من خلالها إلى معين الصواب شيئاً فشيئاً.
شاكراً مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على مبادرته بتنظيم هذه الندوة، سائلاً المولى جل في علاه أن يجعل هذا العمل خالصاً صواباً.

التمهيد:

التعريف بمصطلحات البحث:
أ ـ النظر: في الاصطلاح: طلب المعنى بالقلب من جهة الذكر كما يطلب إدراك المحسوس بالعين(1)، وقيل: هو فكرٌ يطلب به علم أو ظن (2).
ومادة النظر تدل على معنى تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به، فهي رحلة نفسية (3) يقوم بها الذهن الإنساني، لاقتناص مطلوب علمي أو نظري. فإن كان محل النظر معقولاً: سمي ذلك فكراً، وإن كان محسوساً: سمي تخييلاً (4).
ونظر الباحث في النازلة يعني التأمل والفحص لحقيقتها وظروفها ومواردها، ومراجعة الأدلة للتعرف على حكمها.
ب ـ النازلة: هي المسألة التي لم نجد لها ذكراً في النصوص، ولا في كلام الفقهاء المتقدمين، فكأنها نزلت بعد أن لم تكن، وجُدَّت وقطعت عما قبلها (5). والمسائل "النازلة" و"المستجِدَّة": هي المسائل الحادثة، التي لم تقع من قبل(6)، ولها مرادفات أطلقها المتقدمون، منها: الحوادث، والمسائل، والواقعات(7). وقد اختصَّها الفقهاء بالبحث والنظر، وتصرفوا فيها بالاجتهاد تارة، وبالتخريج تارة أخرى، وثمرة البحث النوازلي: الحكم والفتيا. وقد أفردت بمصنفات خاصة رُسمَت بالفتاوي، والأجوبة، والنوازل، والواقعات.
ج ـ الفقهية: وصف النازلة بالفقهية: يعني أن النظر فيها يكون بالأدلة الشرعية الحاكمة للفقه، ابتغاء الوصول إلى الحكم التكليفي المناسب لها.

 المبحث الأول:

معايير جودة النظر في النوازل:
البحث الفقهي في النوازل لا يعدو كونه عملاً بشرياً، ومن ثم فهو يتفاوت في مستوى الإتقان والجودة، وذلك بحسب الجهد والاجتهاد، والقصور والتقصير، وقد قال ابن مالك في فاتحة كتابه تسهيل الفوائد: " وإذا كانت العلوم منحاً إلهية، ومواهب اختصاصية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين، أعاذنا الله من حسد يسد باب الإنصاف، ويصد عن جميل الأوصاف "اهـ.
وقد تتبعت أهم المعايير الضابطة للنظر الفقهي في النوازل، الضامنة لجودة التأصيل والتنزيل، فإذا هي لا تكاد تخرج عن مستوى الكفاءة الفقهية للباحث، ومدى رعايته لنظام الاستدلال في الشريعة، وبذله الجهد في ذلك، بالإضافة إلى إحاطته بالواقع، فهذه معايير أربعة، وتفصيلها فيما يأتي:
الأول: الكفاءة الفقهية:  
وذلك بألا يتصدى الباحث لمسألة إلا إذا توفر على الآلة العلمية اللازمة لها، وإلا كان متكلفاً لما لم يحط به خبراً، ولا ينعقد للباحث الاختصاص بالنظر في نازلة فقهية ما لم يستكمل الحد الأدنى من شرائط الاجتهاد الجزئي.
ثم إنه لا تكفي هنا مجرد الإحاطة بالفروع الفقهية، فإن البحث الفقهي صنعة فكرية، وكم من حافظٍ للفروع ما له في البحث من خلاق، وكم من فقيه مشهور في السلف؛ لم يؤلف في الفقه شيئاً ذا بال، ولم يقدح ذلك في علمه، وكم من فقيه ألف ولم يرتضِ الفقهاء كتابه، وقد ذكروا في طبقات الفقهاء نماذج لذلك، والعلوم مواهب، فسبحان واهبها.
الثاني: نظام الاستدلال:  
فإن البحث الفقهي مبناه على الفهم الصحيح والاستدلال الموافق لمراد الشارع، وما لم يلتزم الباحث رعاية هذه الجادة فإنه يوشك أن يتصور خطأ، أو يتكلم بباطل، ويندرج تحت هذا المعيار مراعاة مراحل النظر الفقهي.
يدل لذلك قول الفاروق عمر في وصيته الشهيرة لأبي موسى ـ رضي الله عنهما ـ: "ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك، مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال والأشباه، ثم اعمد إلى أحبها إلى الله فيما ترى، وأشبهها بالحق"(8) اهـ.
الثالث: استفراغ الوسع:
فإن بذل الجهد واستكداد الذهن في البحث في حكم النازلة شرط في صحة هذا العمل (9)، والمطلوب من الفقيه بذل الجهد، لا إصابة الحق بذاته، فإن أصاب فله أجران، وإلا ذهب بالأجر الواحد، ونعما هو.
إن البحث النوازلي مرهق للذهن والجسم، والباحث ثمَّ يجري نظره في تدبيرٍ اجتهادي راشد، متحرياً في ذلك مراد الله تعالى، وليس صحيحاً أنه عبارة عن نتائج ناجزة على طرف الثمام، يقوم الباحث باقتطافها وهو مار، بل هو مجموعة من المقاربات والتبصرات، والمقارنات والترجيحات، ثم هو بعد ذلك قرار يتخذه الباحث بعد إضناء عقله بحثاً وفتشاً، مستنداً فيه إلى مقدمات متراكبة ونتائج متراتبة، بناها خلال بحثه.
الرابع: معرفة الواقع:
ذلك أن الفقه من العلوم العملية، لا النظرية، ولهذا جاء نعت الفقهاء في القرآن بوصف " النفير ": (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة (122)]، وهذا يقتضي نوعين من الحركة: إحداهما: في دراسة النصوص والأدلة، والأخرى في التبصر بالواقع، لتنزيل الأحكام على الوقائع، وإذا اعتبرنا كون الواقع متجدداً، فليجدد الفقيه معرفته بالوقائع والنوازل كلما تجددت.
وقد استقر تعريف الفقه بعد القرن الرابع الهجري بأنه: معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، فهو إذن علم عملي، يراعي طبيعة الواقع العملي المتحركة المتجددة. وقال ابن عابدين: " المفتي لا بد له من ضرب اجتهاد ومعرفة بأحوال الناس"(10)، و"من لم يكن عالما بأهل زمانه فهو جاهل"(11).
على أن المطلوب معرفة الواقع لتكييفه بالشرع، وإدارته على قاعدة الاستصلاح، لا للخضوع لفساد طرأ عليه، فكما أن للواقع سطوته، فللشرع حجته، فلا تأخذنا واقعية الوقائع، عن مشروعية الشرائع.
 

المبحث الثاني:

مراحل النظر في النازلة الفقهية:
يمكن تقسيم العملية الاجتهادية في استخراج الرأي الفقهي الصائب إلى مراحل:

1-    التصوير:
أ ـ مفهوم التصوير وأهميته:
التصوير مأخوذ من الصورة، وصورة الشيء: ما يمتاز به الشيء (12)، وهي هيئته التي هو عليها، وتصوير النازلة: يتحقق بتشخيص واقعها كما هو، وذلك بعد ارتسام صورتها الحقيقية في ذهن الباحث دون لبس بما يشتبه بها، فلو كان البحث عن حكم الذهب الأبيض للرجال، فمطلوب التصوير الصحيح هنا أن يعلم قدر الذهب المخلوط بالنسبة إلى المعادن الأخرى، ليصير بعدئذ إلى تنزيل أحكام الذهب الحقيقي عليه من عدمه.
وهذه المرحلة في غاية الأهمية، إذ يرتبط فقه النص بفقه التصوير الواقعي ارتباط المناط بالحكم، والعلة بالمعلول، وكل خطأ في التصوير يعقب خطأ في التوصيف والتنزيل الفقهيين (13)، وقل من يجمع الأمرين، وقد قال الزمخشري: " من لم يؤت من سوء الفهم، أتي من سوء الإفهام، وقلّ من أوتي أن يفهم ويُفهم ".
والباحث في هذه المرحلة يتجه إلى التعرف على حقيقة النازلة، والإحاطة بماهيتها، وإدراكها على ما هي عليه، وتحديد أطرافها، وحصر صورها، وأولى درجات العلم بالشيء: حصول صورته في العقل، إما بطريق الجزم أو الظن الغالب(14)، بلا حكم عليه بنفي أو إثبات(15)، وهو ما يسمى التصور الساذج (16)، فإذا اجتمع التصور مع الحكم: سمي تصديقاً تاماً. فالتصور إذاً: إدراك الحقائق مجردة عن الأحكام (17)، والتصديق إدراك نسبة حكمية بين الحقائق بالإيجاب أو السلب (18).
فلو سئل الفقيه عن مسألة "زواج المسيار" مثلاً، فيحتاج حينئذ إلى تصور هذا العقد على ما هو عليه، وحصر صوره في الواقع، ورصد شروطه وآثاره العقدية، ولو فرضنا أنه أجرى على هذا العقد أحكام عقد الزواج النمطي، قبل أن يتصور حقيقته؛ لكان مخطئاً في بناء الحكم، مستحقاً للوم، وحينها يصدق عليه قول العلامة محمد بن الحسن الحجوي: " تهور قبل أن يتصور"(19)، وعليه فالقاعدة أن الخطأ في التصور يُرتب خطأ في الحكم.
على أنه لا يشترط العلم بالواقعة من كل وجه، لكن المطلوب العلم بها بطريق الإجمال بحيث يصح إنزال الحكم عليها، وهو الحد الأدنى للتصور الجملي الصحيح(20).
 وهذا يحصل ـ في مجال المعاملات المالية ـ بذكر المعاملة المراد الحكم عليها، وبيان أطرافها، وذكر الثمن والمثمن، وآلية تنفيذها. والعادة أن الهيئة الشرعية للمصارف تتلقى هذه المعلومات والبيانات عن طريق الإدارة العليا للمصرف، أو من يقوم مقامها، وهذا محل مؤاخذة، من جهة ورود احتمال الإخلال بالتصور الصحيح، لأن المطلوب توفير أقصى درجات الاستقلالية للهيئة الشرعية، بحيث تتمكن من تصور الواقعة من جهة مستقلة عن الجهة المستفيدة من الفتوى، وهي هنا إدارة المصرف.
إن من ضمانات الفتوى المالية الجادة أن توسع الهيئات الشرعية مصادرها في الحصول على المعلومة، لتتعرف على طبيعة المنتج المقدم للدراسة، وأبعاد البيئة التي سيوظف فيها.
والتصوير: بيان حقيقة الشيء على ما هو عليه.
ب ـ مسالك التصوير:
لا بد للفقيه ليتحقق له تصور النازلة من سلوك أحد طريقين: أولهما: أن يقف على النازلة بنفسه، وثانيهما: أن يتعرف عليها عبر وسيط.
الأول: أن يقف على النازلة بنفسه:
كان بعض الفقهاء لا يكتفي بالإحاطة بالنصوص والأصول الشرعية وعلوم الآلة، بل ينزل إلى الأسواق، ويقف على معاملات التجار بنفسه، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يخالطون الناس، ويباشرون التجارة والكسب والجهاد، وكان محمد بن الحسن الشيباني يذهب إلى الصباغين ويسأل عن معاملاتهم (21).
وكان شهاب الدين القرافي قد كتب عن الحشيشة التي يتعاطاها الفساق، ونقل الاتفاق على منعها، لكن حكى الخلاف في كونها مسكرة توجب الحد، أو مغيبة للعقل فتوجب التعزير، ثم قال: "وسألت جماعة ممن يعنيها، فاختلفوا على قولين؛ فمنهم من..." (22) الخ، فهذا يبين عنايتهم بسؤال هل الخبرة فيما طريقه الخبرة.
وهذه الطريقة مفيدة جداً في حسن تصوير النازلة، لأن الفقيه يباشر الوقوف عليها بنفسه، بيد أنها تستدعي منه جهداً ووقتاً للبحث والاستقصاء، وقد لا يتسع وقته للوقوف على كل النوازل.
وكلما كان الفقيه أقرب إلى موضع النازلة؛ كان بها أعرف، وعلى التنزيل أقدر، ولهذا قالوا: يفتى بقول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء، لكونه جرب الوقائع وعرف أحوال الناس (23).
الثاني: أن يتعرف عليها بواسطة:
من طرق التعرف على النازلة: أن يتلقاها الفقيه من الخبير، أو السائل وطالب الجواب، وهذه الطريقة جادة مسلوكة للفقهاء والمفتين في المسائل الاعتيادية منذ الصدر الأول.
فقد كانوا يستعينون على تحقيق المناط الخاص بأهل الخبرة، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الليل، فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه *** وأرقني أن لا حبيب ألاعبه
فوالله لولا خشية الله وحده *** لحرك من هذا السرير جوانبه
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحفصة بنت عمر ـ رضي الله عنها ـ: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها، فقالت: ستة أو أربعة أشهر، فقال عمر رضي الله عنه: لا أحبس الجيش أكثر من هذا (24).
وهذه الطريقة مع كونها توفر وقت الفقيه وجهده، وهي نافعة في حال توفر الخبير الثقة المتقن، إلا أنها مشوبة بآفتين: الهوى والجهل.
فقد يحمل الخبيرَ أو السائل مصلحتُه الشخصية وغرضه الخاص على أن يحجب عن الفقيه بعض عناصر الواقعة، أو يصورها على غير ما هي عليه، ابتغاء الحصول على حكمٍ يحقق غرضه، وقد تفاقمت هذه الظاهرة في العصور المتأخرة حين تغيرت أخلاق الناس، وصار للناس أغراض في الاستفتاء، وقد يقع شيء من هذا في قرارات بعض الهيئات الشرعية في المؤسسات الإسلامية أحياناً.
ومن آفاتها أن بعض المستفتين لا يكون واعياً بطرق السؤال الصحيحة، فيكون تصويره لها قاصراً، فيقع الجواب غير ملاق للسؤال.
وقد قال ابن حبيب في النفساء: تجلس ستين يوماً، قال: هو "عدل حسنٌ، ولا تُسأل عن ذلك نساء أهل زماننا، لقلة معرفتهن" (25).
وهذه الفجوة الموجودة اليوم بين البحوث الفقهية والتطبيقات العملية ينبغي أن تردم بإيجاد قنوات موضوعية للتواصل مع الواقع العملي، فليس كل باحث قادراً على الوقوف على النوازل في مواطنها، بكل صورها.
ومن تلك القنوات: إنشاء مراكز لتشخيص الواقع، لتقريبه للفقيه، وتكون هذه المراكز برصد النوازل على ما هي عليه، وحصر صورها، وتشخيص عناصرها وأطرافها، ويبقى للفقيه بعدئذٍ دور التوصيف والتنزيل.
ويمكن الإفادة في هذا الدور من طلال الدراسات الشرعية في مرحلتي البكالوريوس وما بعدها، ويكون جزءاً من متطلبات التخرج: ساعات عملية يستكشف الطالب أثناءها نازلة محددة، ويقف عليها في ميدان وقوعها.
والمهم السعي في تنظيم دور الخبرة الفقهية العملية، وتحويل وضعها ليكون مؤسسياً معيارياً.

2-    التوصيف:  
 أ ـ مفهوم التوصيف:
التوصيف هو: تعيين صفة الشيء، والتوصيف الفقهي هو تعيين صفة النازلة بحسب اللغة الفقهية المعهودة لدى علماء الفن، ومقتضاه: إجالة النظر في الأوصاف الفقهية المناسبة للنازلة محل البحث، وإلحاق صورتها بما يماثلها من مسائل الفقه المسماه، كأن نصفها بأنها بيع، أو إجارة، أو رهن وهكذا.
فإذا لم تشبه شيئاً من معهودات الفقهاء فهي إذاً من النوازل الجديدة، التي لم يرد بشأنها نص خاص، فهذه يستأنف الفقيه لها وصفاً مناسباً، بحسب ما يظهر له من واقعها، استئناساً بأدلة الشرع وقواعده وكلياته، بحيث لا يخرج باسمها عن لغة الفن، ولا يعارض بها اسماً معهوداً لديهم.
وهذه المرحلة يمكن تسميتها بفقه الواقعة، وقد حدد ابن القيم نوعين من الفهم، لا بد منهما للمفتي والحاكم، أولهما: فهم الواقع، والفقه فيه، والثاني: فهم الواجب في الواقع(26).
والتوصيف الفقهي يحتاج إلى ملكة علمية خاصة، وإلا فإنه لا يصعب على المتفقه المتوسط أن يحفظ نصوص الأدلة، ويجرد الفروع الفقهية، ويشرف على مواطن الخلاف العالي، لكن توصيف النوازل يحتاج فوق ذلك إلى فقه النفس، وإلى ذائقة فقهية، كحاجة الطبيب إلى مهارة التشخيص، وحاجة القانوني إلى مهارة التكييف.
والتعبير بـ "التوصيف" أصدق وأشمل من التعبير بـ "التكييف"، فإن هذا الأخير أخص من الأول، ففي مرحلة التوصيف يفتش الفقيه عن الصيغة الفقهية المناسبة للواقعة، بحسب الأحوال الممكنة، فإما أن يجد له وصفاً مسمى في الفقه المدون، فيكون عمله تخريجاً، وإلا أسبغ عليه وصفاً مناسباً، وهو ما يسمى في بعض البحوث المعاصرة تكييفاً، أو أن هذا المسمى هو الأقرب إلى تسميته بالتكييف، فالتوصيف إذاً يشمل: التخريج والتكييف، وهو ما تعرضه الفقرة الآتية.
ب ـ مسالك التوصيف:
لا تخلو النازلة المبحوثة من أحد احتمالين:  فإما أن تكون مسألة مسماة على لسان الشرع أو الفقهاء، فهذه مسألة نمطية، وإما أن تكون من المسائل المستجدة، التي لم يعهد لها نظير في الشريعة ولا الفقه، وللباحث إزاء هذين الاحتمالين مسلكان:
أولهما: أن تكون من المسائل المسماة شرعاً أو فقهاً، ففي هذه الحال يكون توصيفها الفقهي بإلحاقها بما يماثلها شرعاً أو فقهاً، بعد تفقد شرائط الإلحاق، وهو ما يسمى بتخريج الفروع على الفروع، أي إلحاق الفروع الجديدة بما يماثلها من المسائل التي بحث المتقدمون أحكامها.
وهذا لا يعني بالضرورة التزام جدد التقليد في هذه الحال، بل المقصود إجراؤها مجرى سابقتها من حيث تسكينها في محلها من أبواب الفقه ومسائله، ومن حيث الوفاق والخلاف، مع ملاحظة الفروق التي تلم بأعطاف النازلة، فرب نازلة يظنها الباحث مسماة في الشريعة والحال أنها مستجدة، أو العكس.
على أنه ينتبه هنا إلى أن كثيراً من مصنفات المتأخرين من الفقهاء قد توسعت في تخريج الفروع على الأصول حتى خرجت في مواضع منها عن مقاصد الأئمة وأقوالهم، وربما نسبت إليهم ما يصرحون بمنعه، وكان هذا التوسع محل انتقاد من عدد من محققي المذاهب الفقهية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " فالواجب على من شرح الله صدره للإسلام إدا بلغته مقالة ضعيفة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلد بها بل يسكت عن ذكرها إلى أن يتيقن صحتها وإلا توقف في قبولها فما أكثر ما يحكى عن الأئمة مالا حقيقة له وكثير من المسائل يخرجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعة مع أن ذلك الإمام لو رأى أنها تقضي إلى ذلك لما التزمها والشاهد يرى ما لا يرى الغائب " (27) اهـ.
ثانيهما: أن تكون مسألة جديدة، لم يسبق لها ذكر بذاتها، لا في النصوص الشرعية، ولا في المصنفات الفقهية، وحينئذ يصدق عليها اسم: النازلة الفقهية، وفي هذه الحال يستأنف الفقيه لها نظراً جديداً، مراعياً أصول الشريعة وقواعدها وأدلتها العامة، وهذا هو التكييف في اصطلاح بعض الباحثين.
وقد تكون النازلة مستجدة برمتها، كما أنها قد تكون مركبة من كيفيات معهودة في الفقه، وتكون جدتها من حيث تركيبها، لا من حيث تبسيطها وما نتحلُّ إليه.
والشكل الآتي يبين مسالك التوصيف الفقهي للمسائل:

 *****

ومن المهم أن يتنبه الباحث إلى الأخطاء الشائعة في توصيف بعض الوقائع، فقد يعبر السائل عن الواقعة بما يوحي للفقيه أن هذه الواقعة تندرج تحت باب ما من أبواب الفقه، فإذا ما سدد النظر تكشف له خطأ السائل، فقد يسأل السائل عن حكم الاقتراض من المصرف (البنك)، وهو يقصد إجراء التورق المصرفي مثلاً، وهذا قد تكرر مع كثير من المناسبات مراراً، بسبب جهل السائلين بلسان الشرع ولغة الفقه.
ولأهمية هذه المرحلة كان الخطأ فيها من جنس مخالفة النظام العام في مجال القضاء، فهو خطأ فادح، وتختص المحكمة العليا بالرقابة عليه(28)، ولهذا نص نظام القضاء في المملكة العربية السعودية، في مادته الحادية عشرة، على أن تختص المحكمة العليا بمراقبة الأحكام في أحوال أربع، ومنها: الخطأ في تكييف الواقعة، أو وصفها وصفاً غير سلم.
 
3-    التدليل:
ويقصد بالتدليل: استحضار الأدلة والشواهد، ويلتحق بذلك استدعاء النقول الفقهية من الأصول والقواعد وأقوال الأئمة، وهذه الأخيرة وإن لم تكن أدلة حاكمة بالمعنى الاصطلاحي، إلا أنها أدرجت في هذا الموضع من حيث هي مفسرة ومقاربة للدليل وليست به.
والبحث النوازلي يحتاج في هذه المرحلة إلى بيان أمرين: أولهما: خطوات التدليل، وثانيهما: أنواع النقول التي يحتاجها، وإليك تفصيل هذين المطلبين فيما يأتي:

أولاً: خطوات التدليل:
إن التناول الاستدلالي للنازلة الفقهية يستدعي إعمال معياري الفقه والسياسة الشرعية، أو إجراء النظر في النازلة بناءً على ما تقتضيه الصناعة الفقهية، والسياسة الشرعية، فهاتان خطوتان يمر بهما البحث النوازلي، وهذا بيانهما:
أ ـ الصناعة الفقهية: وحقيقتها إعمال الآلة الفقهية في تجهيز الحكم ( التأليل الفقهي )(29).
وأعني بها تزود الباحث في النوازل بالآلات الفقهية، وهي أدلة الفقه وقواعد الاستنباط.
 ب ـ السياسة الشرعية: وحقيقتها إعمال آلة السياسة الشرعية في تجهيز الحكم ( التأليل السياسي ).
وأعني بها: تزود الباحث بأدلة السياسة الشرعية، وهي الأدلة التبعية: كقاعدة الذرائع، والمصلحة المرسلة، والاستحسان، وتفصيل هاتين المرحلتين فيما يأتي:
1-     الصناعة الفقهية: هنا يستدعي الفقيه أدوات الفقه وآلاته، ويقوم بتوظيفها التوظيف الصحيح، فيجمع النصوص والآثار، ويرصد القواعد والضوابط الخاصة بالنازلة.
وهو في هذه المرحلة معتكف في محراب الفقه، يبحث ويفتش، يفحص ويتأمل، يقارن ويرجح، وينقطع عن المألوفات الاجتماعية، وينعزل عن المعهودات والمفاهيم المدرسية، وقد ذكر أبو حامد الغزالي أنه لا بد لطالب العلم من " الانفكاك عن داعية العناد، وضراوة الاعتياد، وحلاوة المألوف من الاعتقاد، فالضراوة بالعادة مخيلة البلادة، والشغف بالعناد، مجلبة الفساد، والجمود على تقليد الاعتقاد مدفعة الرشاد"(30).
ومن دقيق نظر أبي محمد ابن حزم أنه يلفت إلى الفرق بين الثبات على القول واللجاج فيه، فالثبات يستند إلى صحة المبدأ، واللجاج يستند إلى العناد(31).

2-    السياسة الشرعية:

وهنا يوظف الفقيه معايير المقاصد العامة، وأدلة السياسة الشرعية، ويروز الحكم بعيار المصلحة والمفسدة، ويوظف الرخصة والعزيمة كلاً في محله الأوفق.
هذا الفصل بين مرحلتي الصناعة والسياسة ينتج فقهاً متوازناً، لا يجنح إلى الشدة بإطلاق، حتى يقارب الانقطاع عن الوسع، ولا يميل إلى التسهيل بإطلاق، حتى يناهز التحلل من عقدة التكليف، وكان بين ذلك قواماً.
ثانياً: أنواع النقول:
النقول التي يحتاجها الفقيه في بحث النازلة الفقهية على أنواع، وهي الأدلة الشرعية بأنواعها، والقواعد الفقهية، والمقاصد والنقول الفقهية، والقرارات المجمعية، والفتاوي العصرية، وفيما يأتي تفصيلها:

أ‌-    الأدلة الشرعية: سواء كانت أدلة أصلية: وهي نصوص الكتاب والسنة والإجماع والقياس، أو تبعية: كالمصلحة المرسلة والذرائع والاستحسان وقول الصحابي.
ومن المهم هنا تناول هذه الأدلة وتفسيرها بالطرق المعتبرة، فكلام الله ورسوله له مبان وتصريفات وعوارض لا يحيط بها إلا من يفهم اللسان العربي.
قال يحيى بن نضلة المديني: سمعت مالك بن أنس يقول: " لا أوتى برجل يفسر كتاب الله غير عالم بلغة العرب إلا جعلته نكالاً "اهـ.
ولتفسير نصوص الكتاب والسنة قواعد أوعب الأصوليون فيها القول، مستمدين في ذلك من مصنفات النحو فيما يتعلق بالحروف، ومن مصنفات اللغة والصرف فيما يتعلق بالأسماء والأفعال.
وطريقة الراسخين من أهل العلم جمع النصوص في الباب، وتخريج مناطاتها، والتأليف بينها، وعدم ضرب بعضها ببعض، فإن التجزئة طريقة متبعي الشبهات، الذين يجعلون القرآن عِضين، ودأبهم " أخذُ دليلٍ ما، أيِّ دليلٍ كانَ، عفواً وأخذاً أولياً، وإن كان ثمَّ ما يعارضه من كلي أو جزئي "(32)، وقد ذكر الإمام ابن تيمية في قصة خروج الخوارج، أن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ذكر لهم أن التحكيم في أمر أميرين لأجل دماء الأمة أولى من التحكيم في أمر الزوجين والتحكيم لأجل دم الصيد، قال أبو العباس ابن تيمية: " وهذا استدلالٌ من ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بالاعتبار وقياس الأولى، وهو من الميزان، فاستدل عليهم بالكتاب والميزان "(33)اهـ.
 وهذا يبين أن الخوارج إنما أُتوا من قصور النظر في الأدلة، واختلال الميزان العلمي، فوقع منهم الغلو في جانبٍ من الشريعة، والجفاء في جوانب أُخَر، وهكذا الباحثون في الفقهيات، فكل من قصَّر منهم في بابٍ من أبواب العلم، أو منعه، أوضيَّق على نفسه أو غيره فيه، فلا بدَّ أن يضطرَّ إلى أن يتوسَّع في بابٍ آخر أكثر مما يحتمله(34).
ومن المعايير المهمة في تفسير النصوص الشرعية: رعاية مقاصد الألفاظ الشرعية، فإن الفقيه الثقة استحضار المعاني والمقاصد، دون الوقوف على أحرف الألفاظ والمباني وإهمال المقاصد والمعاني، فإنَّ " العارف يقول: ماذا أراد، واللفظي يقول: ماذا قال ؟ "(35)، ومن ثم قال الإمام ابن عيينة: " الحديث مضلة إلا للفقهاء "اهـ.
ب ـ القواعد الفقهية:
ومما يلزم الباحث النوازلي مراعاته: القواعد والضوابط المقررة في علم القواعد الفقهية، وهذه لها أهميتها البالغة في ضبط النظر الفقهي في مرحلة التوصيف والتنزيل، ومن ثمَّ اشترط جمعٌ من الأصوليين في الفقيه المجتهد ملَكَةَ الاقتدار على استنباطِ أحكام الفروع المتجددة، التي لا نقل فيها عن صاحب المذهب، من الأصول التي مَهَدَها صاحب المذهب (36).
على أنه يجب التنبه إلى أنه من الغلط اعتقاد اطراد القواعد الفقهية الاصطلاحية في جميع تطبيقاتها، فإن للقواعد استثناءات ومخصصات ومقيدات، ولعل باحثاً يغفل عن ذلك؛ فينزل القاعدة في مواضع الاستثناء والتخصيص.
ومن يتفحص القواعد التي اصطنعها الفقهاء يجد أنهم كانوا يتطلبون اختصار الجزئيات الكثيرة في ألفاظ مختصرة وجيزة، وأنهم لم ينشغلوا كثيراً لدى الصياغة بمسألة الاطراد، ولم يقصدوا طردها في جميع مواردها، وإنما قصدوا صياغة قواعد منظمة لكثير من فروع الأبواب. فكانوا يقتصرون في ألفاظ القواعد على الحد الأدنى من الألفاظ، ويعبرون عن القاعدة بلفظين: موضوعٍ ومحمول، دون الإفاضة في الضوابط والمقيدات، تسهيلاً للحفظ، ويراعون في ألفاظها التنصيص على المدرك المؤثر.
ج ـ المقاصد:
وهي أهداف شرعية عالية، وغايات ونهايات دينية جاءت الشريعة بمراعاتها، لا يقوم البحث الفقهي إلا بالتوجه إلى حفظها وصونها، ولا يقبل النظر في الشريعة إلا باستيعابها (37). فهذه تراعى بحسب مراتبها، فإنها تتفاوت في درجة قوتها، فتقدم الضروريات، فالحاجيات، فالتحسينيات، ويراعي ما هو أصل، وما هو تتمة وتكملة (38).
إن ثمة معانٍ وحِكَماً لحظها الشارع في جميع أحوال التشريع، أو معظمها، بحيث لا تختصُّ ملاحظتها بالكون في نوعٍ خاصٍّ من أحكام الشريعة (39). وإهمال هذه الغايات الكبرى عند النظر في النوازل يورث البحث الفقهي شذوذاً وتناقضاً واضطراباً.
كما أن ثمة مقاصد خاصة، لا تلحظ في جميع أنواع الأحكام،  ولكنها ملحوظة في أنواعٍ كثيرةٍ منها (40)، تلزم مراعاتها في بابها.  
فمراعاة حفظ النظام العام، وجلب المصالح، ودرء المفاسد، وعمارة الرض، وإقامة العدل بين الناس، وحسم الشجار، وجعل الشريعة مُهابةً مطاعةً نافذة، وجعلُ الأمة قويةً مرهوبةَ الجانب، مطمئنة البال(41)، مراعاة ذلك كله يحفظ نظام الاستدلال الفقهي، ويوجهه الوجهة الرشيدة.
وثمة مقاصد خاصة تختص بباب واحد أو أكثر، كمقاصد أبواب المعاملات خصوصاً، وهي الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس النافعة، أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة، فكل حكمةٍ روعيت في تشريع أحكام تصرفات الناس، مثل: قصد التوثق في عقدة الرهن، وإقامة نظام المنزل والعائلة في عقدة النكاح، ودفع الضرر المستدام في مشروعية الطلاق (42)، فهذه تجب مراعاتها في مواضعها من كل باب.
 وإذا تعود الذهن على رعاية المقارنة بين الأدلة والمقاصد صار من يمارسها: فقيه النفس، وقد جعل أبو المعالي الجويني فقه النفس " هو الدستور "(43) في باب الاجتهاد والفتوى، أي: أنَّ شروط الفقيه راجعةٌ في الحقيقة إلى فقه النفس، وتابعه على ذلك جماعة من أهل الأصول (44)، واشترطوا له الدربة والارتياض في استعمال الأدلة، مع الضبط لأمهات المسائل وتفاريعها المفروغ من تمهيدها فقهاً (45).
قلت: فقه النفس إن لم يكن الإحاطة بمجامع الأدلة الكلية، ومعرفة مرادات الشارع العامة والخاصة من التشريع، مع التصرف في الأحكام تصرف الخبير؛ فلا معنى لاشتراطه إذن.
 د ـ النقول الفقهية: وهي أقوال الفقهاء المتقدمين، كأئمة المذاهب الأربعة ونحوهم، والغرض من استحضار هذه النقول الاستئناس بها، والتخريج عليها عند الاقتضاء، فهذا ليس باستدلال أصلاً، بل سبيله: مقاربة الأدلة، وهو أنفع ما يكون حين تعوز الأدلة في الباب.
على أن من أوجه الوقوع في الزلل في البحث النوازلي، الأخذ بالأقوال الضعيفة والشاذة، المضادَّة لمقاصد الشريعة، والمخالفة لأدلتها، فإذا ما اختبرها الفقيه بمعيار الأدلة والمقاصد؛ تبين له وجه الصواب فيها، وانفرز الصحيح من الضعيف.
إنَّ قولاً من الأقوال التي تُعزى إلى إمامٍ من الأئمة، نصاً أو خريجاً، ربما كان راسخاً في الدلالة، مناسباً لمقاصد الشريعة في عصرٍ من الأعصر السالفة، لكن لمَّا تغير العصر، واستجدَّت للناس أحوالٌ لم تكن قبلُ؛ عادَ القولُ به ضعيفاً، غريباً على مقاصد الشريعة وأحكامها، لا ينتهض للأخذ به شرعاً، بحيث لو عُرِض على قائله من الأئمة لم يلتزم لوازمه، ولرجع عنه(46).
والتخريج الفقهي يحتاج مهارة فقهية عالية، بحيث يتحاشى الباحث مسالك الرعونة والجمود في مطَّرد أحكامه، وينأى عن الإسقاطات التي لا تتسق مع طبيعة هذه الشريعة وسماحتها.
واعتبر ذلك في مسألة سعة الطريق إذا وقع فيها نزاعٌ بين المتجاورين، فقد كان الحكم فيما مضى أنهم إذا تشاجروا في سعة الطريق أن تجعل سبعة أذرع، لحديث أبي هريرة قال: ©قضى النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشاجروا في الطريق بسبعة أذرع®(47)، وقد نصَّ الحنابلة على أن هذا القدر لا يغيَّر بعد وضعه(48)، لكن لما كان ذلك معللاً بأن تسلكها الأحمالُ والأثقال دخولاً وخروجاً، ويسع ما لا بد لهم من طرحه عند الأبواب (49)، وكان هذا مناسباً لوسائل النقل القديمة من الدواب، فلما استجدَّ للناس هذه المركبات الحديثة، التي لا يسعها ما يسع تلك الدواب القديمة؛ أفتى المعاصرون بجواز التغيير وتوسعة الطريق مع تعويض أصحاب الأملاك، ولذا قال الشيخ محمد بن إبراهيم في بعض تقريراته على قول الحنابلة: "وإذا وقع في الطريق نزاعٌ فلها سبعة أذرع، ولا تغير بعد وضعها"(50)اهـ، قال الشيخ: "فيه نظرٌ آخر، إذا نُظر نظرٌ عموميٌّ  الظاهر لا بأس بذلك، لمَّا وجدت السيارة، فإن فيها ضخامةً وسرعةً، فإذا رؤي التصرف خصوصاً مع العوض فإن فيه مصالح تغمر المفاسد، مثل هذا التصرف الموجود"(51)اهـ.
هـ ـ القرارات المجمعية:
ومن المهم في البحث النوازلي استحضار القرارات الصادرة في الموضوع من قبل المجامع الفقهية المعاصرة، ومؤسسات الإفتاء الجماعي، ويضم إلى ذلك أيضاً سائر الفتاوي العصرية الصادرة من أهل العلم المحققين، والبحوث والمصنفات العلمية الصادرة في النازلة.
ولا غنى للباحث النوازلي عن مطالعة خمسة أصناف من دواوين الفتاوي والبحوث الحديثة(52)، وهي:
1-    فتاوي الجهات الرسمية: كفتاوي اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية، ودار الإفتاء بالأزهر، ولجنة الفتوى بالأزهر، وفتاوي قطاع الإفتاء بالكويت.
2-    فتاوي المجلات الإسلامية، مثل: المنار، والأزهر، ومنبر الإسلام، ونور الإسلام، والوعي الإسلامي.
3-    فتاوي المعاصرين، كالشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ مصطفى الزرقا.
4-    فتاوي المجامع والهيئات الشرعية، مثل: هيئة كبار العلماء، ومجمع الرابطة، ومجمع منظمة المؤتمر الإسلامي، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وفتاوي الهيئات الشرعية في البنوك.
5-    الرسائل العلمية في الجامعات، لمرحلتي الماجستير والدكتوراه.
وهذه القرارات والفتاوي والبحوث تفيد الباحث في مقاربة الصواب في المسائل النازلة، وتوفر له قاعدة من البيانات والاستدلالات التي قد تخفى عليه فيما لو تصدى للبحث دون الاطلاع عليها، وقد نقل الزركشي في مقدمة كتابه البرهان في علوم القرآن عن شمس الدين الخويي قوله: " واعلم أن بعض الناس يفتخر ويقول كتبت هذا وما طالعت شيئا من الكتب ويظن أنه فخر ولا يعلم أن ذلك غاية النقص فإنه لا يعلم مزية ما قاله على ما قيل ولا مزية ما قيل على ما قاله فبماذا يفتخر ومع هذا ما كتبت شيئا إلا خائفا من الله مستعينا به معتمدا عليه فما كان حسنا فمن الله وفضله بوسيلة مطالعة كلام عباد الله الصالحين وما كان ضعيفا فمن النفس الأمارة بالسوء" (53) اهـ.  
والقصد أن أقوال الفقهاء كثيرة جمة، والشأن في الباحث أن يفتش عن الصواب منها، ويهتدي إلى مواضع الرجحان، كما قال محمود قابادو:
وَتَنوّعت مُستَنبطاتُ مقائسِ الـــــــ *** آراء والْونّت بلون أوانِ
وَتَخالفَ الفقهــــــاءُ في أنظارهــــــــم *** فَتفاوَتت في شدّةٍ وليانِ
وَقَضت مَذاهبهم على القاضي بِها *** أَن يَهتَدي لمواجبِ الرجحانِ

4-    التنزيل:
النوازل بطبيعتها مستأنفة، لا يتقدم لها نظير في العادة، ولو فرض تقدم النظير لبعض الوقائع في نفس الأمر، فإنه لم يتقدم لنا بحسب علمنا، وحتى لو علمنا ذلك فلا بد من النظر في كونها مثلها أَوْ لا (54). إذا ثبت هذا فلا بد عند البحث فيها من الاجتهاد في طلب الحكم المناسب، بحيث يقوم الباحث بتنزيل الحكم الكلي أو الوصف الفقهي على الواقعة الجزئية.
ويقصد بمرحلة التنزيل: إيقاع الحكم على النازلة، وسبيله ـ بلسان الأصول ـ  تحقيق المناط على الوقائع المتجددة، فإن الحكم المعلق بوصف يحتاج في الحكم على المعين أن يعلم ثبوت ذلك الوصف فيه.
وهو ضربان: تحقيق المناط في النوع، أي في عموم نوع النازلة، وتحقيق المناط في العين، أي في آحاد النوازل (55).
ومثال النوع: أن تقول: إن التورق جائز، ومثال الآحاد: أن تقول إن هذه المعاملة تسمى تورقاً، فهي جائزة.
ومن أمثلة التنزيل على الأشخاص: قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة (60)]، فالفقر والمسكنة أوصاف شرعية، ويبقى النظر في الشخص المعين: هل هو من الفقراء أو المساكين المذكورين في القرآن أم لا ؟، وكما حرم الله الخمر والربا عمومًا، ويبقى الكلام في الشراب المعين: هل هو خمر أم لا ؟، قال ابن تيمية: "وهذا النوع مما اتفق عليه المسلمون، بل العقلاء؛ بأنه لا يمكن أن ينص الشارع على حكم كل شخص، إنما يتكلم بكلام عام، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم"(56) اهـ.
ومعلوم أن الأحكام الشرعية تكون تجريدية، وأن الوقائع تكون متشخصة في الأفراد والأعيان، وموجَب إعمال الشريعة: تنزيل أحكامها على الوقائع، فهذا هو محك ديمومة الشريعة واستمرارها.
وفي هذه المرحلة من البحث يقوم الفقيه ببيان توفر متعلق الحكم في النازلة، وقد يكون المتعلق علة، أو سبباً، أو شرطاً، أو مانعاً للحكم، أو معنى تضمنه الحكم المأمور به، أو المنهي عنه، أو معنى تعلق به لفظ التعريف، أو اللفظ العام، أو المطلق، وله أفراد ينظر في اندراجها تحته (57).
ويراعي الباحث في هذه المرحلة ما تقتضيه الأدلة النقلية والعقلية، وما ترشد إليه قواعد السياسة الشرعية، كما ينبغي رعاية المآلات، والتدرج من الأخف إلى الأشد، ومن الرخص إلى العزائم، وصولاً إلى منهج فقهي إسلامي يتسم بدرجة مناسبة من الالتزام الشرعي والفني.
ويقرر الشاطبي أن مرحلة التنزيل هذه بالغة الأهمية، وأن منها ما هو سهل يسير، ومنها ما هو صعب عسير (58). ومنشأ الصعوبة في هذا الموضع أن يكون مما تتنازعه الأصول. فإن الشارع إذا قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}[الطلاق (2)]، وثبت عندنا معنى العدالة شرعاً، افتقرنا إلى تعيين من حصلت فيه هذه الصفة، وليس الناس في وصف العدالة على حدٍّ سواء، بل ذلك يختلف اختلافاً متبايناً، فإنا إذا تأملنا العدول، وجدنا لاتصافهم بها طرفين وواسطة، طرف أعلى في العدالة لا إشكال فيه، كأبي بكر الصديق، وطرف آخر، هو أول درجة في الخروج عن مقتضى الوصف، كالمجاوز لمرتبة الكفر إلى الحكم بمجرد الإسلام، فضلاً عن مرتكبي الكبائر، المحدودين فيها، وبينهما مراتب لا تنحصر، وهذا الوسط غامض، لا بد فيه من بلوغ حد الوسع، وهو الاجتهاد، فهذا مما يفتقر إليه الحاكم في كل شاهد، ثم ضرب الشاطبي مثالاً فقال: كما إذا أوصى بماله للفقراء فلا شك أن من الناس من لا شيء له، فيتحقق فيه اسم الفقر، فهو من أهل الوصية، ومنهم من لا حاجة به ولا فقر، وإن لم يملك نصاباً، وبينهما وسائط، كالرجل يكون له الشيء ولا سعة له، فينظر فيه: هل الغالب عليه حكم الفقر، أو حكم الغنى.
ثم ذكر أن هذا الموضع مما يختلف باختلاف الأحوال والأوقات وغير ذلك من الأمور التي لا تنضبط بحصر، ولا يمكن استيفاء القول في آحادها. وذلك أن كل صورة من صوره النازلة نازلةٌ مستأنفة في نفسها، لم يتقدم لها نظير.
والشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمور كلية، تتناول أعداداً لا تنحصر، ومع ذلك فلكل معين خصوصية ليست في غيره. فلا يبقى صورة من الصور الوجودية المعينة إلا وللعالم فيها نظرٌ سهل أو صعب، حتى يحقق تحت أي دليل تدخل، فإن أخذت بشبه من الطرفين فالأمر أصعب، وهذا كله بين لمن شدا في العلم (59).   
ولهذا فإن الاقتصار في الفتيا على الاجتهاد الاستنباطي، دون الاجتهاد التنزيلي(60)، من مثارات الغلط، إذ لا يكفي حفظ الدليل الواحد في فقه التنزيل، وفي ذلك يقول السيوطي: " وإن خاضوا تنزيل الفقه الكلي، على الموضع الجزئي، فذلك يحتاج إلى تبصرٍ زائد على حفظ الفقه وأدلته "(61)اهـ، فقوله: " الفقه الكلي " يعني به تلك الأحكام الكلية المطلقة المجردة، غير المختصة بنازلةٍ معينة(62). وقوله " الموضع الجزئي ": أي الواقعة الجزئية المعينة المشخصة(63).
ومن شروط جودة التنزيل: توفر مهارات البحث الفقهي، ومن أهمها: الثقة والحسم، ومأخذهما: الدربة والمران، وإلا فإن بعض الباحثين يقطع دهره في التردد في حسم مسألة من المسائل، وهي أهون من ذلك، فهذا بسبب قصور الدربة والمران، وقد تقصر الدربة عن مواضع الإشكال العسيرة الخفية، وربما استغلقت المسألة على العالم الثقة دهراً طويلاً، كما صرح به جمعٌ من المتقدمين، كالإمام القرافي وغيره.
 ومن أهم المهارات الفقهية التي يتعين على الباحث اكتسابها: حسن التصرف في مضايق النظر، وذلك عندما تتعارض الأدلة، وتتقابل الأصول في المسألة الواحدة، فهذا مما يمتحن الله به الفقهاء.
وينعقد الإشكال التنزيلي في البحث النوازلي ساعةَ يتزاحم على المسألة دليلان فأكثر (64)، فحينئذ يحسن إجراء البحث  أخذاً بمجامع الفقه، وضبطاً لأصول المسائل، كمسائل: الحقنة بأنواعها للصائم، وزكاة المال الحرام، والتورق، وتأجير البناية لبنك ربوي، وشراء الذهب بصور النقد الحديثة، وغيرها كثير من المسائل التي ما تزال محل استشكال لدى الكثيرين، مما هو من جنس ما قال فيه عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم: ©حرمتهما آية، وأحلتهما آية®(65)، وذلك في حكم الجمع بين الأختين المملوكتين في الوقاع، ووجه الشبه بين ما توقف فيه هؤلاء الصحابة وتلك المسائل المشار إليها قبلُ؛ هو وقوع التعارض في مأخذ كلٍّ، سواءٌ وقع التعارض بين دليلين(66)، أو أصلين، أو قاعدتين، وذلك أن النازلة لا تكون في المسائل الواضحة غالباً، فلا يستشكل الناس حكم تعاطي الحقنة للمفطِر مثلاً، و لا حكم المال الحرام، ولا شراء السيارة بقصد تملكها، ولا تأجير البناية لمن يستعملها في مباح، ولا شراء الذهب بالنقد، فهذه لا إشكال فيها على أحد.
على أن مبنى الفقه على الظنون الغالبة، والمقاربة أصل من أصول الحسم الفقهي، وهي جادة مسلوكة لدى المتقدمين مع شدة ورعهم، وقد قال الإمام أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني "ومن ابتلي فإنه يقرِّب الأمر فيه، كي تظهر له لوائح الحق"(67).

الخاتمة
-    إن الانفتاح الكبير الذي يشهده الفقه الإسلامي، أدى إلى ظهور النوازل الفقهية في شتى مناحي الحياة، مما أدى إلى ظهور عدد من البحوث الفقهية الضعيفة، التي تكدست بها رفوف المكتبات.
-    ينبغي للبحث الفقهي المعاصر أن يعيد صياغة معايير الجودة للبحث النوازلي، ومن أهم هذه المعايير: الكفاءة الفقهية لدى الباحث، واحترام نظام الاستدلال في الشريعة، وبذل الجهد واستفراغ الوسع، ومعرفة الواقع والفقه فيه.
-    تجدر العناية بمراحل البحث النوازلي، بحيث لا يتم تجاوزها ولا اختزالها.
-    تتلخص مراحل النظر في النوازل فيما يأتي: تصوير النازلة، ثم توصيفها بإطلاق اللقب الفقهي المناسب لها، ثم التدليل لها وتقييسها بمقاييس الأدلة، ثم تنزيل الحكم الفقهي عليها.
-    يستعمل بعض الباحثين مصطلح التكييف، والأولى استعمال مصطلح التوصيف، إذ هو أصدق وأشمل، فضلاً عن عراقته في المجال التداولي الفقهي.
-    يجب التجرد في البحث في النوازل المعاصرة، وترك الاستطالة في أعراض أهل العلم، وإن خالفوا في مسائل، فإن العلم رحم بين أهله، وذمةٌ بين المشتغلين به، والله المستعان.

التوصيات
-    إيجاد دليل إرشادي للبحث الفقهي في النوازل، بحيث يتضمن الخطوات اللازمة لإجراء البحث.
-    بلورة معايير للجودة الفقهية في البحث النوازلي، وتضمينه مؤشرات أداء لقياس هذه الجودة.
-    وضع لائحة لتنظيم النظر النوازلي، تكون أشبه بميثاق الشرف، ويمكن الاستئناس بميثاق الفتوى الصادر عن المؤتمر العالمي للفتوى وضوابطها، الذي نظمه مجمع الفقه الإسلامي بمكة، في 20-23 محرم 1430هـ.
والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على النبي وآله وصحبه، وسلَّم وشرَّف وكرَّم.
_______________
(1)  التعريف للحرالي كما في التوقيف على مهمات التعاريف؛ لمحمد بن عبد الرؤوف المناوي (701)، ت: محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط أولى، 1410هـ.
(2)  وللنظر مسميات أخرى لدى غير الأصوليين، انظر: شرح الكوكب المنير (1/23).
(3)  انظر: شرح الكوكب المنير (1/23).
(4)  انظر: شرح الكوكب المنير (1/23).
(5)  راجع تعريفاً آخر للنوازل في: فقه النوازل؛ د. الجيزاني (20).
(6) مستجدات فقهية؛ للأشقر (26).
(7) انظر: المدخل إلى فقه النوازل؛ د. عبد الناصر أبو البصل (2/603)، وبحث " سبل الاستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة "؛ د. خليل الميس، ضمن مجلة المجمع الفقهي بجدة، العدد (11)، المجلد (2)، (411)، والبحث الآخر بالعنوان نفسه للدكتور وهبة الزحيلي، ضمن مجلة المجمع الفقهي بجدة، العدد (7)، المجلد (2)، (362)، وقد طبع هذا الأخير في رسالة مستقلة، بدار المكتبي، دمشق، ط أولى، 1421هـ، انظر: ص (9) منها، منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة؛ د. مسفر بن علي القحطاني (90،89)، دار الأندلس الخضراء، جدة، ط أولى، 1424هـ.
(8)  أخرجه الدارقطني في سننه (4/206)، والبيهقي في سننه الكبرى (10/550)، وقد طعن أبو محمد ابن حزم في إسناده، كما في المحلى (1/77)، وقال ابن القيم: " وهذا كتاب جليل القدر، تلقاه العلماء بالقبول، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه، وإلى تأمله، والتفقه فيه "اهـ من: إعلام الموقعين (1/68)، ومال الحافظ ابن حجر إلى تقوية أصل الرسالة، كما في التلخيص (4/473).
(9)  المستصفى؛ للغزالي (342)، الإحكام؛ للآمدي (4/169).
(10)  نشر العرف، مجموعة رسائل ابن عابدين (2/127).
(11)  نفسه (2/128).
(12)  دستور العلماء؛ لعبد رب النبي النكري (2/182)، دار الكتب العلمية، 1421هـ.
(13)  انظر: نحو تأهيل اجتهادي لأعضاء هيئة الفتوى بالمصارف الإسلامية؛ قطب الريسوني (16)، ضمن بحوث مؤتمر المصارف الإسلامية بدبي، 7-10/6/1430هـ.
(14)  إرشاد الفحول (1/20)، ت: أحمد عزو، دار الكتب العلمية، بيروت، 1419هـ.
(15)  التعريفات؛ للجرجاني (83) دار الكتاب العربي، بيروت، ط أولى، 1405هـ، شرح الكوكب المنير (1/23).
(16)  التصور الساذج: هو ما خلا من التصديق، كما في حاشية العطار على شرح المحلي على جمع الجوامع.
(17)  وسمي التصديق تصديقاً لاشتماله على كلام يصدَّق أو يكذَّب، وسمي بأشرف لازمي الحكم بالنسبة، وإلا فقد يسمى تصديقاً وهو كذب، انظر: شرح الكوكب المنير (1/23).
(18)  المرجع السابق، التعريفات؛ للجرجاني (37).
(19)  هذا الوصف مستفادٌ من الشيخ محمد بن الحسن الحجوي لمن أفتى في عصرِه بأن الورق النقدي من جنس العُروض، فردَّ عليهم بأنها صكوك دَين، وقال فيهم: " هذا نشأَ عن عدم اعتناء أهل العلم بأحوال زمنهم، وتهوُّرهم في الأحكام قبل تصوُّرِهم"اهـ من رسالته: الأحكام الشرعية في الأوراق المالية، أو إثمد الآفاق بوجوب الزكاة من عين الأوراق، نشرها سعيد بنسعيد العلوي ضمن كتابه: الاجتهاد والتحديث، دراسة في أصول الفكر السلفي المغربي (170)، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط ثانية، 1421هـ.
(20)  المحصول؛ لمحمد بن عمر بن الحسين، المعروف بالفخر الرازي (1/91)، بتحقيق د. طه جابر العلواني، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ط أولى، 1400هـ، نفائس الأصول في شرح المحصول؛ لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (1/21ـ25)، بتحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط أولى، 1421هـ.
(21)  البحر الرائق؛ لابن نجيم (6/288)، دار المعرفة، بيروت، شرح عقود رسم المفتي؛ لابن عابدين (2/128).
(22)  الفروق (1/216)، وقد ذكر أيضاً في مقدمة الفروق (1/4) أنه مكث ثمان سنين يطلب الفرق بين الشهادة والرواية، ويسأل الفضلاء عنه، فلم يظفر به.
(23)  شرح عقود رسم المفتي؛ لابن عابدين (1/45).
(24)  أخرجه البيهقي في الكبرى برقم (17628)، وعبد الرزاق (12593) (7/151)، وسعيد بن منصور برقم (2463) (2/210)، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة (1/403)، قال ابن كثير في تفسيره: " وهو من المشهورات " (1/269).
(25)  السفر الأول من اختلاف أقوال مالك واصحابه، أبو عمر ابن عبد البر النمري (87)، دار الغرب، ط أولى، بيروت، 2003م.
(26)  إعلام الموقعين (1/88،87).
(27)  مجموع الفتاوي (6/92).
(28)  التكييف وأثره في القانون تشريعاً وتطبيقاً؛ علي أحمد المهداوي (9)، نسخة إلكترونية.
(29)  التأليل: مأخوذ من الآلة، والمقصود به هنا: استعمال آلة الفقه في معالجة النازلة، وآلة الفقه: أدلته.
(30)  شفاء الغليل (8).
(31)  الأخلاق والسير (142).
(32) المرجع السابق.
(33) مجموع الفتاوي (19/91،90).
(34) انظر: إعلام الموقعين؛ لابن القيم (1/416).
(35)  إعلام الموقعين؛ لابن القيم (1/281).
(36) التمهيد؛ للإسنوي (515).
(37)  جعل الإمام الشاطبي من شروط الاجتهاد: فهم المقاصد، الموافقات (4/76).
(38)  الموافقات؛ للشاطبي (2/7).
(39) مقاصد الشريعة العامة؛ لابن عاشور (183)، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها؛ لعلال الفاسي (7).
(40) المرجع السابق (183)، بتصرف يسير.
(41) مقاصد الشريعة العامة؛ لابن عاشور (200)، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها؛ لعلال الفاسي (45)، وانظر: نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي؛ للريسوني (6).
(42) مقاصد الشريعة العامة؛ لابن عاشور (307،306)، وانظر: نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي؛ للريسوني (6).
(43)  البرهان (2/1333).
(44) فتاوي ابن الصلاح (1/21)، وقارن بالبحر الرائق؛ لابن نجيم (6/291)، والمدخل؛ لابن بدران (376).
(45) فتاوي ابن الصلاح (1/25).
(46) انظر: إعلام الموقعين؛ لابن القيم (3/286).
(47) أخرجه البخاري برقم (2341) (2/874)، قال الطبري: معناه: " أن يُجعل قدر الريق المشتركة سبعة أذرع، ثم يبقى بعد ذلك لكلِّ واحدٍ من الشركاء في الأرض قدر ما ينتفع به، ولا يضرُّ غيره "اهـ، فتح الباري (5/119).
(48) الفروع؛ لابن مفلح (4/418)، الإنصاف؛ للمرداوي (6/361)، شرح منتهى الإرادات؛ للبهوتي (2/367).
(49)  انظر: فتح الباري؛ لابن حجر (5/119).
(50) كشاف القناع؛ للبهوتي (4/188)، ونصه: " ( ولو اختلفوا في الطريق وقت الإحياء جُعلت سبعة أذرع ) للخبر ( ولا تغيَّر ) الطريق (بعد وضعها، وإن زادت على سبعة أذرع. لأنها للمسلمين ) فلا يختصُّ أحدٌ منهم بشيءٍ منها "اهـ.
(51) فتاوي ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (8/250،249)، وهذا التقرير مؤرَّخٌ عام 1374هـ.
(52)  نحو تأهيل اجتهادي لأعضاء هيئة الفتوى بالمصارف الإسلامية؛ د. قطب الريسوني، مؤتمر المصارف الإسلامية، دبي، 7-10 جمادى الآخرة 1430هـ، ص (38).
(53)  البرهان في علوم القرآن؛ أبو عبد الله الزركشي (1/6)، دار المعرفة، بيروت، 1391هـ.
(54)  الموافقات (4/91).
(55)  مجموع الفتاوي (22/330)، الفروق؛ للقرافي (1/128-129)، الموافقات (4/89-93).
(56)  مجموع الفتاوي (22/330)، وانظر: الموافقات (4/89-93)، الفروق؛ للقرافي (1/128-129).
(57)  تحقيق المناط؛ د. صالح العقيل، مقالة منشورة بمجلة العدل، وزارة العدل، الرياض، العدد (20) 1424هـ، ص (93).
(58)  الموافقات (4/92).
(59)  الموافقات (4/91).
(60)  انظر في الاجتهاد التنزيلي: ضوابط الاجتهاد التنزيلي في ضوء الكليات المقاصدية؛ د. وورقية عبد الرزاق (25) وما بعدها، دار لبنان، بيروت، ط أولى، 1424هـ.
(61)  الرد على من أخلد إلى الأرض (120).
(62)  ضوابط الاجتهاد التنزيلي؛ د. وورقية عبد الرزاق (27).
(63)  المرجع السابق.
(64) التزاحم هنا إنما يقع في مبادئ النظر، وبادي الرأي، وإلا فإن الأدلة الصحيحة لا تتعارض في نفس الأمر، ومرادي بالتعارض ثمَّ ما يقع بين العام والخاص، والمطلق والمقيد، ونحو ذلك مما هو مقرر في علم الأصول، وهنا دور المجتهد في تحقيق الأخذ بالأحكم، وردِّ المتشابه إليه، " ولذلك لا تجد البتة دليلين أجمع المسلمون على تعارضهما، بحيث وجب عليهم الوقوف، لكن لما كان أفراد المجتهدين غير معصومين من الخطأ؛ أمكن التعارض بين الأدلة عندهم "، انظر: الموافقات؛ للشاطبي (4/217).
(65) جاء هذا الأثر مروياً عن عثمان رضي الله عنه عند ابن أبي شيبة (7/189)، وعن علي رضي الله عنه، عند ابن أبي شيبة (3/482)، والدارقطني (3/282)، وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أخرجه ابن أبي شيبة (3/481)، وسعيد بن منصور (1/446)، والدارقطني (3/282)، ومرادهم رضي الله عنهم بالآية المحرمة هنا قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء (24)]، والآية المحلَّة قوله عز وجل: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء (23)]، قال ابن كثير " وجماعة الفقهاء متفقون على أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء، كما لا يحل ذلك في النكاح "اهـ من تفسيره (1/474).
(66)  من فوائد الفقه المستند إلى القواعد أنه يراعي عند التعارض بين الأدلة؛ العوارضَ الطارئةَ على صورةِ النازلة، فلا تغيبُ عنه عند تنزيل الأدلة على الوقائع؛ جهتا اقتضاء الأدلة للأحكام، وهما جهتا الاقتضاء الأصلي، والاقتضاء التبعي.
(67) فتاوي ابن أبي زيد القيرواني؛ لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني (211)، بتحقيق د. حميد محمد لحمر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط أولى، 2004م.