ليبيا..إلى أين؟
28 ربيع الثاني 1436
خالد مصطفى

ازدادت الأزمة الليبية اشتعالا بعد الغارة التي أعلن الجيش المصري عن شنها على مدينة درنة انتقاما لإعدام 21 "مسيحيا" ولم يكتف النظام المصري بذلك بل طالب مجلس الأمن بضرورة التدخل العسكري في ليبيا من أجل مكافحة ما أسماه "الإرهاب"..

 

وبدأت القاهرة تحركا دبلوماسيا على نطاق واسع من أجل حشد التأييد لهذا التدخل الأجنبي الذي سيجري تحت مظلة واسعة هي "مكافحة الإرهاب" وهي مظلة ليست محددة وقد تنذر بعواقب وخيمة في المستقبل تشبه ما جرى في العراق من مآسي ومع ذلك لا زال العنف سائدا فيها بعد احتلال دام أكثر من 10 سنوات...

 

قبل التدخل المصري العلني جرى الحديث عن تدخل مصري ـ إماراتي لدعم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضد ثوار ليبيا في العملية التي تسمى "فجر ليبيا" وهو ما زاد الاحتقان بين جبهة فجر ليبيا والمؤتمر الوطني الداعم لها والسلطات في مصر والإمارات...

 

التدخل المصري ـ الإماراتي الذي كشفت عنه مصادر غربية وألمحت إليه الإدارة الأمريكية تضمن شن هجمات بالطائرات داخل ليبيا ودعم عسكري بالأسلحة والعتاد لقوات حفتر التي تضم عناصر من نظام القذافي والتي ألغت قانونا يمنع رموز القذافي من المشاركة في الحياة السياسية...الثنائية الليبية المتمثلة في حكومتين وجيشين وبرلمانيين وتقاسم لمناطق النفوذ شملت أيضا تفرقا بشأن الجهات الداعمة فبينما وضح ميل عدة دول خليجية ومصر لحفتر مالت تركيا وقطر لفجر ليبيا وهو ما زاد الاحتقان بين الفريقين وتبادل الاتهامات ومع مرور الوقت اتضح أن كلا الفريقين غير قادر على حسم المعركة لصالحه دون تدخل خارجي....

 

يأتي هذا في وقت سعت فيه أطراف دولية من أجل جمع الفرقاء على مائدة التفاوض للوصول لحل للأزمة المتصاعدة, ورغم فشل الجولات الأولى بسبب مقاطعة فجر ليبيا لها فقد ظهرت بوادر إيجابية في المفاوضات الأخيرة التي أجريت داخل ليبيا وشارك فيها المؤتمر الوطني وتمت بوساطة دولية إلا أن أحداثا مفاجئة جرت لتنهي هذه البوادر متمثلة في ظهور داعش وإعلانها عن وجود عدد من المصريين الأقباط تحت أيديها ثم إعدامهم بشكل تليفزيوني أثار العديد من الشكوك والتساؤلات حول توقيت هذا الظهور رغم اختفاء الأقباط منذ أكثر من 50 يوما دون الإعلان عن أية مطالب ثم جاء تصوير الفيديو على شاطئ البحر ليلقي مزيدا من الشكوك حول المكان الفعلي لتنفيذ الإعدام , وكذلك منظر الأشخاص الذين ظهروا في الفيديو وهم ملثمون وهيأتهم التي لا توحي بانتمائهم لداعش...

 

فجر ليبيا من جهتها شككت بالأمر برمته واتهمت أجهزة مخابرات بارتكاب العملية من أجل تحريض الغرب على التدخل العسكري في ليبيا, وأدانت التدخل العسكري المصري كما ادانت خطف المصريين وقتلهم..إن التدخل العسكري الدولي في ليبيا لن يحل القضية بل سيخلط الحابل بالنابل وسيتم الزج بفجر ليبيا في الموضوع لصالح الجناح الآخر الذي يمثله حفتر والذي يمثل الثورة المضادة عند الكثيرين في ليبيا , وفجر ليبيا تدين هذه العمليات تماما وتنفي أي علاقة لها بداعش ولكن يبدو أن هناك رغبة من أجل إزاحتها تماما من الساحة بدعوى "الإرهاب"...

 

التدخل العسكري الغربي سيقتصر في الغالب كما هو في العراق على الغارات الجوية وهي محدودة التأثير على داعش وقد تقتل الكثير من المدنيين خصوصا مع وجود عدد كبير من المصريين العاملين في ليبيا هناك حتى الآن...أما التدخل العسكري البري فغير محمود العواقب في بلد قبائلية تنتشر فيها الأسلحة من كل نوع وقد عانى الغرب كثيرا من تدخله البري في العراق وأفغانستان...الخلاصة أن الرهان ينبغي أن يكون سياسيا مع عدم استبعاد أي قوى معتدلة لمجرد انتمائها للتيار الإسلامي وعندما تكون هناك دولة موحدة في ليبيا ستتمكن من مكافحة داعش وغيرها دون التورط في بحور من الدماء.