الوجه الآخر للمالكي
13 ربيع الثاني 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

منذ أن تم اختيار حيدر العبادي خلفا للمالكي كرئيس جديد لوزراء العراق , وذلك بعد اتفاق الأمريكان وملالي طهران على عدم إمكانية استمرار المالكي في حكم هذا البلد المسلم ذو الغالبية السنية , أكد موقع المسلم عبر كثير من المقالات والتقارير أن التغيير شكلي بامتياز , وأن سياسة الإقصاء والتهميش بل والتنكيل بأهل السنة في العراق التي كان يمارسها المالكي بدعم وتوجيه من طهران , لم ولن تتغير في عهد العبادي , وذلك لسبب بسيط هو أن كلا الرجلين يتلقون التعليمات من المرشد الأعلى لإيران , فهما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة .
وعلى الرغم من التضخيم الإعلامي الغربي و الإقليمي العربي والمحلي العراقي لحدث هذا التغيير , وحبك مسرحية تعنت المالكي في التنازل عن السلطة لإيهام العراقيين أن القادم مختلف عن السابق , إلا أن عدة أمور كانت تشير إلى أن عهد العبادي ربما يكون أسوأ بالنسبة لأهل السنة من عهد المالكي .
ولعل أولى المؤشرات الخطيرة التي عززت رجحان خطورة عهد العبادي عن عهد المالكي الدموي , هو قرار ضم المليشيات الشيعية العراقية في الجيش العراقي وقى الأمن أيضا , أو يمكن القول إن العكس هو الصحيح , فقد أضحى الجيش العراقي هو التابع والمُسير من قبل المليشيات الشيعية , هذا إن كان هناك ما يسمى "الجيش العراقي الوطني" بعد كل هذه الهيمنة الشيعية على جميع مقدرات ومؤسسات الدولة , منذ احتلال أمريكا للعراق .
لقد أدى حل أمريكا للجيش العراقي فور احتلالها له عام 2003م , وتسليمها سلطات البلاد إلى الرافضة بعد انسحابها عام 2011م , إلى هيمنة الرافضة على المؤسسة العسكرية , وتحويلها من مؤسسة من المفترض أن تعمل لمصلحة البلاد بكل أطيافه الدينية والعرقية , إلى مؤسسة يغلب عليها الطابع الطائفي التابع لإيران , خصوصا بعد دمج المليشيات الشيعية فيه منذ بداية عهد العبادي .
لقد أصبحت شماعة محاربة "تنظيم الدولة" غطاء وستارا لتنفيذ أجندة طهران الطائفية في العراق , ولعل الوقائع والأحداث الدامية اليومية التي تتناقلها وسائل الإعلام العربية والعاليمة , عن تكرار جرائم المليشيات الرافضية - وعلى رأسها الحشد الشعبي ومنظمة بدر وغيرها – بحق المكون السني في كل قرية أو بلدة يتم استعادتها من تنظيم الدولة خير شاهد على ذلك .
إن ما يجري في العراق اليوم على يد المليشيات الرافضية جد خطير , حيث يبدو أن مخطط إيران هو تهجير المكون السني من جميع المناطق التي تستعيدها مليشياتها من تنظيم الدولة , وخصوصا في محافظة ديالى المحاذية للحدود العراقية الإيرانية , وكذلك الأنبار ذات الغالبية السنية , حيث تطالعنا الأنباء عن جريمة ومجزرة بحق أهالي القرى والبلدات السنية مع كل شبر تستعيده المليشيات الشيعية من تنظيم الدولة بمساعدة ومؤازرة قوات التحالف الدولي .
فمنذ أيام أعدمت تلك المليشيات أكثر من سبعين مدنيا بعدد من القرى التابعة لبلدة "شروين" شمال شرق المحافظة , ثم أكدت "شبكة حراك الإخبارية" قيام عناصر ميليشيا الحشد الشيعي والعصائب و بدر وسريا السلام الشيعية بإمهال أهالي منطقة نهر الإمام في قضاء المقدادية بمحافظة ديالى يومين لمغادرتها، محذرين إياهم من مصير مشابه لمنطقة "بروانة" الكبيرة .
وأمس أصدرت هيئة علماء المسلمين في العراق بيانا أكدت فيه أن الجرائم الوحشية التي يتعرض لها أبناء محافظة الأنبار ذات الغالبية السنية، في ظل حكومة (العبادي) بدأت تفوق جرائم حكومة المالكي .
وقد أشارت الهيئة إلى دور مواقف المسؤولين في ما يسمى مجلس المحافظة وعلى رأسهم المحافظ الجديد فيما يحل بأهل السنة , حيث أكدت أنهم بمنزلة من باع أهله وأرضه للمجرمين والطائفيين بحفنة من عرض الدنيا الزائل .
وقد أوضحت الهيئة أن المسؤولين عن إدارة المحافظة ومجلسها المزعوم لم يعد لهم من دور سوى تسلم المرتبات والمحافظة على الامتيازات ، ومنح الشرعية للميليشيات المسعورة التي تمارس باسمهم جرائمها الوحشية , مشيرة إلى أن العائلات المتبقية في كثير من المناطق بدأت بالنزوح هربا من الظلم الذي يقع عليها , منوهة إلى أن الجرائم التي تجري في ظل حكومة العبادي الجديدة بات من المؤكد أنها امتداد لجرائم حكومة المالكي ، وأنها في بعض المواطن بدأت تفوقها جرما .
لم يكن اتهام المليشيات الرافضية بالطائفية وتفكيك العراق حكرا على المكون السني فحسب , بل إن جميع وسائل الإعلام العالمية تؤكد هذه الحقيقة , فقد ذكر تقرير لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، أن "منظمة بدر الشيعية" لم تعد مجرد كيان عسكري عادي يخضع لقانون الدولة ومندرج ضمن مؤسساتها ، بل يمكن القول : إنها "جيش" طائفي منظم إدارياً وأيديولوجيا ، وهو يستعمل القوة المسلحة المصحوبة بالحشد والتعبئة الدينية لتحقيق التفكيك المطلوب للعراق، وإعادة تركيب المفكك ضمن الدائرة المذهبية والإستراتيجية الشيعية الإيرانية الإقليمية ونظرتها للشرق الأوسط الجديد .
إن جميع هذه التطورات التي طرأت على المليشيات الشيعية في العراق في عهد العبادي , تؤكد أنه الوجه الآخر للمالكي – إن لم نقل أنه الوجه الأسوأ والأخطر من المالكي – وأن تغيير الوجوه السياسية في العراق لم يغير شيئا من الاستراتيجية التوسعية التي تمارسها طهران فيه وفي المنطقة بشكل عام , طمعا في تحقيق مشروعها الصفوي الذي بات مكشوفا وواضحا وضوح الشمس في رابعة النهار .