حصاد الغفلة عن الخطر الحوثي
12 ربيع الثاني 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

الأيام القليلة التي نعيشها تعتبر حاسمة بشأن مصير اليمن كبلد إسلامي عريق بسنيته , وهي كذلك حاسمة بشأن المستقبل السياسي لأهل السنة فيها , بل ربما هي خطيرة إلى حد تهديد الوجود السني على الحدود الجنوبية مع الخليج العربي .
لقد أدت استقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته إثر الانقلاب الحوثي الأخير منذ أيام , إلى وجود فراغ سياسي في البلاد , وتنافس أطراف كثيرة في اليمن على السلطة , كل طرف مدعوم من جهات إقليمية ودولية تتسابق لتثبيت أقدامها على هذه المنطقة , بينما لا نرى لأهل السنة في اليمن أي دعم ملحوظ أو فاعل لتدارك سقوط هذا البلد بشكل كلي بيد الرافضة , والذي بات قاب قوسين أو أدى , خاصة بعد التقارب الإيراني الأمريكي الغربي الأخير , وتبجح طهران بدعم جماعة الحوثي علنا بعد أن كانت تخفي ذلك .
لقد كشف قيادي في تكتل أحزاب اللقاء المشترك اليمني أن مشاورات القوى السياسية التي يرعاها المبعوث الأممي جمال بن عمر بشأن أزمة استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي وصلت إلى طريق مسدود , وهو أمر طبيعي ومتوقع من حوار تهيمن عليه جماعة لا تؤمن بمفهوم التعايش أهل السنة , بل تعتقد أن القضاء عليهم واجب ديني وفضيلة يتقربون بها إلى ربهم حسب ما هو منصوص عليه في كتبهم الرافضية .
وعلى الرغم من عدم مشاركة كثير من الأحزاب اليمنية في الحوار المزعوم الذي يرأسها الحوثيون عمليا ويرعاها المبعوث الدولي "بن عمر" شكليا , وانسحاب بعض الأحزاب الأخرى من هذا الحوار كالحراك الجنوبي الذي أعلن أمس الجمعة انسحابه من الحوار بشكل نهائي، رافضا ما وصفها بـ"شرعنة انقلاب الحوثيين" أو تشكيل مجلس رئاسي ، مؤكدا تمسكه بشرعية الرئيس هادي ، وكذلك تأييد حزب التجمع اليمني للإصلاح موقف الحراك الجنوبي , إلا أن الحوثيين على ما يبدو ماضون في تحقيق هيمنتهم بتشكيل مجلس رئاسي يتكون في معظمه من موالين لهم .
وبين أطماع الحوثيين من جهة , وأطماع حزب المؤتمر الشعبي العام - الذي يقوده الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح- من جهة أخرى , يغيب عن المشهد السياسي الراهن الأغلبية السنية التي تفتقد للنفوذ والدعم لمواجهة المشروع الصفوي الذي يكاد يبتلع اليمن إن لم نقل "قد ابتلعها" .
وكعادة الأحزاب الرافضية التابعة لطهران في الدول العربية السنية , فإنها تتحدث عن ضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار المزعوم كلما اضطرت لذلك من جهة , بينما تفرض وجهة نظرها من خلال قوة السلاح وهيمنتها على الأرض من جهة أخرى , وهو ما تمارسه جماعة الحوثي مع القوى السياسية في صنعاء , وما كرره حزب الله اللبناني في بيروت عدة مرات .
ففي الوقت الذي كانت جماعة الحواثي تدعو فيه القوى السياسية في اليمن إلى الجلوس لمناقشة الوضع في البلاد بعد استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي , كانت بعض مليشياتها تغتال قائد جزيرة "حنيش" العميد زيد محمد محسن الردفاني في كمين نصبته له بالخوخة , في محاولة لمنع تنفيذ مخطط لإعادة انتشار القوات اليمنية على طول الشريط الساحلي على البحر الأحمر , كانت أنباء قد أكدت نية لجنة وزارة الدفاع تنفيذه بالفعل , وهو ما يهدد نفوذ الحوثيين على الممر الملاحي .
وفي وقت سابق كشفت وكالة "أسوشيتد برس" أن الحوثيين استولوا على قاعدة عسكرية ضخمة للحرس الجمهوري جنوب صنعاء كان مستشارون عسكريون أميركيون استخدموها حتى العام 2012، لتدريب عناصر الأمن اليمني المتخصصين في مكافحة الإرهاب.
وفوق هذا وذاك تحاول جماعة الحوثي قمع الحراك الشعبي الرافض لانقلابها على الشرعية في البلاد وهيمنتها على العاصمة صنعاء , والذي ازداد زخمه في الأيام القليلة الماضية بعد استقالة هادي وتحسس الجميع بالخطر القادم على اليمن .
فقد اختطف الحوثيون اليوم السبت عددا من المتظاهرين في العاصمة اليمنية صنعاء بينهم الناشط الشبابي فؤاد الهمداني - مع الاعتداء على آخرين خلال تظاهرة مناهضة لما وصفه المحتجون بــ"الانقلاب الحوثي" على شرعية الرئيس والحكومة .
ويخشى الحوثيون من وصول المتظاهرين إلى ساحة "التغيير" بصنعاء رمز الثورة اليمنية , بعد أن وصلت مظاهرة اليوم إلى شارع الرباط القريب من ساحة التغيير , وهو ما ينذر بثورة يمنية جديدة , ولكنها هذه المرة ضد المشروع الصفوي في اليمن , وليس ضد حكم فاسد ومستبد .
إن حصاد الغفلة عن هذا الخطر القديم الجديد الذي ما زال القاصي والداني من الغيورين على هذه الأمة يحذر منه , لا يمكن أن يخفف من وطأته أو ينقص من مقدار مرارته إلا تحرك عاجل لدعم شرارة تلك الثورة اليمنية الجديد , وذلك قبل أن تُخمد شعلتها بتواطؤ محلي وإقليمي ودولي كما حدث بمثيلاتها من ثورات ما سمي "بالربيع العربي" .