لماذا لا توجد حرية صحافة في تركيا؟
10 ربيع الثاني 1436
كمال أوزتورك

خاص ، ترجمة وتحرير تركيا بوست

 في السنوات الأولى التي ابتدأنا بها العمل كان هناك بعض الكتاب والصحفيين الذين نغبطهم. وعندما بدأنا العمل كمراسلي تلفاز كان هناك أشخاص متفوقون بعملهم نغبطهم أيضاً، ونشاهدهم بإعجاب... كنا نقلدهم، ثم رفعنا السقف قليلاً، وبدأنا بمتابعة الصحف والقنوات والوكالات الأجنبية، فلطالما كانت الحرية الغربية وحرية الصحافة الغربية تمثل حلماً لامعاً أمام أعيننا.

 

حلم الصحافة الغربية الحرة
بمعرفة ذاك العالم، والتقرب إليه، وإنشاء العلاقات معه رأينا أن هذا الحلم اللامع بدأ بالاسوداد وأخذ شكلاً مخيفاً! لو نظرتم إلى ما يكمن خلف الماركات المبهجة للإعلام الغربي ونجومه اللامعة، لرأيتم العلاقات القذرة، ولرأيتم كيف يقومون بخداع القراء، وكيف اعتدى المال على عرض الأخلاقيات الصحفية!

عندما تشاهدون كيف يقوم ذلك الصحفي -الذي كنتم حين تسمعونه ترفعون له القبعة- بجريمة قتل فقط لأجل مال، أو منصب سياسي معين، يقلّ احترامكم لهذه الوظيفة التي تعيشون على معاشها!

 

النظام الإعلامي يشبه جهاز كذب صَدِئ
"بي بي سي"، "سي إن إن"، "رويترز"، "آي إف بي"، "نيويورك تايمز"، "فاينانشال تايمز"، "لوفيجارو"، "الجارديان"...
وأي وسيلة إعلام يمكنكم أن تضيفوها! جميعها متلهفة لإعطائكم دروساً عن الأخلاق الإعلامية، وبإمكانها كتابة كتب ممتلئة بالنصائح في هذا الموضوع.

تعتقدون أنهم صحفيون ذوو أقلام حادة، وفؤاد حي، وعقول ناضجة. أو يجعلونكم تعتقدون هذا... ثم في يوم ما يأتي رئيسهم في العمل، ويقول لهم "لن تروا هذه الحقيقة"... حينها ينجلي السحر، ويسدل الستار، وتنكشف الحقيقة!

 

لقد تعفن نظام الإعلام العالمي، واتسخ، وتحول إلى جهاز كذب صدئ صنع لأجل المصالح فقط!
فيوم تقوم "إسرائيل" بقصف غزة، وقتل الأطفال فيطرحون الموضوع تحت عنوان: "المدافعة المشروعة"!... ويوم يحدث انقلاب وتقوم مدرعات السيسي بقتل المدنيين يطرحون الموضوع تحت عنوان: "هل هو انقلاب أم لا؟"، وينسون قتل المدنيين!... ويوم يموت أطفال الغوطة في الشام بأسلحة كيميائية يطرحون جدلاً بعنوان: "أين كان مسار القنابل الكيميائية؟"، فيدفن الأطفال بلا كفن ولا يراهم أحد!... ويوم يقوم في أفريقيا الهوتو والتوتسي بقتل بعضهم البعض لأجل مصالح فرنسا وإنجلترا وبلجيكا، فيصل عدد القتلى إلى الملايين ولكن وسائل الإعلام لا تنقل سوا أخبار انتشار فيروس الإيدز في أفريقيا!

الإعلام العالمي لا يكتفي بارتكاب هذه الجرائم الإنسانية، بل يقوم بعكس المظالم والجرائم لصالح الظُلام، ويوقّع بهذا على إثم أكبر!...

 

حق الحياة لا يمنح للذين يعملون بضمير!
في عجلة الصحافة القذرة هذه لا يعطون مكاناً للذين يسعون للعمل بوجدان وضمير، ولا يمنحون حق الحياة للذين يسعون إثبات أن بالإمكان القيام بهذه الوظيفة دون اللجوء إلى الكذب والخداع.

"سي إن إن" التي كانت تبث من "تقسيم" لساعات طوال أن في تركيا لا حرية صحافة، قامت قبل ذلك بيومين بطرد مذيعها "جيم كلانسي" الذي عمل فيها 34 سنة؛ لأنه قام بانتقاد "إسرائيل"... لكن لم يتحدث أحد عن هذا!

 

في المكان الذي تقوم الشياطين بوظيفة رئاسة التحرير يتم فيه رجم الملائكة!
لا يقولنَّ لنا أحد أن الإعلام العالمي يحترم الأخلاق الإعلامية، لقد شهدنا ما فعله هذا الإعلام في الشرق الأوسط الذي لم ينته فيه الإرهاب، وفي أفريقيا التي لم ينته فيها الظلم والجرائم. والآن يجلسون على كراسيهم القذرة الصدئة ويكتبون: "لماذا لا توجد في تركيا حرية إعلام؟" يحاسبوننا... أقاموا القيامة بحجة أن تركيا تقوم بإسكات الصحافة، وحبس الصحفيين، ودعم وسائل الإعلام المؤيدة، والآن يجعلون البرلمان الأروربي يقوم بتحضير تقرير بهذا الشأن.

60% من الصحف في تركيا هي صحف معارضة للحكومة، ورغم ذلك يتعاملون وكأن الصحف المؤيدة هي التي تشكل الغالبية... كل يوم تخرج جريدة خاصة للسب على رئيس الدولة ورئيس الجمهورية، ورغم ذلك لازالوا يدعون أنه في تركيا لا توجد حرية صحافة.

 

حان وقت الغضب من أنفسنا...
أنا لم أعد أغضب من الصحافة والسياسة الغربية... هم يفعلون ما عليهم فعله، ويتحركون بحسب قيمهم، ولكني أغضب من السياسيين والإعلامين عندنا الذين لا يعملون على إيضاح الموقف والحق في وطنهم... أغضب من أنفسنا ومن فشلنا بإطلاق قناة، أو صحيفة، أو وكالة عالمية مميزة!

 

المصدر: صحيفة يني شفق