التلون الأمريكي تجاه الأزمة السورية
6 ربيع الثاني 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

منذ بداية الثورة السورية المباركة كان التلون والنفاق السمة البارزة في الموقف الأمريكي والغربي تجاهها بشكل عام , فرغم التأييد الظاهري لحق الشعب السوري بتقرير مصيره والتخلص من الديكتاتورية التي تحكمه بالحديد والنار على مدى أربعة عقود عبر ثورته المشروعة , إلا أن أيا من الإجراءات لتحقيق طموح الثوار في سورية لم تُتخذ من قبل تلك الدول .
وعلى الرغم من الاتهامات الأمريكية والغربية الصريحة والواضحة للنظام السوري ورأس الهرم فيه بارتكاب مجازر وجرائم حرب بحق الشعب السوري - والذي أثبتته الأمم المتحدة بشكل رسمي - وعلى الرغم من استخدامه السلاح الكيماوي المحظور دوليا , والذي طالما اعتبره أوباما ونظراءه الغربيين بأنه خط أحمر للتدخل عسكريا في سورية للإطاحة بذلك النظام الدموي , إلا أن أيا من ذلك لم يحدث ليستمر طاغية الشام بمجازره وجرائمه حتى الآن .
ولعل التلون والنفاق الأمريكي والغربي يظهر جليا اليوم من خلال تخلي واشنطن عن تنحي رأس النظام السوري كشرط لإتمام أي عملية تفاوض بين النظام والمعارضة , وذلك بعد أربع سنوات من المطالبة الأمريكية الغربية المستمرة بذلك الشرط المزعوم .
فقد اعتبرت صحيفة "الجارديان" البريطانية: أن الدعم الأمريكي الأخير لمفاوضات السلام السورية التي تجري برعاية الحكومة الروسية هذا الأسبوع ، يعكس تخلي واشنطن بهدوء عن مطلبها طويل الأمد بتنحي الرئيس السوري "بشار الأسد" كشرط لبدء هذه المفاوضات .
وبينما ظلت الإدارة الأمريكية طوال عمر الثورة السورية تؤكد على ضرورة شرط تنحي بشار لإنجاح أي عملية سلام في سورية , بل وظل وزير خارجيتها جون كيري يؤكد حتى تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي أنه : "طالما بقي الأسد في السلطة فلا سلام ممكن" , غيرت اليوم من موقفها المتلون وغير الثابت , ليتحول "بشار" - في نظر الإدارة الأمريكية - بين ليلة وضحاها من سبب للأزمة إلى جزء من حلها .
لقد لاحظت الصحيفة - والعالم أجمع - تغيّر لهجة وزير الخارجية الأمريكي "كيري" الآن عما كانت عليه من قبل ، ففي مقابلة مع مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية "ستيفان دي ميستورا" حذف "كيري" اللازمة المعهودة في تصريحات الأمريكيين الداعية إلى تغيير النظام في سورية ورحيل بشار طواعية أو بالقوة , لتصبح مجرد مطالبة الأخير بوقف جذب "الإرهابيين" إلى سورية حسب وصفه : "لقد حان الوقت كي يضع الأسد ونظامه مصلحة الشعب أولًا، وأن يفكروا بعواقب أفعالهم، التي تجذب إرهابيين جددًا يحاولون الإطاحة بالنظام".
لم يكن التلون الأمريكي من الأزمة السورية هو الشيء الوحيد المستهجن من الإدراة الأمريكية , بل الأشد استهجانا من ذلك أن يكون الحل المزعوم على أرض أكثر الدول دعما ومساندة للنظام السوري منذ بدأ الثورة السورية "روسيا" .
فقد بدأت اليوم الاثنين في موسكو اللقاء بين شخصيات مدعوة من معارضتي الداخل والخارج السوري – ليس من بينها الائتلاف السوري - لينضم وفد النظام السوري الأربعاء القادم إلى اللقاء .
وعلى الرغم من تشكيك الجميع بمدى فاعلية وجدوى اللقاء المرتقب , لاسيما مع أنباء عن تخفيض مستوى تمثيل النظام من وزير الخارجية إلى مندوب سورية في الأمم المتحدة "بشار الجعفري" يرافقه شخصيات من النظام , إلا أن أمريكا رحبت به وأيدته , بل وحثت المعارضة السورية على المشاركة فيه , فقد شجعت المتحدثة باسم الخارجية "جينفر بساكي" رموز المعارضة على المشاركة في مؤتمر "موسكو" قائلة : "قلنا لهم إننا سندعمهم لو شاركوا في اللقاءات" .
والحقيقة أن من يدقق في الموقف الأمريكي من الثورة السورية منذ بدايتها , يدرك أنها لم تكن يوما مع نجاحها وانتصارها , بل عملت على إضعافها بكل ما تملكه من قوة وسلطان في المنطقة , كما أنها لم تكن يوما ضد النظام السوري , ولم ترد يوما إسقاطه بأي حال من الأحوال دون أن تضمن البديل المناسب الذي يأتي خلفا له ويحقق مصالح اليهود وأمريكا والغرب كما حققه نظام بشار وأبيه من قبله طوال العقود الماضية .
ولعل مفتاح الوصول إلى فهم التلون والتحول في الموقف الأمريكي هو ما يسمى "محاربة الإرهاب" , فهزيمة مقاتلي الدولة الإسلامية أصبحت أولوية للإدارة الأمريكية ، تتقدم على إسقاط النظام السوري الذي ارتكب من "الإرهاب" ما يكفي لجعله الهدف الأول للعالم لمحاربته لو كانوا فعلا وحقيقة يريدون محاربة "الإرهاب" وليس محاربة "الإسلام" والقضاء على المسلمين .
ويبدو أن الأولوية الأمريكية الجديدة في محاربة "داعش" قد التقت مع المصالح الروسية التي حاولت باستمرار ومنذ بدأ الثورة السورية – وذلك بالتنسيق مع النظام السوري وطهران – إلى لفت الأنظار عن جرائم بشار والمليشيات الشيعية في سورية إلى محاربة ما يسمى "إرهاب المجموعات الجهادية" المزعومة , والتي تحولت فيما بعد إلى فزاعة "داعش" التي يتحالف العالم بأسره على محاربته وكأنه "الإرهاب" الوحيد , متغافلين عن منبع "الإرهاب" الحقيقي المتمثل في النظام السوري و الرافضة .
إن الحقيقة التي لا بد أن يدركها المسلمون جيدا , هي أن أمريكا والغرب لم ولن تعمل يوما لمصلحة أهل السنة , وأن ما ترفعه من شعارات أو تدلي به من تصريحات توحي بذلك , ما هو في الحقيقة إلا ذرا للرماد في العيون , وتخديرا للرأي العام السني .
وإذا كان البعض قد تفاجأ هذه الأيام من تغير سياسة أمريكا تجاه مسألة وجوب تنحي بشار عن السلطة كشرط لأي حل سلمي في سورية , فإن الذين يدركون حقيقة العلاقة الأمريكية باليهود , وعلاقة الصهاينة الوطيدة بالنظام السوري , لم يتفاجؤوا أبدا بهذا التلون والنفاق الأمريكي .