واجبنا تجاه لاجئي سوريا !
28 ربيع الأول 1436
د. عامر الهوشان

كثيرة هي المشاعر الجياشة التي فاضت بها أحاسيس المسلمين تجاه معاناة إخوانهم من اللاجئين السورين في مخيمات الشتات على الحدود الأردنية واللبنانية والتركية في هذه الأجواء الشديدة البرودة , حيث تغطي الثلوج تلك الخيم التي لا تكاد تدفع بردا أو تقي من وطأة العاصفة الثلجية التي تضرب المنطقة بأسرها خلال هذه الأيام , من خلال كثير من المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر وغيرها .

وهي في الحقيقة مشاعر صادقة وأحاسيس مرهفة , تعبر عن مدى تعاطف المسلمين وتراحمهم فيما بينهم , متمثلين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) رواه مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه برقم 6751 .

وهم بهذه المشاعر منصفين , فإذا كان أحدنا في بيته وعنده غطاءه وكساءه ويشعر بالبرد الشديد , ويخشى على أطفاله من أن يصيبهم أذى أو مرض , فكيف بذلك الذي يقطن في خيمة ولا يملك ما يقي نفسه أو أولاده قسوة البرد وشدته !!

لقد امتلئت تلك المنشورات على صفحات التواصل الاجتماعي بالدعاء لهؤلاء اللاجئين , وازدحمت عبارات التأمين على تلك الأدعية , بأن يرحم الله تعالى أؤلئك الضعفاء والمساكين من الأطفال والنساء والشيوخ والعجائز , الذين لا تتحمل أجسادهم الضعيفة شدة برودة الطقس التي قد تصل إلى ما دون الصفر بدرجات .

والحقيقة أني أمنّت على دعاء الداعين والمتضرعين إلى الله تعالى , وفي نفسي اليقين بأن الله تعالى أرحم بهؤلاء الضعفاء والمساكين منا , وهو أعلم بهم وبحالهم , وهو القادر وحده على رفع ما نزل بهم من كرب وشدة ومحنة , وإعادتهم إلى وطنهم ومنازلهم سالمين غانمين .

نعم ...إن للدعاء في الإسلام منزلة وأي منزلة , وهو مطلوب في جميع الأحوال , في اليسر والعسر والشدة والرخاء , وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التزامه الدعاء في جميع أحواله , عند احتدام القتال واشتداد الوطيس في المعارك كما في غزوة بدر وغيرها , وعند الانتصار وهزيمة الأعداء , كما في فتح مكة , حيث أظهر صلى الله عليه وسلم ذله وانكساره لله تعالى , وعند خسارة جولة مع العدو كما حدث بعد غزوة أحد , حيث لم يمنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من أن يدعو الله تعالى ويثنى عليه سبحانه .

فقد أورد الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد عن رفاعة الزرقي قال : لما كان يوم أحد، وانكفأ المشركون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "استووا حتى أثني على ربي عز وجل". فصاروا خلفه صفوفاً فقال: "اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت. اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك، وفضلك ورزقك...." 1/254

وقد يكون الدعاء هو كل ما يستطيعه بعض المسلمين تجاه معاناة اللاجئين السوريين في هذه الأيام , ولكن هل يقتصر واجب غيرهم من أصحاب الأموال والسلطة من المسلمين على الدعاء فحسب ؟؟

إن الحقيقة التي تؤكدها سيرة السلف الصالح , سواء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين من بعده , أنهم في أوقات الشدة والكرب ومعاناة المسلمين لم يقتصروا على مجرد الدعاء , بل قاموا بكل ما يلزم لوقف معاناة المسلمين وسد احتياجاتهم , وإخراجهم من محنتهم الإنسانية بجميع السبل والوسائل , كأحد الأسباب الواجبة مع الدعاء .

فحين دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وفد من مضر بحالتهم الإنسانية البائسة , لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد الدعاء لهم وهو صاحب الأمر والسلطة حينها في الدولة الإسلامية , بل عمل – مع الدعاء - ما يستطيع لرفع المعاناة عن هؤلاء وسد حاجتهم .

ففي الحديث الصحيح عن الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فِى صَدْرِ النَّهَارِ , قَالَ : فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِى النِّمَارِ مُتَقَلِّدِى السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ , فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ , فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ :

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) وَالآيَةَ الَّتِى فِى الْحَشْرِ (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حَتَّى قَالَ - وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ». قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ - قَالَ - ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ ) صحيح البخاري برقم 2398

وها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجمع مع دعائه وتضرعه الشديد إلى الله تعالى في عام المجاعة عام 18 هجرية , ممارسات وإجراءات لرفع الجوع والفاقة التي أصابت المسلمين بسبب الجفاف في ذلك العام .

فقد ذكر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حال تضرع أبيه ليرفع البأس عن المسلمين بقوله : "كان عمر بن الخطاب أحدث في عام الرمادة أمراً ما كان يفعله، لقد كان يصلي بالناس العشاء، ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب، فيطوف عليها، وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو يقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي" .

ومع هذا الدعاء والتضرع إلى الله تعالى , كتب أمير المؤمنين إلى عماله في الأمصار أن يرسلوا إليهم الطعام والميرة , بعد أن استنفذ ما في بيت المال من مؤن وطعام , فكتب إلى عماله في الأقاليم الغنية يطلب منهم المساعدة وبستغيثهم ، وكتب إلى كل عامل من عماله على بلاد الشام : "ابعث إلينا من الطعام بما يصلح من قبلنا، فإنهم قد هلكوا، إلا ان يرحمهم الله" , كما كتب إلى عماله في العراق وفارس مثل ذلك ، فكلهم أرسلوا إليه , حتى رفع الله ما بهم من فاقة ومحنة . سيرة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه للدكتور الصلابي ص213

هذه هي المرة الثانية التي تتكرر فيها مأساة اللاجئين السوريين مع العواصف الثلجية وشدة البرد التي ترافقها – ناهيك عن أنواع المعاناة الأخرى التي لا مجال للحديث عنها في هنا - ففي العام الماضي استشهد العشرات من اللاجئين السورين من النساء والأطفال والشيوخ جراء عاصفة ثلجية مشابهة .

وفي هذا العام أعلنت بعض وسائل الإعلام اليوم عن استشهاد أربعة أشخاص بسبب العاصفية الثلجية الحالية وما خفي أعظم , حيث لا تظهر أعداد الشهداء والمتضريين على وجه التحديد من أمثال هذه الأزمات إلا بعد انجلاء العاصفة بالكامل .

فهل سيقتصر الأغنياء والمسؤولون من المسلمين بالدعاء فقط لإخوانهم السوريين ؟! أم سيعملون جاهدين على إنهاء هذه المعاناة بشتى الوسائل والطرق الممكنة , وهي كثيرة ومتاحة إن وجدت النية وخلصت العزيمة .