تداعيات هجوم باريس
20 ربيع الأول 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

رغم أن الحادثة التي أودت بحياة عدد من الصحفيين الفرنسيين يوم الأربعاء الماضي , ممن خرجوا عن حقيقة مفهوم حرية الصحافة ومهنيتها منذ سنوات , وما زالوا مصرين على هذه الانحراف رغم جميع المناشدات والتحذيرات , من خلال الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم وللإسلام عموما , لا تساوي عشر معشار ما يتعرض له المسلمون في العالم من اضطهاد وعنصرية وقتل وتهجير وتعذيب , إلا أن الحادثة - وكالعادة - أخذت أكثر من حجمها الطبيعي مقارنة بما يحدث في العالم من قتل وتعذيب وتهجير بحق المسلمين . ويبدو أن تداعيات هذه الحادثة لن تقف عند حدود قتل المشتبه بهم في تنفيذ العملية في فرنسا , بل إن الأمر يتعدى حدود فرنسا التي وقعت فيها الحادثة إلى الدول الأوروبية خصوصا , وإلى العالم المعادي للإسلام بشكل عام , ليصار إلى استثمار هذه الحادثة ضد المسلمين تماما كما فعلت أمريكا عقب أحداث 11 من سبتمبر . وإذا أردنا تلخيص تداعيات هذه الحادثة على الدين الإسلامي والمسلمين في العالم عموما , وفي أوروبا والغرب على وجه الخصوص , فيمكن إجمالها فيما يلي :

 

1- هناك توجه ظاهر لاستثمار هذه الحادثة لتكريس مفهوم حرية الصحافة والتعبير عن الرأي الغربي المغلو والمتناقض مع نفسه , والذي لا يضع أي حدود لهذه الحرية إذا تعلق الأمر بالطعن بالإسلام والرموز والثوابت الإسلامية , بينما يكبل تلك الصحافة بأطنان من الضوابط والممنوعات حين يتعلق الأمر باليهود على وجه الخصوص . ويبدو هذا التوجه ظاهرا في إعادة صحيفة "برلينجسكي" الدنماركية نشر رسوم كاريكاتورية تتناول قضايا إسلامية ، سبق أن نشرتها صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية ، وذلك في إطار تغطيتها للهجوم , كما أن بعض الصحف والمواقع الغربية أعادت نشر بعض هذه الصور كتضامن مع صحيفة "شارلي إيبدو" , مما يعني أن هناك توجها لاستثمار هذه الحادثة لترسيخ مفهوم حرية الصحافة والرأي الغربي المتناقض مع الحقيقة والواقع .

 

2- كما أن من تداعيات هذه الحادثة تبرير الهجمة الشرسة التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا عموما , والتي ازدادت كما وكيفا في الآونة الأخيرة , وخصوصا في ألمانيا عبر ما يسمى "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب " والتي تقودها حركة "بيغيدا" .

 

ويظهر ذلك جليا من خلال التضخيم الإعلامي الكبير لهذا الحادثة , وتوصيل رسالة للعالم مفادها : أنه لا لوم على الحكومات الغربية بعد هذه الحادثة في فرض مزيد من الإجراءات ضد المسلمين , بالإضافة إلى غض الطرف عن الانتهاكات الحالية والمستقبلية التي تطال المسلمين من المتطرفين , سواء من الأحزاب اليمينية المتشددة أو من غيرهم , والتي تهدف - على ما يبدو - لتحجيم دور المسلمين المتنامي في الغرب عموما وفي فرنسا على وجه الخصوص , والتي ظهرت سريعا من خلال تعرض مساجد لهجمات في ثلاث مدن فرنسية منذ مساء الاربعاء , استخدمت فيها القنابل الصوتية والرصاص الحي , ناهيك عن استثمار الحادثة في تبرير جميع مظاهر الاضطهاد التي طالت المسلمين في الغرب في السابق .

 

3- استثمار هذه الحادثة لممارسة المزيد من الضغوط على الرموز الإسلامية والدعاة وأئمة المساجد والخطباء لتكريس مفهوم "الإسلام المعتدل" حسب وجهة نظر الغرب , والذي يهدف من خلاله لتفريغ مضمون الإسلام الحقيقي المعتدل في الأصل , وتكريس مفهوم جديد للإسلام يتناسب مع توجهات الغرب وأفكاره العلمانية . وفي هذا الإطار يأتي تصريح مؤسس مركز "سيمون ويزنتال" اليهودي , والذي يديره ويرأسه الحاخام "مارفين هيير" والمتخصص بمحاربة معاداة السامية، وإجراء أبحاث حول المحرقة اليهودية، ومقره لوس أنجلوس حيث قال : يتوجب على آلاف الأئمة في فرنسا أن يفعلوا المزيد من أجل التصدي للتطرف داخل الطائفة الإسلامية – حسب زعمه – مضيفا : أن هناك حوالي ستة آلاف إمام في فرنسا، لهم تأثير كبير جدا على المسلمين في البلاد، مطالبا أنه "يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم" .

 

4- استثمار الحادثة في التبرير لموجة الهجوم الشرس على الثوابت الإسلامية في جميع وسائل الإعلام العلمانية العربية والغربية , وقد ظهر ذلك جليا من خلال التغطية الإعلامية غير المسبوقة لهذه الحادثة على تلك الوسائل , ومحاولة تبرير ما سبق من هجوم على الثوابت الإسلامية , وتصوير الإسلام والمسلمين على أنهم "إرهابيين" , تجب مقاومتهم بكل السبل والوسائل حتى لو كانت غير مشروعة . لا يمكن استنتاج وتكهن جميع تداعيات الحادثة في هذا التقرير , ولعل الأيام المقبلة كفيلة بتوضيح تلك التداعيات , وكشف النقاب عن مزيد من آثارها المتوقعة التي يبدو أنها لن تكون في صالح المسلمين عموما .