هل تعود أوروبا لعصورها الوسطى ؟
17 ربيع الأول 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

تعتبر العصور الوسطى في أوروبا والتي تمتد من القرن الخامس الميلادي وحتى القرن الخامس عشر تقريبا من أحلك وأظلم عهود أوروبا , فبينما كانت أوروبا غارقة في ظلام الجهل والتخلف والعنصرية والحروب الدينية , كانت الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها وعطائها .

 

 

ولعل أبرز ما يميز تلك الحقبة الزمنية في القارة العجوز هي العنصرية الدينية والتعصب الديني الكنسي المقيت , الذي صادر حريات الناس وأفكارهم , وأطلق مصطلحات الخيانة والخروج عن آراء الكنيسة لكل من ينادي بالمساواة أو الحرية أو ما شابه ذلك من أفكار علمية أو فكرية أو حتى دينية تناقض أفكار الكنيسة , ومن ثم كان الموت والحكم عليه بالإعدام هو العقاب المنتظر حينها .

 

ويبدو أن هذه النزعة من العصور الوسطى بدأت تظهر شيئا فشيئا على الساحة الأوروبية في القرن الواحد والعشرين , وأن مخلفات التسلط الكنسي والهيمنة الممزوجة بالتعصب والعنصرية تلوح في الأفق مع الأحداث الأخيرة التي تجتاح المدن والدول الأوروبية . وإذا كان التعصب والعنصرية الدينية من قبل الكنيسة تجاه كل من يخالفها من الأوروبيين في العصور الوسطى , فإن العنصرية الحديثة تتجه بشكل خاص إلى المسلمين الذين يزدادون عددا يوما بعد يوما , كما أن تأثيرهم يزداد بشكل ملحوظ ومثير للاهتمام عاما بعد عام .

 

 

وفي هذا الإطار يمكن أن نستعرض بعض المؤشرات التي تنذر بعودة أوروبا في عنصريتها وتعصبها الديني إلى عصورها الوسطى في معاملتها مع المسلمين : 1- فقد ارتفعت أصوات المناوئين للمسلمين بشكل ملحوظ في القارة العجوز , وأضحت المظاهرات سمة واضحة كل أسبوع في ألمانيا , حيث تنظم حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" مظاهرات مناهضة للإسلام والمهاجرين الأجانب في ألمانيا مساء كل اثنين منذ عدة أشهر , وما زالت هذه الحركة تستثير النزعة العنصرية الأوروبية تجاه المسلمين إلى الآن .

 

 

ففي مظاهرات مناوئة للمسلمين تقودها حركة (بيغيدا) الألمانية أول أمس , شارك حوالي 18 ألف شخص - وهو أكبر عدد حتى الآن- في الاحتجاجات في مدينة دريسدرن , مما يشير إلى عودة بعض ملامح ومظاهر العنصرية التي كانت سائدة في أوروبا في العصور الوسطى.

 

لقد حركت هذه المظاهرات المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك للقول : إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رفع صوته عاليا في وجه المجموعات التي تسعى لزيادة الكراهية تجاه الأجانب ، بما في ذلك حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" المعادية للإسلام , وأشار دوجاريك إلى أن رسالة الأمين العام للأمم المتحدة حول هذا الموضوع شددت على التسامح وقبول الآخر، وأعربت عن رفضه جميع مظاهر التطرف في أوروبا والعالم .

 

2- قوة الأحزاب اليمينية المتشددة في الفترة الأخيرة في معظم دول القارة الأوروبية , حيث فازت هذه الأحزاب في انتخابات البرلمان الأوروبي مؤخرا , وبفارق كبير عن الاشتراكيين , الأمر الذي أعطى جرعة جديدة لتنامي قوة هذه الأحزاب في القارة . ومن المعلوم أن هذه الأحزاب تحمل في فكرها وجيناتها الكثير من الموروث الأوربي العنصري والمتعصب الذي كان سائدا في العصور الوسطى , فهي تعارض الاتحاد الأوروبي , كما تعارض الهجرة ووجود الأجانب في بلادها , ولا بد من بيان ملاحظة جديرة بالاهتمام , ألا هي أن المقصود بمصطلح الأجانب في أوروبا هم "المسلمون" , إذ إن الأجانب من غير المسلمين لا يطالهم أي اعتداء أو عنصرية , بل إن المساس بحقوق اليهود في أوروبا معاقب عليه في معظم قوانين أوروبا باسم "معاداة السامية" , وما استخدام "لفظ" "المهاجرين الأجانب" إلا ستارا وغطاء للعداء والعنصرية الأوروبية تجاه المسلمين فقط .

 

 

3- الأعمال العدائية المتزايد ضد المسلمين في أوروبا تشير إلى عودتها في هذا الجانب إلى عصورها الوسطى , ففي الأيام القليلة الماضية تزاحمت أنباء تلك الاعتداءات على وسائل الإعلام . فاعتداء في السويد على أكثر من مسجد هناك بعدة بوسائل مختلفة أشهرها الحرق الذي أدى إلى إصابة بعض المسلمين بحروق , ورسوم عنصرية على جدران مساجد بألمانيا , و تعليق رأس خنزير على باب مسجد في النمسا , وأخيرا زعيم حزب المعارضة التشيكية "بزوغ الديمقراطية المباشرة" يدعو لمحاربة المسلمين في دولة التشيك , ويقوم بنشر ملصق على موقعه الخاص على الفيس بوك يدعو فيه التشيكيين للتجول مع الكلاب والخنازير في المساجد أو في محيطها .

 

لقد دفعت هذه الاعتداءات الرئيس التركي رجب طيب أردغان إلى دعوة الدول الأوروبية إلى مكافحة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" ومنع المظاهرات المعادية للإسلام، بدلا من محاولة "إعطاء دروس" لتركيا في المجال الديمقراطي , الأمر الذي يشير إلى انهيار أسطورة "الحرية الدينية" المزعومة فيها . هذه بعض المؤشرات التي تنذر بعودة أوروبا إلى العصور الوسطى ذات السمعة السيئة , حيث لا يبدو أن المجتمع الأوروبي قد تخلص من جميع الموروثات السلبية لتلك الحقبة التاريخية , فما زال الحقد على الإسلام وكراهية المسلمين ومعاداتهم مستقرا في قلوبهم .

 

 

وعلى الرغم من التفوق الأوروبي على المسلمين عسكريا واقتصاديا وتقنيا , وعلى الرغم من الوهن والضعف العربي الإسلامي الحالي , إلا أن أوروبا - على ما يبدو - ما زالت تخشى من عودة هذا المارد الجبار من جديد في أي لحظة , ولذلك فهي تحاول منع حدوث ذلك بأي وسيلة , ولو كان على حساب شعاراتها المزعومة "الحرية والمساواة" , أو على حساب عودتها إلى عصورها الوسطى المظلمة .