مقدمة في النوازل 1/ 2
14 ربيع الأول 1436
إيمان بنت محمد عبد الله القثامي

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هدي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

فإن من سنن الله القائمة في هذا الكون تبدل الأحوال وتغير الظروف، فلكل عصر أدواته ووسائله، ولكل أهل زمان عاداتهم وأعرافهم الخاصة، وقد تميز هذا العصر عن العصور السابقة بالتطور المادي الكبير الذي شمل كافـة نواحي الحياة، وبخاصة في مجال العلـوم والتكنولوجيا.
وكان لانتشار هذه الوسائل دور هام في تيسير أمور الناس وقضاء احتياجاتهم، فصاروا يعتمدون عليها في أغلب شئون حياتهم، ولم يعد بإمكان أحد الاستغناء عنها في هذا الزمن، وقد أفرز هذا التطور جملة من النوازل والمسائل الجديدة التي تتطلب من علماء الشريعة بذل الجهد واستفراغ الوسع في استنباط أحكامها، وقد حظيت النوازل الفقهية باهتمام علماء العصر فانبروا للتنظير لها، وبيان المنهج الشرعي في استنباط أحكامها، وبذل الوسع في بيان حكم ما وقع منها.
وهذا العلم يُظهر للناس كمال الشريعة الإسلامية، وقدرتها على استيعاب كافة المستجدات والحـوادث، فإنهـا امتازت عن الشرائع السماوية والقوانين الأرضية بكونها صالحة لكل زمان ومكان.
ولحاجة الناس الماسة إلى بيان أحكام النوازل الفقهية، خصوصاً بعد انتشارها، واعتماد أغلب المسلمين عليها، وكونها واقعاً لا مفر منه، قمت بعمل هذا البحث.
وقد استفدت من كتاب الشيخ: محمد الجيزاني الموسوم بفقه النوازل، وكتاب الشيخ: مسفر القحطاني الموسوم ب منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة.

وقد كان عملي مقسما إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول: وفيه نبذة تاريخية عن النوازل، ومفهومها، وأهميتها، وأنواعها، وحكمها.
المبحث الأول: نبذة تاريخية عن النوازل.
المبحث الثاني: مفهوم النازلة.
المبحث الثالث: أنواع النازلة.
المبحث الرابع: أهمية دراسة فقه النوازل.
المبحث الخامس: حكم الاجتهاد في النازلة.
الفصل الثاني: الناظر في النازلة (المجتهدين)، التعريف، الأنواع، الشروط، نماذج من الاجتهادات.
المبحث الأول: تعريف المجتهد.
المبحث الثاني: أنواع المجتهدين.
المبحث الثالث: شروط المجتهد.
المبحث الرابع: نماذج من اجتهادات الفقهاء.
الفصل الثالث: كيفية الحكم على النازلة، مصادر تهتم بالنازلة.
المبحث الأول: كيفية الحكم على النازلة.
المبحث الثاني: مصادر تهتم بالنوازل.
ثم الخاتمة والفهارس.
هذا وأسأل الله التوفيق والسداد.

الفصل الأول: وفيه نبذة تاريخية عن النوازل، ومفهومها، وأهميتها، وأنواعها، وحكمها.

المبحث الأول: نبذة تاريخية عن النوازل

أولًا: في العهد النبوي.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين بأقواله وأعماله أحكام ما كان يعرض للناس من الحوادث يستقيه من الوحي وقد وضع صلى الله عليه وسلم لنا مبادئ حكيمة في الأخلاق وأنواع العبادات وقواعد صالحة في نظام الأسرة وتربية الناشئين وأسسا متينة لأحكام روابط الاجتماع فسنَّ من القوانين في المعاملات والجنايات وعلاقات بعضها ببعض ما هو كفيل بإقرار السلام والأمن في الأرض وحتى آداب الأكل والشرب وآداب السلام وما ينبغي أن يكون في السفر والإقامة والصحة والمرض والغنى والفقر كل ذلك قد عني به وترك لنا فيه مثلا عالية للتربية والتعليم ونماذج صالحة للتهذيب والتثقيف(1).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في بعض النوازل التي لم ينزل عليه بشأنها شيء(2)وإضافة إلى استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للاجتهاد والقياس فإنه – وفي سبيل ترسيخ هذا الأصل- سوغ لكثير من الصحابة الاجتهاد في عصره وأثناء حياته، بل وفي حضوره، كتحكيمه سعد بن معاذ في بني قريظة(3)، واستشارته لأصحابه في أسرى بدر(4)، ونحو ذلك.
ففي هذا العهد كان النبي صلى الله عليه وسلم المرجع الأول والمفتي الوحيد الذي تجسدت فيه متطلبات هذا العلم وغاياته.
ثانيًا: عهد الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين - وكان الخلاف فيه قليلا فهم خير القرون وتربو على يد الرسول، صلى الله عليه وسلم وقد كان أمرهم شورى بينهم كما أمر الله في القرآن، وكان نظامهم دستوريًّا، ودستورهم الأساسي هو الفقه، فكان الفقه مدار سياستهم وروح حياتهم وبه تدبير ملكهم.
فقد كان أبو بكر رضي الله عنه إذا نزلت به نازلة ولم يجدها في صريح كتاب الله أو سنة رسول الله جمع الفقهاء واستشارهم، روى أبو عبيد(5)، في كتاب "القضاء" عن ميمون بن مهران[6] قال: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه شيئًا قضى بها وإلا، فإن علم شيئًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى به، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين هل علمتم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكرون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه قضاء، فيقول أبو بكر رضي الله عنه : الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ علم نبينا. فإن أعياه جمع رءوس الناس وخيارهم واستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به، وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك، فإذا أعياه أن يجد ذلك في الكتاب والسنة يسأل: هل كان أبو بكر رضي الله عنه قضى فيه بقضاء، فإن كان لأبي بكر رضي الله عنه قضاء قضى به وإلا جمع علماء الناس واستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به.
وجاء بعدهم عصر التابعين وقد سارو على نهج الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ملاحظين طريقتهم ومذهبهم في حل المسائل الطارئة، وقد ظهرت في عهدهم المدارس الفقهية الأربعة، التي تميزت بمناهج اجتهادية مختلفة(7).

المبحث الثاني: مفهوم النوازل.

المطلب الأول: معناها في اللغة.
النوازل – في اللغة- جمع نازلة، وهي: المصيبة الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس(8)، وأصلها من الفعل (نزل) بمعنى: هبط ووقع.

المطلب الثاني: معناها في الاصطلاح.
أولاً: تُطلق النوازل في اصطلاح الحنفية خاصة على:
الفتاوى والواقعات، وهي مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون لَمّا سُئلوا عن ذلك، ولم يجدوا فيها رواية عن أهل المذهب المتقدمين، وهم أصحاب أبي يوسف ومحمد، وأصحاب أصحابهما، وهلم جرا.(9)

ثانيًا: تُطلق النوازل في اصطلاح المالكية خصوصًا في بلاد الأندلس والمغرب العربي على: (القضايا والوقائع التي يفصل فيها القضاة طبقًا للفقه الإسلامي)(10).
ثالثًا: شاع واشتهر عند الفقهاء عامة إطلاق النازلة على:
المسألة الواقعة الجديدة التي تتطلب اجتهادًا وبيان حكم.
ومن ذلك: قول ابن عبد البر(11): (باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة) (12).

وتطلق النوازل في عرف حملة الشرع على:
1 – المصائب والشدائد التي تنزل بالأمة فيشرع لها القنوت(13).
قال الإمام الشافعي: "ولا قنوت في شيء من الصلوات إلا الصبح إلا أن تنزل نازلة فيقنت في الصلوات كلهن إن شاء الإمام"ـ(14).
2 – الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد.
يقول الإمام مالك:-"أدركت هذا البلد وما عندهم إلا الكتاب والسنة فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه"ـ(15).
ويقول الشافعي:- "وليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها"ـ(16).
ويقول ابن عبدالبر – وهو يتحدث عن المنهج الواجب اتباعه في استنباط حكم النوازل -: "وفيه دليل على أن الإمام والحاكم إذا نزلت به نازلة لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة كان عليه أن يجمع العلماء وذوي الرأي ويشاورهم"(17).
وهذه المعاني وإن كانت جميعها متداولة على ألسنة علماء الشريعة، إلا أن المعنى الثالث هو الأكثر شيوعاً على ألسنة الفقهاء، وهو الذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق هذا المصطلح(18)، وعليه تدور أغلب تعريفات الباحثين المعاصرين(19).

العلاقة بين المعاني الاصطلاحية والمعنى اللغوي:
سبق القول بأن النازلة في اللغة هي المصيبة الشديدة من مصائب الدهر تنزل بالناس، ومن تأمـل المعـنى الاصطلاحي أدرك وجه العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي، فإن وقع الحوادث والوقائع الجديدة على المجتهد كوقع الشدائد على عامة الناس من حيث كونها مفاجئة له، وتتطلب منه أن يبذل وسعه ويستفرغ طاقته لاستنباط حكمها، لكونها لم يسبق فيها نص أو اجتهاد.

المطلب الثالث: الألفاظ ذات الصلة بهذا المصطلح.
إن المتأمل في كتب علماء الشريعة يجد أنهم قد يعبرون عن النوازل بأسماء ومصطلحات أخرى، ومن أشهرها ما يأتي:
1 –الحوادث، وهو مصطلح شائع وبخاصة على ألسنة الأصوليين والفقهاء(20).
يقول الأزهري (21):- "الحدث من أحداث الدهر شبه النازلة"ـ(22).
قال الجصاص(23): - وهو يبين أحكام قوله تعالى: {لعلمه الذين يستنبطونه منهم}(24)-: "وفي هذه الآية دلالة على وجوب القياس واجتهاد الرأي في أحكام الحوادث"ـ(25).
2 –الوقائع، وهو كذلك مصطلح دارج على ألسنة حملة الشرع(26)، ومفرده واقعه.
قال ابن منظور(27): - "الواقعة الداهية، والواقعة النازلة من صروف الدهر"ـ(28).

المبحث الثالث: أنواع النوازل.

يمكن تقسيم النوازل باعتبارات متعددة إلى ما يأتي:
1 ـ تنقسم النوازل بالنظر إلى موضوعها إلى:
نوازل فقهية: وهي ما كان من قبيل الأحكام الشرعية العملية.
نوازل غير فقهية: مثل النوازل العقدية؛ كظهور بعض الفرق والنحل، والصور المستجدة للشرك، ومثل المسائل اللغوية المعاصرة؛ كتسمية بعض المخترعات الجديدة، وهنالك قضايا تربوية حادثة، واكتشافات علمية مبتكرة.
وبهذا يُعلم أن مصطلح فقه النوازل يشمل جميع النوازل؛ فقهية كانت أو غير فقهية.
أما إطلاق مصطلح (فقه النوازل) على النوازل الفقهية خصوصًا وقصره عليها دون غيرها فهو أمر غير دقيق، بالرغم من شيوعه، والأولى أن يُسمى هذا القسم من النوازل بالنوازل الفقهية، أو نوازل الفقه.
2 ـ تنقسم النوازل من حيث خطورتها وأهميتها إلى:
نوازل كبرى: وهي القضايا المصيرية التي نزلت بأمة الإسلام، وأعني بذلك تلك الحوادث والبلايا التي تدبر للقضاء على المسلمين من قبل أعدائهم، وما يتصل بذلك من المكائد والمؤامرات والحروب المعلنة وغير المعلنة، في شتى المجالات العسكرية والفكرية والاقتصادية والسياسة والاجتماعية.
ونوازل أخرى دون ذلك.
ولا شك أن القضايا المصيرية لابد في مواجهتها وعند بيان حكمها من جمع الكلمة على الهدى، ونبذ الخلاف، والنأي عن التعصب؛ إذ لا يليق بمثل هذا النوع من النوازل الاعتماد على رأي فرد أو اجتهاد طائفة معينة.
3 ـ تنقسم النوازل بالنظر إلى كثرة وقوعها وسعة انتشارها إلى:
• نوازل لا يسلم ـ في الغالب ـ من الابتلاء بها أحد؛ كالتعامل بالأوراق النقدية.
• نوازل يعظم وقوعها؛ كالصلاة في الطائرة، والتعامل بالبطاقات البنكية.
• نوازل يقل وقوعها؛ كمداواة تلف عضو في حد أو بسبب جريمة وقعت منه.
• نوازل قد انقطع وقوعها واندثرت، وصارت نسيًا منسيًا؛ كاستخدام المدافع والبرقيات في إثبات دخول شهر رمضان وخروجه.
4. تنقسم النوازل بالنسبة لجدتها إلى:
نوازل محضة: وهي التي لم يسبق وقوعها من قبل، لا قليلاً ولا كثيرًا، مثل أطفال الأنابيب.
نوازل نسبية: وهي التي سبق وقوعها من قبل، لكنها تطورت من جهة أسبابها والواقع المحيط بها، وتجددت في بعض هيئاتها وأحوالها، حتى صارت بهذا النظر كأنها نازلة جديدة، مثل بيوع التقسيط، والعمليات الطبية الجراحية، والزواج بنية الطلاق.
وهذا القسم من النوازل ـ على وجه الخصوص ـ يفتقر ولابد إلى تحديث مستمر وتجديد لما يتعلق به من صفات وهيئات(29).

المبحث الرابع: أهمية البحث في أحكام النوازل.

1/ إنارة السبيل أمام الناس بإيضاح حكم هذه النازلة حتى يعبدوا الله على بصيرة وهدى ونور؛ في منهج إسلامي واضح فلو ترك أهل الحلّ والعقد- وهما المجتهدون- التصدي لتلك النوازل دون إيضاح لأحكامها لصار الناس في تخبّط ثم استفتوا من لا يصل إلى رتبة الاجتهاد، وهذا قد يفتي بغير علم فيَضِلّ ويُضِلّ، وعلى هذا الأساس فلا بدّ من طَرْق هذا الباب والاستعانة بالله.
2/ أنه يبين للعالم أجمع كمال الشريعة وصلاحها لكل زمان ومكان.
3/ تفويت الفرصة على الأخذ بالقوانين الوضعية، لأن الفقهاء إن لم يبينوا حكم الشرع في نازلة ما، فإن الناس سيتجهون إلى القوانين الوضعية لا محالة، أو سيلجئون إلى أعرافٍ غير مستقيمة... وفي كل ذلك من الفساد ما لا يخفى..
4/ تجديد الفقه الإسلامي وتنميته، ولا يخفى أن الأمة تقوى وتستقيم بتقدم الاجتهاد وتتأخر بتأخره. ولو استعرضنا المؤلفات التي تتناول تاريخ الفقه الإسلامي لوجدنا أن هناك علاقة وثيقة بين الاجتهاد وبين تقدم الأمة وصلاحها.
5/الحرص على تأدية الأمانة التي حمّلها اللهُ العلماءَ؛ فقد أخذ اللهُ الميثاقَ على العلماء ببيان الأحكام الشرعية وعدم كتمانها، وقد حصر التكليف بهم؛ فكان لزاماً عليهم التصدي للفتوى في النوازل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وذلك إبراء للذمة بالقيام بتكاليف إبلاغ العلم وعدم كتمانه(.(30]

المبحث الخامس: حكم الاجتهاد في النوازل.

الاجتهاد في النوازل واجب على هذه الأمة، فهو من فروض الكفاية، وربما يتعين هذا الواجب على بعض المتهيئين للنظر في بعض النوازل؛ فيصير النظر في نازلة ما واجبًا عينيًا في حق هؤلاء(31).
وقد ذكر أبو عمر عن جمهور أهل العلم أنهم كانوا يكرهون استعمال الرأي في الوقائع قبل أن تنزل، وتفريع الكلام عليها قبل أن تقع، وعدُّوا ذلك اشتغالاً بما لا ينفع(32).
الاجتهاد في حق العلماء على ثلاثة أضرب: فرض على العين وفرض على الكفاية وندب.
أما فرضه على الأعيان ففيه حالتين:
الحالة الأولى: اجتهاده في حق نفسه فيما نزل به لأن العالم لا يجوز أن يقلد في حقه ولا في حق غيره.
والحالة الثانية: اجتهاده فيما تعين عليه الحكم فيه فإن ضاق وقت الحادثة كان فرضها على الفور وإن اتسع وقتها كان فرضها على التراخي.
وأما فرضه على الكفاية ففيه حالتين:
الحالة الأولى: في حق المستفتي إذا نزلت به حادثة فاستفتى أحد العلماء كان فرضها متوجها على جميعهم وأخصهم بفرضها من خص بالسؤال عنها فإن أجاب هو عنها أو غيره سقط فرضه عن جميعهم فإن أمسكوا مع ظهور الصواب لهم أثموا وإن أمسكوا مع القياسة عليهم عذروا وإن كان فرض الجواب باقيا عند ظهور الصواب.
والحالة الثانية: أن يتردد الحكم بين قاضيين مشتركين في النظر فيكون الاجتهاد مشتركا بينهما فأيهما انفرد بالحكم سقط فرضه عنه.
وأما الندب ففيه حالتين:
الحالة الأولى: فيما يجتهد فيه العالم من غير النوازل ليسبق إلى معرفة حكمه على نزولها.
والحالة الثانية: أن يستفتيه سائل قبل وقوعها به فيكون الاجتهاد في الحالتين ندبا(33).

الفصل الثاني: الناظر في النازلة (المجتهدين)، التعريف، الأنواع، الشروط، نماذج من الاجتهادات.

المبحث الأول: تعريف المجتهد.

الجهد في اللغة:
الجَهْدُ والجُهْدُ: الطَّاقَةُ، تَقُولُ: اجْهَد جَهْدَك؛ وَقِيلَ: الجَهْد الْمَشَقَّةُ والجُهْد الطَّاقَةُ.
والْجُهْدُ بِالضَّمِّ فِي الْحِجَازِ وَبِالْفَتْحِ فِي غَيْرِهِمْ الْوُسْعُ وَالطَّاقَةُ وَقِيلَ الْمَضْمُومُ الطَّاقَةُ وَالْمَفْتُوحُ الْمَشَقَّةُ وَالْجَهْدُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ النِّهَايَةُ وَالْغَايَةُ وَهُوَ مَصْدَرٌ مَنْ جَهَدَ فِي الْأَمْرِ جَهْدًا مِنْ بَابِ نَفَعَ إذَا طَلَبَ حَتَّى بَلَغَ غَايَتَهُ فِي الطَّلَبِ وَجَهَدَهُ الْأَمْرُ وَالْمَرَضُ جَهْدًا أَيْضًا إذَا بَلَغَ مِنْهُ الْمَشَقَّةَ وَمِنْهُ جَهْدُ الْبَلَاءِ وَيُقَالُ جَهَدْتُ فُلَانًا جَهْدًا إذَا بَلَغْتَ مَشَقَّتَهُ.وَجَهَدْتُ الدَّابَّةَ وَأَجْهَدْتُهَا حَمَلْتُ عَلَيْهَا فِي السَّيْرِ فَوْقَ طَاقَتهَا.وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جِهَادًا.
وَاجْتَهَدَ فِي الْأَمْرِ بَذَلَ وُسْعَهُ وَطَاقَتَهُ فِي طَلَبِهِ لِيَبْلُغَ مَجْهُودَهُ وَيَصِلَ إلَى نِهَايَتِهِ(34).
واصطلاحًا: هُوَ استفراغ الْفَقِيه الوسع، بِحَيْثُ يحس من نَفسه الْعَجز عَن الْمَزِيد عَلَيْهِ؛ وَذَلِكَ لتَحْصِيل ظن بِحكم شَرْعِي، وَلَا يُكَلف الْمُجْتَهد بنيل الْحق وإصابته بِالْفِعْلِ، إِذْ لَيْسَ ذَلِك فِي وَسعه لغموضه وخفاء دَلِيله، بل ببذل الْجهد واستفراغ الطَّاقَة فِي طلبه، وَلَيْسَ فِيهِ تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق أصلا(35).
والاجتهاد هو: (بذل الفقيه وسعه لاكتساب حكم شرعي ظني عملي من أدلته التفصيلية)(36).

المبحث الثاني: أنواع المجتهدين

أ- مجتهد مطلق وهو العالم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأقوال الصحابة، يجتهد في أحكام النوازل يقصد فيها موافقة الأدلة الشرعية حيث كانت
فهذا النوع هم الذين يسوغ لهم الإفتاء والاستفتاء، وهم المجددون لهذا الدين القائمون بحجة الله في أرضه.
ب- مجتهد مقيد في مذهب من ائتم به، فهو مجتهد في معرفة فتاويه وأقواله ومأخذه وأصوله، عارف بها، متمكن من التخريج عليها، من غير أن يكون مقلدًا لإمامه لا في الحكم ولا في الدليل، لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتيا، ودعا إلى مذهبه ورتبه وقرره، فهو موافق له في مقصده وطريقه معًا
جـ- مجتهد مقيد في مذهب من انتسب إليه، مقرر له بالدليل، متقن لفتاويه، عالم بها، لا يتعدى أقواله وفتاويه ولا يخالفها، وإذا وجد نص إمامه لم يعدل عنه إلى غيره ألبتة بل نصوص إمامه عنده كنصوص الشارع، قد اكتفى بها من كلفة التعب والمشقة، وقد كفاه إمامه استنباط الأحكام ومؤنة استخراجها من النصوص
وشأن هؤلاء عجيب؛ إذ كيف أوصلهم اجتهادهم إلى كون إمامهم أعلم
من غيره، وأن مذهبه هو الراجح، والصواب دائر معه، وقعد بهم اجتهادهم عن النظر في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - واستنباط الأحكام منه، وترجيح ما يشهد له النص.
د- مجتهد في مذهب من انتسب إليه، فحفظ فتاوى إمامه، وأقر على نفسه بالتقليد المحض له، من جميع الوجوه، وذكر الكتاب والسنة عنده يكون على وجه التبرك والفضيلة لا على وجه الاحتجاج به والعمل، بل إذا رأى حديثًا صحيحًا مخالفًا لقول من انتسب إليه أخذ بقوله وترك الحديث، فليس عند هؤلاء سوى التقليد المذموم.(37)

المبحث الثالث: شروط المجتهد:

هناك أربعة شروط يجب توفرها في المجتهد:
الأول: العلم بكتاب الله عز وجل وما تضمنه من الأحكام محكماً ومتشابهاً، وعموماً وخصوصاً، ومجملاً ومفسراً، وناسخاً ومنسوخاً.
الثاني: العلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة من أقواله وأفعاله، وطرقها في التواتر والآحاد، والصحة والفساد، وما كان منها على سببٍ وإطلاقٍ.
الثالث: العلم بأقاويل السلف فيما أجمعوا عليه واختلفوا فيه، ليتبع الإجماع ويجتهد في الرأي مع الاختلاف.
الرابع: العلم بالقياس الموجب لرد الفروع المسكوت عنها إلى الأصول المنطوق بها والمجمع عليها، حتى يجد المفتي طريقاً إلى العلم بأحكام النوازل وتمييز الحق من الباطل، فهذا ما لا مندوحة للمفتي عنه ولا يجوز له الإخلال بشيء منه(38).

شروط تقليد المذاهب في النوازل.
قال الزَّنَاتيَ(39): يجوز تقليد المذاهب في النوازل، والانتقالُ من مذهبٍ إلى مذهب بثلاثة شروط:
- ألاَ يَجْمع بينهما على وجهٍ يخالف الإجماع، كمن تزوَّج بغير صَدَاقٍ ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد.
- وأن يعتقد فيمن يُقلِّده الفَضْلَ بوصول أخباره إليه، ولا يقلده رَمْياً في عَمَاية.
- ألاَّ يتتبَّع رُخَصَ المذاهب(40).

المبحث الرابع: نماذج من اجتهادات الفقهاء

مَسْأَلَة: اعْلَم أَن الْمَسْأَلَة إِذا كَانَت ذَات اخْتِلَاف بَين أبي حنيفَة، وصاحبيه فَحكمهَا أَن الْمُجْتَهد فِي الْمَذْهَب يخْتَار من أَقْوَالهم:
مَا هُوَ أقوى دَلِيلا، وأقيس تعليلا، وأرفق بِالنَّاسِ، وَلذَلِك أفتى جماعات من عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة على قَول مُحَمَّد[41] _ رَحمَه الله _ فِي طَهَارَة المَاء للمستعمل.
وعَلى قَوْلهمَا: فِي أول وَقت الْعَصْر وَالْعشَاء، وَفِي جَوَاز الْمُزَارعَة، وكتبهم مشحونة بذلك لَا يحْتَاج إِلَى إِيرَاد النقول.
وَكَذَلِكَ الْحَال فِي مَذْهَب الشَّافِعِي _ رَحمَه الله _ فِي الْمِنْهَاج وَغَيره فِي الْفَرَائِض أَن أصل الْمَذْهَب، عدم تَوْرِيث ذَوي الْأَرْحَام، وَقد أفتى الْمُتَأَخّرُونَ عِنْد عدم انتظام بَيت المَال بتوريثهم وَقد نقل _ فَقِيه الْيمن _ ابْن زِيَاد فِي فَتَاوَاهُ مسَائِل أفتى الْمُتَأَخّرُونَ فِيهَا بِخِلَاف الْمَذْهَب مِنْهَا إِخْرَاج الْفُلُوس من الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة من النَّقْدَيْنِ، وعروض التِّجَارَة، أفتى البُلْقِينِيّ(42)بِجَوَازِهِ وَقَالَ أعتقد جَوَازه وَلكنه مُخَالف لمَذْهَب الشَّافِعِي _ رَحمَه الله _ وَتبع البُلْقِينِيّ فِي ذَلِك البُخَارِيّ(43).
وَمِنْهَا دفع الزَّكَاة إِلَى الْأَشْرَاف العلويين، أفتى الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ بِجَوَازِهِ فِي هَذِه الْأَزْمِنَة حِين منعُوا سهمهم من بَيت المَال وأضر بهم الْفقر.
وَمِنْهَا بيع النَّحْل فِي الكوارات(44)مَعَ مَا فِيهَا من شمع وَغَيره، أجاب البُلْقِينِيّ بِالْجَوَازِ وَنقل ابْن زِيَاد عَن الإِمَام ابْن عجيل أَنه قَالَ ثَلَاث مسَائِل فِي الزَّكَاة يُفْتِي فِيهَا بِخِلَاف الْمَذْهَب نقل الزَّكَاة وَدفع الزَّكَاة إِلَى وَاحِد وَدفعهَا إِلَى أحد الْأَصْنَاف(45).

 

_____________________

(1) التشريع الإسلامي صالح للتطبيق في كل زمان ومكان (1/109 - 108).
(2) انظر اعلام الموقعين (1/9).
(3) أخرجه البخاري، في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري، كتاب المناقب، باب مناقب سعد بن معاذ، ورقمه (3804)، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، وجواز إنزال أهل الحق على حكم حاكم عدل أهل للحكم، ورقمه (1768).
(4) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس عن عمر، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، ورقمه 1763، وأخرجه الترمذي في سننه من حديث عبدالله بن مسعود، كتاب الجهاد، باب ما جاء في المشورة، ورقمه 1714، والبيهقي في سننه، كتاب آداب القاضي، باب مشاورة الوالي والقاضي في الأمر 10/109.
(5) أبو عبيد (157 ـ 224 هـ) هو القاسم بن سلام. أبو عبيد كان أبوه روميًا عبدًا لرجل من هراة، أما هو فقد كان إماما في اللغة والفقه والحديث. قال إسحاق بن راهويه: أبو عبيد أعلم مني وأفقه. قال الذهبي: (كان حافظًا للحديث وعلله، عارفا بالفقه والاختلاف، رأسا في اللغة، إماما في القراءات له فيها منصف. ولي قضاء طرسوس. مولده وتعلمه بهراة، ورحل إلى مصر وبغداد وحج فتوفي بمكة. وكان يهدي كتبه إلى عبد الله بن طاهر، فكافأه بما استغنى به)).
من تصانيفه: كتاب (الأموال)؛ و (الغريب المصنف)؛ و (الناسخ والنسوخ)؛ و (الأمثال).
[تذكرة الحفاظ 2/5؛ وتهذيب التهذيب 7/315؛ وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/259]

(6) ميمون بن مهران (37 - 117هـ)، هو ميمون بن مهران، أبو أيوب، الجزري، الرقي نسبة إلى الرقة (من بلاد الجزيرة الفراتية) تابعي، فقيه من القضاة. روى عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم -، وغيرهم. وعنه ابنه عمرو وحميد الطويل وجعفر بن برقان وحبيب بن الشهيد وعلي بن الحكم البناني وغيرهم واستعمله عمر بن عبد العزيز على خراج (الرقة) وقضائها، قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول: ميمون بن مهران أوثق من عكرمة. وقال العجلي والنسائي: جزري تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال: أبو المليح: ما رأيت رجلاً أفضل من ميمون بن مهران.
[تهذيب التهذيب 10/390، وتذكرة الحفاظ 1/93، والأعلام 8/301].
(7) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (1/286 - 285 ).
(8) مقاييس اللغة (5/417)، مادة "نزل"، والقاموس المحيط (4/57-58)، مادة " نزل"، ولسان العرب (11/659)، مادة "نزل"، ومختار الصحاح (1/273)، مادة "نزل".
(9) انظر: عقود رسم المفتي من مجموعة رسائل ابن عابدين (1/17).
(10) انظر: النوازل الفقهية في العمل القضائي المغربي (319)
(11) أبـو عمر، يوسف بن عمر بن عبدالبر، النمري، القرطبي، مجتهد قـدوة، عالم المغـرب رحل إليه الطلبة من كل مكان، كان بارعاً في التأليف والتصنيف له: التمهيد، و الاستذكار، والكافي، والانصاف وغيرها توفي سنة 463 هـ انظر الديباج (440)، الشجرة (1/176).
(12) جامع بيان العلم وفضله (2/55).
(13) انظر: شرح فتح القدير (1/435)، وحاشية ابن عابدين (2/11)، وتفسير القرطبي (4/201)، الأم (1/205، 238)، والمهذب (1/82)، والمبدع (2/13)، ومجموع الفتاوى (21/155، 22/271).
(14) الأم (1/205).
(15) تفسير القرطبي (6/332).
(16) الرسالة (20)، وانظر عبارة قريبة منها في الأم (7/298).
(17) التمهيد (8/368).
(18) انظر: نماذج من التعبير بهذا المصطلح عن الوقائع والحوادث الجديدة في: قواطع الأدلة (1/461، 2/6، 8، 302)، ومجموع الفتاوى (20/208)، والموافقات (3/371، 4/91)، وإعلام الموقعين (1/84)، وشرح الزرقاني (4/296).
(19) انظر أهم هذه التعريفات في كتاب منهج استنباط أحكام النوازل (88).
(20) انظر نماذج من التعبير عن النوازل بالحوادث في: قواطع الأدلة (1/318، 346،461)، والإحكام للآمدي (2/283)، والمحصول (6/27)، وبدائع الصنائع(7/12)، والفواكه الدواني (2/356)، ومجموع الفتاوى (19/200)، والمبسوط (16/63)، والمبدع (4/147)، ومغني المحتاج (4/130).
(21) أبـو منصور، محمَّـد بن أحمد بن أزهر الهروي، اللغوي ينسب إلى جده أزهـر، له تصانيف منها: تهذيب اللغة، التقريب في التفسير، الزاهر في غرائب الألفاظ، توفي سنة 370 هـ. انظر معجم المؤلفين (3/47)، الأعلام (6/202).
(22) انظر لسان العرب 2/132.
(23) هو أحمد بن علي الرازي، انتهت إليه رئاسة الحنفية من مؤلفاته: أحكام القرآن، توفي سنة 370 ه.
انظر: شذرات الذهب 3/ 71، الأعلام 1/ 171.
(24) سورة النساء آية 83.
(25) أحكام القرآن 3/183.
(26) انظر نماذج من التعبير عن النوازل بالوقائع في إعلام الموقعين، 1/217، وشرح فتح القدير 2/334، وكشاف القناع 1/344، ومغني المحتاج 4/210، وتفسير ابن كثير 3/319، وتخريج الفروع على الأصول 1/80.
(27) هو محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل الأنصاري، الرويفعي الإفريقي. الإمام اللغوي الحجة. خدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة. ثم ولي القضاء في طرابلس، وعاد إلى مصر فتوفي بها. وقال الصفدي: لا أعرف في كتب الأدب شيئًا إلا وقد اختصره.
من تصانيفه: " لسان العرب " و " مختار الأغاني "، و " مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر "، و " لطائف الذخيرة "، و " مختصر تاريخ بغداد ".توفي سنة 711 ه.
[شذرات الذهب 6/26، وفوات الوفيات 4/496، والأعلام 7/329].
(28) لسان العرب 8/403.
(29) فقه النوازل (1/28 ـ 29).
(30) انظر منهج استنباط أحكام النوازل من (112 ـ 120).
(31) انظر: المجموع شرح المهذب (1/27،45).
(32) انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/139)، وجامع العلوم والحكم (1/240 ــ 252)، وإعلام الموقعين (1/69).
(33) قواطع الأدلة في الأصول (2/303)، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (2/212).
(34) لسان العرب (3/133). مادة (جهد)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/112). مادة (جهد).
(35) الكليات (1/44).
(36) المعتصر من شرح مختصر الأصول من علم الأصول (1/242).
(37) معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة (1/465 _ 466).
(38) تعظيم الفتيا لابن الجوزي (1/68).
(39) أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن عيَّاش الزَّناَتي - نسبة إلى زَنَات ناحية بَسَرَقُسْطة بالأندلس - الغرناطي يُعرف بالكمَّاد شيخ المالكية، كان إماماً فقيهاً قائماً على المدونة ت 618هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 22/175.
(40) جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول - رسالة ماجستير (2/447).
(41) هو محمد بن الحسن بن فرقد. نسبته إلى بني شيبان بالولاء. أصله من (خرستا) من قرى دمشق، منها قدم أبوه العراق، فولد له محمد بواسط، ونشأ بالكوفة. إمام في الفقه والأصول، ثاني أصحاب أبي حنيفة بعد أبي يوسف. من المجتهدين المنتسبين. هو الذي نشر علم أبي حنيفة بتصانيفه الكثيرة. ولي القضاء للرشيد بالرقة، ثم عزله واستصحبه الرشيد في مخرجه إلى خراسان، فمات محمد بالري.
من تصانيفه: (الجامع الكبير)؛ و (الجامع الصغير)؛ و (المبسوط)؛ و (الزيادات). وهذه كلها التي تسمى عند الحنفية كتب ظاهر الرواية. وله (كتاب الآثار)؛ و (الأصل)، توفي سنة 189 هـ.
[الفوائد البهية ص 163؛ والأعلام للزركلي 6/309؛ والبداية والنهاية 10/202]
(42) هو عمر بن رسلان بن نصير، البلقيني، والكنان أبو حفص، سراج الدين. شيخ الإسلام. عسقلاني الأصل. ولد في (بلقينة) بغربية مصر. أقدمه أبوه إلى القاهرة وهو ابن اثنتي عشرة سنة فاستوطنها، واشتغل على علماء عصره.
نال في الفقه وأصوله الرتبة العليا، حتى انتهت إليه الرئاسة في فقه الشافعية، والمشاركة في غيره. كان مجتهدا حافظا للحديث. وتأهل للتدريس والقضاء والفتيا، وولي إفتاء دار العدل وقضاء دمشق.
من تصانيفه: (تصحيح المنهاج) في الفقه ست مجلدات؛ و (حواش على الروضة) مجلدان؛ وشرحان على الترمذي، توفي سنة 805 هـ.
[الضوء اللامع 6/85؛ وشذرات الذهب 7/511؛ ومعجم المؤلفين 5/205]
(43) هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، أبو عبد الله، البخاري. حبر الإسلام، والحفاظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولد في بخارى، ونشأ يتيما، وكان حاد الذكاء مبرزا في الحفظ.
رحل في طلب الحديث، وسمع من نحو ألف شيخ بخراسان والشام ومصر والحجاز وغيرها. جمع نحو 600 ألف حديث اختار مما صح منها كتابه (الجامع الصحيح) الذي هو أوثق كتب الحديث. وله أيضًا (التاريخ)؛ (الضعفاء)؛ و (الأدب المفرد) وغيرها. توفي سنة 256 هـ.
[الأعلام للزركلي 5/258؛ وتذكرة الحفاظ 2/122؛ وتهذيب التهذيب 9/47؛ وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/271 - 279؛ وتاريخ بغداد 2/4 - 36]
(44) الكوارة: بضم الكاف وفتح ما بعدها جمع كوارات، الموضع الذي يضع فيه النحل العسل، وهو مصنوع من الطين، أما الخلية لذلك فهي مصنوعة من الخشب. معجم لغة الفقهاء (1/386).
(45) عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد (1/20).