17 شوال 1436

السؤال

أنا متزوجة منذ 9 سنوات، منذ دخلت على زوجي وهو يضربني، ولا يحترمني لا أمام أهله ولا أمام أطفالي الثلاثة، وكلامه معي دائما بذيء وفيه سب وشتم، وحاليا صرت أكره حياتي معه إلا أنني أفكر بأطفالي، فهل أكمل حياتي معه أم أطلب الانفصال عنه، أرجو مساعدتي وجزاكم الله خيرا

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة.. أشعر بقدر معاناتِك من حالة التفسُّخ للعلاقة الزوجية، وسوء معاملة زوجك وإهانته لكرامتك وكبريائك تارة بالضرب وتارة بالسب والشتيمة، وتارة بعدم احترامه لوجودك ولشخصيتك أمام أهله وأطفالك الثلاثة..
إلا أنني أتساءل..
كيف استطعت - أختي الكريمة - أن تختاري زوجا بهذه الصفات العنيفة؟ إلا إذا كنت جاهلة بأحواله، وعلى غير دراية بما كان يُبْطِنُه ويخفيه من سلوك، ثم كيف استطعت أن تتحمَّليه خلال هذه السنوات وتنجبي منه أطفالك الثلاثة؟ وما هي الأسباب والدوافع التي تدعوه لكي يعاملك بهذا الأسلوب المهين؟
فأنت وحدك القادرة على معرفة تفاصيل حياتك، ودوافعك النفسية والأسرية والاجتماعية والاقتصادية.. التي جعلتك توافقين على زوج بهذه الصفات التي ذكرتِها في رسالتك، ثم أنت وحدك من لديك مبرِّرات اختيارك الاستمرار معه والإنجاب منه على الرغم من معاملته السيئة..
أما الغاية من طرح هذه الأسئلة..
لكي تختلي بنفسك وتفكري في حياتك بالكامل، بتفاصيلها وجزئياتها، ومواقف زوجك الإيجابية والسلبية، وطباعه الجميلة والذَّميمة، وتوازِني بينها وبين مشاعرك اتجاهه، وتصلي بنفسك للحل المناسب والاختيار السليم للاستمرار أو الطلاق..
فهل أنت رافضة لكلِّ طباعه وناقمة على شخصيَّته وكارِهَة لوجودك معه؟؟ أم أنه مجرد رفض نسبي ومؤقت، ومرتبط بمواقف أو بأحداث أو تجارب بعينها، أو طباع محددة؟؟..
لأن الحياة الزوجية تحتاج إلى نظرة شمولية، تجعل الطرفين معا إما أن يصلا إلى ذروة التفاهم والانسجام، أو أن يفشلا في ذلك، أو يصِلا إلى نِسَب متفاوتة من التفاهم والانسجام، فكلَّما قلَّ التفاهم بينهما ارتفع حاجز الصمت، والخوف، والتردد، والرفض، والنَّبذ، والتذمُّر.. حتى يصلا بالتدريج إلى مرحلة الكراهية والرغبة في الانفصال والطلاق..
فإلى أي حدٍّ تشعرين من داخلك - أختي الكريمة - بعدم التفاهم مع زوجك؟ وهل ما زلت تحملين له - من التقدير والاحترام والمودة والرحمة التي هي من مقاصد الزواج وأهدافه النبيلة - ما يدعوك للاستمرار وعدم الانفصال عنه؟
وهل السبب الحقيقي لعدم انفصالك عنه هو تمسُّكك بالحفاظ على رباط الأبناء أم الحفاظ على رباط الزوجية؟
فإذا كنت ما زلت تشعرين بارتباطك بزوجك ولو بخيوط رفيعة، فهذا مؤشِّر إيجابي، يساعد على توثيق علاقة الزوجية، والسعي لإصلاح المساوئ والمفاسد والسلبيات ومعالجة الأضرار المنتهكة، ومدِّ صلات التواصل من جديد..
أما إذا كنت تشعرين بالكراهية اتجاهه، واحتقارك لشخصيته وطباعه وسوء معاملته إلى حدِّ الرفض التام للاستمرار والعيش معه، ففي هذه الحالة يكون الانفصال أفضل الحلول، لأنَّ علاقة الزوجية في هذه الحالة قد فقدت مَقاصِد الزواج وأهدافه النبيلة، القائمة على السكن والمودَّة والرحمة..
فقد روى أبو داود في "سُننه"، عن عائشة، أنَّ حبيبة بنت سهلٍ كانت عند ثابت بن قيس بن شماسٍ، فضربها، فكسر بعضها، فأتتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الصبح، فاشتكتْه إليه، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابتًا فقال: "خُذْ بَعْضَ مَالِهَا وَفَارِقْهَا"، فقال: وَيَصْلُحُ ذلك يا رسولَ الله؟، قال: "نعم"، قال: فإني أَصْدَقْتُهَا حَدِيقَتَيْنِ وهما بيدِها، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خُذْهُمَا وَفَارِقْهَا"، ففعل
ومن الحلول التي تناسب حالتك وتخفِّف من معاناتك ما يلي:
أولا: عادة - أختي الكريمة - عندما تكتشف الزوجة أن شريك حياتها إنسان عنيف في ردَّات أفعاله، ومستعد أن يضربَها كلما أثارت غضبه إلى حدِّ إلحاقِ الضَّرَر بها وإهانتها، ومع ذلك تفضِّل البقاء معه، فهذا معناه إما أنها تحبه فلا تتحمَّل مفارقته، أو أنها تخشى من نظرة الأسرة والمجتمع للمرأة المطلقة فتتحمل الضرر، أو لأن ظروفها المادية لا تسمح لها بإعالة نفسها أو الإنفاق على أبنائها وتحمل مسؤولية تربيتهم بمفردها..
فإذا كنت - أختي الكريمة - ما زلت تشعرين اتجاه زوجك بمشاعر إيجابية ومستعدة أن تتحمليه كما هو، فعليك أن تتخلصي من حاجز الصمت والخوف، وتواجهي زوجك بصراحة برفضك لمعاملته، وأنك غير مستعدة أن تعيشي معه في هذا الجو المشحون بالغضب والمهين لكرامتك ولمشاعرك ولجسدك بالضرب..
ثانيا: اعملي على تجنُّب كل ما يثير عصبِيَّته وانفعاله قدر استطاعتك، وحاولي أن تخفِّفي من حِدَّة ثورته وجموحه، وتمتصِّي غضبه الشديد، ولا تقابلي عنفه بعنفٍ أشد منه، وحافظي على هدوئِك وبرودة أعصابِك أمامه، حتى يتعوَّد على عدم وجود مثير أو سبب يضطره لضربك أو الإضرار بك..
ثالثا: أنظُري إلى علاقتك بزوجك بعمق أكبر، وارْتقي بحديثك وتواصلك معه إلى أفق الحوار الهادِف، واغتنمي تلك اللحظات التي يكون فيها مستقرًّا نفسيا وعصبيًّا، وناقِشي معه المسائل والقضايا التي تهمُّ البيت والأسرة والأبناء، وابحثي عن حلول للمشاكل المُثارة بينكما في جوٍّ هادئ..
رابعا: شجِّعيه على محادثتك، واختاري الزمان والمكان المناسب لذلك، وعوِّديه على أن يتكلم عن نفسه وعمَّا يقلقه أو يغضبه، من غير أن ترغِميه على إخبارِك بما يفكر به أو الإلحاح عليه، واستخدمي ذكاءك في استخراج ما يُبْطِن وما يختبئ تحت لسانه، واسْبُري أغوار نفسه، وما يولِّد لديه الرغبة في العنف والضرب، وتبيَّني من خلال الإشارات والعلامات التي تظهر عليه فجأة وتعكِّر مزاجِه، لمعرفة الأسباب التي تجعل الحوار بينكما عقيمًا..
وكوني دائما مستعدة للاستماع إليه وهو يتحدث عما يقلقه ويضايقه، فقد تكون لديه أزمة نفسية عميقة، أو إحباطات ومشاكل متراكمة ومتلاحقة في العمل، أو مع الأهل والأصدقاء، وهذا سيساعدك في اكتشاف الأسباب الحقيقية التي تدعوه لمعاملتك بهذه الطريقة السيئة، والتخلُّص من التفكير في معاناتك الشخصية، والانتقال إلى التفكير في معاناة زوجك، وتجنُّب ما يضايقه ويثير غضبه ونقمته، ومعاملته بطريقة خاصة..
خامسا: يمكنك أن تستشيري أخصائية نفسية أو اجتماعية وتعقدي معها زيارات منظمة، كي تتحدَّثي إليها بصوت مرتفع، وبالتالي تتخلصي من ذاك الضغط النفسي والتوثُّر العصبي، وحتى تساعدك على فهم أسباب ردود أفعال زوجك العنيفة، والتعرُّف على كثير من تفاصيل علاقتك بزوجك، لتتجنَّبي الخوض في كثير من القضايا ومعرفة الحقائق التي كنت غافلة عنها والمثيرة للمشاكل بينكما، وبالتالي إيجاد حلول حاسمة تخفِّف من معاناتك الزوجية..
سادسا: لا تفكِّري في زوجك ومشاكلك معه بشكل سلبي، وكأنه أسوأ زوج بالعالم، وكأن معاناتك معه والشِّجار المتكرِّر بينكما أمر محتوم لا حلَّ له، بل عليك أن تخرجي من تلك الدائرة المغلقة في التفكير والتحليل، وتتعوَّدي على رفض الأمر الواقِع، وتتحرَّري من تقمُّصِك لشخصية الضحية التي تتلقَّي الضربات واللَّكمات، والشتائم، وهي تتفرج ولا تظهر إعراضا، وتنتظر الإغاثة والنجدة، بل الأولى بك أن تؤهِّلي نفسك لمقاومة هذا العنف، ونتصدَّي له بما تملكينه من طاقة التحدي الكافية لحل مشكلتك، وأن تثقي بكفاءتك وقدرتك على مواجهة غضبه وهياجه، والتخلُّص من مشاعر الخوف التي تعيقُ حركتك وتشلُّ تفكيرك، وترجمى الصدَّ والاعتراض والنقد بالحديث والحوار المتكرِّر في مناسبات تجمع بينكما، أو باللجوء إلى مساعدة أفراد من أسرتك أو أسرته أو من له تأثير إيجابي على شخصيته، ليتدخَّل في إصلاح ما بينكما، فحتما سيكون هذا مفيداً لكما..
سابعا: الزوجة الحكيمة هي التي تملك من الذكاء والفطنة وسلطة التأثير على زوجها حتى ولو كان عنيفا، فيصبح أمامها كطفل وديع لطيف..
فكوني تلك الزوجة التي تسعى لتغيِّر من رتابة الحياة التي تجمع بينها وبين زوجها، واطلبي منه تغيير أجواء البيت، كأن تخرجي معه بين فترة وأخرى في نزهة للاستجمام، وتفريغ ما في النفس من مشاعر سلبية ومحْبِطَة، ورتِّبي مكاناً خاصا داخل البيت، تجتمعان فيه لشرب القهوة أو الشاي أو ما شابه ذلك، ولْيكُن منظَّمًا ومنسَّقًا بشكل جميل وجذَّاب للعين والقلب، ومُلفت للانتباه، ومُريح للنفس، لأن تغيير المكان له تأثير إيجابي على المزاج، وتجديد لمشاعر الحب والمودة بين الزوجين..
ثامنا: اهتمِّي بمظهرك وأناقتك ولباسك، وتزيَّني لزوجك كما كنت تفعلين في بداية زواجك، وحاولي من جديد أن تنعِشي حياتك الزوجية بمثيرات طبيعية، وتلفتي انتباه زوجك بإثارة مشاعره الإيجابية، والتقرُّب إليه بمظهرك الجميل، والتودُّد إليه وإشعاره بحبِّك، وسعادتِك بقربِه، واحترامِك لرجولته وكرامته وكبريائه، وأهمِّية وجوده في حياتك، وحاجتِك الشديدة لمشاركته، فهذا الشعور مرغوب فيه ومحبَّب إلى الزوج كيفما كانت طباعه، ومن شأنه أن يذيب تلك المشاعر العدائية لديه، فلا شيء يقسم ظهر الزوج وينكِّد عيشه ويقهره من نظرة زوجته الدُّونية، واحتقارها لشخصيته، وعدم احترامها لرغباته واختياراته، وإشعاره بندمها على الزواج منه..
وفي الختام..
كلما تقربت إلى الله تعالى بالدعاء، والذكر، والإكثار من الطاعات، والصدقات، والنوافل، وفعل الخير والإحسان إلى الغير..
سييسر الله أمورك مع زوجك، ويصلح حالك وحال أبنائك، وسيجعل لك من الضيق مخرجا، ومن العسر يسرا، وسيبدِّد مخاوفك، ويفتح عين بصيرتك، ويلهمك السداد والرشاد..
وأسأل الله العلي القدير أن يهدي زوجك، ويرقِّق قلبه، ويصلح حاله، وأن يقوي أواصر الزواج بينكما بمعاني المودة والرحمة والمحبة، ويجعل حياتك معه حياة هنيئة سعيدة..