أنت هنا

الاغتيال في صندوق الانتخابات الأوزبكية!
8 ربيع الأول 1436
موقع المسلم

لم يكن المقطع الذي جرى تداوله في مواقع تركية وعربية عديدة لاغتيال شيخ أوزبكي بارز على باب مقر المعهد العلمي الذي كان يدرس فيه لطلابه العلم الشرعي بمدينة اسطنبول التركية مفاجئاً لمن يعرف طبيعة تعامل النظام الأوزبكي مع العلماء والشيوخ والمعارضين الإسلاميين، لكنه كان صادماً لمن ظن أن رياح التغيير يمكن أن تهب على بلاد آسيا الوسطى التي لم تزل ترزح تحت حكم استبدادي بغيض.

 

لا تغير إذن، إنه الاضطهاد المزمن لكل صوت إسلامي يعلو في تلك البلدان، حتى غدت حيثيات "إعدام" الشيخ عبدالله بخارى الناشط في المجال الشرعي بين الطلاب الأوزبك وغيرهم من الفارين بدينهم خارج حدود بلادهم أوزبكستان وسواها من جمهوريات آسيا الوسطى المسلمة، هي أنه "إمام مسلم يعلم الشباب المسلم الدين الإسلامي ثم يرسلهم ليعلموا الناس في بلادهم شؤون دينهم" مثلما جاء على لسان قاتله الروسي الذي أرسلته استخبارات روسيا منذ عام يترصد خلالها الشيخ بخارى (38 عاماً) لكي يقتله غيلة لمنع نشاطه المتمثل في تعليم الطلاب من بلاد ما وراء القوقاز أمور دينهم، بخمس لغات كان يتقنها رحمه الله.

 

لكن ما يستنتج من العملية الخسيسة أن الشيوخ المسلمين يمثلون حالة إزعاج شديدة جداً  للسلطات الأوزبكية حملتها على تنفيذ اغتيال خارج حدود الدولة، وعلى بعد كبير منها بما يشير إلى أن الأثر الذي يحدثه هؤلاء في إيقاظ روح الإسلام التي يسعى نظام طشقند لإزهاقه برغم إمساكه بكل تلابيب السلطة؛ فرئيس أوزبكستان إسلام كريموف ما زال يتمسك بالسلطة منذ 23 عاماً، أي منذ الاستقلال الصوري عن الاتحاد السوفيتي، حين عينه الحزب الشيوعي السوفيتي رئيساً لفرع الحزب في أوزبكستان قبل عامين من تسليمه السلطة، ولم يزل متمسكاً بالسلطة ويريد أن يصبح رئيس أوزبكستان لفترة رئاسية قادمة تبدأ مع انتخابات مارس المقبل الشكلية. كما أن سلطته الفردية مستمرة برغم تغييراته الهامشية التي قيل قبل ثلاثة أعوام أنها "إصلاحية" وتمنح بموجبها البرلمان صلاحية تسمية رئيس الوزراء وحجب الثقة عن الحكومة.

 

برغم هذا "الاستقرار" أو بالأحرى الركود؛ فإن النظام الأوزبكي وجد أنه لزاماً عليه أن يضع جوار بطاقات الانتخاب المزورة شهادة وفاة (اغتيال) الشيخ البخاري؛ لأنها لم تعد تكفي وحدها ليس لضمان استمراره فحسب، وإنما لإيقاف الزحف الإسلامي ـ إن جاز التعبير ـ إلى منطقة آسيا الوسطى الذي تخشاه موسكو والعواصم التابعة بشدة، ويجعلها تعرض علاقتها المتنامية نوعاً ما مع أنقرة إلى الاهتزاز على خلفية مثل هذه الجرائم التي تجرح السيادة التركية، وقدرتها على المحافظة على أرواح لاجئيها السياسيين.

 

حادثة اغتيال الشيخ البخاري ـ كما تقدم ـ ليست نشازاً في ممارسات نظام طشقند القمعي، ولا أربابه في موسكو، ولكنها تكشف بجلاء عن أن رياح التغيير هي ما أضحت تخشاها تلك العواصم، وما تنفيذ اغتيال في طرف أوروبا لشيخ ناشط إلا مشيراً إلى الجهة التي تتحسب موسكو من هبوبها منها تحديداً..