28 رمضان 1436

السؤال

السلام عليكم، أنا مقيم في ألمانيا، وأعمالي كلها في هذا البلد، وتزوجت منذ ثلاثة أعوام بامرأة مطلقة، من فرنسا، لها بنت، كان عمرها آنذاك سبع سنين، ورزقنا الله ببنت، والآن ترفض المجئ إلى بيتها في ألمانيا، بسبب ابنتها التي تذهب إلى المدرسة هناك، كما أنها تذهب عند أبيها نهاية كل أسبوعين، رغم اتفاقنا قبل الزواج على أن تعيش معي في ألمانيا. والآن أنا في حيرة. أرشدوني وجزاكم الله خيرًا.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
طالعتُ استشارتك أكثر من مرة، وأدرك حجم المشكلة التي تعاني منها، وأود بداية أن أوضح أنه كان يجب عليك وأنت رجل ناضج، في العقد الخامس من عمرك، أن تكون أكثر وضوحًا مع نفسك أولاً، ومع شريكة حياتك التي اخترتها، قبل الزواج منها، ولأنك تقيم في ألمانيا فقد كان الأولى بك أن تبحث عن زوجة في الدولة بل وفي المنطقة التي تعيش بها.
أما وأنك اخترتها من دولة أخرى (فرنسا)، فكان لا بد أن تتفقا قبل الارتباط على مقر مسكن الزوجية، ومستقر حياتكما بعد الزواج، سواء في بلد إقامتك ألمانيا، أو في بلد إقامتها فرنسا، فلا شك أن هذا الأمر (مكان الإقامة) من أول ما يجب النظر فيه والاتفاق عليه قبل الارتباط، خاصة إذا كان لك ارتباطات حياتية في ألمانيا كالعمل أو التجارة أو الدراسة أو...إلخ.
واعلم أخي زادك الله فقهًا، أن الإسلام حث المسلمين على الوفاء بالعهود التي قطعوها على أنفسهم، فقال تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34]. كما أمرنا سبحانه وتعالى بالوفاء بالعقود التي اتفقنا عليها فقال جل شأنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة:1].
ونهانا صلى الله عليه وسلم عن النكوص والغدر بالعهود والوعود، واعتبر ذلك من آيات وعلامات المنافقين، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن عمرو، أَن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قَالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا؛ وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ".
وأحب أن أنبهك أخي الكريم أن ديننا العظيم قد أمرنا بحسن اختيار الزوجة، وأن نحرص أن تكون صالحة، فهلا سألت نفسك هل زوجتك امرأة صالحة؟ ولماذا يسهل عليها تركك هكذا؟! وما موقفها من طاعة زوجها؟!
واعلم يااخي الكريم أن الزوجة الصالحة يمكن للمرء أن يضحي من أجلها ومن أجل راحتها، في حدود عدم الإضرار بك وبابنتك وبأسرتك، أما المرأة الغشوش الغشوم غير الصالحة فمفارقتها فضيلة..
أخي الكريم:
اسمح لي أن أوجه لك بعض الأسئلة مثل: هل كنت على علم بأن ابنتها تدرس في فرنسا، وأنها مرتبطة برؤية والدها مرة كل أسبوعين؟، وهل اتفقتما سويًا قبل الزواج على تسوية وضع البنت بنقل مقر إقامتها ودراستها إلى ألمانيا أو تسليمها إلى والدها أم أنكما لم تتحدثا في هذا الملف؟، أين كانت تقيم هي بعد زواجك منها.. هل معك في ألمانيا أم مع ابنتها في فرنسا؟، ما الذي جد في الأمر فجعلها ترفض الانتقال للإقامة معك في ألمانيا طالما أنكما كنتما متفقين على ذلك؟.
وفقًا للمعلومات المتوفرة في استشاراتك، فإنني أنصحك بدراسة الأمر وفقًا للآتي:
1) اجلس مع نفسك، وضع الاحتمالات والسيناريوهات المحتملة، وانظر كيف ستتعامل مع كل احتمال منها، وفقًا للمستجدات التي طرأت على حياتك، واحسب الأمر جيدًا، وقدر عواقب كل اختيار، فلا شك أن أي قرار ستأخذه سيكون له مزاياه وعيوبه، وأرباحه وخسائره.
2) انتبه جيدًا، وأنت تحسب الأمور، إلى أن هناك ضحية ستدفع الثمن، رغم أنها لم ترتكب جرمًا، ولم تقترف خطيئة، فقد أثمر زواجكما – حسب روايتك- طفلة، لا تزال في ربيعها الثاني.
3) هل أنت قادر ومستعد- وفقًا لظروف عملك أو دراستك- للتضحية، بما يتضمنه ذلك من خسائر قد تترتب على هذا القرار، من فقدان عملك، أو ترك دراستك دون اكتمال، أو خسارة مسكنك أو إقامتك في ألمانيا؟... إلخ، من أجل جمع شمل أسرتك (زوجتك وابنتك)، وحتى لا تتربى ابنتها من زوجها السابق بعيدًا عنها، وحتى لا تتربى ابنتكما بعيدًا عنك؟
4) هل لديها (زوجتك) الرغبة والقدرة على التضحية بابنتها من زوجها السابق، للوفاء بما قطعته على نفسها من وعد بالانتقال للعيش معك في ألمانيا، رغم ما ستتكبده من خسائر، في مقدمتها العيش بعيدًا عن ابنتها؟
5) التصور السالف يتوقف أيضًا على فرضية أن طليقها سيقبل بفكرة ومبدأ إقامة ابنته معه، وهنا يثور سؤال: هل ظروفه أو اتفاقه مع مطلقته يسمحان بهذا أم لا؟، وهل سيقبل هو بأن تنتقل ابنته للإقامة معكما في ألمانيا إن كانت ظروفه لا تسمح؟.
6) وفي النهاية، أنصحك بأن تجلسا سويًا، وتناقشا بمنتهى العقل والحكمة كلا الاحتمالات الواردة، والسيناريوهات المحتملة، والقرارات المتوقعة، وأن تدرسا سويًا عواقب كل منها، عليكما، وعلى ابنتكما، وأيضًا على ابنتها من زوجها الأول، وأن تتحليا بالشجاعة والصراحة والمكاشفة، وأن تنظرا في أمركما، لتعرفا أيكما الذي يمكنه التضحية من أجل الآخر، ومن أجل ابنتيكما، ثم تتخذا القرار النهائي وأنتما على علم بأن أي قرار ستتخذانه سيكون له عواقب وخسائر.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يرضى عنك، ويهدئ روعك، ويربط على قلبك، وأن يصلح لك نفسك، وأن يجمع بينك وبين زوجتك وابنتك، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره وخبثه.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.