ماذا يعني فوز السبسي برئاسة تونس ؟
1 ربيع الأول 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

لم يكن مفاجئا إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس اليوم فوز المرشح الباجي قائد السبسي بانتخابات الرئاسة بنسبة 55.68 بالمئة من أصوات الناخبين ، فيما حصل منافسه الدكتور المنصف المرزوقي على نسبة 44.32 بالمئة من أصوات الناخبين , فقد كانت هذه النتيجة متوقعة بعد مسلسل الثورات المضادة التي اجتاحت بلاد ما عرف "بالربيع العربي" , وأطاحت بطموحات الشعوب الثائرة بإدارة شؤون بلادها حسب إرادتها . وبغض النظر عن الخروقات والتجاوزات التي شابت هذه الانتخابات , والتي كان أبرزها استباق حملة السبسي بإعلان فوزه منذ أمس , والتي أدت إلى احتجاجات عمت شوارع العديد من المدن التونسية , وبغض النظر عن جميع المعطيات التي كانت تشير إلى وجود إرادة دولية غربية لقلب الطاولة على نتاج الثورات العربية التي اكتسح فيها التيار الإسلامي جميع الانتخابات والاسحقاقات الديمقراطية , فإن فوز السبسي برئاسة تونس - بعد هيمنة حزبه أيضا على البرلمان – يعني : 1- عودة العلمانية إلى تونس بقوة بعد أن منيت بضربة موجعة كادت أن تقضي عليها بعد الثورة , فمن المعروف أن الباجي قائد السبسي من أبرز وجوه الليبرالية والعلمانية في تونس , ناهيك عن كونه أبرز المناوئين للتيار الإسلامي . كما أن الرجل لا يخفي توجهه الليبرالي العلماني وميوله الغربية , ففي تصريحات سابقة خلال حملته الانتخابية ، اعتبر السبسي أن "الاختيار منحصر بين الهمجية أو المستقبل"، وفي مرة أخرى بين "العلمانية والإسلامية" , الأمر الذي يؤكد توجهه العلماني الواضح والصريح . والملاحظ أن العلمانية تعود إلى دول ما سمي "بالربيع العربي" بشكل أشد مما كانت عليه في أنظمة الحكم السابقة , وبشكل يتنافى مع جميع شعاراتها المزعومة , فلا بأس في العلمانية والليبرالية العربية بعد ثورات "الربيع العربي" بالإقصاء والتهميش للآخر , ولا بأس بالانقلاب على نتائج الانتخابات , بل لا بأس بممارسة العنف ضد الرأي الآخر باسم "مكافحة الإرهاب" . وفي الوقت الذي يُتهم فيه التيار الإسلامي بمحاولة "أسلمة الدولة" وإقصاء الآخر حين وصل إلى سدة الحكم في بعض الدول العربية , لا نرى نفس الاتهام يوجه إلى من يرفعون شعار العلمانية في دول "الربيع العربي" , رغم أن الإقصاء والتهميش – بل والملاحقة واستعمال العنف ضد هذا التيار – كان واضحا وصريحا . 2- عودة رموز نظام بن علي إلى المشهد السياسي من جديد , فمن المعروف أن معظم رجال النظام التونسي السابق ضمن حزب نداء تونس الذي شكله السبسي في عام 2012م , ليكون واجهة سياسية للعودة إلى الحكم من جديد. ومن المعلوم أن السبسي تقلد مناصب سيادية كثيرة في عهد بورقيبة وبن علي , من رئيس الأمن الوطني عام 1963م , إلى وزير الداخلية ومن ثم الدفاع عام 1969م , إلى سفير تونس لدى باريس عام 1970 , إلى وزير للخارجية عام 1981م , ورئيس مجلس النواب عام 1990- 1991م , الأمر الذي يؤكد أن وصوله إلى قمة الهرم في تونس هذه المرة ستعيد رجال ودولة بن علي التي ثار عليها التونسيون قبل أربعة أعوام . 3- يعني فوز السبسي برئاسة تونس حملة جديدة على التيار الإسلامي المتمثل بحزب النهضة وغيره من التيارات الإسلامية المتواجدة على المشهد السياسي التونسي , حيث العداء الواضح والصريح على حزب النهضة ذي التوجه الإسلامي , ناهيك عن العداء الأشد ضد السلفيين . ولعل التصريات الكثيرة التي أدلى بها السبسي بعد فوز حزبه بالمركز الأول في الانتخابات البرلمانية , حيث أكد خلال اجتماع المكتب التنفيذي لحزب نداء تونس أن فكرة التحالف مع حركة النهضة في الحكومة القادمة كانت مرفوضة منذ البداية ، وهي اليوم مرفوضة شكلًا ومضمونًا مهما كانت التكاليف , وذلك لأن النهضة "عملت ضدنا ومنحوا أصواتهم للمرزوقي واليوم يجيشون الجنوب ضدنا"، وفقا لما أوردته جريدة العرب اللندنية . كما أن تصريحاته بعد نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية , تشير بوضوح إلى هذا العداء حيث قال : إن من صوت للمرزوقي هم إسلاميون وسلفيون متطرفون , وهو ما أثار ثورة غضب عارمة في البلاد . ولا يغرنّ القارئ الكريم العبارات الدبلوماسية التي يصرح بها بين الحين والآخر – وخصوصا قبيل صدور النتائج الرئاسية بقليل – عن أنه سيكون رئيسا لكل التونسيين دون تمييز , فتصريحاته السابقة كفيلة لرسم صورة المستقبل الذي ستكون عليه العلاقة بينه وبين التيار الإسلامي بشكل عام . 4- يمثل وصول السبسي أحد أبرز وجوه النظام السابق إلى منصب الرئاسة بتونس نكسة لمهد الثورات العربية , وإخماد جذوة أمل جديدة من آمال دول الربيع العربي التواقة إلى العودة إلى الإسلام كنظام حكم وحياة . 5- لا شك أن فوز السبسي برئاسة تونس سيشكل عامل ضغط جديد على ما تبقى من ثورات "الربيع العربي" , وخصوصا في ليبيا التي يخوض فيها التيار الإسلامي حربا شرسة ضد العلمانية ممثلة بالقوات الموالية "لحفتر" المدعوم غربيا وإقليما , والذي سيجد دعما جديدا بعد وصول العلمانية إلى سدة الحكم في تونس . ويمكن قراءة موقف الرئيس الجديد لتونس من خلال تصريحه خلال حملته الانتخابية في الجولة الثانية : بأنه سيعمل على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري حال فوزه , والتي قطعها المرزوقي سابقا , وهو ما يغني عن التعليق .