لماذا يكرهون الإسلام ؟
25 صفر 1436
د. عامر الهوشان

عبارة " أسلمة المجتمع الأوربي" بدأت تتصاعد في الأونة الأخيرة , ويستخدمها القاصي والداني من الأحزاب اليمينية الغربية المتشددة للنيل من المسلمين , واتخاذها ذريعة لوقف انتشار الإسلام في أوروبا , الذي يجري على قدم وساق منذ فترة ليست بالقصيرة , الأمر الذي دفع الكثير من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لدق ناقوس الخطر – حسب تعبيرهم – من خلال التقارير والإحصائيات التي تشير إلى أن أوروبا قد تصبح إسلامية بحلول عام 2050م .
والغريب في الأمر أن انتشار أي دين أو ملة أو مذهب غير الإسلام , أو حتى خروج الناس من الدين كلية إلى الإلحاد لا يقلق الحكومات الأوروبية , ولا يثير في نفوس ساستها أي انزعاج , بل ربما يتفاخرون بذلك كتدليل على حرية الرأي والعقيدة في القارة العجوز , وبرهان على أن لكل إنسان في أوروبا الحرية بأن يعتقد ما يريد , دون أن يؤثر ذلك عليه في شيء .
أما أن يعتنق الأوربيون الإسلام بحرية تامة ودون أي إكراه , وأن يدخل أصحاب البشرة البيضاء في دين الله أفواجا , فهو ما يثير في نفوس الحكومات الغربية قلقا بالغا , وإن كانت لا تظهر ذلك علانية حتى لا تنهار أسطورة الحرية الدينية المزعومة , وشعار المساواة الوهمي , اللذين لم يبقى منهما إلا الاسم دون المعنى والرسم دون الجوهر والحقيقة .
والمتابع لما يجري في الدول الغربية يمكنه ملاحظة تنامي ظاهرة الرهاب من الإسلام "الإسلاموفوبيا" , والتي تتنقل من بلد لآخر دون توقف , وذلك دون سبب سوى كراهية هذه الدول للإسلام , وموقفها الموروث - دون دراسة - من هذا الدين العظيم , خصوصا مع تنامي ظاهرة هجرة العرب والمسلمين إلى بلاد الغرب بعد الأحداث الأخيرة في الدول العربية والإسلامية .
ويبدو أن المحطة الأخيرة لظاهرة "الإسلاموفوبيا" كانت في ألمانيا , بعد أن سادت في أغلب الدول الأوروبية منذ زمن , فقد شارك آلاف الألمان في مدينة دريسدن شرقي البلاد بمظاهرة ضد من سموهم "طالبي اللجوء المجرمين" , وضد ما وصفوه "أسلمة" البلاد .
والمثير للاهتمام هو تتبع بداية ظهور هذه الاحتجاجات , والتي بدأها رجل محلي يدعى "لوتز باخمان" و هو ألمانى لديه سجل جنائي طويل بما في ذلك إدانات بالسطو وتجارة المخدرات ، دعا إلى أول مظاهرة في أكتوبر و شارك بها المئات فقط , و لكنها ما لبثت أن توسعت لتشمل الآلاف , فكيف يصف من هكذا سجله الجنائي المسلمين المهاجرين بأنهم "مجرمين" !!
وبالنظر إلى خلفية المتظاهرين ضد "أسلمة المجتمع " كما يزعمون , يجد أنهم من أنصار جماعة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) , وهي حركة تحظى بدعم من يوصفون بـ"النازيين الجدد" , ومن مشاغبي كرة القدم اليمينيين المتطرفين .
ولعل الهتاف الذي استخدمه المحتجون على أسطورة "أسلمة المجتمع الألماني" تكشف لنا حقيقة ما يجري هناك , ففي مظاهرة أمس هتف المتظاهرون "نحن الشعب"، وهي العبارة التي هتف بها المتظاهرون المنادون بالديمقراطية في ألمانيا الشرقية قبل ربع قرن في هذه المدينة قبل سقوط جدار برلين , وهو ما اعتبره زعيم المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا "أمين مازييك" محاولة من تلك الحركات المتشددة لتقسيم المجتمع الألماني إلى "أنتم المسلمون السيئون ونحن الألمان الجيدون" .
ورغم وجود أصوات معارضة لهذه الحملة ضد المسلمين , حيث خرجت مظاهرة أخرى مضادة تحت شعار "دريسدن خالية من النازيين" و"دريسدن للجميع"، التي نظمتها جماعات مدنية وسياسية شارك فيها نحو 6000 شخص .
كما انتقدت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" حملات "بيغيدا" , مؤكدة أن حرية التظاهر لا يعني التحريض على الآخرين والتشهير بهم"، ناهيك عن تحذير وزير العدل "هيكو ماس" من أن مسيرات "بيغيدا" "تجلب العار" على البلاد، مؤكدا أن ألمانيا تشهد تصعيدا في التحريض على المهاجرين واللاجئين، وهو ما وصفه بأنه بغيض ومقيت .
على الرغم من ذلك إلا أن تاريخ الحكومات الغربية في التعامل مع أمثال هذه الحركات المناهضة للمسلمين لا يبشر بخير , فغالبا ما يكتفي المسؤولون السياسيون بأمثال هذه التصريحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع , ثم لا يقومون بأي تحرك فعلي لوقف هذه الاحتجاجات , أو منع تعرض المسلمين لمضايقات وانتهاكات , ولعل الأسوأ من ذلك هو تلبية مطالب المناهضين للإسلام باسم الديمقراطية .
ولعل ما أظهره استطلاع للرأي أجراه موقع "زيت" على الإنترنت يشير إلى هذه المخاوف , حيث ذكر أن نحو نصف الألمان (49%) يتعاطفون مع مخاوف "بيغيدا"، بينما قال 30% إنهم يدعمون أهداف المتظاهرين "بالكامل" .
لقد انهارت فيما يبدو كل ثوابت الغرب وشعاراته المزعومة في المساواة والحرية الدينية , والتي شيد على أساسها حضارته الوهمية التي لم تصمد أمام خوفه وكراهيته ورهابه غير المبرر من الإسلام .
ولو بحثت عن جواب لسؤال : لماذا يكرهون الإسلام ؟؟ لما وجدت جوابا منطقيا أو مقبولا , بل هي أحقاد موروثة , بالإضافة لمصالح مادية ونفعية يخشى عليها مع انتشار الإسلام الذي يأمر بالعدل ويأبى الظلم والقهر .