نهاية أسطورة الرجل الأبيض
25 صفر 1436
خالد مصطفى

بعد الكشف عن فضيحة أو على الأصح فضائح التعذيب الذي ثبت بالبرهان تورط المخابرات الأمريكية فيها طوال سنوات عديدة بحجة مكافحة ما أسمته "الإرهاب" والتي استهدفت مواطنين مسلمين تأكد فيما بعد أن الكثير منهم ليست له أدنى صلة بالجماعات المسلحة...

 

وبعد الكشف عن موافقة المجتمع الأمريكي بغالبية كبيرة على هذه العمليات إثر استطلاعات رأي جرى نشرها وضح للعيان ان ما جرى ليس مجرد خطأ فردي لجهاز حكومي وإنما الأمر أبعد من ذلك بكثير...وإذا أضفنا لذلك موجة العنف المتصاعدة في أمريكا تجاه المواطنين السود والتي أدت لمقتل العديد منهم ورفض القضاء الأمريكي "المستقل" توجيه أي اتهامات للمتورطين من رجال الشرطة "البيض" في هذه الحوادث, والمظاهرات التي اندلعت للمطالبة بحقوق الأقليات والتنديد بالعنصرية البيضاء في أكبر بلد في العالم والتي تزعم حماية الحريات..كل هذا يصب في مجرى واسع وهو أن الأسطورة التي أراد الغرب ان يكرسها لعشرات السنين عبر وسائل الإعلام والأفلام واسعة الانتشار عن الرجل الأبيض صاحب المعدن المميز والذي يحمل العدل والمساواة والحرية للعالم انتهت تماما وظهر مكانها حقيقة ساطعة سطوع الشمس, وهي أن هذا الرجل الأبيض استغل الشعوب الأخرى التي ادعى أنه يريد مساعدتها ونهب خيراتها وأخرجها من ديارها لكي يعيش في رفاهية ومقابل ذلك باع لها الوهم في صورة آخر صيحات للملابس والعطور والأجهزة الحديثة والأفلام الملونة التي تحير عقول البسطاء وترسخ في أذهانهم صورة الرجل الأبيض النقية المتطورة والتي تحارب "الإرهابيين" القادمين من البلاد العربية والذين يظهرون في صورة بدائية قاسية يتصرفون بعنجهية ويقتلون النساء والأطفال بينما يأتي الرجل الأبيض على حصانه أو دبابته أو طائرته لينقذ الضعفاء من أيدي هؤلاء "المتوحشين"!...

 

وتنتهي القصة الدرامية دوما بانتصار باهر لهذا الرجل الأبيض وبانهزام "معسكر" الشر الذي يمثله دوما المسلمون الملونون...هذه هي القصة النمطية التي زرعها الإعلام الغربي في نفوس العالم بما فيه العالم العربي حتى ظهرت فضائح أبو غريب ثم فضيحة تعذيب المخابرات الأمريكية للمئات أو الآلاف من المسلمين بمساعدة مخابرات صديقة لها في المنطقة كما كشف تقرير الكونجرس فأين ذهبت الصورة الأسطورية؟!..

 

إن هذه الصورة التي تستخدمها أمريكا وبقية الدول الأوروبية من أجل الترويج لنفسها واستبدال الاستعمار العسكري الذي استمر لمئات السنين باستعمار اقتصادي وفكري واجتماعي لخنق الشعوب غير البيضاء ولكن بخيوط من حرير حتى لا تشعر بمرارة الظلم في الحال...إن العنصرية التي تشهدها العديد من العواصم الغربية الآن ضد المسلمين والمهاجرين بصفة عامة وتصاعد المد اليميني المتطرف والاعتداءات المتكررة على الفتيات المحجبات والرجال الملتحين وغلق أبواب العمل في وجوه الكثير من الأشخاص لاعتبارات دينية وقومية يكشف الوجه القبيح للرجل الأبيض ونظرته الدونية لغيره من الشعوب وأصحاب الديانات الأأخرى..

 

يتشدق الغرب دائما بضرورة الحفاظ على هوية "المسيحيين" واليهود وحتى البوذيين والملحدين في المجتمعات الإسلامية ويستنكرون بشدة أي معلومة تشير إلى وقوع أي ظلم عليهم بحجة الحفاظ على "حقوق الإنسان"! أما إذا وقع هذا الظلم البين بأيديهم ضد أي أقلية من الأقليات فالتبريرات جاهزة دائما وعلى المتضرر أن يضرب رأسه في أقرب حائط..إنه منطق القوة والعنجهية الجوفاء التي يبدو أن الرجل الأبيض يريد إطلاقها بديلا عن النظرية القديمة بعد سقوط القناع.