شغف الجنائية الدولية بسيف القذافي!
24 صفر 1436
أمير سعيد

بخلاف سائر القضايا التي تخف لها الجنائية الدولية لملاحقة وضبط قادة الدول ومسؤوليها رفيعي المستوى وإنزال العقوبات المفترضة بهم بعد إثبات أدلة الإدانة؛ فإن المحكمة الجنائية الدولية تبدو تواقة لجلب النجل الثاني للقذافي إليها "لأنها لم تجد من يحنو عليه" حتى الآن في ليبيا!

 

سيف الإسلام القذافي الذي "أنعمت" عليه جامعة لندن بدكتوراة مزورة في فضيحة علمية من العيار الثقيل قبل عشر سنوات، كالعديد من "الزعماء" الذين يتم إعدادهم للتحول من الدراسة ببريطانيا من الدكتوراة ـ أو ما دونها ـ إلى الديكتاتورية في الحكم لاحقاً كبشار الأسد وغيره، هو بشحمه ولحمه الذي تسعى لندن من وراء الكواليس القضائية الدولية لإخراجه من ليبيا، وفاء لماضٍ سياسي وأمني أو تمهيداً لمستقبل غامض؛ فقبل خمسة أشهر كان محاميه البريطاني جون جونز يستنجد ببريطانيا أن تتدخل مستغلة نفوذها لنقل موكله إلى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي خشية أن تحكم عليه محكمة ليبية بالإعدام، قائلاً: إن "إعدام سيف الإسلام القذافي سيمثل انتهاكا كاملا لأوامر المحكمة الجنائية الدولية لذلك فمن المنطقي والصحيح أن تتدخل بريطانيا في ظل التزامها الأخلاقي والقانوني بشأن المحكمة"، مخاطباً وزير الخارجية البريطانية هيغ بقوله: "أنت لا تستطيع أن تدَّعي الدفاع عن القانون الانساني الدولي وفي الوقت نفسه تغض الطرف عن مثالب ليبيا؛ فليبيا تتحدى أمر المحكمة الجنائية الدولية لتسليم سيف الاسلام، وعلى وزير الخارجية أن يعبر عن دعم بريطانيا للمحكمة".

 

لم تكذب بريطانيا خبراً كما يقال؛ فجاء الخبر صادماً بلا مقدمات: "الجنائية الدولية تحيل ملف محاكمة سيف القذافي لمجلس الأمن"؛ فلقد مارست بريطانيا ضغوطها من أجل تحريك الملف، ومن ثم "تمدد" جونز خطوة للأمام، وأطلق تصريحاً غريباً، لكنه منطقي بالنظر إلى حسابات المحكمة الدولية المسيسة، والتي تخضع لتوجيه أمريكي أوروبي مشترك ومباشر؛ فالإحالة تلك تنقل المعركة حول مصير سيف القذافي من الحيز القضائي القانوني "الضيق" إلى "رحابة" السياسة الدولية وفسح المجال لما هو أكثر أهمية من هذا الشاب الأخرق! وقبل أن تنعقد أي جلسة لمجلس الأمن حول القضية؛ فإن الخيط قد التقطه جونز فأطلق تصريحه هذا : "يتعين على المجتمع الدولي الآن ضمان انخراط جميع الجهات الليبية في حوار سياسي فوراً، من أجل ضمان حماية حقوقه على الفور".

 

لكن ما أهمية نجل القذافي لـ"يتعين" على "المجتمع الدولي" إرغام الفصائل الليبية على "تناسي خلافاتها" والاجتماع لحوار سياسي سيكون من نتائجه "ضمان حقوقه" و"على الفور"؟! ليس بالضرورة لأنه الشاب الأخرق الذي كان يعد لوراثة والده، وأن دوائر سياسية دولية لم تزل تطرح اسمه ضمن منظومة حفتر الأمريكية أو بديلاً عنها، فالحمقى كثيرون، ولن يعدم الغرب واحداً منهم للعمل كخفير على احتياطات نفطية ضخمة، لاسيما بعد أن أعلنت وكالة الطاقة الأمريكية الشهر الماضي فقط أن احتياطي النفط الليبي ارتفع من  48 مليار برميل إلى 74 مليار برميل (وهو ارتفاع هائل يعني زيادة بأكثر من 50% من الاحتياطي المعلن سابقاً) ، وارتفاع احتياطيات الغاز الليبي إلى ثلاثة أضعاف حيث بلغ 177 ترليون قدم مكعب بعد أن كان 55 ترليون وذلك بإضافة 122 ترليون قدم مكعب .

 

إنما الاهتمام بقضية نجل القذافي الآن، وتصعيدها لمجلس الأمن بخلاف قضايا جنائية دولية أكثر أهمية منها بكثير، هو قابليتها للتحريك باتجاه تدويل الصراع الدائر الآن في ليبيا؛ فالمعروف أن سيف القذافي هو ذاته الذي خرج على شاشة ليبية مغمورة في نوفمبر من العام الماضي ليؤكد على رغبته بالمحاكمة في مدينة الزنتان التي لا تخضع للحكومة المركزية الثورية في طرابلس، والتي يتمتع هو فيها بمعاملة مميزة جداً، رافضاً المحاكمة أمام قضاة بطرابلس، وأيده وزير العدل في الحكومة غير الشرعية (الموالية لحفتر) في مدينة البيضاء، الذي رفض الاعتراف بالقضاء في العاصمة طرابلس.

 

باختصار؛ الغرب لم يزل يبحث للحكومة الشرعية في طرابلس وقوات جيشها وكتائبها الثورية عن نقطة ضعف لإخضاعها لمنظومة حفتر (الأمريكي الجنسية)، ولقد جرب الدعم العسكري واللوجيستي، وشراء الذمم بالمال لبعض قادة وزعماء القبائل، ويمارس الآن عبر ميليشيات حفتر سياسة الأرض المحروقة، وأغرق الفضاء الإعلامي الليبي بقنوات مارينز جرب تأثيرها في بلدان أخرى ونجحت، وهو في كل ما تقدم لا يرغب في تدخل عسكري مباشر، ويرجئه كآخر الحلول، ولربما جاء مجلس الأمن إما تلويحاً وتهديداً أو تمهيداً، كغطاء سياسي لتدخل مباشر أو شبه مباشر لترجيح كفة حفتر الطائشة حتى الآن، والتي تخسر في الآونة الأخيرة مناطق نفطية استراتيجية وقواعد عسكرية مهمة.. لربما لم يعد المبعوث الدولي كافٍ لإحداث تأثير على الأرض، حيث صوت الرصاص غلاب؛ فليبحث الغرب إذن عن منفذ آخر.

 

إنه يبحث عنه الآن..