18 جمادى الأول 1436

السؤال

السلام عليكم، أنا طالب جامعي أدرس في جامعة خاصة، وأنا متأكد أن شهادة هذه الجامعة لن توظفني، وسأجلس في البيت بعدها، فأنا محتار.. ماذا أفعل هل أكمل دراستي، وبعد 4 سنوات أجلس في البيت بلا وظيفة، أو أخرج من الجامعة وأقضي فترة جيشي وبعدها أخرج، وعندي بعض الأفكار والمشروعات سأعمل على تحقيقها.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
معلوماتي أن الجامعات الخاصة في مصر، والتي يتجاوز عددها الـ40 جامعة، والمعتمدة منها على وجه الخصوص، والتي تعمل بترخيص رسمي من وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات الخاصة، شأنها شأن الجامعات الحكومية، التي يتجاوز عددها 18 جامعة بمصر، من حيث المؤهل الدراسي، حيث تعترف به وزارة التعليم العالي، وتقر للطالب بعد تخرجه بحقه في التقدم للوظائف العامة المعلنة، والتعيين في المؤسسات الحكومية.
بل إن بعض المؤسسات الخاصة، وتلك التابعة لقطاع الأعمال العام، تفضل خريجي الجامعات الخاصة، على الجامعات الحكومية، خاصة في بعض الوظائف التي تشترط امتلاك المتقدم لقدرات ومهارات خاصة، في اللغات وعلوم الحاسب الآلي، فضلاً عن التزام الدولة بالمساواة وعدم التفرقة بين خريجي الجامعات الحكومية والخاصة.
وللأمانة ليست كل الجامعات الخاصة، بمصر على سبيل المثال، على نفس المستوى، فهناك جامعات عالمية، ذات مستوى تعليمي متميز، وشهاداتها معتمدة دوليًا، ويُنظر إلى خريجيِّها نظرة تقدير علميًا، وهناك جامعات محلية ذات شراكة دولية، وفي الغالب تكون متوسطة المستوى، وهناك جامعات ومعاهد محلية متواضعة المستوى.. فليس كلُ خريجي الجامعات الخاصة ذويِّ مستوى واحد من الناحية التعليمية، ولا من ناحية فرص العمل.
وقبل أن تلتحق بالدراسة في جامعة خاصة، كان يجب عليك أن تقلب الأمر جيدًا مع نفسك، ومع أهلك، وأن تتشاور حول هذا الأمر مع من تثق بهم من أصحاب الخبرات في هذا المضمار، من أساتذة الجامعات أو خريجي هذه الجامعات الخاصة، ولأنني لا أدري في أي جامعة تدرس، ولا بأية كلية، ولا في أي تخصص، فإنني أوصيك بالآتي:
1) إذا كنت تدرس في إحدى الجامعات المرموقة، والمعروفة بمستواها المرتفع، ومستقبل خريجيها الباهر، فإنني أنصحك بالاستمرار وإكمال الطريق، بل وأتمنى منك بذل أقصى الجهد، والتركيز الشديد، أملاً في التفوق الدراسي، والمستقبل الباهر الذي ينتظرك إن شاء الله.
2) وإذا كنت تدرس في جامعة من الجامعات متوسطة المستوى، فيمكنك أن تحقق فيها ذاتَك، بمزيد من التركيز والجِد والاجتهاد، حتى تتخرج منها بتقدير محترم (امتياز أو جيد جدًا)، على أن تهتم خلال الدراسة بتنمية قدراتك وتطوير ذاتك، وتأهيل نفسك وفقًا لمتطلبات سوق العمل في البلد الذي تقيم به، واعلم أن علينا بذل الجهد وليس علينا إدراك النتائج.
3) أما إذا كنت تدرس في جامعة، أو كلية، أو معهد، ضعيف المستوى، ولا تجد في نفسك القدرة ولا الرغبة على مواصلة الدراسة، وأنك أجبرت جبرًا (سواءً بفعل الضغوط التي مورست ضدك من العائلة، أو بسبب المجموع الذي حصلت عليه في الشهادة الثانوية)، وتيقنت من خلال التشاور مع من تثق بهم من أهل الخبرة أو السبق من خريجي هذه الجامعة أو الكلية أو المعهد، أنه لا مستقبل لك بعد التخرج فيها، فإن لهذا حديث آخر.
4) يمكنك آنئذ، وقبل أن تضيع 4 سنوات من عمرك على الأقل، في دراسة لا تجد نفسك قادرًا عليها، أو راغبًا فيها، أن تتحول للالتحاق بإحدى مدارس التعليم الثانوي الفني، كمدراس التعليم الزراعي، أو التجاري، أو الصناعي، وعليك آنئذ أن تختار التخصص الذي يتناسب مع رغبتك وقدراتك وإمكاناتك، مثلاً: التخصص في أقسام: النجارة، أو الكهرباء، أو اللحام، أو التكييف والتبريد، أو ....إلخ، بحيث تضمن لنفسك، بإذن الله، تعلم مهنة أو حرفة تعيش منها مستقبلاً، وتكون قادرًا على فتح بيت، وتحمل مسئولية أسرة.
5) تذكر قولَ الله تعالى (... أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ...) [آلا عمران: 195]، واعلم أن ما عليك إلا أن تكون صادقًا مع نفسك، عارفًا لقدراتك وإمكاناتك، وبعدها اجعل شعارك في الحياة قولَه تعالى في محكم التنزيل: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 105]، وألا يغيب عنك ما روته أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) بقولها: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". (سلسلة الأحاديث الصحيحة 1113).
6) اعلم أخي– فقهك الله- أنه مهما نصحك الناصحون، وأوصاك الموصون، وزكَّى لك المزكّون، فأنت أعلم بحالك ورغبتك، وأعرف بقدراتك وإمكاناتك، وكل ما قدمناه من نصائح في السطور السابقة لا يعدو أن يكون مجرد رؤىً مقترحة، وتصورات معروضة، نتيجة ما تراكم لدينا من خبرات، على مدى سنوات العمر التي جاوزت الخمسين، والتي لا تخلو من معلومات وقصص مشابهة، من هنا وهناك، غير أنك وحدك الأقدر على اكتشاف ذاتك.
7) وفي النهاية؛ ألخص لك نصائحي العملية في النقاط التالية:
أ- استعذ بالله من الشيطان الرجيم، واستعن بالله عز وجل، وتوكل عليه سبحانه وتعالى، وثق بأمرك بيد الله عز وجل.
ب- اعلم أن رزقك لن يأخذه غيرك، وأن ما عليك فقط هو الأخذ بالأسباب، وليس عليك إدراك النتائج.
ج- اجلس مع نفسك جلسة مكاشفة ومصارحة. كن صادقًا مع نفسك، اعترف لنفسك بحقيقة الأمر، وحدد ماذا تريد بالضبط، ماذا ترغب، واعرف ما هي إمكاناتك وقدراتك، فإن استقر قلبُك فتوكل على الله، وإن التبس عليك الأمر فالجأ لما بعدها.
د- توضأ وصلِّ ركعتين بعد صلاة العشاء، وادع بدعاء الاستخارة المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن جابِرٍ رضيَ اللَّه عنه قال: كانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ في الأُمُور كُلِّهَا كالسُّورَةِ منَ القُرْآنِ، يَقُولُ إِذا هَمَّ أَحَدُكُمْ بالأمر، فَليَركعْ رَكعتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفرِيضَةِ ثم ليقُلْ: اللَّهُم إِني أَسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأستقدِرُكَ بقُدْرِتك، وأَسْأَلُكَ مِنْ فضْلِكَ العَظِيم، فإِنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ، وتعْلَمُ ولا أَعْلَمُ، وَأَنتَ علاَّمُ الغُيُوبِ. اللَّهُمَّ إِنْ كنْتَ تعْلَمُ أَنَّ هذا الأمرَ خَيْرٌ لي في دِيني وَمَعَاشي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي» أَوْ قالَ: «عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِله، فاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي، ثمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، وَإِن كُنْتَ تعْلمُ أَنَّ هذَا الأَمْرَ شرٌّ لي في دِيني وَمَعاشي وَعَاقبةِ أَمَرِي» أَو قال: «عَاجِل أَمري وآجِلهِ، فاصْرِفهُ عَني، وَاصْرفني عَنهُ، وَاقدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كانَ، ثُمَّ رَضِّني بِهِ» قال: ويسمِّي حاجته. رواه البخاري.
هـ) فإذا استقر قلبُك على أحد الأمرين فتوكل على الله، وإلا كرر الاستخارة مرة وأخرى، واعلم أن "علامة الإذن التيسير"، وأن ما أراده الله سيكون، فلا تكثر همك، ولا تضعف أمام شيطانك، ولا تستسلم للوساوس، احسم أمرَك ولا تضيع وقتَك، (... فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159).
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يهدئ روعك، وأن يربط على قلبك، وأن يختار لك الخير، وأن يرضيك به، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره وخبثه.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.