فأين هي إسلامية دول المسلمين ؟
2 صفر 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

قد لا تكون عبارات من أمثال : الدهشة والتعجب وعلامات الاستفهام الكبيرة كافية للتعبير عما يحدث في المنطقة العربية والإسلامية , فبينما صادقت الحكومة "الإسرائيلية" أمس على قانون "يهودية الدولة" , والذي ينص قانونا على أن "إسرائيل" هي الدولة القومية للشعب اليهودي وفق مبادئ وثيقة الاستقلال , وبوجبه سيتم إخضاع النظام الديمقراطي – المزعوم – إلى القيم والهوية القومية اليهودية , مع التأكيد على أن حق تقرير المصير الوطني بالدولة يبقى حصريا للشعب اليهودي , وهو ما ينعكس سلبا على فلسطينيي 48 الذين يشكلون 20% من التعداد السكاني.
في هذا الوقت نرى حربا شعواء على كل ما هو إسلامي في الدول العربية , وتجريم وملاحقة كل من ينادي أو يهمس في أذن أخيه أو صاحبة بضرورة إعادة الخلافة أو الدولة الإسلامية , مع أن الخلافة الإسلامية حقيقة عاشها المسلمون طوال ثلاثة عشر قرنا , ولم تغب عن الدنيا إلا منذ أقل من قرن من الزمان !!
ويزداد تعجب المسلم واستغرابه من هذا الواقع الأليم , حين يعلم أن الديانة اليهودية الموجودة حاليا محرفة وباطلة , وأن اليهود لم يكونوا يوما متمسكين بدينهم أو ملتزمين بأوامر أنبيائهم ورسلهم حتى يسعوا لإنشاء دولة دينية , بل جاء وصفهم في القرآن الكريم بأنهم يكفرون بآيات الله وينقضون عهوده ويقتلون أنبياءه : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا } النساء/155 , ناهيك عن اختلاف جنسياتهم ولغاتهم وأوطانهم .
ومع ذلك كله فإنهم ومنذ بدايات حركتهم الصهيونية لإنشاء ما يسمى دولتهم المزعومة على أرض فلسطين المحتلة , كانت النزعة الدينية وأساطير أرض الميعاد وشعب الله المختار هي المسيطرة على كل تحركاتهم , وعلى فرض كون الدين المحرف ستارا لأطماعهم وأهدافهم التوسعية في المنطقة كما هو معلوم , فإنهم على كل حال يجعلون من الدين الباطل والقومية اليهودية المزعومة الدافع الأول لليهود لتحقيق ما يريدون .
في المقابل تثور كثير من علامات الاستفهام والتعجب والدهشة في نفوس المسلمين , الذين يسمعون خبر مصادقة الحكومة الصهيونية على قانون "يهودية الدولة" , بينما يلاحق المسلم الذي ينادي أو يحلم بإسلامية دولته أو دول المسلمين , مع أن ما يجمع المسلمين لا يقتصر على العقيدة الإسلامية التي أخرجتهم من الظلمات إلى النور فحسب , بل يشمل أيضا اللغة والتاريخ وغير ذلك من الأمور المشتركة .
ولعل الأعجب من كل ما سبق , والذي لا يكاد يفهمه المسلمون في بلادهم الإسلامية , أنه مع وضوح عنوان معركة اليهود ضد المسلمين , والتي ما فتأ ساسة "إسرائيل" يصرحون بها في كل مناسبة , ألا وهي المعركة الدينية الوجودية , ما يزال كثير من ساسة الدول العربية وأولهم – محمود عباس – يعتبرها معركة سياسية , حيث حذر منذ أيام من مغبة تحويل الصراع مع "إسرائيل" والذي اعتبره سياسيا إلى صراع ديني ! وكأن الصراع مع اليهود عبر التاريخ كان يوما سياسيا حتى يتحول الآن إلى ديني .
وبعيدا عن علامات الاستفهام وعبارات التعجب فإن لهذا القانون إن تمت مصادقته من الكنيست "الإسرائيلي" بعد غد الأربعاء تداعيات خطيرة على الداخل الفلسطيني , فهو يعني المزيد من العداء والتهميش والإقصاء , بل ونزع الشرعية عن كل ما هو غير يهودي في فلسطين المحتلة , تمهيدا لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية , في ظل ما يشهده العالم العربي والإسلامي من حروب ونزاعات داخلية , وخلافات عربية عربية كثيرة وخطيرة .
ومع كل ذلك فربما يكون لهذه الخطوة اليهودية حسنة واحدة , ألا وهي تأكيد وجهة نظر المقاومة الفلسطينية ومن ورائها القوى السياسية والشعوب الإسلامية الداعمة لها في موقفها من هذا العدو الصهيوني .
فقد أكدت المقاومة والتيار الإسلامي عموما أن المعركة مع هذا العدو معركة دينية في المقام الأول وليست سياسية , وأن لغة الحوار والمفاوضات التي ما زالت السلطة الفلسطينية غارقة فيها منذ عام 1993م لا تجدي معه , وأنه لا بد من قيام دولة إسلامية واحدة – بمفهوم الخلافة أو بمفهوم وحدة القرار السياسي بين الدول الإسلامية على أقل تقدير – لمواجهة ما يسمى "الدولة اليهودية" .