عنصرية سياسة هدم بيوت الفلسطينيين
28 محرم 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

لم تكن حوادث هدم الكيان الصهيوني لبيوت الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات في القدس في الآونة الأخيرة طارئة على منهج الاحتلال في التعامل مع الفلسطينيين بشكل عام , فسياسة هدم المنازل سياسة قديمة حديثة , لا تقتصر على منفذي العمليات فحسب , بل تشمل الجميع بأسباب واهية باطلة , وبنكهة وصبغة عنصرية بارزة وظاهرة .
أما العنصرية فقد أفصح عنها بكل وضوح والد الطفل أبو خضير - الذي اختطف من أمام منزله في بلدة شعفاط شمالي مدينة القدس الشرقية ثم قتل حرقا على يد ثلاثة مستوطنين "إسرائيليين" – حين قال : "في كل جلسة محكمة أطالب بهدم بيوتهم – أي المستوطنين الثلاثة - ، ولكن محاميهم يقول : إنه لا يوجد في القانون الإسرائيلي ما يسمح بهدم منازلهم، فأين القانون الذي يهدم منزل العربي في القدس"؟؟ .
وأضاف مستغربا : "محامي المستوطنين يقول : إنه يتم هدم منازل العرب في القدس بناءً على قرار حكم عسكري وليس قانون.. حسناً ، لماذا لا يصدر الحاكم العسكري قراراً بهدم منازل قتلة ابني أو على الأقل إغلاقها؟”.
وأما الدليل على استمرار هذه السياسة العنصرية فهو ما حدث في الأيام القليلة الماضية , حيث ذكرت الإذاعة "الإسرائيلية" أن قوة من الجيش قامت بالتعاون مع الشرطة بهدم منزل الفلسطيني عبد الرحمن الشلودي - منفذ عملية الدهس في محطة المترو بالقدس الشهر الماضي - .
كما أصدر وزير الأمن الداخلي "الإسرائيلي "يتسحاق أهرنوفيتش" قراراً يقضي بالإسراع في هدم منزل منفذي عملية القدس أول أمس والتي أسفرت عن مقتل خمسة "إسرائيليين" وإصابة آخرين .
واليوم أخطر الاحتلال "الإسرائيلي" عشرات العائلات الفلسطينية من أريحا بإخلاء منازلهم تمهيدا لهدمها ، ولم يكتف الاحتلال بهذه الإخطارات , بل زاد عليها ما هو أنكى وأمر على الفلسطينيين , حيث نقلت وسائل إعلام فلسطينية عن أحد أصحاب المنازل المهددة بالهدم قوله :
"إن قوات الاحتلال سلمتهم إخطارات مكتوبة تطلب منهم هدم بيوتهم بأنفسهم واقتلاع الأشجار، وإزالة كل ما على الأرض خلال 45 يوما ، وإلا فإن الجيش "الإسرائيلي" سيقوم بعملية الهدم مع تحميلهم مصاريف ذلك" .
إنها السياسة العنصرية التي تعاقب كل من يقاوم هذا الاحتلال أو يقف في وجه المد الاستيطاني الذي يجتاح المدن والبلدات الفلسطينية وخصوصا في القدس المحتلة , وهي سياسة عنصرية عقابية مخالفة لجميع القوانين الدولية , ومع ذلك لا نسمع أي صوت دولي أو حتى عربي يدين بشدة هذه الانتهاكات , بله أن يعمل على إيقافها .
وإذا ما رجعنا بالذاكرة قليلا فإننا سنكتشف أن هدم بيوت الفلسطينيين سياسة متبعة منذ عام 1967م , وليست مجرد ردود أفعال على بعض عمليات المقاومة , فقد كشفت توثيقات مؤسسة المقدسي أن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي هدمت 1783 منزلا فلسطينيا في القدس المحتلة وحدها منذ احتلالها عام 1967م , وهو رقم كبير يشير إلى خطورة ما تقوم به "إسرائيل" بالقدس المحتلة .
لقد أشارت المؤسسة إلى أن سلطات الاحتلال بهدمها لأكثر من 1700 منزل تكون قد شردت 8382 مواطنا فلسطينيا وأبقتهم دون مساكن , وذلك بذرائع مختلفة بينها مشاركة أبنائهم في هجمات قُتل فيها "إسرائيليون" ، وعدم وجود ترخيص بالبناء.
وشهد عام 2004 أكبر عملية هدم للمنازل الفلسطينية حيث بلغ عدد المنازل التي هدمتها إسرائيل 179 منزلا مشردة بذلك 786 مواطنا فلسطينيا مقدسيًّا , فهل بعد كل هذا يمكن الزعم بأن هدم المنازل ليست سياسة عنصرية يهودية ضد الفلسطينيين ؟!
إن من أبرز دلائل استمرار هذه السياسة العنصرية قول رئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو أمس : "إن حكومته ستواصل سياسة هدم منازل من تصفهم بالإرهابيين، متوعدا بهدم منازل كل "من قاموا بعمليات قتل إسرائيليين" مؤخرا"، معتبرا أنها خطوة "ذات مغزى وهامة"، وسيتبعها المزيد من عمليات هدم المنازل وغيرها من الإجراءات الأمنية على الأرض.
ومع تأكيد جميع تجارب الاحتلال فشل هذه السياسة وعدم جدواها مع الفلسطينيين , بل وإثبات حدوث نتيجة عكسية لها على الأرض حسب ما أوصت به لجنة عسكرية "إسرائيلية" عام 2005 , والتي تداولت الموضوع وأوصت بالتوقف عن هدم البيوت كوسيلة عقابية لتفادي نتائجها العكسية , إلا أن الاحتلال يواصل ارتكاب نفس الحماقات باستمرار .
ورغم مخالفة هذه السياسة العنصرية الصريحة للأعراف والقوانين الدولية , ورغم إجماع المؤتمرات الدولية على ذلك وتوصيتها بوجوب التوقف عن هذه السياسة , ووجوب تعويض الفلسطينيين عن أية أضرار لحقت بهم نتيجة مصادرة أراضيهم أوتدمير بيوتهم , كما جاء في مؤتمر "إسرائيل والقانون الدولي" في 4-5/11/2009 , الذي نظمه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت , إلا أن شيئا من تلك التوصيات لم ينفذ أو يأخذ بعين الاعتبار .
وإذا كان من أهم أسباب استمرار هذه السياسة العنصرية عدم خضوع "إسرائيل" لأي قانون أو عرف دولي , وذلك لاستكبارها واستقوائها بحلفائها بواشنطن والغرب , فإن ضمور سياسة المواجهة العربية والإسلامية للكيان الصهيوني , بل ووجود الكثير من الأدلة على وجود تواصل وتفاهم عربي "إسرائيلي" , لعل آخرها تصريحات مسؤولين "إسرائيليين" بذلك , قد يزيد من حدة هذه السياسة مستقبلا , ويجعل من الانتفاضة الثالثة الحل الأفضل لدى المقاومين الفلسطينيين لوقف هذه السياسة .