القضاء الليبي يفضح النفاق الدولي
17 محرم 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

لم يكن القرار الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا في ليبيا منذ أيام بحل البرلمان المنبثق عن انتخابات 25 حزيران/ يونيو الماضي " برلمان طبرق" قرارا عاديا , بل كان قرارا تاريخيا في مرحلة خطيرة من مراحل الانتقال السياسي في هذا البلد الذي يقف على مفترق طرق ومنعطف خطير .
وتكمن أهمية هذا القرار بآثاره الخطيرة على مسرح الأحداث وما يجري في ليبيا , ولعل من أهم آثار هذا القرار :
1- اعتبار المحكمة أن "برلمان طبرق" غير شرعي، وهو ما يعني تبعا أن بطلان الحكومة المنبثقة عنه , ناهيك عن بطلان جميع قراراته بما فيها تلك القرارات المثيرة للريبة المتعلقة بطلب التدخل الخارجي أكثر من مرة .
2- وبناء على هذا القرار أصبح المؤتمر الوطنى العام هو الممثل الشرعي للشعب الليبي ريثما يتم انتخاب برلمان جديد , كما أن قرارات هذا المؤتمر - بما فيها إنشاء حكومة الإنقاذ الوطنى - هى قرارات مشروعة ونافذة منذ تاريخ صدورها حسب بيان صدر عن المؤتمر .
3- كما أن من آثار هذا القرار الخطير رفع الغطاء عن القوات التي تدافع عن هذا البرلمان "قوات حفتر" , والتي حاول الإعلام العربي والدولي تصويرها وتسويقها إقليميا ودوليا على أنها "الجيش الوطني" , بينما هي في الحقيقة لا تعدو أن تكون - بعد هذا القرار – ظاهرة انقلابية جديدة على الشرعية والثورة في دول الربيع العربي , وميليشيا خارجة عن القانون تريد فرض برلمان ونظام غير شرعي على الليبيين .
4- أظهر القرار حقيقة من هي المليشيات المسلحة ومن هو الجيش الوطني الذي يدافع عن الثورة ومكتسبات الشعب الليبي , فبينما كانت جميع وسائل الإعلام تحاول تصوير كتائب ثورة 17 من فبراير على أنها مليشيات وقوات مسلحة خارجة عن القانون , وفصائل إسلامية متشددة إرهابية , خرج القرار ليعلن عكس ذلك وخلافه .
5- ولعل من أهم آثار هذا القرار أيضا هو فضح النفاق الدولي الذي يقود – على ما يبدو – جميع الثورات المضادة ويباركها , ويحارب ويعادي ثورات ما سمي "بالربيع العربي" إن كان يبدي عكس ما يبطن ويخفي دائما .
نعم ....لقد فضح هذا القرار نفاق دول إقليمية ودولية , ناهيك عن نفاق التيار الليبرالي الموالي للغرب في معظم دول "الربيع العربي" , فبينما سكت الغرب وبعض الدول العربية الإقليمية عن قرارات القضاء المنحاز للقوى الانقلابية في بعض دول الربيع العربي , والبعيد كل البعد عن النزاهة والالتزام بالحياد والدليل واحترام الديمقراطية , بل وبارك هذه القرارات واعترف بمقتضارها وما يترتب عليها , نراه يتلكأ في الاعتراف بقانونية قرار المحكمة الدستورية الليبية , بل ويحاول الالتفات عليه وإلغاءه بكل الوسائل الممكنة .
لقد كان رد الفعل المباشر والسريع من جانب الطرف الخاسر محليا هو التهديد بــ"اعلان دولة برقة" ، أي الانفصال وتفضيل تفتيت الدولة الليبية بدلاً من الامتثال لأحكام القضاء , إضافة لإعلان المتحدث باسم "برلمان طبرق" فرج بوهاشم نية البرلمان اللجوء إلى القضاء الدولي ، للطعن بقرار المحكمة الدستورية , ناهيك عن محاولة تشويه سمعة القضاء الليبي من خلال الزعم بأن القرار جاء تحت تهديد السلاح .
كما يظهر النفاق الدولي من خلال عدم قبول واعتراف الدول الغربية بقرار المحكمة الدستورية , حيث أعلنت الولايات المتحدة و7 دول غربية أنها بصدد دراسة قرار المحكمة العليا الليبية , حسب بيان مشترك نشره موقع وزارة الخارجية الأمريكية , معتبرة أن التحديات التي تواجه ليبيا تتطلب حلولاً سياسية , وهل قرار المحكمة قرار عسكري أم سياسي وقضائي بامتياز !!
لقد غضت هذه الدول الغربية - التي تتبجح باحترام قرارات القضاء - الطرف عن قرار القضاء المصري في صيف العام 2012 عندما قضى بحل مجلس الشعب الذي كان غالبية أعضائه من التيار الإسلامي , بينما تريد الآن دراسة قرار المحكمة الدستورية الليبية , لأنه جاء مناقضا لرغباتها وضد أتباعها من التيار الليبرالي الانقلابي المتمثل ببرلمان طبرق وحكومة الثني المنبثق عنه وقوات حفتر .
كما أن النفاق يظهر جليا في سكوت الغرب عن كثير من القرارات القضائية المسيسة التي تصدر عن قضاء ما يسمى "قضاء الثورات المضادة" , رغم بعض التحفظات التي قد يبديها بين الحين والآخر ضد بعضها , لا لشيء سوى لحفظ بعض ماء الوجه , أمام قرارات لا تمت إلى العدالة والنزالهة بأي صلة .
لقد فضح قرار المحكمة الدستورية الليبية نفاق الغرب وازدواجيته المكشوفة , وأظهر انحيازه الكامل للقوى الليبرالية التابعة له والمنفذة لأجندته في المنطقة , وإن كانوا لا يمثلون إرادة الشعوب العربية عبر صناديق الاقتراع , كما أبدى عداءه اللامحدود للتيار الإسلامي الذي اكتسح الانتخابات البرلمانية والرئاسية في معظم دول الربيع العربي .