حادثة الأحساء ..المجتمع السعودي في مواجهة التطرف والنفاق
16 محرم 1436
تقرير إخباري ـ محمد لافي

جوبه حادث إطلاق النار ومقتل خمسة من الأبرياء في منطقة الدالوة بمحافظة الأحساء شرق السعودية باستنكار كبير من قبل أطياف المجتمع السعودي وعلى الرغم من عدم توجيه السلطات السعودية أصابع الاتهام لجهة ما بضلوعها في هذا العمل الإرهابي كما لما لم تعلن أي جهة تبنيه. إلا أنه بدا واضحاً منذ اللحظات الأولى للحادث أن مرتكبيه يسعون لإيقاد نار الفتنة في المجتمع السعودي والعبث في أمنه وذلك بإطلاقهم النار من أسلحة رشاشة على عدد من الرجال والنساء والأطفال لدى خروجهم من إحدى المواقع في تلك المنطقة التي يقطنها سكان شيعة الأمر الذي يشبه إلى حد كبير تلك الحوادث التي يشهدها العراق.

 

وعلى الرغم من سلسلة أحداث العنف والشغب التي شهدتها المنطقة الشرقية خلال السنوات الماضية وتحديداً في منطقة العوامية ذات الأغلبية الشيعية, والتي أسفرت عن استشهاد عدد من رجال الأمن السعوديين إلى جانب مدنيين وذلك بالتزامن مع أحداث الشغب الشيعية في دولة البحرين المجاورة, إلا أن ذلك لم يمنع اصطفاف علماء السعودية ومثقفيها وعامتها لاستنكار جريمة الأحساء لما اتسمت به من غدر وإراقة للدماء البريئة, كما أن ذلك لم يمنع السلطات الأمنية في السعودية من التحرك مباشرة بما تتطلبه خطورة تلك الحوادث وذلك قبل أن يعلن المتحدث الأمني في السعودية مقتل أحد منفذي الحادث والإمساك بعشرين آخرين ممن لهم علاقة بارتكابه.

 

غير أن المشهد العام في السعودية الذي عكس الالتفاف حول إنكار الإرهاب وتبرئة الإسلام منه والتشبث بوحدة الوطن وأمنه لم يخل من صور لمواقف وصفها البعض بالانتهازية والتي تسارع إلى النيل من خصومها مستغلة مثل هذه الأزمات لصالحها وفق أهواء أصحابها وتحيزاتهم, ولم يقتصر ذلك على وسائل إعلام خارجية تحاول النيل من المملكة  كقناة العالم الإيرانية التي حملت السعودية مسؤولية الحادث المؤسف وقالت بالنص إن "السعودية أطلقت النار على مجلس عزاء في الاحساء" بل امتد ذلك إلى بعض الأصوات من الداخل التي سارعت في توجيه التهم جزافاً إلى بعض القنوات والشخصيات الإسلامية والدعاة وإلى مناهج التعليم في المدارس والجامعات وإلى خطب الجمع بدعوى أنها تغرس بذور التطرف وتشرع للعدوان على الرغم من عدم صدور إعلان من الجهات الرسمية الأشخاص المسؤولين عن الحادث أو الجهة التي تقف خلفه.
هيئة كبار العلماء

 

وقد سارعت هيئة كبار العلماء في السعودية في التعبير عن استنكارها الشديد للحادث وذلك على لسان أمينها العام الشيخ الدكتور فهد بن سعد الماجد, الذي أكد أن هذا الحادث الإجرامي اعتداء آثم وجريمة بشعة يستحق مرتكبوه أقسى العقوبات الشرعية ، لما انطوى عليه من هتك للحرمات المعلومة بالضرورة من هذا الدين ففيه هتك لحرمة النفس المعصومة وهتك لحرمات الأمن والاستقرار وحياة المواطنين الآمنين المطمئنين وهتك للمصالح ودعا جميع المواطنين في المملكة أن نمتثل أمر الله تعالى في أن نكون صفًا واحدًا تجاه هؤلاء المجرمين الخونة لتفويت الفرصة على أعداء هذا الدين وهذا الوطن الذين يطمعون في النيل من وحدتنا واستقرارنا .

 

وأكد مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ في تصريح خاص براءة الدين الإسلامي مثل هؤلاء المفسدين الذين يحاولون إشعال الفتنة بين المسلمين وإحداث الفوضى خاصة بين أبناء المجتمع السعودي، مشيراً وقال إن هذا الجرم فتنة في الأرض، وأمر خطير حذّر منه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – في قوله: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ), وأكد المفتي على أهمية محاكمة من ارتكب ذلك الجرم بشريعة الله التي تحرّم قتل النفس، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ). داعياً الله – العلي القدير – أن يحفظ بلادنا من كل مكروه، وأن يديم عليها نعمة الأمن والاطمئنان

 

وأنشأ مستخدمو شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر" عددا من الأوسمة من أبرزها (#الأحساء_متحدة_ضد_الفتنة) و (#حادثة_الأحساء ) و(#إطلاق_نار_الأحساء) شارك فيه مجموعة من الدعاة والمثقفين والإعلاميين والنشطاء استنكروا فيها هذه الجريمة ودعوا إلى الإيقاع بمرتكبيها وإلى ضرورة حماية البلاد ممن يحاول النيل من أمنها ووحدة شعبها, كما أنكروا على من يستغلون هذه الأزمات لينتقموا من خصومهم بغياً وعدواناً ويجيرون هذه الأحداث بحسب أهوائهم وتوجهاتهم.

 

فضمن وسم إطلاق نار الأحساء "قال الداعية الشيخ، سلمان العودة نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: الجريمة مدانة لدى جميع العقلاء أيا كان مصدرها وباعثها، والحديث عن تفصيلاتها مرهون بتوفر معلومات صحيحة."وتابع: " وكفى تمزقاً في نسيج الأمة الواحدة التي تعايشت قروناً طويلة رغم خلافاتها.. الأمة متحدة ضد الفتنة،"
أما الداعية الشيخ، عائض القرني: فقال على حسابه في تويتر"أمن الوطن قضية لا تقبل المساومة، إذا فُقد الأمن فُقد التعليم والصحة والاستقرار والإنتاج والإبداع وفُقدت الحياة،" وأضاف في تغريدة أخرى: " اللهم أمّن بلادنا وبلاد المسلمين، اللهم من أردنا بفتنة فأشغله بنفسه وأجعل تدبيره تدميره."
وضمن وسم "حادثة الأحساء" قال المشرف العام على مؤسسة ديوان المسلم الشيخ ناصر بن سليمان العمر"أيا كان الفاعل في #حادثة_الأحساء فإن يجني على البلد ويهدد أمنه ويجره إلى مستنقع فتن لا يعلم مداها إلا الله ، مع خطأ من اتهم فئة بلا بينة"

 

إمام الحرم المكي الشيخ سعود الشريم شارك بتغريدات أكد فيها أن: "لا يعبث بالأمن أحد عرف حق ربه وحق مجتمعه وحق نفسه، ولا يفعله إلا شخص لما تولى (سعى في اﻷرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد)". وتابع: "التشويش بإلقاء التهم والتصنيف في قضية أمنية قبل صدور التحقيق الرسمي دليل ضحالة التفكير وطيشه"، مستشهدا بقوله تعالى: "وإذا جاءهم أمر من اﻷمن أو الخوف أذاعوا به".
من جانبه اتهم الكاتب عبدالله العجيمي، "الليبراليين"، و"الجامية"، باستغلال حادثة الإحساء في تأجيج الطائفية، وكتب مغرداً :"الليبروجامية: إن كان الجاني سنيا اتهموا الأخيار بالطائفية والدعشنة وإن كان الجاني رافضيا قالوا: متحالفون مع إيران".

 

ونبه الكاتب الشيخ سليمان الدويش إلى ضرورة إدانة حوادث العوامية بقدر ما أدان حادث الإحساء ,وقال يجب على كل مَن أدان #حادثة_الأحساء أن يدين حوادث العوامية ويحكم عليها بذات الحكم فليس رجال أمننا فيها بأقلّ براءة ممن قتلوا في الأحساء, وأضاف " الرقص على الجراحات وتجيير الأحداث للأهواء والميول والتوجهات نوع من الخيانة ويتمثل هذا باستغلال #حادثة_الأحساء والسكوت عن جرائم العوامية.

 

وأيا كانت الجهة التي تقف وراء هذا الحادث فإن منفذيه كانوا يحملون بداخلهم قدراً كافياً من الغلو والتطرف ما يجعلهم مستعدين للدفع بحياتهم ثمناً للجريمتهم ,الأمر الذي يجعل هذا الغلو في خانة الاتهام الأولى ويجعل من الضروري محاصرته وموجهته بكافة الوسائل الفكرية والأمنية, لكن في ذات الوقت, لا يمكن لهذا الغلو أن يجابه بغلو مثله وأن توجه سهامه في شتى الاتجاهات وتكون هذه الأزمات سبباً في تأجيج المزيد من الفتن في الوقت التي تحتاج فيه البلاد إلى تكاتف أبنائها والحفاظ على أمنها والتصدي لمخططات النيل من أمنها ووحدتها.

 

فليس بريئا أن يتوجه البعض من التيار المتغرب مباشرة قبل أن تظهر نتائج التحقيقات وقبل أن يعرف ما إذا كانت الجريمة سياسية أو جنائية ليتهم المناهج التعليمية بأنها هي التي تحرض على القتل، والدعاة بأنهم حين يبينون صحيح العقائد من سقيمها أنهم يفتحون باب الطائفية والشر، وكأن فعل أي مسلم لابد أن ينسحب على كل المسلمين، وأخطاءه يتوجب أن تجعلهم يعيدون النظر في صحيح ما يفعلون! مع أن الواقع هو أن التطرف غلواً يغذيه تطرف مقابل في تمييع العقائد وفي الصمت عن جرائم أخرى يرتكبها طائفيون حتى ضد رجال الأمن، لأن حلفاء المتغربيين من الطائفيين يلتقون معهم في هدف واحد، وهو زعزعة استقرار هذا الوطن، وترسيخ المناطقية لأهداف لم تعد تخفى عمن يلاحظ أهداف الدول المتربصة بهذه البلاد ووحدتها وأمنها.