10 صفر 1438

السؤال

أنا طالب في الجامعة وبفضل الله أحب أهل العلم ومجالسهم وأحرص أسبوعيا على حضور مجلس من مجالس العلم على الأقل ولكني لاحظت في كثير من أصدقائي -الذين كانوا يداومون على مثل هذه المجالس الخيرة - بعد انتهاء دراستهم وانخراطهم في مشاغل الحياة من عمل وزواج وغير ذلك أنهم قد انشغلوا عن هذا الخير وأخشى بعد انتهائي من دراستي أن أسير على دربهم من غير أن أشعر،فما السبيل إلى الحفاظ على مجالس العلم حتى بعد الانخراط في الحياة العملية؟

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الابن السائل:
تحيتي لك وشكري لاهتمامك بما قد قل من يهتم به من الشباب من مجالس العلم وصحبة العلماء واسأل الله لك أن يرزقك العلم النافع
ما ذكرته من تخوف أستطيع تفهمه بوضوح، إذ إننا بالفعل قد رأينا هؤلاء الطيبين ينشغلون وتتغير اهتماماتهم مع دورة الحياة وانشغالاتها.
لكن دعني ههنا أؤكد معك على عدة معان هامة لعلها تبين رؤيتي لما تتخوف منه:
أولا: الحياة الصالحة أيها الكريم مبدأ وقيمة قبل أن تكون سلوكا وعملا، فالمبدأ والقيمة هما دافع السلوك ومبدؤه، ومبدؤنا وقيمتنا في هذا الدين العظيم تنبثق من عقيدتنا الإيمانية، فمن وثقت عقيدته وترسخت مفاهيمه وتأكدت مبادؤه أصبح سلوكه سهل القياد.
فاسع إلى تثبيت العلم مرتكزا على أهم مبادئه وهو خشية الله سبحانه، ففي الحديث "العلم الخشية" أخرجه في الموطأ، فأنت إن تعلمت العلم بهدف خشية الله سبحانه والقرب منه عز وجل سيكون ذلك دافعاً لك للاستمرار فيه حتى بعد تخرجك.
ثانيا: نحتاج أيضا إلى تفهم حركة الحياة حتى لا نضطرب في التعامل معها، فللحياة مطالب أساسية، والإسلام – كونه دين عظيم – راعى هذه المتطلبات واهتم بتلك الأساسيات الحياتية، فاهتم بالكسب الحلال، ودعا إلى الزواج الصالح، وأمر بستر العرض، بل مدح المال الصالح مع الرجل الصالح، بل قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من العجز والكسل – كما في صحيح البخاري عن أنس، ولذلك عليك أن تضع لنفسك منهجا متوازنا بين حاجاتك الأساسية – التي هي الأخرى يمكنك أن تجعلها أعمالا صالحة بنيتك الصالحة – وبين اهتمامك بالعلم والعبادة وفي الحديث "فأعط كل ذي حق حقه".
ثالثا: هناك معوقات تمر بالملتزمين والدعاة إلى الله وربما سماها البعض عقبات في الطريق، ومنها البدء في مواجهة الحياة العملية بعد التخرج وإنهاء المراحل الدراسية، إذ يطلب من الشخص مسئوليات مختلفة لم تكن تطلب منه قبلها، ومن ثم يبدأ في التوتر وتغيير طرائق تناوله مع حياته، ونصيحة العلماء ههنا أن يربط المرء نفسه بمنهج علمي متوازن، يضعه له أهل علم راسخين، مع ربط نفسه بمن يوصل له مفاهيمه وأصوله، فيرتبط بذلك ارتباطا منهجيا منتظما، ولا يجعل نفسه عرضة للمواعيد العشوائية والمناهج العشوائية منقوصة التنظيم والترتيب والمتابعة.
رابعا: العبادة والارتباط بذكر الله سبحانه دافع أساسي للعلم، وإنما تاه من تاه لبعده عن ذكر الله وعبادته وانشغاله بالدنيا، فالزم عبادته سبحانه وذكره تجد في قلبك ميلا لتعلم علمه وتفقه فقهه، وتجد قلبك حاضرا يؤثر الآخرة على الدنيا، ولا تغفل أبداً عن الدعاء بالعلم النافع والتفقه.