تونس..عروس الربيع العربي
6 محرم 1436
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

شهدت تونس أول انتخابات برلمانية منذ الثورة التي أطاحت بنظام الدكتاتور زين العابدين بن علي في طليعة "الربيع العربي" والذي كان فاتحة خير على العديد من الدول بعد ذلك ولكن هذه الدول تعرضت لعثرات أعاقت الانتقال السلمي للسلطة وأدخلتها في أتون صراع محموم بين الثورة الحقيقية والثورة المضادة..

 

وسعى البعض لجر تونس إلى هذه المنطقة النكدة إلا أن الله حفظها فاستطاعت أن تجتاز خطوة أخرى للأمام رغم الكثير من الصعوبات والمؤامرات..

 

الجيش التونسي تعلم الدرس جيدا ونأى بنفسه عن الخلافات التي اندلعت بين القوى السياسية رغم محاولة البعض توريطه بدعوى الحفاظ على الدولة..من جهتها استطاعت القوى الثورية أن تفوت الفرصة على رجال النظام القديم ومن يدعمونهم من دول إقليمية لها مصالح في توقف المد الثوري, فجلسوا مع الفرقاء واتفقوا على الاحتكام للانتخابات ولإرادة الشعب للخروج من الأزمة والتوافق على حكومة "تكنوقراط" لتسيير العملية الانتخابية..لقد فاز حزب نداء تونس بأغلبية هزيلة من المقاعد لن تتيح له أن يحكم بمفرده وسيضطر أن يشرب من الكأس الذي شرب منه النهضة من قبل في التحالف مع أطراف مناوئة له مما سيؤدي لصعوبات في تجاوز الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تمر بها البلاد..

 

لقد استفاد نداء تونس وهو تجمع لشخصيات من نظام بن علي ويساريين ومستقلين, من تحمل النهضة المسؤولية بعد الثورة في ظل أوضاع مضطربة على جميع الأصعدة كما استفاد من الحرب الإعلامية الواسعة التي يقف وراءها مال مشبوه من أجل تشويه الإسلاميين وتجربتهم في الحكم رغم أنها لم تكتمل ولم تتوفر لها عوامل النجاح الضرورية والتي بدونها لن يستطيع تيار ما أن يحقق أي نجاح مهما كانت قوته..النهضة الإسلامية أثبتت أنها تريد التعاون لما فيه صلاح البلاد واعترفت بتقدم نداء تونس وهنأته مؤكدة على أنها لن تسمح بعودة الحزب الواحد أو الزعيم الأوحد وأنه لا مكان في تونس من جديد للفساد والتزوير.. إنها الأسس الثورية التي انطلقت منها جميع ثورات الربيع العربي..

 

التجربة التونسية أشاد بها الجميع بما فيها المنظمات الدولية التي راقبت الانتخابات وأكدت على نزاهتها وشفافيتها كما أوضحت أن التيار الإسلامي ليس كما يشاع عنه يريد "إما الحكم أو يمارس العنف والإقصاء" بل إن العكس هو الصحيح فالتيارات العلمانية في عالمنا العربي سقطت بعد الربيع العربي سقوطا مهينا في براثن الإقصاء والتحريض والتخوينوظهرت على حقيقتها النفعية...

 

قد يرى البعض أن ما جرى في تونس يشير إلى انحسار التيار الإسلامي ولكن الحقيقة هي العكس تماما فإن حصول النهضة على 68 مقعدا ـ بحسب التقديرات الأولية ـ بفارق 10 مقاعد فقط عن نداء تونس يؤكد قوتها وأنها ما زالت تشكل القوة الراسخة الموحدة على الأرض فهي ليست خليط مصالح ومناهج مثل "نداء تونس" والذي يعدا تجمعا من أجل مواجهة التيار الإسلامي إنما هي فكر ومنهج واحد كما أن فزاعة "الإرهاب والتطرف" التي صاحبت أجواء الانتخابات أخافت البعض ولكن لفترة قصيرة فقط فالأيام القادمة ستثبت للجميع أن المعارضة العلمانية لا تملك سوى الكلام النظري كما جرى في مصر عقب عزل الرئيس محمدمرسي عندما تولت قيادات من جبهة الإنقاذ العلمانية الحكم ففشلت فشلا ذريعا باعتراف المناوئين للتيار الإسلامي..

 

المستقبل للمشروع الإسلامي عن يقين رغم المؤامرات الداخلية والخارجية ولكن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت ومجموعة من الأدوات التي من غيرها لا يمكن تحقيق النجاح حتى في أكبر وأغنى بلدان العالم ومن أهم هذه الأدوات قيام المؤسسات الأمنية والقضائية ـ التي ظلت تحارب التيار الإسلامي طوال عقود ـ بدورها حسب القانون دون تخاذل أو تهاون أو أعذار واهية حتى تستطيع الحكومة القيام بمهامها وهو ما ما لم يتحقق مع التجارب الإسلامية في عالمنا العربي حتى الآن.