الحوادث المرورية في السعودية .. حين تغيب المسؤولية الدينية والمجتمعية
4 محرم 1436
تقرير إخباري ـ محمد لافي

يصيب غالبية من يزور المملكة من مختلف دول العالم بالذهول لمشهد الحوادث المرورية المآساوية التي تتكرر بشكل دائم خلال فترة مكوثه في المملكة ليس لكثرتها أو جسامتها بل غالباً للاثنين معاً, وقد لا يكون ذلك مستغرباً إذا علمنا أن السعودية تحتل المركز الأول عالميًّا في عدد حوادث الطرق والوفيات الناجمة عنها لدرجة دفعت بالبعض لوصفها بالكارثة الوطنية والتي يجب الوقوف عندها مطولاً ودراسة مسبباتها والعمل على معالجتها لخفض نسبة الخسائر الاجتماعية والاقتصادية التي يتكبدها المجتمع والوطن جراء هذه الحوادث.

 

تعتبر حالات الوفاة والإعاقات جراء الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية بمثابة الضريبة التي تدفعها الدولية في مقابل رفاهها الاقتصادي, إذ أن عددا من العوامل المسببة للحوادث قد تجتمع في السعودية دون غيرها من الدول مما تجعلها في مقدمة الدول من حيث ارتفاع نسبة الحوادث ومن ذلك عدم وجود شبكات نقل عامة واعتماد كل فرد على سيارته الخاصة, وعدم وجود شبكات قطارات مما يدفع إلى الاعتماد على  الشاحنات في النقل والتي تتسبب في 30% تقريباً من الحوادث البرية, إضافة إلى انخفاض تكلفة وقود السيارات وعدم وجود قوانين صارمة تحد من الممارسات الخاطئة في القيادة كالسرعة العالية والتفحيط وقيادة صغار السن للسيارات.

 

ويرى مراقبون أن من العوامل التي تقود إلى ازدياد نسبة الحوادث في السعودية أيضاً خلال العقدين الماضيين، عدم تغليظ العقوبة، وقصرها فقط على التغريم المادي الذي أصبح هو الآخر لا يعني شيئاً كثيراً لمرتكبي القيادة المتهورة والمستهينين بأرواح الناس لقيام شركات التامين بسداد الغرامة، وتبني عمليات الإصلاح والتعويض وحتى تحمل الديات.

 

ولعل من اللافت حين البحث في مسببات ارتفاع نسبة الحوادث في السعودية مقارنة بسائر الدول الأخرى مع الأخذ بعين الاعتبار أن العامل البشري يشكل السبب الأبرز في حوادث السيارات - فإن هذه النسبة تبقى مرتفعة على الرغم من عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة, مما يؤكد إمكانية مضاعفة عدد الحوادث إذا سمح لها بالقيادة وذلك لما سيصاحب ذلك من ازدياد في عداد السيارات, وأيضاً بسبب ضعف المرأة بطبيعتها في مواجهة الظروف التي قد تعرض لكل قائد سيارة, كما أن انفراد المرأة بسيارتها في مجتمع لم يعتد قيادة المرأة يعرضها لضعاف النفوس بمتابعتها أو التخطيط للإيقاع بها مما يتسبب في وقوع مزيد من الحوادث.

 

وتشير آخر الإحصاءات الصادرة من وزارة الصحة إلى أن معدل الوفيات في حوادث الطرق في السعودية 17 شخصاً يوميا، أي شخص كل 40 دقيقة، كما بلغ عدد المصابين أكثر من 68 ألفا سنويًّا، وزادت الخسائر المادية على 13 مليار ريال في السنة, وقد تجاوز ضحايا الحوادث في السعودية في العقدين الماضيين أكثر من 86 ألف شخص وهو الرقم الذي يتخطى بحسب مراقبين عدد ضحايا حروب الأرجنتين، وحرب الصحراء الغربية، وحرب الهند وباكستان، وحرب الخليج، وحرب نيبال الأهلية، وحرب استقلال كرواتيا التي بلغ مجموع ضحاياها 82 ألف شخص

 

لقد أوضحت دراسة علمية أن الأهمية النسبية لأسباب الحوادث المرورية في السعودية تختلف بشكل عام، إلا أن الأسباب ترجع في غالبيتها إلى العنصر البشري إذ هو الذي يقود سيارته بتهور وسرعة كبيرة، ويتجاوز السيارات الأخرى بطريقة خاطئة، ويتوقف بشكل مفاجئ في المناطق الحيوية، ويتجاوز الإشارة الضوئية الحمراء، وينشغل بالهاتف الجوال ويحتضن الطفل أثناء القيادة، ويلتف بشكل فوضوي، ويستخدم البعض السيارات لغير ما خصصت من أجله كالسباقات والتفحيط.

 

وفي دراسة أخرى أعدها باحثون من جامعة الملك عبد العزيز في جدة حول الآثار الاقتصادية المترتبة على الحوادث المروريـة وســبل تقليصها ذكرت أن السرعة تأتي في مقدمة أسباب الحوادث وتسهم بنسبة 24.6 %، وتصل نسبة المصابين نتيجة حوادث السرعة إلى 70 % من مجمل حوادث الوفيات, كما أوضحت الدراسة أن 80 % من الحوادث المرورية في المملكة التي تُخلف مصابين تقع داخل المدن، في حين 18 % فقط تقع خارج المدن أو على الخطوط السريعة، وهو ما يعني وفق الدراسة تدني الالتزام بأنظمة المرور والسرعة وتجاوز الإشارات المرورية

 

وعلى الرغم من تطبيق نظام الرصد الآلي عبر الكاميرات الذكية (ساهر) والذي أدخل إلى الخدمة في السعودية منذ عام 1431هـ  أي منذ 4 سنوات وذلك للحد من نسب الحوادث من خلال فرض عقوبات على السرعة وقطع الإشارة وباعتبار أن إيرادات النظام قد وصلت إلى ما يقارب (خمسه مليارات) خلال عام واحد إلا أن هذا النظام لم ينجح في تقليص نسبة الحوادث بشكل كاف وهذا ما أكده باحث بمركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث، حيث قال تطبيق نظام "ساهر"  لم يؤد إلى خفض عدد وفيات الحوادث على مستوى المملكة، حيث أن النظام يركز على السرعة وقطع الإشارة اللذين يمثلان 31% فقط من أسباب الحوادث، بينما تتجاهل إدارة المرور 69% من الأسباب الخاصة بالقيادة المتهورة، وعدم الالتزام بقواعد السير، وهما الأكثر مساهمة في أعداد الوفيات الناجمة عن الحوادث

 

إن مشكلة الحوادث المرورية في السعودية كسائر المشكلات الأخرى حين تحدد أسبابها بشكل دقيق يصبح بالإمكان تجاوزها والتغلب عليها لكن تبقى الوسيلة الأبرز في مواجهة هذه المشكلة هي وعي الفرد وشعوره بالمسؤولية النابعة من وطنيته وإنسانيته وقبل ذلك من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف القائمة على مبدأ (لا ضرر ولا ضرار ) والأخذ بأسباب السلامة المعرفية والسلوكية خاصة وأن غالبية من يتسببون في الحوادث لأنفسهم أو للآخرين ينتهكون القواعد المرورية بشكل واضح على الرغم من علمهم بخطورة سلوكهم لذلك جاءت توصية مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن "منظمة التعاون الإسلامي"، الذي اختتم دورته الـ21 بالرياض في بداية العام الماضي بتحريم تصرف قائد المركبة تصرفاً يفضي غالباً إلى الإضرار بنفسه أو بغيره، ومن ذلك قطع الإشارة الحمراء، والسرعة الكبيرة المفرطة، والاستعراض بالسيارة (التفحيط)، والمطاردات غير المشروعة، والإهمال في صيانة أو قيادة المركبة إهمالاً ينشأ بسببه الضرر، فإذا ترتب على هذه التصرفات جناية على النفس أو ما دونها؛ فيتحمل المسؤولية الجنائية عمداً أو شبه عمد، أو خطأ بحسب الحالة، ولولي الأمر تعزيره بما يراه من عقوبة مناسبة”.