إعادة الحقوق مقابل الأمن
1 محرم 1436
زياد آل سليمان

تصاعد انتهاكات الصهاينة ضد المسجد الأقصى تعتبر انعكاسا لعدم تحقيق أي تقدم ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في الحرب التي تعد الأطول في تاريخ الصراع مع الاحتلال، وكان من أبرز نتائجها فقدان الثقة لدى الصهاينة في قدرة الجيش على حمايتهم بعد رؤية بعض المشاهد التي كشفتها المقاومة والتي كان من أبرزها عملية اقتحام الموقع العسكري في مستوطنة "نحال عوز"، وكذلك وقوع عدد من الجنود في الأسر، بالإضافة إلى فقدان الثقة بالقدرة العسكرية سواء في التقنيات أو التجسس أو الحماية بعد فشل "القبة الفولاذية" في التصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية، وكلما أراد قادة الاحتلال إعادة الثقة لدى الصهاينة في مشروعهم توجهت أيدهم إلى القدس.

 

شكلت مشاهد الموت والقتل للأبرياء والتدمير ضغطا أخلاقيا وسياسيا وإعلاميا ضد مشروع الاحتلال داخليا وعالميا، حتى وجد جيش الاحتلال نفسه مضطرا لإجراء تحقيقات – ولو شكلية – في بعض الحوادث التي وقعت.

 

لقد أصبح حلفاء "إسرائيل" غير قادرين على السكوت عن ممارساتها أو تبريرها بشكل كامل، وأصبحت الشعوب في أوروبا وأمريكا - الحليف الاستراتيجي - أكثر وعيا بالقضية، وظهر ذلك من خلال حملات المقاطعة لبضائع المستوطنات، ومقاطعة الجامعات ونتائج استطلاعات الرأي وغيرها من المواقف وتصريحات المسؤولين، وما اعتراف مجلس العموم البريطاني في اقتراع رمزي بدولة فلسطين بأغلبية 274 صوتا مقابل 12 إلا مؤشر على ذلك.

 

هذه العوامل مجتمعة مع ارتفاع الأسعار داخل الكيان بسبب الحروب المتلاحقة وحالة الخوف والتهديدات من كل مكان وعدم الاستقرار في المنطقة، أدى إلى تصاعد موجة الهجرة "الإسرائيلية" العكسية صوب أوروبا والبلدان الغربية، هذه الموجة بدأت تتحول إلى حالة جماهيرية، ولهذا لم يعد مستغربا أن تبدأ حملات للمطالبة بالهجرة، بل أظهرت نتائج استطلاع في القناة العاشرة العبرية حول الهجرة كشفت أن نصف مليون يهودي سيهاجرون بسبب غلاء المعيشة، وبينت نتائج الاستطلاع أن 50% من "الإسرائيليين" فحصوا إمكانية الهجرة، والأخطر أن جيل المهاجرين أعمارهم بين 25 إلى 44 عاما، وقد أطلق نشطاء حملة تحت شعار: النُـزول إلى برلين، طالبت بالهجرة أو الحصول على فرصة عمل في ألمانيا، مما يعني أن من لم يهاجر بشكل نهائي فإنه يهاجر بشكل مؤقت تمهيدا للهجرة الكاملة.

 

تغيرت المعادلة ولم تعد الأمور كالسابق بالرغم من التغيرات العاصفة في المنطقة إلا أن ثبات الشعب الفلسطيني ومقاومته استطاعت أن تفرض معادلات جديدة ولا يمكن لأي طرف تجاوزها، وإن تجاهل المجتمع الدولي وقادة الاحتلال لحقوق الشعب الفلسطيني اليوم سيؤدي إلى المزيد من التهديدات للكيان الصهيوني، وأي جريمة يرتكبها الاحتلال فإنه سرعان ما يدفع ثمنها، ولم تعد المعادلة: الأمن مقابل السلام، بل أصبحت: إعادة الحقوق مقابل الأمن، فمن أراد من الصهاينة العيش بسلام فعليه أن يعيد قطعة الأرض التي اغتصبها، وأن يعجل بقرار الهجرة منها إلى حيث السلام، أما من سرق الأرض فلن يكون له أمان فيها.