الأقصى بين الصفقات والتشبث بالكراسي
1 محرم 1436
خالد مصطفى

يمر المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس بمرحلة من أدق المراحل في تاريخهما حيث وصل الطغيان الصهيوني إلى منتهاه وسط تصعيد غير مسبوق واقتحامات متواصلة للمسجد الأقصى من المغتصبين الصهاينة في حماية قوات الشرطة واعتداءات على المصلين والمعتصمين من الفلسطينيين داخل المسجد ومنع الآلاف من المسلمين من أداء الصلاة فيه مع ما يمثله من قيمة معنوية لكافة المسلمين في العالم..

 

الاحتلال بدأ في التخطيط لإجراءات تكفل فرض سيطرته على الأقصى حيث يبدأ الأمر بتقسيم المسجد بين المسلمين واليهود مع منع المسلمين من دخوله في أوقات معينة حتى تنتهي الأمور بطرد المسلمين منه تماما وتسربت أخبار عن مسودة قانون سيناقشها الكنيست الصهيوني قريبا بهذا الشأن مستغلا الأوضاع المضطربة التي يعيشها العالم العربي والإسلامي..الفلسطينيون رغم الاحتلال وما يعانونه من صعوبة في العيش يقفون بالمرصاد لمحاولات الاقتحام اليومية المستمرة للمسجد الأقصى واستطاعوا تلقين المغتصبين الصهاينة دروسا في الصمود والثبات حيث يقفون بصدورهم عارية أمام العصي والغاز والجنود المدججين بالأسلحة الحديثة ولا يهزهم سقوط أحد منهم مصابا او حتى قتيلا..

 

ولم تقتصر المقاومة على داخل المسجد الأقصى المبارك وإنما اتسعت لتشمل مدينة القدس بأكملها والضفة بأسرها حيث خاضوا اشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال دفاعا عن المسجد الأقصى وتهويد القدس...

 

وقد اعترفت قوات الاحتلال أن ما يجري في القدس هو انتفاضة حقيقية وأنه يصعب التحكم فيها أو السيطرة عليها..لقد أثبت الشعب الفلسطيني المناضل طوال أكثر من 60 عاما من جديد أنه الرقم الصعب في المعادلة وان الرهان الحقيقي ليس على الخارج شعوبا وحكاما بقدر ما هو على الداخل رغم كل الصعوبات والمعاناة.. لكن المر الحقيقي هو الذي يتجرعه الفلسطينيون جراء الموقف المتخاذل للسلطة التي ما زالت تتعاون مع الاحتلال لمطاردة المقاومين طبقا للاتفاقات الموقعة بينهما والتي لم يلتزم الاحتلال بأيٍ منها بينما تصر سلطة رام الله على تطبيق نصوصها خصوصا الأمني منها...الجرأة التي يتحرك بها الاحتلال تجاه هذا الملف الشائك لم تأت من فراغ إنما جاءت من شعور بالقوة استمده من علاقات نوعية بدأ يتميز بها مع جيران عرب أصبحوا أقرب إليه من أي وقت مضى تحت ذرائع شتى منها: تحالف لمواجهة ما يسمى "الإرهاب", ودعم يجدونه من الاحتلال المعروف بصلاته القوية بأمريكا صاحبة النفوذ الواسع لدعم بقائهم في كراسيهم في مواجهة الثورات الجامحة بالعالم العربي ضد الأنظمة القديمة المستبدة..

 

إن انحياز الاحتلال الصهيوني ضد الربيع العربي ودفاعه المستميت عن الأنظمة القديمة  يأتي من شعوره بأنها الأكثر خدمة لمصالحه والحفاظ على أمنه والأكثر استعدادا للدخول معه في صفقات تتيح له التمدد والسيطرة والتضييق على الفلسطينيين بأقل تنازلات ممكنة وأي مراجعة لما تتناوله أجهزة الإعلام الصهيونية وتصريحات كبار المسؤولين في "إسرائيل" تؤكد على هذه الحقيقة..إن الأنظمة الدكتاتورية تحتاج إلى حماية من خارجها لتستمر وهو ما يجعلها تتنازل في علاقاتها مع القوى المهيمنة على المنطقة من اجل أن تبقى متشبثة بمقاعدها أما الشعوب فهي تحتاج حريتها أولا قبل أن تتمكن من الدفاع عن الأقصى, وحتى هذا الحين فإن الله يحفظ الأقصى بأهل فلسطين الأبطال من الشيوخ والشباب والصبيان.