الجدل حول اكتتاب البنك الأهلي .. لا سبيل إلى التهاون مع الربا
3 محرم 1436
تقرير إخباري ـ محمد لافي

على الرغم من الجدل الكبير الذي صاحب إعلان البنك الأهلي إطلاق أكبر اكتتاب تشهده المملكة حول شرعية هذا الاكتتاب وجواز المشاركة فيه وذلك قبل أن يحسم علماء ودعاة المملكة هذا الجدل بالتأكيد على عدم جواز الاكتتاب في أسهم البنك الأهلي لاشتماله على الربا, وعلى الرغم من أن هذا الجدل لم يكن الأبرز في الأوساط السعودية بالنظر إلى القضايا التي نالت حظاً كبيراً من التداول والنقاش خلال العقد المنصرم، إلا أن من الملاحظ أن هذه القضية قد تمخض عنا وقفة مجتمعية حازمة في مواجهة أحد أكبر الآفات في الإسلام وأخطرها وهي الربا.

 

بشكل عام, اعتاد المجتمع السعودي ترقب مثل هذه الاكتتابات التي تطلق عبر طرح أسهم كبرى الشركات في المملكة من حين لآخر باعتبارها فرصة آمنة وفي متناول الجميع للحصول على عائد مالي في فترة وجيزة, وبالطبع شكلت فرصة الاكتتاب في البنك الأهلي التجاري أقدم وأعرق البنوك في المملكة والذي أعلن عن طرح  300 مليون سهم للأفراد السعوديين بسعر بيع يبلغ 45 ريال للسهم أي بهامش ربح لن يقل عن 100 في المائة عند البيع شكلت فرصة للمواطن السعودي لا يمكن تجاهلها لو لم تكن في أحسن أحوالها متلبسة بالربا.

 

وعلى الرغم من انحياز الشريحة الأكبر في المجتمع السعودي ضد التعاملات الربوية بشتى صورها, واطمئنانهم لفكرة البحث عن بدائل شرعية اتقاءً للشبهات واستبراءً لدينهم, لكن على ما يبدو فإن قضية الربا والفوائد البنكية لم تكن لتشكل هاجساً كبيراً لدى التيار العلماني في السعودية الذي دأب على البوح من خلال أقطابه عن موقفه من الفوائد البنكية وهو أن الربا لا وجود له في العصر الحديث لوجود المعاملات البنكية الحديثة أو أن الربا إنما كون في الذهب والفضية فقط وليس التعاملات النقدية  وغيرها من الشبهات التي يصنع منها مسوغاً للتهوين من كبيرة الربا واستباحته والتي تشكل فيها هذه الأزمات فرصة سانحة لبث مثل هذه الشبهات.

 

وتعيد هذه الأزمة للأذهان الجدل الذي دار في المجتمع السعودي بعدما بثت إحدى حلقات المسلسل المحلي المرحب به من التيار الليبرالي "طاش ما طاش" قبل ثلاث سنوات وكانت بعنوان "زيد أخو عبيد" حين اشتملت على كم كبير من المغالطات والافتراءات حول المصرفية الإسلامية والقائمين عليها واحدثت تشويشاً لدى البعض بادعائها أنه لا فرق بين البنوك الربوية والبنوك الإسلامية، وأن الأوراق النقدية لا يجري فيها الربا لأنها ليست ذهباً ولا فضة، كما أنها ليست مغطّاة بهما كما في السابق وألمحت إلى تواطؤ الهيئات الشرعية بتحقيق رغبات المسؤولين في البنوك, ولقد وجد التيار الليبرالي حينها في ذلك الجدل فرصة ملائمة لتشويه المصرفية الإسلامي والتهوين من كبيرة الربا.

 

وفي خضم هذا الجدل المحتدم, ليس على حرمة الربا, بل على مسألة الاكتتاب في البنك الأهلي وذلك بعد أن أجازته الهيئة الشرعية في البنك, أخذت قضية هذا الاكتتاب منحى آخر حين اتهم بعض كتاب الأعمدة من التيار الليبرالي من يرفضون الاكتتاب في البنك الأهلي بانعدام الوطنية وكان على رأسهم الكاتب جاسر الجاسر الذي كتب مقالاً في صحيفة الحياة بعنوان " (اكتتاب البنك الأهلي: سطوة "الصحوة" أم سقوطها؟) وكان مما قاله الحاسر :اكتتاب البنك الأهلي سيسقط الأقنعة الصحوية أو يربك السعودية، فلا دليل سواه على النجاة أو المصيبة. هو جانب أولي للرهان على المستقبل وتأكيد الوطنية“ مما أثار استياءً في الأوساط الشعبية و جدلاً بين المغردين السعوديين على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، حيث عبروا عن استنكارهم لما وصفوه بـ (المكارثية)، وذلك تحت وسم #تصنيف_جاسر_الجاسر، كما تساءلوا هل يعقل أن يكون مجرد الاكتتاب في بنك هو مقياس للوطنية ودليل على عدم الانتماء للإخوان أو الصحوة.

 

الخوف على المجتمع السعودي المحافظ من أن ينساق وراء الدعوات المهونة لحرمة الربا وتسلل هذه الكبيرة إلى المجتمع واستمراء أبنائه لها بحجة الخلاف الفقهي أو سعياً إلى الوطنية أو حتى النفور من الحزبية وما يشكله هذا الأمر من خطر على المجتمع باسره وعلى بنيته الإقتصادية, شكل موقفاً غير مسبوق لكبار العلماء والدعاة وطلبة العلم وخطباء المساجد وعامة الناس لمواجهة هذا الخطر, وذلك بداية بأن أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث برئاسة المفتي بياناً حرمت فيه الاكتتاب في البنوك الربوية, ليظهر بعد ذلك المفتي في برنامج تلفزيوني ليؤكد على حرمة الاكتتاب والمساهمة في البنوك التي تتعامل بالربا بيعاً وشراءً ويطالب الأفراد والمؤسسات بعدم الاكتتاب في البنك الأهلي التجاري, وقد أعرب المفتي عن أسفه لأن بعض الكتاب "زلت ألسنتهم" فأباحوا الربا، متسائلا "من يقوى على الله ورسوله؟" وحذر من عقوبة من يفتي بالربا، داعيا من أفتى بذلك إلى الرجوع عن رأيه.

 

كما شملت قائمة المحذرين من هذا الاكتتاب كبار المشايخ والدعاة في السعودية وعلى رأسهم المشايخ عبد الرحمن بن ناصر البراك وعبد الله المطلق و سعد الخثلان وناصر العمر وعبدالعزيز الفوزان ويوسف الشبيلي ومحمد العصيمي والدكتور سليمان العودة وغيرهم الذين أكدوا عدم جواز الاكتتاب في أسهم البنك الأهلي في الوقت الحالي لاشتماله على نسبة كبيرة من القروض والتمويلات المحرَّمة وسندات دين بفوائد ربوية منادين بتأجيل طرح أسهمه لحين معالجة إشكالاته الشرعية كما أكدوا على خطورة الربا وضرورة الابتعاد عنه وكافة المعاملات التي يشوبها الربا.

 

وقد أكد الشيخ عبدالعزيز الفوزان -عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان-  إن الاكتتاب في أسهم البنك الأهلي حرامٌ، وينبغي على المواطن عدم الدخول فيه ولو كان الربح مليون ضعف بالمئة. مضيفاً إن الدولة أرادت بالاكتتاب نفع المواطنين، حيث يشترون الأسهم بمبلغ رخيص كما أُعلن، والمتوقع أن يتضاعف سعرها بعد نهاية الاكتتاب, واقل إذا أردنا فعلاً نفعَ المواطنين وتمكينهم من الاكتتاب بهذا البنك؛ فيجب أن يُخلّص البنك من المعاملات الربوية المحرمة، لكن الشيء المحزن والمؤسف وأنا أتعجب لماذا الإصرار على الحرام من قِبل القائمين على البنك والمشرفين عليه أو من قِبل الجهات الرقابية الرسمية”

 

وأشار الشيخ الفوزان أن أصحاب بعض الأهواء الذين لا يعظّمون حرمات الله بدؤوا يبحثون عن بعض الفتاوى التي تحلل المعاملات الربوية في البنوك بشبهات ما أنزل الله بها من سلطان ويحاربون الله ورسوله وما عليه إجماع الأمة مع الأسف الشديد، واصفاً هذا البلاء بأنه من الفتن العظيمة.

 

وقد كان للشيخ ناصر العمر وقفة في وجه الدعوى التي خرج بها بعض الليبراليين حين زعموا أن المشاركة في هذا الاكتتاب من الوطنية في الوقت الذي ينفونها من رفض المشاركة فيه واتهموه بالحزبية وأن له مآرب يخفيها مؤكداً أن هذا ميزان جاهلي, وتساءل هل كبار العلماء واللجنة الدائمة حزبيون ولهم مآرب أخرى حين حرموا المشاركة في هذا الاكتتاب ؟؟ كما حذر ممن يسعى إلى تدمير البلد واقتصاده بالربا من العلمانيين والليبراليين, والمنافقين ممن يطالبون بالتعامل بالربا ودعم اقتصاد البلد من خلاله مؤكداً عبر حسابه فى “تويتر” بأن الليبراليين يريدون اختزال هذا الدين العظيم في قالب وطني ضيق ، وتنصيب  الوطنية ندا لمحاكمة شريعة الله وأحكامه.

 

وفي تغريدات له على تويتر يؤكد الشيخ العمر على أنه :”لايجوز الاكتتاب في  البنك الأهلي فمن ساهم فيه أو دعا لذلك أو دافع عنه وهو يعلم أنه ربا فقد بارز الله بالحرب مورداً قوله تعالى“فأذنوا بحرب من الله ورسوله”.كما حذر من تتبع الرخص وتجاهل فتاوى العلماء الكبار والمعتبرين والسعي خلف من أفتى بالجواز أو الترخيص وقال "تبرأ الذمة بمجرد الاستناد إلى فتوى العالم بل لابد من التحري وسؤال الأكثر استقلالًا وأقوى اجتهادًا واعتمادًا على الدليل ولنحذر من تتبع الرخص”

 

ومع بدء اكتتاب البنك الأهلي في موعده الذي حدد له على الرغم من فتاوى كبار العلماء في البلاد إلا أن من الواضح أن تصدي المجتمع بمختلف شرائحه لهذا الاكتتاب كان له انعكاس واضح من خلال ضعف المشاركة فبحسب الأرقام التي أعلنها البنك في الأيام الأولى مع تيسر ذلك عبر وسائل عدة وهذا الضعف قد يتجلى بشكل أكبر لو أخذ بعين الاعتبار أن من أباح من العلماء المشاركة فيه لم يخالف على مبدأ الربا بل إنه اجتهد فلم يره ربا أو أنه مقر بأن فيه قدر يسير مغتفر, لكن الأمر الذي لم يختلف عليه اثنان من خلال الصراع بين الحق والباطل أي الداعين إلى الربا والمحذرين منه, أن القيام بالواجب الشرعي في مثل هذه الأزمات من فتوى العلماء وبيان الدعاة وموعظة الخطباء وصدح الإعلاميين لمواجهة أي باطل كان ومهما كثر دعاته فلن يكون بوسع هذا الباطل إلا أن يزهق أمام طوفان الحق وهو ذاته الواجب الشرعي الذي ينبغي القيام به مع دعوات الباطل الآخرى.