5 ذو الحجه 1435

السؤال

لأحد أجدادنا وصية، وليس في الوصية ذكر مصرف الأضاحي، ونحن نأكلها كلها بناء على المعروف عند كثير من الناس اليوم، فهل فعلنا هذا صحيح أو ترى ـ حفظك الله ـ أن نتصدق بها نفعا للميت وللقائم على الأضحية؟ جزيتم خيرا.

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله، وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأضحية من أفضل القربات في عيد الأضحى، وهي من النسك الذي قرنه الله في كتابه بالصلاة في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ)، وفي قوله سبحانه: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وقد قيل إن الأضحية واجبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا).
وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يضحي بكبشين عنه وعن أهل بيته وأمته، وكان الصحابة يتأسَّون به صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته، ولكنهم كانوا يقتصدون، فكان الرجل يضحي بالشاة عن نفسه، وعن أهل بيته، ويأكل ويتصدق، وقد ندب الله سبحانه وتعالى إلى الأكل والصدقة من النسك كالأضحية وهدي التمتع والقرآن، قال تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ).
وقال سبحانه: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ).
وقد جاء عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما: أن المضحِّي يجعل أضحيته أثلاثا، فيأكل ثلثا، ويهدي ثلثا، ويتصدق بثلث، وهذا على وجه الاستحباب، لكن يجب أن يتصدق بشيء منها، لأمر الله بذلك في الآيتين، والأصل أن الأضحية عن الحيِّ، كما دلت على ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه، واختلف العلماء في شرعيتها عن الميت، وقد درج كثير من الناس في بعض البلاد في بعض الأعصار على قصر الأضحية على التضحية عن الميت، وهذا جهلٌ بالسُّنَّة، وتقديمٌ للعادة، والراجح في هذا أن تكون التضحية عن الميت تبعا لأضحية الحيِّ، فلا يُخص الميت بأضحية، بل يدخل في عموم أضحية الحيِّ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول، كما جاء في حديث جابر عند أحمد وأبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بكبش فذبحه بيده، وقال: (بسم الله، والله أكبر، هذا عنِّي وعمَّن لم يضح من أمتي).
ومن قال بشرعية الأضحية عن الميت فإنه يجعلها كالأضحية عن الحي في جميع أحكامها، ومن ذلك الأكل منها والصدقة والهدية، وهذا فيما يتبرع به الإنسان من الأضحية عن غيره من والديه وغيرهم، ومن آثار القول بشرعية الأضحية عن الميت درج كثير من الناس على الوصية بالأضحية وتعيين الأضحية من مصارف الأوقاف، فإذا وقف وقفا، أو أوصى بثلث ماله صدقة جعل الأضحية عنه أو عمَّن أحب من مصارف ذلك، وهنا يجب أن يُعلم أن ناظر الوقف أو الموصَى إليه يذبح الأضحية الموصَى بها على ملك الموصِي، وبهذا تفارق الأضحيةُ الموصَى بها أضحيةَ الحي عن نفسه، أو ما يتبرع به عن ميت، فما يذبحه عن نفسه أو يتبرع به يذبحه على ملكه، فله التصرف فيه أكلا وصدقة وهدية، بخلاف ما يذبحه على ملك الموصي، فليس له الأكل منها، بل الواجب التصدقُ بجميعها، اللهم إلا أن يكون فقيرا فله أن ينتفع منها، وأن يأكل منها، كما هو الشأن في ولي اليتيم، قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ).
ويناسب هنا ذكر ما قاله الشيخ ابن عابدين في هذا المعنى في حاشيته الشهيرة رد المحتار (ج6ص335) قال رحمه الله: "لو ضحى عن ميتٍ [هو] وارثُه بأمره [أي بأمر الميت] أُلزم بالتصدق بها وعدم الأكل منها، وإن تبرع بها عنه فله الأكل؛ لأنه يقع على ملك الذابح، والثواب للميت"أهـ.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.