المفكر البوسني الكبير د.عمر ناكيتشيفيتش.. حياته وشبابه وتجربته الحركية والثقافية والأكاديمية الطويلة 1 من 2
1 ذو الحجه 1435
عبد الباقي خليفة

ناكيتشيفيتش ، العميد السابق لكلية ، الدراسات الاسلامية ، والكاتب الكبير ، واحد من رجالات البوسنة العظام ، الذين اجتهدوا في كسب المعرفة ، وضحوا من أجل دينهم وأمتهم ، بسبب انتمائه لجماعة " الشبان المسلمين "، حيث قضى في السجن عدة سنوات لم تفت في عزيمته ، ولم تمنعه من مواصلة دراسته الأكاديمية ، وتبوئه المكانة التي تليق به . ولتعداد حصاد هذا الرجل الدؤوب على تحصيل المزيد من المعرفة ، كان لنا معه هذا اللقاء .

 

 هل يمكن أن تحدثنا عن المكان والزمان الذي ترعرعت فيه ؟
 

 

بسم الله الرحمن الرحيم "والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر". ولدت في تويوتشاك عام 1927 م في عائلة متوسطة الحال ، فأبي كان تاجرا وكان حافظا للقرآن الكريم ، ولم يذهب للمدرسة في صغره ، ولكن كان له صديق يذهب إلى المدرسة اتفق معه أن يحفظا القرآن معا .ولي ثلاثة من أعمامي من خريجي المدرسة الاسلامية ، وفي تلك الفترة لم يكن الأئمة متفرغين ، فكانوا يمارسون ، التجارة إلى جانب عملهم في الإمامة بالمساجد .

 

 كيف تأثير الأسرة على توجهك 
أنا لم يكن بإمكاني الجلوس في مكان أبي ، احتراما له ، كانت هذه تقاليدنا ، ولم أكن أجلس قبل أن يطلب مني ذلك ، أنا وجميع إخوتي كنا في الكتاب . حفظت يس في رمضان ، دفع لي أبي دينارين ليشجعني على مواصلة الحفظ . حفظت يسين في يوم ، وكانت أمي رحمها الله ، توفيت قبل 22 سنة ، تشجعني هي الأخرى وتطلب من أبي أن يكافئني قائلة أعط لابني دينارين . ولم يكن والدي يفرض علينا الحفظ بل كان يرغبنا في ذلك ولا يرهبنا . كان يردد نتناول العشاء ولكن بعد صلاة العشاء . لا يمكن الجلوس للطعام قبل أداء الصلاة ، الفجر والظهر والعشاء وما بينهم . وكان هناك في كل قرية مكتب لتحفيظ القرآن ، وإذا لم يكن مكتب يفسح أحدهم غرفة في بيته أو جانب منها لتعليم كتابة الحروف العربية وحفظ القرآن الكريم . حفظت القرآن الكريم أنا وبقية إخوتي ، بدأنا الحفظ منذ سن الخامسة ، وبعضنا بقي 15 أتم الحفظ في 10 سنوات وهناك من أتمه في أقل من ذلك . وفي ذلك الوقت كانت الفتيات يزوجن بعد سن البلوغ مباشرة ..الامام والخطيب والمعلم يكون غالبا من نفس القرية . يتعلم الصلاة والقرآن والحرف العربي . وتسمى تلك الدروس دروس الصباح ، وعندما يقال ذهب إلى الصباح وليس في الصباح ، يعني ذهب إلى الكتاب . ولكن عندما جاءت الشيوعية منعت ذلك الخير العميم ، وخنقت تلك الروح الزكية التي كانت بركاتها في ربوع المنطقة .

 

كيف بدأت رحلتك التعليمية ، وما هي الصعوبات التي لاقيتها في تلك المرحلة ؟
بعد إنهاء دراستي الابتدائية ، دخلت مدرسة بهرام بك الثانوية الاسلامية ، ولم تكن مدرسة دينية صرفة ، بل كانت مدرسة تدرس جميع المواد الأخرى مثل الكيمياء ، واللغة العربية ، والتركية والرياضيات وعلم الاحياء ، وهي مدرسة ثانوية معترف بها من قبل الحكومة ، وكان ذلك قبيل الحرب العالمية الثانية .

 

 كيف تم انضمامك إلى، جماعة الشبان المسلمين ؟
نشأت نشأة اسلامية ، فأبي الذي لم يذهب للمدرسة كان حريصا على حفظ القرآن ، وأعمامي كانوا منخرطين في التعليم الاسلامي ، وهذه البيئة هي التي هيأتني للاقتناع بالأفكار التي بنيت عليها جماعة ، الشبان المسلمين ، في تلك الأيام تعلمنا النظريات المختلفة عن الحياة والكون والانسان . يوجد في القرآن كل الردود على الأسئلة الوجودية .

وعندما سافرت إلى بلغراد كنت مشبعا بالثقافة الاسلامية ، ولذلك كنت أستوعب بشكل جيد ما استجد في حياتي ، وما لمسته من المحيط المغاير ، أي لم أتأثر سلبا بذلك الجديد بل مثل تجربة لتنزيل قناعاتي في واقعي الجديد ، أو قل وضعت الواقع الجديد في إطار قناعاتي ، ونظرت إليه بالمنظور الاسلامي .

 

 عشت بعض أهوال الحرب العالمية الثانية ، كيف تصف لنا تلك المرحلة
 في الحرب العالمية الثانية كنت في مدرسة الغازي خسرف بك الثانوية وتحديدا سنة 1943 م . وكانت الطائرات تشن الغارات حتى على الطرق وخطوط السكك الحديد . وكنت في ذلك الوقت أقضي مدة 12 يوما لأصل إلى سراييفو ( 150 كيلومتر ) لأداء الامتحانات . وعندما وصلت إلى سراييفو كنا مضطرين للجوء للمخابئ عند القصف أو الغارات . وفي إحدى المرات كنت مع أستاذ العلوم الطبيعية ، وكانت أمامه زهور فقال صف لي أنواع الزهور، وبينما أنا أجيبه جاءت ابنته وأخبرته بوجود غارة جوية ، فأخذني معه إلى السرداب وكان ملجأ جماعيا تحت الأرض ، وكان يسألني من داخل السرداب ، فضاقت بعض النسوة ذرعا بذلك وطلبن منه الكف عن الأسئلة ، فقال لي عندها تريد عدد 3 أو نواصل ، فقلت له يكفي . وذهبت إلى أستاذ الكيمياء في مكان آخر ، وهكذا كنت أذهب من مكان إلى آخر حسب مكان وجود أستاذ المادة ، لأداء الامتحانات تحت القصف في أوج الحرب العالمية الثانية .

 

وكان الوضع صعبا للغاية ، من جميع النواحي حيث قضيت في زينتسا 3 أيام ، لا أعرف بالضبط ما أكلت فيها وكانت المرة الوحيدة التي آكل فيها شيئا خلال تلك الفترة . وبعد خروجي من سراييفو ، تعرضت المدينة لغارة جوية وقتل الكثير من الناس .

 

وأمضيت 10 أيام لأصل إلى بريتشكو ( شمال البوسنة ) ومن ثم إلى بيالينا ( شرق البوسنة ) أثناء عودتي من سراييفو إلى البيت بعد أداء الامتحانات . ولم تكن هناك وسائل نقل في ذلك الحين ، بسبب الحرب .

 

وعندما سألت عن وسيلة أعود فيها إلى البيت قيل لي دبر أمرك بنفسك لعلك تجد من تذهب معه ، وفعلا وجدت عربة يجرها حصان ، وعليها صهريج ، استأذنت صاحبها بالركوب فقال لي ، إن شئت الركوب فوق الصهريج فلا مانع لدي ، ولم يكن بدا من ذلك .

 

وعدت إلى البيت التي كانت تبعد عن ذلك المكان مسافة 44 كيلومترا فوق صهريج . لقد كنت مصرا على اكمال الدراسة .

 

هل شاركت في القتال أثناء الحرب العالمية الثانية ؟
 بين سنتي 1944 و1945 م كنت جنديا ، جندونا في البارتزان ( تنظيم الرئيس اليوغسلافي الأسبق جوزيف بروز تيتو ( من مواليد 1892 ) ، الذي أصبح رئيسا ليوغسلافيا من 1945 وحتى وفاته  1980 م ) وبقيت سنة في الجيش ، مع اثنين من الشبان المسلمين ، في احدى الثكنات بتوزلا ( 120 كيلومتر شمال سراييفو ) أحدهم كان في قسم التجنيس والآخر في الخدمة ، وكنا نعرف ما يحدث ، وجميع الاوراق تمر عبرنا وكنا نقرأها . في تلك الفترة كان يحق لكل كتيبة تضم 10 مسلمين أن يكون من حقهم أكل خاص .

 

لكن تلك المراسيم لم تكن تحترم ، وربما وضعت من أجل التغطية على الجرائم بحق المسلمين . ووفقا لتلك المراسيم أيضا كان يحق لمن يصوم أن يتأخر ساعة عن العمل ويترك العمل قبل ساعة من الدوام الرسمي .وكانت العودة إلى البيت تستغرق مني 5 أيام منها 44 كيلومتر مشيا على الأقدام أو باستخدام العربات التي تجرها الخيول . وذات مرة غادرت الثكنة وعدت إلى البيت بدون إذن ، ولما رجعت إلى الثكنة سألني الضابط أين كنت قلت في البيت فسجنني بسبب ذلك لمدة 5 أيام ..

 

 في سنة 1945 م حيث انتهت الحرب العالمية الثانية ، تولى تيتو السلطة ، أين كنت في تلك المرحلة التي بدأت بتصفية ما بقي من حراك سياسي وثقافي اسلامي ، وكنت من بين المعتقلين من جماعة ، الشبان المسلمين ، ؟
 

عزمت على مواصلة الدراسة ، وبعد مدة لا تزيد عن السنة من حكم تيتو ، ألقي القبض على مجموعة من الأساتذة وكانوا 7 أشخاص ،ألقي القبض عليهم لانتمائهم الاسلامي ، بعضهم كانوا أطباء   وبعضهم أساتذة رياضيات وتربية وبيداغوجيا وتفسير ولغة عربية ، كان ذلك سنة 1946 م . وفي 1947 م سجلت في جامعة بلغراد ، وفي 1949 م حصل ما حصل كما تعلمون من إلقاء القبض على 800 شخص وحسب معلوماتنا 1200 شخص وكنت من بينهم . في الاربعينات ، قبضوا على 1200 شخص وكانوا طلبة منعونا من الدراسة والتعليم . أبعدونا عن أهالينا ، يتموا المئات حرموا الآلاف من العمل . كانت حرب شاملة ضد المسلمين . المصيبة لم تتوقف عند الضحايا المباشرين بل ضد المسلمين عموما الذين كان بإمكانهم الاستفادة منهم . وراءنا أسر وجيران وكانوا جميعا تحت المراقبة . لقد نقلوني إلى بلغراد وحكم علي بعشرين سنة سجنا . وبعد 10 سنوات خرجت من السجن .

 

 كيف كانت ظروف السجن ؟
 كنا نمارس الأشغال الشاقة في الاماكن الصعبة . نعمل في مد الأنابيب ، والسكن ليس جيدا ، وعملنا في المناجم . كنا 5 من الشبان المسلمين ، بيننا من أصبح  طبيبا جراحا ، ومن أصبح مهندسا كبيرا ، ومن صار أستاذا جامعيا ، وكنا في مكان واحد ، بدون فراش ، فننام على الاسمنت نوما قليلا وردئا ، وذلك صيفا وشتاءا .كان الجو في الشتاء باردا ولم نكن نستطع أن ننام من شدة البرد . وكان بعض اخواننا لا يملك الكثير من الملابس ، وتعرض للحرق . الطعام كان قليلا من الخبز والشوربة أشبه ما تكون بماء ملون ومملح .

 

وهذا إذا كنت تعمل وعندما لم يكن هناك عمل ، لا يقدمون لنا إلا القليل من الخبز وذلك لمدة 4 أشهر . وأثناء فترة السجن كان ممنوع علينا الكتابة للعائلة والاتصال بالأسرة . كنا نعمل طوال اليوم ونعمل بالليل وكنا نحو 12 أو 15 شخصا في غرفة لا تتسع سوى لشخص واحد ، يحشر فيها 15 فردا ، كنا فيها مثل أعواد الكبريت . غرفة لشخص واحد ، طولها متران وعرضها متر وربع المتر . لم يكن هناك حمام بأتم المعنى في الغرفة ، والماء كان مقطوعا في أغلب ساعات اليوم والليلة . كان السجن قد بني في العهد النمساوي ، وعندما يذهب السجين لقضاء الحاجة ينظف نفسه بيده بدون ماء ، ولم يكن هناك باب فكان السجين يقضي حاجته أمام نظر الجميع . وفي الغرفة كانت هناك كوة صغيرة لا تصرف كل الروائح . في احدى المرات وصلنا إلى 260 شخصا في غرفة واحدة . وهي معدة لعشرين شخصا . 20 مترا طويلة وعرض 8 أمتار .

 

 وكيف كانت مرحلة ما بعد السجن ؟
 كانوا يمنعون من يخرج من السجن من ايجاد عمل ، يمنعوننا من العمل . ولذلك خرجت من البوسنة بعد قضاء 10 سنوات داخل السجن ، وتوجهت إلى بلغراد ، حيث أكملت الدراسة في كلية الدراسات الشرقية .

 

 كيف امتصت جماعة الشبان المسلمين ، الضربة ؟
 عشت تلك المحنة ، وقرأت وكتبت عنها ، وفي ظل القمع ومنع الحريات ، وملاحقة الدعاة والمناضلين ، يسعى الناس للسرية وللتكتم ، ولذلك يكثر عند ختم الحديث أو الاجتماعات بالقول، الخبر لا يسمح أن يخرج من دائرة البيت من سور البيت ، لا بد أن يموت الخبر بيننا ، الناس كانوا يعيشون في حالة صعبة . الضغط كان شديدا على المسلمين ، ولا سيما الناشطون منهم . ولكن للتعمية وحتى لا ينظر للحرب ضد المسلمين على أنها محاولة استئصال ، يقومون باعتقال أفراد أو مجموعات من طوائف أو توجهات أخرى ، حتى لا تبدو الحرب ضد الاسلام فقط . بيد أن الأحكام التي تصدر على الأطراف المختلفة تفضح أولئك المستبدين ، وهو ما نشاهده في بعض الدول . وقد أثبتت الوقائع أن الافكار لا يقضى عليها بالسيف ، ولا أحد يركل قطا ميتا . بقي التأكيد على أن الحملة التي استهدفت الشباب المسلم كان من بين أهدافها منع وصولنا إلى مراكز تعليمية مرموقة وعدم تخرجنا كمهندسين وأطباء ومحامين وصحافيين وغير ذلك من المهن . أي ضرب الكوادر الاسلامية ومنعهم من أن يكون لديهم كوادر ومثقفين وباحثين في كل الأجيال .

 

 هل حقق النظام الشيوعي أهدافه من خلال محاولة ضرب الحركة الاسلامية ؟
في أثناء الوجود في الخارج : كنت أتحدث عما حصل ويحصل في البوسنة من عدوان على المسلمين . الحرب بدأت ضد الشبان في 1945 م وبلغت أوجها في 1949 م . التأثير على المسلمين كان واضحا . زرت السعودية والمغرب وماليزيا والمغرب ومصر وغيرها . حاولت أن يكون واضحا . في أي إطار تضعون ما حدث من 1945 و1947 وحتى 1995 م . هذا التأثير لا أستطيع أن أبين ، ليس ضروريا 800 الشباب الذين سيكونون شيئا في هذه الدائرة الآن لا يستطيعون أن يفعوا شيئا .

 

في روسيا الشيوعية البنات يدرسن ، أما نحن فليس أمامنا سوى القراءة . درست الالمانية والعربية وكنت أقرأ أي كتاب يقع بين يدي . جميع الذين كانوا في السجن واصلوا دراستهم وتخرجوا وأكثرهم حصولا على درجة الدكتوراة . الأعداء لم يحققوا كل أهدافهم ، علي تخرج من الكلية عمر مهندس ، لاتيتش دكتور عصمت قاسيموفيتش مهندس ، وأطباء . الجماعة أصبحوا رموزا للمسلمين في المنطقة . نعم تأخر تخرجهم 10 سنوات وأكثر ولكنهم أنجزوا ما أراد الأعداء أن يحرمونهم به .

 

 كشاهد عيان كيف كان حال المسلمين في الحرب العالمية الثانية وأثناء حكم تيتو ؟
 كان وضعا شديد الصعوبة ، حيث وقع المسلمون بمن فيهم الشباب تحت التأثير السياسي للصرب والكروات . فقد كان هناك من يميل لبلغراد ومن يميل إلى زغرب . وهذا سبب من أسباب بحثنا كجماعة " الشبان المسلمين " عن الاستقلال . وعندما جاءت الحرب العالمية الثانية انقسم الناس إلى 4 فرق فريق مع الصرب ، التشتنيك ، وفريق ثان مع الشيوعيين ، البارتزان ، وفريق ثالث نمع الكروات ، الاسيتاشا ، وفريق رابع ، مع الاستقلال .

 

وبعد 1945 م كانت الغبة للبارتزان ، وغير الكثير التشتنيك والاستاشا ولاءاتهم السابقة ، ظاهريا واندمجوا في الأجواء الجديدة ، منتظرين فرصة جديدة للإفصاح فيها عن وحشيتهم . وكان التأميم للممتلكات الجماعية والفردية والأوقاف من الفرص التي أتيحت لهم ، كانوا يأخذون من الفلاحين أبقارهم ومحاصيلهم لإرسالها إلى روسيا ودول اشتراكية أخرى وكان ذلك يؤثر بشكل سلبي على الفلاحين . وكره الناس الشيوعية منذ بواكيرها ، ما عدا مجموعة من المنافقين الذين كانوا يظهرون ما لا يبطنون .

 

 كان هناك تنظيم اسمه الخنجر أثناء الحرب العالمية الثانية ، تأسس بعد زيارة الحاج أمين الحسيني للبوسنة ما قصة ذلك ؟
 الحاج أمين الحسيني كان يميل إلى ألمانيا ، لأن الدول الاوروبية الأخرى تتواطأ مع اليهود لاحتلال فلسطين ، ولولا ذلك لما أيد ألمانيا التي كانت ضد احتلال فلسطين ، وليس تأييدا لهتلر أو النازية  . وعلى كل حال كنت طفلا صغيرا آنذاك .

 

في بلغراد لم تكن معروفا ، حيث كان النظام الأمني مختلف من جمهورية لأخرى ، وربما لم يكن هناك تنسيق ، تماما كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو ما مكنك من العمل ومن السفر إلى القاهرة واستشراف آفاق جديدة ؟
بالضبط ..حيث عملت في إذاعة بلغراد ، ثم توجهت للقاهرة لمواصلة التدريب لصالح إذاعة بلغراد . والتقيت في القاهرة بطلاب من اليمن وغيرهم ، فقد كنا 20 شخصا .تعلمنا أصول الكتابة الصحافية  وكيف نكتب المقالات ، وإدارة الموائد المستديرة ، وغير ذلك . وبعد عام من وجودي في مصر اتصلت بجامعة القاهرة ، وكنت أستمع للعديد من المحاضرات وحضور الندوات ، وقدمت أطروحتي للماجستير عن " الشيخ حسن كافي بروتشاك ، رجل العلوم العربية الاسلامية في البوسنة والهرسك ".

 

وبعد سنتين قدمت أطروحة الدكتوراة حول "المدارس الفكرية في البوسنة " وهي مقارنة داخلية بين آراء العلماء في كل من سراييفو ، وموستار ، وبروساتس . وقد قارنت الأساتذة حسب وجودهم الجغرافي ، حيث التصوف في موستار ، والمدرسة النصية في بروساتس ، وكانت مركزا عسكريا في العهد العثماني ، وكانت معروفة بسبب علمائها ،الذين درسوا في البلاد العربية ، وهم يفضلون العلوم بالغة العربية الفصحى ، ويناقشون المدارس الاسلامية والمذاهب الفكرية باللغة العربية ، منهم حسن كافي ، صاحب كتاب " نظام العالم " الذي ناقش فيه مسألة ، التقدم والتأخر في الدولة العثمانية ، والذي يرى فيه أن المسلمين أهملوا ما جاء به القرآن ، وقد ترجم الكتاب آنذاك للتركية . ولحسن بروتشاك 10 كتب معروفة ، كما شارك في جميع معارك الجيش العثماني .