إيران.... والتحالف الدولي
26 ذو القعدة 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

لا يبدو أن أمريكا والغرب قد باتت تعير وزنا حتى لمشاعر المسلمين من أهل السنة في المنطقة , فضلا عن أن تعير وزنا لمصالحهم التي ضرب بها عرض الحائط في جميع تحركاتهم .
فبعد أن صرحت أمريكا في بداية إنشاء التحالف الدولي منذ أيام بأنه "لا دور لإيران في التحالف الدولي لمحاربة "تنظيم الدولة" إرضاء للدول السنية واستمالة لها في المشاركة الواسعة في التحالف , ها هي اليوم تدعو طهران للمشاركة في هذا التحالف , وكأنها كانت غائبة عن محاربة أهل السنة في يوم من الأيام .
فبينما نفى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في وقت سابق احتمال وجود أي دور لإيران في التحالف الذي تحشده الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية ، مشيرا إلى أن إيران "دولة راعية للإرهاب وداعمة للنظام السوري" ولذلك لن يكون "ملائما" أن تشارك في مؤتمر "السلام والأمن في العراق" الذي عقد في باريس منذ أيام , نراه اليوم يصرح بدور إيراني في هذا التحالف .
ورغم ما كان في المنع الظاهري للمشاركة الإيرانية في محاربة "تنظيم الدولة" من منافع وفوائد لإيران :
1- فهي تجنب الرافضة تكاليف هذه الحرب بشريا واقتصاديا , وفي الوقت نفسه تجني ثمار و نتائج هذه الحرب التي يجمع المحللون أنها وحلفاءها الرابح الأكبر منها .
2- وهي من ناحية أخرى تمنح طهران فرصة ذهبية لمحاولة العودة إلى خندق المقاومة والممانعة المزعوم للمشروع الأمريكي في المنطقة , ذلك الشعار الذي خسرت رصيده منذ وقوفها إلى جانب بشار ضد الثورة السورية , من خلال الزعم بأن لأمريكا أغراض ومطامع خبيثة من وراء محاربتها لتنظيم الدولة في العراق وسورية , والتظاهر برفضها دعوة للدخول في الحلف والمشاركة فيه , رغم أنها عمليا تشارك مع الجيش العراقي والبشمركة في قتال "التنظيم" وأهل السنة عموما في العراق .
إلا أن أمريكا – على ما يبدو – قد وجدت أنه لا بد من إعلان الرغبة في مشاركة طهران في التحالف , بعد أن حصلت على ما تريد من دعم الدول العربية السنية في ما تسميه الحرب على "إرهاب" داعش .
فبالأمس قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري - خلال ترؤسه جلسة في مجلس الأمن الدولي بحثت التطورات الأمنية في العراق- إن لإيران دورا يجب أن تلعبه في مكافحة إنتشار تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية , مشيرا إلى أنه "يجب أن يكون التحالف ضد "إرهاب" تنظيم الدولة شاملا ، مشددا على أن "هناك دورا لكل دولة في العالم تقريبا لمحاربة تنظيم الدولة بما في ذلك إيران".
وقبل ذلك بحثت الولايات المتحدة وإيران هذا الأسبوع التصدي لخطر تنظيم "داعش" ، وذلك على هامش المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني , وأعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية "جيف رثكي" أن "المباحثات حول التهديد (الذي يمثله تنظيم داعش) جرت على هامش المحادثات" حول البرنامج النووي الإيراني التي جرت الأربعاء والخميس في نيويورك بين الدول الست الكبرى وطهران .
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجود صفقة كبرى بين طهران والغرب بدأت معالمها تتضح شيئا فشيئا في الآونة الأخيرة , وهي صفقة لا تشمل ملفها النووي فحسب , بل ملفات كثيرة أهمها السوري والعراقي , وما الملف النووي إلا واجهة وعنوانا لجميع هذه الملفات العالقة .
فقد يكون هذا الإعلان عن دور إيراني في التحالف الدولي ضد "تنظيم الدولة" , تمهيدا لتنفيذ الرؤية الأمريكية لحل المسألة السورية , وخاصة بعد إقرار مجلس النواب الأمريكي لخطة أوباما بتدريب وتسليح المعارضة السورية "المعتدلة" لمواجهة تنظيم الدولة في سورية .
ونظرا لتعقيدات الموقف السوري وتشعباته , ومعارضة كثير من الأطراف المختلفة لخطة أوباما في سورية , حيث تعترض طهران و روسيا على رغبة التحالف الدولي بشن ضربات جوية على مواقع "تنظيم الدولة" في سورية بدون التنسيق مع النظام السوري , الذي يفضح نفسه مرة تلو الأخرى بتآمره وتعامله مع أمريكا والغرب , بينما يزعم في كل مناسبة منذ بدأ الثورة السورية بأنه ضحية مؤامرة من نفس تلك الدول على نظام حكمه .
كما يعترض الائتلاف السوري - والفصائل المقاتلة المنضوية تحت عباءته – على دعم وتدريب وتسليح المعارضة لقتال "داعش" فقط دون الأسد , حيث ترى في ذلك تقوية للنظام السوري العدو الأول لها وللثورة السورية بشكل عام .
وأمام هذه التناقضات في المواقف تجاه خطة أوباما في سورية , والتي تجعل من تنفيذها أمرا شبه مستحيل , يبدو أن هناك صفقة شاملة بين طهران وروسيا من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى , تحل فيه جميع القضايا العالقة في بين تلك الدول في المنطقة دفعة واحدة .
وعلى أي شكل من الأشكال كانت تصفية الحسابات وتوزيع المغانم في هذه الصفقة – سواء بإعادة تأهيل النظام السوري لحكم سورية من خلال استبعاد بشار واستبداله بآخر يكون أكثر قبولا تماما كما حصل في العراق باستبدال العبادي بالمالكي أو غير ذلك – فإن الخاسر الأكبر فيها هم الدول العربية السنية , بسبب خلافاتها وعدم توحدهم على عدوهم المشترك من جهة , وظهور بعض التنظيمات التي تزعم الانتساب لهم وهي تخدم في الحقيقة المطامع الصفوية والصهيونية من جهة أخرى .