الانتقام من انتصار غزة
14 ذو القعدة 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

كثيرة هي الجهات التي أغاظها انتصار غزة , وهز مضاجعها تلك النتائج المذهلة التي تمخضت عنها حرب الواحد والخمسين يوما , فلم تكن "إسرائيل" وأمريكا والغرب وحدهم من خشي من تداعيات هذه الحرب , بل إن دولا ومنظمات عربية – وللأسف الشديد - كانت أشد خوفا وأكثر هلعا من تأثير هذه المعركة على مستقبلها السياسي والمعنوي .
لقد أظهرت تلك المعركة للعالم العربي والإسلامي مدى التضخيم الإعلامي غير المبرر لجيش اليهود الذي يوصف زورا وبهتانا بأنه لا يقهر , وعرت نتائج هذه المعركة سوءة بعض الجيوش الضخمة التي عجزت – رغم إمكاناتها العسكرية الضخمة - عن تحقيق ما حققته المقاومة الفلسطينية – رغم تواضع إمكاناتها العسكرية - في قطاع محاصر منذ سنوات .
بل لعل من أهم آثار ونتائج هذه الملحمة البطولية التي سطرها أهل غزة من خلال المقاومة : إثبات عبثية المفاوضات مع الاحتلال الصهيوني لنيل المطالب والحقوق الفلسطينية المشروعة , فما عجزت السلطة الفلسطينية عن تحقيقه خلال سنوات من التفاوض مع الاحتلال , حققته المقاومة في أيام من خلال كلمة البندقية والسلاح .
لقد بدا منذ اليوم الأول من انطلاق مفاوضات وقف إطلاق النار , أن العقبات والعراقيل التي تواجه المقاومة ليست من الطرف "الإسرائيلي" المتعنت فحسب , بل من أطراف أخرى – عربية وفلسطينية – لم يرق لها أن ترى أهل غزة والمقاومة تنتصر , فحاولوا الضغط على المقاومة وتركيعها , إلا أن صمود أهل غزة وبسالة وقوة مقاومتها كانت فوق جميع التوقعات , فخرجت "غزة" رغم الجميع منتصرة .
ويبدو أن ما لم يستطع العدو الصهيوني أخذه في عدوانه الأخير على غزة بالقوة ولا بالمفاوضات , يحاول اليوم تحصيله من خلال الضغط على السلطة الفلسطينية لفك المصالحة التي تم التوصل إليها مؤخرا بين الفصائل الفلسطينية "فتح وحماس" , وقد قالها "نتنياهو" صريحة بعد انتهاء العدوان مباشرة , أن على عباس أن يختار بين الصلح مع "إسرائيل" أو الصلح مع حماس .
وعلى الرغم من كون "حماس" جزء أساسي من الفصائل الفلسطينية التي وقعت اتفاق وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيوني , وعلى الرغم من كونها أيضا الطرف الأساسي في المصالحة الفلسطينية , إلا ان الظاهر أن الجميع يريد الانتقام من انتصارها الكبير في غزة , وحرمانها من تحقيق نتائج ذلك النصر , سواء من خلال حرمان موظفيها من مرتباتهم , أو من خلال حرمان أهل غزة من فتح المعابر وإعادة الإعمار .
فها هو رئيس حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية "رامي الحمد الله" يعلن صراحة في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية , أن حكومته تلقت تحذيرات من "كل دول العالم" من دفع أي أموال لموظفي حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" , وأنه تم تهديد البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية بمقاطعة الحكومة في حال تم ذلك , الأمر الذي سيعرض النظام المصرفي الفلسطيني لإشكالية كبييرة حسب وصفه , الأمر الذي يشير بوضوح إلى توجه دولي عام لحرمان حماس من تحقيق نتائج انتصارها في غزة .
ولو كان الأمر يتوقف عند التآمر الدولي الأمريكي والغربي على فصائل المقاومة الفلسطينية – وعلى رأسها حماس – لكان الأمر هينا , فلا يتوقع من العدو غير هذا , إلا أن الواضح أن رغبة بعض الجهات العربية والفلسطينية في حرمان "حماس" وفصائل المقاومة من تحقيق نتائج الانتصار في غزة - من خلال منع صرف الأموال وفتح المعابر ....الخ – لا تقل عن رغبة العدو في ذلك , وربما تكون أشد في بعض الأحيان .
وإلا فكيف يمكن أن نفهم الهجوم الإعلامي الذي يشن على المقاومة الفلسطينية من قبل من يفترض أنه شريك في هذا الانتصار بعد المصالحة - السلطة الفلسطينية ممثلة بمحمود عباس – والذي لم يكتف بعدم شكر المقاومة على إنجازها فحسب , بل راح يشن هجوما غير مسبوق عليها , في إشارة إلى وجود نية مبيتة لهدم أركان المصالحة , ومحاولة عزل "حماس" وحرمانها من أن جني ثمار الانتصار بغزة .
لقد اتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس "حماس" بما سماها حكومة ظل شكلتها من 27 وكيل وزارة تقود البلد ، بينما لا تستطيع حكومة الوفاق الوطني فعل شيء على أرض الواقع حسب قوله , وذلك في تصريحات له أمس لصحفيين في القاهرة .
وهدد الرئيس الفلسطيني إلى أنه لن تكون هناك شراكة مع "حماس" مع وجود حكومة الظل المزعومة , مشيرا إلى أن عدد الشهداء الذين ينتمون إلى حركة حماس في العدوان على غزة بلغ خمسين فقط ، بينما استشهد من حركة (فتح) 861 , وهو ما نفته "حماس" على لسان المتحدث باسمها "سامي أبو زهري" جملة وتفصيلا , متهمة كوادر من "فتح" بالسعي لمحاولة شيطنتها وتشويه الانتصار الكبير على الكيان الصهيوني .
إن ما يحاول الشرق والغرب فعله في غزة هو الضغط على الحاضن الأساس للمقاومة , وإيصال رسالة مفادها : أن فتح المعابر وإعادة الإعمار والحياة الطبيعية لأهل غزة مرهون بنبذ المقاومة والعودة إلى حضن السلطة الفلسطينية التي تنتهج نهج المفاوضات مع العدو الصهيوني , والتي تعني في حقيقتها "الاستسلام" .