12 محرم 1436

السؤال

السلام عليكم ..
اسمي (..) عمري 21 سنة، مشكلتي مع أمي.. لكن أريد أعرف الخطأ مني أم منها، أنا سودانية، طوال عمري أعيش في السعودية، ما خرجت منها، صاحباتي كلهن سعوديات.. أمي من النوع المحافظ عكس خالاتي وأخوالي وجدتي.. يعني ما أطلع مع صاحباتي ولا أذهب أفراح ولا شيء.. أنا ولدت وعندي الشفة الأرنبية والتي وقفت في علاجي أمي من يوم ولدت والآن ما أنهيت علاجي.. كنت متفوقة بالمدرسة نسبي كلها في التسعينات لكن بآخر سنة بالثانوي ما حصلت على مجموع وما دخلت جامعة..
بالنسبة لأمي معي..
1/ما يعجبها أسلوبي لأني أحب أتخيل كثيرا وأحلم كثيرا..
2/ دائما تشتكيني للناس للجيران أو لأهلها أو كذا وأنا ما أحب هذا الأسلوب ودائما أقول لها ذلك، لكنها لا تفهمني.
3/عقدتها صاحباتي كلما صار شيء.. صاحباتك وصاحباتك.. تركت صاحباتي كلهن وبقيت لي واحدة تسكن معي بنفس العمارة ولا يعجبها.
4/ الجوال عقدة أمي الجوال، تكره أن أبقى مع الجوال وأنا ما عندي جامعة ولا دراسة ولا وظيفة بالبيت حتى صاحبات ما عندي ولا مخطوبة ولا أي شيء، وأغلقت الجوال ووضعته فوق الدولاب. هذا الذي بيني وبين أمي، أريد أعيش مرتاحة لكن لا أعرف كيف أريد شيئا يريحني ويريح أمي والله العظيم مستعدة أنفذه بالحرف الواحد الله يخليكم أفيدوني الله يسعدكم دنيا وآخرة..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
نشكر لك ثقتك واتصالك بنا لطلب النصيحة والبوح بمشكلتك، وأسأل الله لنا ولك الإعانة على البر والتوفيق.
ابنتي الحبيبة .. سعدت برسالتك ولمست صدقك وإخلاصك وحبك الرائع لأمك ورغبتك الحقيقية في برها والتماس رضاها (نفسي أعيش مرتاحة لكن لا أعرف كيف أريد شيئا يريحني ويريح أمي والله العظيم مستعدة أنفذه بالحرف الواحد) فكلماتك هذه أثلجت صدري وظللت حينها أدعو لك من كل قلبي أن يريح الله قلبك ويجعلك من البارات الطاهرات، ويكتب لك السعادة في الدنيا والآخرة، وأن يزيد إيمانك، وأن يجعل عملك كله خيرا.. اللهم آمين. فجميل منك أن تحبي أمك، وتحرصي على برِّها، وهذا هو الأصل والواجب الشرعي على كل مؤمن يؤمن بالله ورسوله، ويلتزم أوامر دينه. والله تعالى أمر ببر الوالدين والإحسان إليهما، وجعل ذلك بعد الأمر بتوحيده، فقال سبحانه: "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً".
ابنتي الحبيبة.. سأطلب منك طلبا ربما تتعجبين منه، ولكن ستدركين مغزاه يوما ما، وهو أن تحتفظي برسالتك هذه وردي عليكِ لحين تصيرين أماً، ستقولين لماذا؟ أقول لكِ لأنكِ ستجدين نفسكِ تتعاملين مع أطفالك بمثل هذا الحرص والخوف الشديد، نعم حبك لأطفالكِ وخوفكِ عليهم سيدفعكِ أن تعيدي وتكرري ما كانت تفعله أمكِ معكِ. ولهذا ثقي أن أمك وإن أخطأت في التضييق عليك، إلا أنها تفعل ذلك خوفا عليك، وربما تعرضت في حياتها أو سمعت حكاية جعلتها تخاف عليك لهذه الدرجة.
ابنتي الرائعة.. لم تذكري ظروفك في البيت؛ هل لديك أخوة وأخوات غيرك أم أنتي وحيدة أمك؟ إن كان لك أخوات، فهل أمك تعاملهن كما تعاملك؟ هل أبيك متواجد معكما أم أنه متغيب لسبب ما؟ أغلب الظن لدي أنك وحيدة أمك، ولهذا هي تخاف عليك، وخوفها هذا جعلها تكاد تغلق عليك وتحاصرك لدرجة جعلتك تشعرين بالاختناق، وتتساءلين (أريد أعرف الخطأ مني ولا منها؟) وأقول لك يا قرة العين: الخطأ ليس منك ولا منها، ولكن ما تسمعه أمك في زماننا هذا من حكايات ومآسي وحوادث جعلتها تخاف عليك وتتمني لو تضعك في مقلة عينها حتى لا يصيبك أي ضرر أم يمسك أي سوء، وأنا معك أنها – بارك الله فيها وفي عمرها– قد أخطأت في ترجمة خوفها الزائد عليك بهذا الأسلوب، ولكن هذا فهمها، وهذا إدراكها، وهي لا تعلم أي وسيلة لحمايتك إلا ما تسلكه من الحرص والمبالغة في التضييق الشديد عليك الذي أصبح يشعرك بالضيق، فالتمسي لها العذر، واطردي أي فكرة تراودك أن أمك لا تثق فيك؛ هي فقط تخشي عليك خصوصا أنها تراك فتاه عاطفية وربما رومانسية، لا تعيشين الواقع (أحب أتخيل كثير وأحلم كثير). لهذا أنصحك يا غالية أن تتقربي أكثر لأمك وتشعريها أنك كبرت ونضجت وأصبحت واعية، تدركين الخطأ من الصواب، وتتحملين المسؤولية، حاولي مناقشتها بهدوء في الأمور موضع الخلاف بينكما، اجعليها تثق بك وتطمئن إليك، فهي عندما تمنعك من الخروج (ما أطلع مع صاحباتي ولا أروح أفراح) إنما تمنعك بسبب خوفها عليك، فإذا استطعت إقناعها بأنك أهل للثقة، وأن لك صديقات صالحات عفيفات وملتزمات ستطمئن لهن ولن تمانع من خروجك معهن، ولماذا لا تطلبي منها أن تخرج هي معكن لتشاهد بنفسها مقدار التزامك وانضباطك وانضباط صديقاتك، فيطمئن قلبها أكثر.
ابنتي الغالية.. احرصي على أن تأخذي انتقادات أمك لك أمام الغير(دائما تشتكيني للناس والجيران ولأهلها) بصدر رحب، وتذرعي بالصبر وتجملي بالهدوء، فقد يكون لديها ما يبرر ذلك، فهي ربما تحاول للآخرين تبرير شدتها عليك بذكر ما لا يروق لها من تصرفاتك. لهذا نصيحتي لك مزيد من التقرب منها وتقبيل رأسها ومحاولة فهم دوافعها لهذه الشكاية، وغلبي دائما حسن الظن، وأبعدي وساوس وظنون السوء عنك. أطلبي منها بكل احترام أن تذكر لك ما لا يعجبها في تصرفاتك وأن تعدد لك أخطاءك وعِدِيها بأنك ستتخلى عن كل ما يغضبها منك، أذكري لها أنك تتألمين حينما تعلمين أنها تشتكي منك، وتوسلي إليها الكف عن ذلك.
ابنتي الطيبة.. حاولي استكمال دراستك أو علي الأقل شغل وقتك بعمل يقتطع جزءا من وقتك، ولا بأس بتعلم حرفة كالحياكة والتطريز، أو تعلم فنون الطهي وصناعة الحلويات، أو مساعدة أمك بأعمال البيت. كما أنصحك بتقوية صلتك بالله، والمحافظة على العبادات، والتقرب إلى الله بالطاعات، والمداومة على قراءة القرآن، ستجدين معها الأنس والسلوى، أكثري من الاستغفار والحوقلة، وحافظي على أذكار الصباح والمساء، وخاصة عند النوم، استمري على الأذكار حتى تنامي. عليكِ بالسلاح الفتاك الذي لا يرد القضاء إلا هو، ألا وهو الدعاء وأكثري منه، قومي- حبيبتي- وقت السحر وارفعي يديكِ ولا تترددي في طلب أي شيء من الله عز وجل. اهتمي بحفظ القرآن الكريم ومدارسته، وجميل منك اصطحاب أمك لحضور بعض الدروس الدينية. ولا تنسي أن تستيقظي في جوف الليل، وفي الثلث الأخير بالذات وتوقظي أمك للصلاة وتبتهلي إلى الله أن يرضي أمك عنك وييسر أمرك. أكثري من الاستغفار ومن الذكر واسألي الله أن يشرح صدرك ويرزقك الزوج الصالح الذي ستصير معه الحياة طيبة وردية هنيئة بإذنه تعالى، فتفاءلي بالخير تجدينه بإذن الله. اسألي الله أن يؤلف بين قلبك وقلب أمك على الخير، وأن يصرف عنكما شياطين الإنس والجن، وأن يُوَفِّقَك للبِر بها، سليه وألِحِّي عليه في الدعاء.
ابنتي المؤمنة .. أبشري فأنت على باب من أبواب الخير، باب من أبواب الجنة وقد بذلت وسعك في إرضائها وبرها، وتلمست الأمور التي تسعدها، وغمرتها بمشاعرك وتقديرك، وبكلماتك اللطيفة الودودة، فلكل عمل طيب أجر فكيف ببر الوالدين خاصة الأم؟! قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً}.
وفي الختام.. أسأل الله الْبَرُّ الرَّحِيمُ أن يُطَمْئنَ قلبك، ويشرح صدرك، ويسعدك في الدنيا والآخرة، ويؤلف بين قلبك وقلب أمك على الخير، ويجعلكِ صالحة مصلِحة بارَّة تقيَّة نقية، ويتقبل منك الصالحات، ونحن في انتظار جديد أخبارك فطمئنينا عليك.