12 صفر 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا زوجة عمري 26 سنة، ومتزوجة عن حب من رجل يكبرني بسته أشهر، ولدينا ولد عمره سنة ونصف، وقد كنا نعمل في نفس المجال والمكان، ولكن حصلت بيننا مشاكل في العمل، فانتقل إلى مكان آخر، وللعلم فأنا شديدة الغيرة والعصبية، وأعتز بنفسي جداً، ولكن في الحب أنا ضعيفة جداً، أما زوجي فهو إنسان بارد، ويظهر عليه عدم الاكتراث، وكثير الانزعاج والغضب من أتفه الأسباب، وكان في البداية إنساناً طيباً ورومانسياً وحنوناً، وبعد الزواج تغيرت تصرفاته قليلاً، وصار يكلم صديقات أمامي، فحصلت بيننا خلافات وطلبت الطلاق، ثم نسيت الأمر بعدها حملت وأنجبت ولدي، وفي مرة كنت أفتش في هاتفه الشخصي فاكتشفت بأنه يعرف خمس بنات، فكثرت المشاكل التافهة بيننا، ونتشاجر كل شهر مرتين أو ثلاث ويوصلني عن أهلي، وفي آخر مرة وضع رقماً سرياً لهاتفه وحاسوبه الشخصي، فبدأت حياتنا تستقر وتهدأ بشكل طبيعي، وكلما اتصلت به إحدى صديقاته، يكلمها أمامي ليثبت لي بأنه ليس بينهما شيء، ويحاول أن يرضيني بشتى الطرق، وأخبرته بأنني لم أعد متحمسة للقيام بأعمال المنزل بحب كالسابق، خاصة وأنه صار يرفض أن يخرج معي لشراء احتياجات المنزل، حتى طفح بي الكيل فاشتكيت لأبي، فأتى إلى البيت وكلمه بشدة، بعدها تغير تماما وصار هو من يريد الطلاق، فانهرت وبكيت ورجوته ألا يفعل، وبعدها سافرنا ورجعنا، ولم نعد كما كنا في السابق، فصار يجرحني بالكلام، ويخبرني بأنه لا يحبني، وغير مبسوط معي، حتى إذا رأى دمعتي يحاول أن يكلمني ويرضيني، ثم ينتهي الأمر عند هذا الحد..
وهو إلى الآن لم يطلقني، ويفكر في حل لابننا، لأنه يريده أن يعيش معه، ودائما يفتح معي هذا الموضوع، وعندما أخبره لماذا لا تطلق مادمت مصمماً على ذلك، لا يرد على سؤالي..
حاولت أن أعرف منه هل يحب امرأة أخرى فأنكر، وقال إنه لا يخاف مني وإذا أحبَّ امرأة أخرى سيخبرني بذلك، ولكن بداخلي شكوك خاصة وأنه اشترى هدية بعدما عدنا من السفر على أساس أنها لأمه، ولكن اختفت الهدية ولم تكن لأمه، والأغرب أن خروجه من البيت صار قليلاً، ونادراً ما يلبس ويعتني بنفسه، ويفضل أن يتكلم مع أصدقائه بعيداً عني، وإذا كلمهم أمامي يحاول أن ينهي المكالمة بسرعة..
علما بأن زوجي أصبح لا يتكلم معي حالياً إلا نادراً جداً، ولا يطيق أن أسأله، ولم يعد يهتم بي أو يغار علي، ولم يعد يقترب مني في الفراش منذ سنتين، والسبب على حد قوله أن وزنه زائد جداً 147 كيلو جرام، وأنه ينتظر عمليه تكميم المعدة، وقد لاحظت بأنه يغض بصره عني إذا قمت بالتزين، ويسخر مني إذا مدحته، ويكذبني إذا قلت له أحبك، وعرفت بأنه أصبح يمارس العادة السرية ويرى أفلاما إباحية، وهذا أتعبني نفسيا..
وسؤالي: هل هو عازم حقا على الطلاق؟؟ هل لم يعد يحبني؟ وهل هو متردد لأجل ابننا أو لأنه مشفق علي؟؟ وبماذا تنصحوني وأنا لا أريد الطلاق، ولكن زوجي رافض لأي تواصل بيننا..

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة: أشكر لك غيرتك الشَّديدة على زوجك، لأنها تنمُّ عن حبك الكبير وحرصك الشديد على ذاك الميثاق الغليظ الذي يربط بينكما، وهي صفةٌ جميلة بشرط أن لا تتجاوز حدَّها وقدرَها اللاَّزِم، الذي يضمن الاستقرار وسعادة الزوجين، وحَلَّ المشاكل والخلافات وِفْق سياسة رشيدة وحكيمة، تحْفَظُها المشاعر النبيلة من التفسُّخ والاضطراب النفسي..
وللأسف أختي الكريمة.. فقد تجاوَزْت بغيرتِك الشديدة الحدَّ المطلوب والمَمْدوح، فأَحَطْتِ زوجك بحصنٍ منيع، وسياجٍ لا ينفكُّ عنه، وسَلَبْتِ منه إرادته الحرَة، ورغبته في الاختيار واتخاذ القرار باسْتقلاليَّة، وحرمْتيه من حقِّه الشرعي في أن يتنفَّس هواءً خارج مملكتك ومحيط بيتك..
وجعلتِ من الحبِّ قيدًا واسْتِعبادًا حتى أَعْرضَ عنه، وما عاد يطلبُه أو يشتاق إليه كالسابق، وجعلت الحبَّ شَكًّا مستمِرًّا، وغيرةً مذمومة في غير ريبَة، فانْطفأت جَذْوته، وخَبا وهجُه، واتَّسع بينكما البَوْن والخَرْق، وتحوَّل الحب إلى نفور، وعُزوف، وفُتور، وتصحُّر للمشاعِر والعواطف، وصارت المودة جفاءً، والرحمة قسوة، وتحوَّل الميثاق الغليظ إلى خيطْ رفيع يوشِك أن ينقطع بالطلاق..
ومن الحلول التي قد تساعدك في تحقيق الاستقرارمجدَّدًا ما يلي:
أولا: ترجمي حبَّك لزوجك من خلال أقوالك وأفعالك، فالحب الحقيقي هو ما يبعث في النفس الشعورَ بالأمان، والارتياح، والطمأنينة، والسكينة، والاستقرار النفسي، والشعورَ بالمودَّة والرحمة..
والزوجة العاقلة الحكيمة هي التي تملك مفتاح قلب زوجها، وتقترب منه بالقدرِ الذي يحتاجه، وتبتعد عنه بالقدر الذي يلبِّي رغبته، ويحترم اعْتزازه برجولته وقوامتِه، ويُشْعِره بثقته بنفسه وحرِّيته في التصرف، ولا يحْرمه من أن يتحرَّك، أو يتنفَّس، أو يفكِّر، أو يختار، أو يقرِّر وِفْقَ ما يريده ويشتهيه، ما دام في طاعة وفي غير معصية..
فامْنحيه هذا الإحساس، أن يكون له مساحة خاصة به، وإرادة حرة، وخلوة مع نفسه أو مع أصدقائه..
ثانيا: تذكَّري بأن ما يحمي العلاقة الزوجية من الانهيار هي الثقة المتبادلة بين الزوجين، وأن ما يعصِم الزوج من الوقوع في الحرام هو الله سبحانه وتعالى، ثم الْتزامه بدينه، وإخلاصه وصدقه مع الله، ثم محبَّتُه لزوجته، وتقديره لمكانتها في قلبه وعقله، أما غيرتك الزائدة عن حدِّها فهي تضرُّ ولا تنفع، وتُبْعِد ولا تقرِّب، وتوصِل إلى انهيار العلاقة بين الزوجين..
ثانيا: لا تعكِّري صفو حياتك الزوجية بكثرة الشَّكوى، والعتاب، والتذمُّر من تصرُّفات زوجك، بل جاهِدي وكافحي لترْدعي نفسك عن هواها، واسْعَي لإسعاد زوجِك، مهما كانت طباعه وعاداته السيئة، ولا تُعيريها اهتماما أكبر من حجمها، ودَعي الأمور تأخذ مَجْراها الطبيعي، ووقتها لتستقرَّ الحياة وتهدأ النفوس، ويتحقق التغيير والإصلاح..
ولا تسْتعجلي جَنْي الثمار قبل أوانِ القِطاف، بل تعاهَدي نخلة زواجك بالرِّعاية والسِّقاء، حتى تكتمِل في النّماء وتمتد جذورها، وتنْضُج الثمارُ..
ثالثا: لعل زوجك تعوَّد في السابق على أن يكلِّم النساء لأي سبب من الأسباب المتعلِّقة بطبيعة عمله مثلا، أو ربما هو متحرِّر واعتاد على الاختلاط، ولا يرى في ذلك شبهة أو ريبة أو حرام - مع أن هذا لا يبرِّر تصرُّفاته ولا يجيز له مخالطة النساء لغير ضرورة أو حاجة ملحَّة - إلا أن حلَّ مثل هذه الأمور يحتاج إلى روِيَّة وفطنة، وصبر، ومعالجة المشكل في جوٍّ هادئ..
رابعا: وجِّهي تركيزك إلى إنقاذ حياتك الزوجية، بعيدا عن التفكير في الطلاق، وبعيدا عن التفكير في أسباب اضْطِراب أحوال زوجك وتصرُّفاته، واعلمي بأن التفكير السِّلبي هو من الشيطان الذي يتنعَّم بالتفريق بين الزوجين، وثِقي بقوله تعالى: {وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجادلة: من الآية10].
خامسا: ابْذُلي كل جهدك وطاقتك في اسْتِمالة قلبه بالإحسان إليه، وكوني إلى جواره حتى ولو رفض حديثك، وبالِغي في إِكْرامِه ولو لم يُعِرْ معروفَكِ اهتماما، وتزيَّني له بأحسن زينة، وأَظْهِري له جمال أنوثَتك ليس بالاهتمام باللباس والمظهر، بل بالجوهر والمعاملة الحسنة، وحتى ولو كان باردًا ويغضُّ الطرف عنك، عامليه بحبٍّ، وحنان، ومودة، كأنه طفلك الصغير المدلَّل..
وهذا من شأنه أن يشعِره بحرصك الشديد على راحته وإسْعادِه، وسيجعل لك جاذبية وإبْهارًا، وسيؤجِّج العواطف المَنْسِية، ويوقِظ مشاعر الحبِّ المُخْتَبِئة تحت رماد المشاكل ومنغِّصات العيش..
سادسا: زوجك بحاجة إلى أن يجِد بيتا جميلا، هادِئًا ومستقرًّا، وأن تقابليه بالتِّرحاب، وبوجهٍ بشوش ومظهرٍ أجمل، فيشعر كأنه دخل جنته وسكنه الذي فيه راحته، وأمانَه، وفيه لذَّة المطعم والمشْرب، وأسباب الغبطة والفرح..
فينسى معك كل همومه، ويفِرُّ إليكِ في كل وقت، ويشتاق إلى وجودِك قُرْبِك كلما ابتعد، لأنك بالنسبة له السَّكن والوطن..
سابعا: احْرِصي على الدعاء، وتقربي من الله تعالى بالطاعات، وأصْلحي ما بينك وبينه يُصلِح ما بينك وبين زوجك من نفورٍ وإعْراض، وإذا أردت أن تجِدي الأسباب والوسائل لمطالبك، عليكِ بالزِّيادة من موارِد الذِّكر والطاعة، والأخذ بوسائل الهدى والنجاة من العقاب، لأن من أسباب الضِّيق وضنكِ العيش الإعراض عن ذكر الله وطاعته، مصداقا لقوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طـه:123 - 124]..
ثامنا: كوني قدوة صالحة في بيتك، واغْرِسي فيه معاني الإيمان والصلاح والاستقامة، واجعلي زوجك يراك على طاعة، وترجِمي ذلك في أقوالك وأفعالك وتصرفاتك معه، فكلما زاد الإيمان، والتقوى، والمراقبة لله داخل البيت، انعكس ذلك على الزوجين انعكاسا طيبا..
وكلما تفرَّغت للعبادة والطاعة وقراءة القرآن، وتوجَّهتِ إلى الله تبارك وتعالى، ستجدي في قلبك حلاوة، وفي نفسِك طمأنينة لم تجديها من قبل، وسيَصْرِف الله عن قلبَ زوجِك كل إعراض، وكلِّ معصية، وعادةٍ سيئة..
تاسعا: لا تظُنِّي بزوجك الظنَّ السِّيئ، ولا تتَّبِعي عثراتِه وعوْراتِه، ولا تتجَسَّسِي عليه وتفتِّشي في أغراضه، وتحاولي أن تجِدي ما يُريبُه، أو لتتأكّدي من هوِيَّة من يتَّصِل به ويكلِّمه، ولا تَقْرَئي رسائِله الخاصَّة، فهذا من شأنه أن يريحك نفسيا ويخلصك من إدمان الشك والغيرة المفرطة..
عاشرا: تظاهري بعدم الاكتراث، وابتعدي عنه أثناء محادثاته بالهاتف، كأنَّك تريدين الذهاب للمطبخ لتهيِّئي الطعام، أو القهوة والشاي، أو للعناية بطفلك، أو تجاهليه بمشاهدة برنامج في التلفاز، أو قراءة كتاب وهكذا..
حتى تثبتي له بأنَّكِ واثقة من صدقه وإخلاصه، لأن شكوكك المستمرة انتهت بعلاقتك الزوجية إلى الانهيار، ودفعت زوجك إلى الضَّجر من تصرُّفاتك، وختقْتِه بخوفك وغيرتك الشديدة فصار يعانِدك أكثر، وينتقم لكبريائه وكرامته ورجولته، من خلال التلذُّذ باسْتفْزازِك، ومعاقبتِك بالبعد، وقطع كل أسباب التواصل بينكما، وإهانتك بالتجريح بالكلام وتهديدك بالطلاق..
وفي الختام أقول لأختي الكريمة..
إن إشاعة الحب والمودة والرحمة، هي الكفيلة بإعادة الاستقرار داخل بيتك، وتوثيق العلاقة وتمتين الصّلة بينكما..
واعْلمي بأن مفتاح السعادة الزوجية تبدأ بتقوى الله تعالى، في نفسك وفي زوجك، وفي ابنك، والمحيطين بك، أما المفتاح الثاني فهو ملك يمينك، يعتمد على أن تغيِّري من أسلوب حديثك، وطريقة تفكيرك، وتعاملِك مع زوجك، وأن تتخلَّصي من تلك الأنا والذاتية التي تدفعك للتفكير في نفسك ومصلحتك فقط، وابدئي بالتفكير الموزَّع والمشترك بينك وبين ابنك وزوجك، وما يحقق لهم السعادة والعيش في جوٍّ هادئ ومستقر..
وكوني قريبة منه بعاطفة الأنثى الجميلة شكلا ومظهرا ولسانا ومنطِقا، وسلوكا وأخلاقا ومعاملة..
وأنت ولله الحمد قادرة على أن تكوني كذلك وأفضل، كل ما تحتاجين هو.
تخفيف نسبة الملح والفلفل الحار، وتعويضها بنسبة مضاعفة من الحلو والشهد، وأن يكون للغيرة وللحب معنى يدخل المَسَّرة والفرح، وعلى قدر الحاجة والطَّلب، فالشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده..
وتأكَّدي بأن زوجك إنسان طيب ويحبك جدا ومتمسِّك بك وبابنه، وهذا هو السبب الحقيقي الذي منعه لغاية الآن من الانفصال عنك، والدليل.. أنه كان وما زال يسعى لإرضائك، وما في سبب آخر يمنعه من الطلاق، حتى إبنه لن يحتار في إيجاد حلٍّ يرضيه، ولو كانت في امرأة بحياته ما منعه شيء من الارتباط بها، فاحمدي الله تبارك وتعالى على أن منَّ الله عليك بالزواج والأمومة، فهما نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ،،
أسأل الله تبارك وتعالى أن يصرف قلب زوجك عن معصية الله، وان يؤلف بينك وبينه في طاعة الله، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظك، وأن يسدِّد لسانك ويلهِمك الصَّواب..