مخاطر ما بعد انتصار المقاومة
2 ذو القعدة 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

لم يستطع أعدء الإسلام عبر التاريخ أن ينتصروا على المسلمين بجيوشهم وعتادهم وتفوقهم العسكري , وقد حاولوا ذلك مرارا وتكرارا دون أي نتيجة أو جدوى , إنما استطاعوا ذلك حين أتوا الصف الإسلامي من داخله , من خلال استمالة بعض العرب المسلمين , وإقناعهم بأفكار لا تسمن ولا تغني من جوع , تبقي الأمة في مربع الاستجداء , وتخرجها نهائيا من المقاومة .
ورغم ظهور عوار إمكانية عودة حقوق المسلمين المسلوبة من خلال التفاوض والسياسة فقط , ما لم يكن قبل ذلك سيف وبندقية ومدفع , إلا أن بعض الأطراف العربية والإسلامية – وخاصة الفلسطينية - ما زالت تعول على التفاوض والسياسة لاسترجاع حقوقهم المغتصبة , متذريعين باستحالة إمكانية مقاومة المحتل وإجباره على تلبية مطالب الفلسطينيين وأمثالهم من المضطهدين في العالم الإسلامي .
ورغم إثبات المقاومة الفلسطينية عكس ذلك أكثر من مرة , وإحرازها بالأمس انتصارا واضحا وظاهرا على العدو الصهيوني , من خلال إحباط وإفشال مخططاته وأهدافه التي كان يريد تحقيقها من وراء العدوان , بدءا بضرب المقاومة واستهداف جميع قادتها , وصولا إلى تدمير الأنفاق وشل قدرتها على إطلاق الصواريخ إلى العمق "الإسرائيلي" , وليس انتهاء بحلم نزع سلاح المقاومة وتجريدها منه .
ورغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها المقاومة في هذه الحرب , والتي كان أولها تكبيد الاحتلال خسائر بشرية واقتصادية ومعنوية فادحة , وثانيها فتح المعابر وفك الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات , وليس انتهاء بالمفاجئات التي أذهلت قادة الاحتلال , وستكون سببا في الغالب بالإطاحة بمستقبل نتنياهو السياسي , حيث أشارت استطلاعات الرأي "الإسرائيلية" تراجع تأييد الشارع "الإسرائيلي" لنتنياهو إلى أدنى مستوياته بالأمس بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار .
أقول : رغم كل هذه النتائج والإنجازات التي حققتها المقاومة الفلسطينية على الأرض , والتي كانت بلا شك السبب الرئيس – بل الوحيد – في قبول العدو الصهيوني لاتفاق وقف إطلاق النار , نجد بعض الأطراف السياسية العربية تحاول التقليل من هذا الإنجاز , بل وتحاول تغييب دور المقاومة في تحقيق هذه الإنجازات , من خلال تجاهل ذكر المقاومة أو حتى توجيه الشكر والامتنان لها .
إن المخاطر التي تحدق بالمقاومة بعد الانتصار الكبير الذي حققته على العدو الصهيوني في غزة , لم يعد يقتصر على اليهود وحلفائهم الأمريكان , بل بات يخشى على المقاومة وسلاحها من داخل الصف العربي – للأسف الشديد – الذي لم يخف البعض توجسه من سلاحه قبل بدء العدوان , فكيف سيكون الحال بعد هذا الانتصار الكبير الذي تحقق على يديها ؟؟
لقد ظهرت بوادر محاولة تشويه دور المقاومة الفلسطينية في تحقيق النصر على الصهاينة منذ اليوم الأول من الاتفاق , فبينما كان أهل غزة يحتفلون ويشيدون بدور المقاومة في تحقيق هذا النصر , كانت بعض وسائل الإعلام تتجاهل دور المقاومة , وتنسب الفضل في الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار وفتح المعابر لجهات إقليمية , وللسياسة والمفاوضات التي لم تجلب للفلسطينيين عبر عشرات السنين إلا التوسع في الاستيطان والخزي والاستجداء والعار .
ولم يتوقف دور بعض وسائل الإعلام عند هذا الحد , بل راحت تصف ما قامت به المقاومة الفلسطينية "بالمغامرة" , وتردد الرواية "الإسرائيلية" التي تقول : إنه كان من الممكن الوصول إلى هذه البنود من الإتفاق منذ الأسبوع الأول للتفاوض , لولا رفض بعض فصائل المقاومة – والمقصود هنا حماس – بينما الحقيقة أن المفاوض "الإسرائيلي" هو من رفض جميع محاولات الوفد الفلسطيني المفاوض بالقاهرة , وذلك باعتراف رئيس الوفد الفلسطيني الموحد عزام الأحمد الذي هو بالتأكيد ليس من حركة حماس .
لقد قالها عزام الأحمد مساء واضحة جلية مساء الثلاثاء 19/8 في تصريح للصحافة بالقاهرة : إن المحادثات الرامية للتوصل إلى تهدئة طويلة الأمد فشلت , وأضاف أن الجانب "الإسرائيلي" كان لديه "قرار مبيت لإفشال المفاوضات", موضحا أن "إسرائيل" أعلنت انهيار المفاوضات بينما كان الوفد الفلسطيني يتشاور مع الوسيط المصري .
وتابع : "قدمنا الورقة الفلسطينية و "إسرائيل" لم ترد , ولن نقبل العودة إلا عندما تأتي إجابة إسرائيل على ورقتنا", مؤكدا على أنه لا تقدم في المفاوضات في أي نقطة , وأن الوفد الفلسطيني المفاوض قد أبدى مرونة كبيرة دون جدوى .
والسؤال المطروح الآن : لماذا يحاول البعض – بعد كل هذا الوضوح فيمن تسبب بإفشال المفاوضات - تحميل المقاومة وحدها مسؤولية تأجيل توقيع الاتفاق وحقن دماء الفلسطينيين وليس "إسرائيل" ؟؟
يبدو أنها بداية مواجهة جديدة للمقاومة , ولكن هذه المرة مع الكارهين لحماس والمقاومة وليس مع العدو الصهيوني , تبدأ بحملة تشويه وتقليل من أهمية النصر الذي حققته على العدو الصهيوني , وتخفيف حدة الالتفاف الشعبي العربي والإسلامي حولها الذي وصل إلى ذروته بعد هذا الانتصار , ليصار بعد ذلك إلى محاولة جديدة لتحقيق ما لم يستطع الاحتلال الصهيوني تحقيقه بالعدوان الأخير على غزة .