زكاة الأصول المؤجرة المنتهية بالتمليك
15 شعبان 1438
أ.د. علي محيي الدين القره داغي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين، وصحبه الميامين.
وبعد:
فلا تزال أحكام الزكاة تنشط وتتجدد في ضوء المستجدات الحديثة، وتطور العقود والمنتجات الإسلامية الخاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية ومن هذه المستجدات في تطبيقاتها المعاصرة، والقديمة في أصولها وجذورها: عقود الإجارة المنتهية بالتملك، أو حسب الدقة الفقهية: عقود الإجارة مع الوعد الملزم لأحد العاقدين بالتملك أو التمليك سواء كان التملك أو التمليك يتم عن طريق الهبة، أو البيع في الوقت الذي يريده العاقدان.
ولذلك تُشكر الأمانة العامة لندوات قضايا الزكاة المعاصرة بالكويت على إثارة هذا الموضوع لدراسته دراسة عميقة شاملة لجميع الفرضيات المطبقة في المؤسسات المالية الإسلامية.
وفي نظري أن الخطة المطلوبة تقتضي منا أن نقسم البحث إلى قسمين:
نخصص القسم الأول للتأصيل حول مدى وجوب الزكاة في الأصول المؤجرة بصورة عامة، وأقوال الفقهاء، وقرارات المجامع الفقهية والمؤتمرات والندوات فيها.
والقسم الثاني نخصصه للفقرات الآتية حسب طلب الأمانة العامة:
1- هل وجود نية التمليك عند المؤجر مؤثر في وجوب الزكاة عليه وإن كان العقد بصيغة الإجارة؟
2- زكاة الأصول المؤجرة مع تمليك لاحق هل تدخل في كلام الفقهاء رحمهم الله في زكاة المستغلات؟
3- هل تعامل الأصول المؤجرة معاملة الديون التجارية؟
4- هل تأخذ تأخذ الأصول المؤجرة حكم عروض التجارة إذا كانت هذه الأصول زائدة عن حاجة المؤجر؟ مع تحرير قول الحنابلة في هذه المسألة والقائلين بذلك.
5- هل يختلف الحكم إذا كانت هذه الأصول مموّلة من المطلوبات على المصرف أو من موجوداته وأصوله (الحقوق الملكية)؟
6- إذا مُوّلت الأصول المؤجرة من المطلوبات ومن حقوق الملكية وموجودات المصرف، وتعذر التمايز بين مصدر التمويل فما الحكم؟
7- هل التأجير المنتهي بالتمليك أقرب إلى الإجارة التي أرادها الفقهاء عندما أسقطوا الزكاة أم أقرب إلى البيع والمداينة؟
8- هل سقوط وجوب الزكاة على المصرف لأن جميع استثماراته في الأصول المؤجرة المنتهية بالتمليك يجعلنا نعيد النظر في ذلك؟ وماذا لو فُعل ذلك فراراً من الزكاة؟
9- إذا أدى إيجاب الزكاة في الأصول المؤجرة إلى خسارة المصرف فهل يغير ذلك في الحكم؟
10- كيف تتم الزكاة في الصندوق الاستثماري إذا كان الصندوق يستثمر في عمليات تأجير (تأجير واقتناء وتملك) ويحتفظ الصندوق التأجيري المنتهي بالتملك بنسبة أصول سائلة لمواجهة احتياجات السيولة النقدية، فهل تجب الزكاة في الصندوق في المكون الرئيسي له عند حولان الحول أم تزكى الأعيان المؤجرة فقط زكاة مستغلات عند تمام الحول أم يزكي المستثمر أصل ماله المستثمر في هذه الأصول المؤجرة؟
11- بالنسبة لبقية مكونات الصندوق المخلوطة مع الأعيان المؤجرة كيف تقع الزكاة فيها أم يتم اعتبار كل منها وعاءً مستقلاً بحسب نوعية تلك الأموال؟
12- كيفية احتساب زكاة محفظة الاستثمار العقاري التأجيرية التي يديرها المصرف إذا ما استحقت الزكاة؟ وما هي القيمة التي تحتسب عليها هل الاسمية أم السوقية؟
والله تعالى أسأل أن يكسو أعمالنا ثوب الإخلاص، وأن يلهمنا الصواب، ويعصمنا من الزلل والخلل في العقيدة والقول والعمل، إنه حسبنا ومولانا، فنعم المولى ونعم الموفق والنصير.
القسم الأول: التأصيل لمدى وجوب الزكاة في الأصول المؤجرة
التعريف بالأصول المؤجرة المنتهى بالتمليك:
فهذا العنوان يتضمن عدة كلمات نعرف بها بإيجاز شديد للوصول إلى التعريف بالعنوان المركب:
أولاً: الأصول:
لغة: جمع الأصل، وأصل الشيء: أساسه الذي يقوم عليه، ومنشؤه الذي ينبت منه، وله معان أخرى(1).
وفي الاصطلاح يراد بالأصول الأدلة، حيث يقال: أصول الفقه أي أدلة الفقه..، ويطلق كذلك على المبدأ العام والقاعدة العامة، حيث يقال: الأصل في الأشياء الإباحة، أي القاعدة أو المبدأ العام، كما يطلق على العقائد حينما يقال: الأصول والفروع، ويطلق في الفقه على الشجرة في مقابل الثمرة عندما يتحدث عن بيع الأصول والثمار حيث قال النووي: الأصول: الشجر والأرض(2)، وجاء في شرح منتهى الإرادات: (المراد بالأصول هنا: أرض، ودور، وبساتين)(3).
وفي الاقتصاد والمحاسبة يراد بالأصول مكونات وموجودات الشركة(4)، وهي نوعان:
النوع الأول: أصول ثابتة، وهي الموجودات التي تستعملها المؤسسة المالية (الشركة أو المشروع الاقتصادي) لأغراض الإنتاج والحصول على الإيراد، والاستمرار في العمل.
فهي تمتاز بأن الغرض من اقتنائها هو استخدامها في إنتاج الإيراد، والاستمرار في العمل وليس لأجل بيعها والمتاجرة فيها، كما أنها تبقى أطول فترة، وأنها لا يسهل تحويلها إلى سيولة نقدية بسرعة.
وهذه الأصول على قسمين:
أ – أصول ثابتة مادية ملموسة مثل العقارات والمصانع، والسيارات وآلات التشغيل ونحوها، وتخضع للإهلاك حسب نوعيتها.
ب – أصول معنوية أو ما يسمى بالأصول غير الملموسة مثل: براءة الاختراع، وملكية الاسم التجاري، وشهر المحل التجاري، ونحوها.
النوع الثاني: أصول متداولة، وهي تشمل:
أ – النقدية أي النقود الموجودة في الصندوق، والحسابات المصرفية الجارية، شرط أن يكون رصيدها مديناً، أما إذا كان رصيدها دائناً فإنها تدرج ضمن الخصوم.
ب – الأوراق المالية التي يسهل تحويلها إلى نقدية كسندات الخزينة والأوراق التجارية التي يمكن تحويلها إلى نقدية عن طريق خصمها، ويطلق على هذا النوع شبه النقدية، ولذلك لا تدخل الأسهم المملوكة من قبل المؤسسة المالية في شركات أخرى في هذا النوع لأن قيمتها متغيرة.
ج – الديون الثابتة للمؤسسة.
د – أوراق القبض التي أخذتها المؤسسة من أجل ضمان الديون المترتبة على المتعاملين معها، أي ضمان الديون بمستندات قانونية يسهل الاستناد عليها لتحصيل حقوق المؤسسة.
هـ - المخزون أي الأشياء المخزنة لأجل بيعها خلال الدورة التشغيلية سواء كانت مواد خام أو تحت التشغيل، أو تام الصنع(5).
والخلاصة أن الأصول الثابتة – حسب العرف المحاسبي – تشمل ممتلكات الشركة (أو المشروع) غير النقدية وشبهها، وغير المعدة للبيع خلال السنة المالية، وبالتالي فهي تشمل الأصول المؤجرة من أي نوع كان، كما تشمل المصانع وأدوات الإنتاج ونحوها.
ثانياً: المنتهية بالتمليك:
ونكتفي هنا في بيانها، وبيان حكمها بما ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار رقم 110 (4/12) حيث نص على ما يأتي:
(أولاً: ضابط الصورة الجائزة والممنوعة ما يلي:
أ – ضابط المنع: أن يرد عقدان مختلفان، في وقت واحد، على عين واحدة، في زمن واحد.
ب – ضابط الجواز:
1 – وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر، زماناً بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة، والخيار يوازي الوعد في الأحكام.
2 – أن تكون الإجارة فعلية وليست ساترة للبيع.
ج – أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من غير تلف ناشئ من تعدي المستأجر أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة.
إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونياً إسلامياً لا تجارياُ ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر.
د – يجب أن تطبق على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة وأحكام البيع عند تملك العين.
هـ - تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة.
ثانياً: من صور العقد الممنوعة:
أ – عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة، دون إبرام عقد جديد، بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعاً تلقائياً.
ب – إجارة عين لشخص بأجرة معلومة، ولمدة معلومة، مع عقد بيع له معلق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها خلال المدة المعلومة، أو مضاف إلى وقت في المستقبل.
ج – عقد إجارة حقيقي واقترن به بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر، ويكون مؤجلاً إلى أجل طويل محدد (هو آخر مدة عقد الإيجار).
د – عقد إجارة حقيقي واقترن به بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر، ويكون مؤجلاً إلى أجل طويل محدد (هو آخر مدة عقد الإيجار).
د – وهذا ما تضمنته الفتاوى والقرارات الصادرة من هيئات علمية، ومنها هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
ثالثاً: من صور العقد الجائزة:
أ – عقد إجارة يُمكِّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به عقد هبة العين للمستأجر، معلقاً على سداد كامل الأجرة وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة، وذلك وفق ما جاء في قرار المجمع بالنسبة للهبة رقم 13 (1/3).
ب – عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة، وذلك وفق قرار المجمع رقم 44 (6/5).
ج – عقد إجارة يمكِّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به وعد ببيع العين المؤجرة للمستأجر بعد سداد كامل الأجرة بثمن يتفق عليه الطرفان.
د – عقد إجارة يمكِّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة، في مدة معلومة، ويعطي المؤجر للمستأجر حق الخيار في تملك العين المؤجرة في أي وقت يشاء، على أن يتم البيع في وقته بعقد جديد بسعر السوق، وذلك وفق قرار المجمع السابق رقم 44 (6/5)، أو حسب الاتفاق في وقته.
رابعاً: هناك صور من عقود التأجير المنتهي بالتمليك محل خلاف وتحتاج إلى دراسة تعرض في دورة قادمة إن شاء الله تعالى)(6).
تحرير المراد بالعنوان:
المقصود بعنوان البحث هو بيان الحكم الشرعي في الأصول الثابتة المؤجرة المنتهية بالتملك من حيث ثبوت الزكاة فيها أو لا، وإذا ثبتت فهل تكون على المؤجر أو المستأجر في جميع الحالات الواردة في الإجارة المنتهية بالتملك سواء كان التملك في الأخير عن طريق البيع أو الهبة.
ولكن بما أن هذا الموضوع مرتبط بمدى وجوب الزكاة في الأصول الثابتة الدارّة، أو المؤجرة (المستغلات) من حيث هي، فنذكر آراء الفقهاء فيها أولاً لننتقل إلى الزكاة في الأصول المؤجرة المنتهية بالتملك ونقصد بالأصول المؤجرة محل البحث جميع الأشياء التي تدر دخلاً من خلال تأجيرها، مثل العمارات، والعقارات والأبراج، والسيارات، والسفن، والطائرات، والمصانع ونحوها مما يدر دخلاً بسبب تأجيرها، أما المستغلات فهي تشمل الأصول المؤجرة، والمصانع المنتجة، والمشاريع المنتجة مثل الدواجن، ولا تشمل الأشياء المعدة للسكنى الشخصية أو للاستعمال الشخصي من أي نوع كان، سواء كان عقاراً أم سيارة، وكذلك الأدوات الصغيرة التابعة مثل قدوم الفلاح، ومطرقة (جاكوش) الحداد، ونحوهما.
فهل في هذه الأصول التي قد تصل قيمتها في العالم إلى ثلث الثروة زكاة في ذاتها أو في غلتها، أو أنها لا تجب فيها الزكاة؟
هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى جواب، وهو نفسه محل خلاف كبير.
ونحن هنا نحاول أن نعالج هذه المسألة من خلال فقه التنزيل للنصوص، وتحقيق المناط في العلة مع التطرق إلى أن الزكاة هل هي من العبادات المحضة أم أنها معللة؟ معتمدين على الله تعالى وحده في أن يهدينا أصوب الطرق: { رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}.
آراء الفقهاء في الأصول المستأجرة (المستغلات):
وقد اختلف الفقهاء قديماً وحديثاً في وجوب الزكاة في الأصول المستأجرة (المستغلات) على ثلاثة آراء:
الرأي الأول: أنه لا زكاة في هذه الأصول، لأنها ليست للتجارة، ولا في أجرتها وغلتها لأنها لم يحل عليها الحول، أما إذا حال عليها الحول، أو ضمت إلى حول المؤجر فتجب الزكاة فيها لا باعتبار أجرة بذاتها، وإنما باعتباره مآلاً حال عليه الحول.
وهذا رأي جمهور الفقهاء (الحنفية، والمالكية على المذهب، والشافعية، وأحمد في رواية)(7).
الرأي الثاني: أنه تجب الزكاة في الأجرة فقط، وأصحاب هذا الرأي اختلفوا على مذهبين:
المذهب الأول: أنه تجب الزكاة في الأجرة زكاة النقود 2.5% قياساً على عروض التجارة، وهذا رأي الإمام أحمد في رواية، ورأي لبعض المالكية، وجاء في المغني لابن قدامة: (من أجّر داره فقبض كراها فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول، وعن أحمد: أنه يزكيه إذا استفاده)(8) وذكر ابن أبي يعلى في مناقب الإمام أحمد: (أنه كانت له غلة تجيئه من حوانيت يؤجرها، فكان الإمام يخرج زكاتها، مع أنه لا مورد لعيشه سواها)(9) وذكر الشيخ زروق في شرح الرسالة: أن في المذهب خلافاً في حكم الزكاة للدور المتخذة للكراء، والغنم للصوف، والباستين للغلة، وهذا الخلاف في أمرين:
1 – في ثمنها إذا بيعت عينها.
2 – في غلتها إذا استفيدت(10).
مذهب جماعة من الصحابة:
يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي: (وكل من قال بتزكية "المال المستفاد" عند تملكه بلا اشتراط حول يقول بتزكية الإيراد الناتج عن استغلال العمارات وإنتاج المصانع وأجرة السيارات والطائرات...، وأن هذا هو مذهب ابن عباس وابن مسعود ومعاوية والناصر والباقر وداود، كما روي عن عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري والزهري ومكحول والأوزاعي)(11) وقد ثبتت الرواية عن ابن عباس أنه سئل عن الرجل يستفيد المال فقال: (يزكيه يوم يستفيده)(12)، وصح عن ابن مسعود أنه كان يعطي العطاء في زُبُل صغار، ثم يأخذ منه الزكاة(13) ومعاوية حيث روى مالك في الموطأ عن ابن شهاب قال: أول من أخذ من الأعطية الزكاة؛ معاوية بن أبي سفيان(14) أي من الخلفاء، وعمر بن عبد العزيز حيث: (كان إذا أعطى الرجل عُمَالته أخذ منها الزكاة، وإذا رد المظالم أخذ منها الزكاة، وكان يأخذ الزكاة من الأعطية إذا خرجت لأصحابها). كما قال أبو عبيدة وغيره(15)، وروى ابن أبي شيبة بسنده عن جعفر بن برقان عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يزكي العطاء والجائزة(16).
وهذا الرأي مروي عن بعض أئمة آل البيت مثل الناصر والصادق والباقر، كما هو مذهب داود: أن من استفاد نصاباً فعليه أن يزكيه في الحال، وأن حُجَّتهم عموم الآيات والأحاديث(17).
ويمكن أن نستأنس برأي أبي حنيفة ومن معه في وجوب الزكاة في الأجرة التي يأخذها المؤجر في الأرض الزراعية المستأجرة حيث يجب عليه أن يدفع العشر منها، لأن الأرض كما تُستنمى بالزراعة تُتنمى بالإجارة(18)، وكذلك ما ذهب إليه الحنابلة والصاحبان من الحنفية في الأرض التي تستغل بالمزارعة، أو المساقاة إلى أن العشر يجب على المالك والعامل كل بحسب نصيبه من الغلة إن بلغ نصيبه نصاباً في رواية، وفي الرواية التي تجعل الخلطة مؤثرة لا تشترط بلوغ الغلة النصاب(19).
المذهب الثاني: لبعض المعاصرين أمثال الشيوخ الكرام الثلاثة: أبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف، وعبد الرحمن حسن رحمهم الله تعالى، ففي محاضرتهم في حلقة الدراسات الاجتماعية عن الزكاة للجامعة العربية عام 1952 ذهبوا إلى أنه تجب الزكاة في أجرة العمارات وأدوات الصناعة الثابتة فتؤخذ الزكاة بنسبة العشر أي 10% من الدخل الصافي، أو نصف العشر أي 5% من الإجمالي أو إذا لم يمكن معرفة الصافي على وجهه كالعمائر المختلفة(20)، وقد قسموا الأموال بالنسبة إلى الزكاة إلى ثلاثة أقسام:
1 – أموال قُنية، أي تقتنى لإشباع الحاجات الشخصية كدور السكنى لأسحابها، والأقوات المدخرة لسد حاجة المالك، فهذه لا تجب الزكاة فيها.
2 – أموال تقتنى لرجاء الربح بسببها، أو يكون من شأنها ذلك، ولكن تختزن في الخزائن، فهذه تهجب فيها الزكاة باتفاق الفقهاء، ومنها الأموال التي أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم منها الزكاة، وهي الأصل الذي يقاس عليه غيره (أي بعبارة الفقهاء: الأموال النامية حقيقة أو حكماً).
3 – أموال تتردد بين النماء وإشباع الحاجة الشخصية كالحلي، حيث اختلف فيها الفقهاء.
ثم قالوا إن تطبيق هذا القسم على عصرنا ينتهي بنا لا محالة إلى أن ندخل في أموال الزكاة أموالاً في عصرنا مغلة نامية بالفعل لم تكن معروفة بالنماء والاستغلال في عصر الاستنباط الفقهي حيث ذكروا منها نوعين:
النوع الأول: أدوات الصناعة التي تعتبر رأس مال للاستغلال حيث كانت في السابق صغيرة ومحدودة، وأدوات أولية لا تتجاوز الحاجة الأصلية للصانع، أما الآن فإن المصانع اليوم تضخمت آثارها وإنتاجها حتى أصبحت تشكل ثروة كبيرة على مستوى الدول والأفراد والشركات.
النوع الثاني: العمائر المعدة للاستغلال والاستئجار فهذه من الأموال النامية التي تجب فيها الزكاة، لأنها تدر الدخل الكبير، أما في السابق فلم تكن كذلك، ومع ذلك فقد ورد أن الإمام أحمد كان يدفع الزكاة عن غلة تجيئه من حوانيت يؤجرها(21). وأما إذا كانت معدة للسكنى فلا زكاة فيها.
ثم إنهم ذكروا أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرق في الزكاة بين الأموال المنقولة غير الثابتة حيث أوجب فيها الزكاة بمقدار ربع العشر أي 2.5%، ولكنه فرض الزكاة في الأموال الثابتة المنتجة في الغلة والإنتاج بمقدار العشر أو نصف العشر(22).
وقد ناقش فضيلة الشيخ القرضاوي هذا الرأي مناقشة مستفيضة انتهى فيها إلى ترجيح هذا الرأي مع تعميمه لجميع المستأجرات (المستغلات) الثابتة والمنقولة، ومع تعديل طفيف يتمثل في حسم نسبة الاستهلاك من الزكاة(23)، حيث يرهن على العموم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل العشر وهو غلة النحل الذي ليست من العقارات، وإنما هي أقرب إلى المنقولات(24) ولذلك أكد ع لى قاعدة المستغلات سواء كان الالستغلال بطريق كراء العين، والاستفادة من أجرتها، أم بطريق الإنتاج وبيع ما يحصل من نتاجه أي الإنتاج للسوق كالمصانع وسواء كان مصدر الاستغلال حيواناً كبقر الألبان، والدواجن – التي تقاس على النحل – أم جماداً عقاراً، أو منقولاً كالسيارات والطائرات والسفن(25).
الرأي الثالث: أنه تجب الزكاة في الأصول المؤجرة نفسها زكاة عروض التجارة، أي أن العقار المؤجر مثلاً يُقَوَّم بقيمته السوقية، ثم يدفع عنه الزكاة بنسبة ربع العشر أي 2.5%.
وهذا رأي الفقيه الحنبلي أبي الوفاء ابن عقيل، حيث نقل عنه هذا الرأي ابن القيم: (قال ابن عقيل مخرجاً على ما روي عن الإمام أحمد في تزكيته حليّ الكراء: يُخرج من رواية إيجاب الزكاة في حليّ الكراء والمواشط: أن تجب الزكاة في العقار المعدّ للكراء، وكل سلعة تؤجر وتعد للإجارة...) ثم قال: (وإنما خرجت ذلك).
وهذا الرأس رجحه بعض الاقتصاديين المعاصرين أمثال أ.د. منذر القحف وحشد له أدلة كثيرة، ا نتهى إلى وجوب الزكاة في الأصول الثابتة الاستثمارية (التي تشمل الأصول المؤجرة) وفيما يتراكم من عوائدها(26).
الفرضيات الفقهية:
إن مسألة الزكاة في الأصول المؤجرة (المستغلات) يمكن أن نؤسس لها على أربع فرضيات، أو أربعة أسئلة يكون الجواب عنها موصلاً إلى الحكم المطلوب، وهي:
السؤال الأول: هل الزكاة من العبادات بمعناها الخاص بالشعائر التعبدية؟
السؤال الثاني: هل العبادات تقبل القياس؟
السؤال الثالث: هل نحتاج في وجوب الزكاة في المستغلات وغيرها من الأموال إلى قياس؟
السؤال الرابع: هل تخصيص العام ببعض الأفراد يمنع بقاء الحكم في غ ير ما ورد فيه التخصيص.
هذا ما سنبحثه.
السؤال الأول: هل الزكاة من العبادات بمعناها الخاص بالشعائر التعبدية؟
إذا نظرنا إلى حقيقة الزكاة في الآيات والأحاديث الواردة فيها لتبين لنا بوضوح أنها بلا شك من العبادات بمعناها العام، وأن جزءاً كبيراً منها مثل النية ومقادير الزكاة، وأنصبتها تعبدية (بالمعنى الخاص) لا نبحث عن علتها، وإن كانت حكمتها واضحة..
ولكن هناك أشياء كثيرة في الزكاة يظهر من بيان حكمها أن الزكاة لا تطبق عليها بعض القواعد العامة الحاكمة في العبادات بمعناها الخاص مثل:
1 – النية أنها ليس بشرط في حالة ما إذا أخذت الدولة الزكاة قهراً عند جمهور الفقهاء قال ابن قدامة: (إن أخذها الإمام قهراً أجزأت من غير نية...، وهذا قول الشافعي لأن الإمام بمنزلة القسم بين الشركاء فلم يحتج إلى نية، ولأن الإمام ولاية في أخذها، ولذلك يأخذها من الممتنع اتفاقاً...)(27) وهذا مذهب الحنفية(28) أيضاً ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، غرمة من غرامات ربنا..)(29)، بل يدل عليه ظاهر قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ...} [التوبة:103] كما أن بعض الفقهاء منهم الأوزاعي لا يشترطون النية فيها مطلقاً(30).
السؤال الثاني: هل العبادات تقبل القياس؟
للإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى تحرير مصطلح العبادات وتحديد معناها، لأنها استعملت في الاصطلاح الشرعي بمعنيين: أحدهما عام، حيث فسرت العبادات بتنفيذ أوامر الله تعالى ورسوله، والامتناع عن نواهيهما، وبما أن الإسلام قد أمر بتعمير الكون، وبالتجارة والصناعة، والزراعة، والعمل والاكتساب، والإتقان والإحسان والإبداع ونحو ذلك، كما نهى عن التواكل والتسول والذل والسؤال وعن البغي والظلم والعدوان وغير ذلك فهذه الأنشطة كلها داخلة في العبادات.
فجميع المأمورات تحقيقاً والمنهيات امتناعاً داخلة في العبادة بمعناها العام، وما دام الإنسان يريد بها وجه الله تعالى (حتى اللقمة التي يجعلها في فيّ امرأته)(31) فقال الباجي: العبادة هي الطاعة والتذلل لله تعالى باتباع ما شرع(32) وما شرع يشمل الأوامر والنواهي جميعاً وجاء في المسودة في تفسير العبادة، هي: كل ما كان طاعة لله ومأموراً به(33).
وهذا المعنى موافق لمعناها اللغوي، إذ هي الطاعة، وبهذا المعنى لا يكون هناك خلاف في وقوع القياس فيها من حيث الأصل والجملة.
والمعنى الثاني للعبادة خاص بالشعائر التعبدية(34) من الصلاة ومقدماتها والصيام والحج والذكر والدعاء، ونحوها(35).
التعليل في العبادات بمعناها الخاص:
من المتفق عليه بين الفقهاء أن الله تعالى غني عن عباده، ولكنه يريد منهم الالتزام بشريعته لتحقيق الخير والمصالح والطيبات والمنافع لهم فقال تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً} [النحل:30] وقال تعالى في بيان ربط التحليل بالطيبات، والتحري بالخبائث: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:157] بل حصر الله تعالى التحليل في الطيبات فقال: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:4] كما أن الله تعالى بيّن في القرآن الكريم بأنه أحل الطيبات، وحرم الخبائث، وأنه في حالة وجودهما في شيء فالعبرة بالغالب فقال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] ولذلك حرمهما الله تعالى، وأكثر من ذلك فإن الله تعالى حصر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي خاتمة الرسالات السماوية ومكملها في الرحملة فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].
غير أن المنافع والمصالح والرحمة ليست محصورة في نظر الإسلام في الدنيا بل تشملها وتمتد إلى الآخرة.
ولذلك لا ينبغي الخلاف في ربط الأحكام بالحكم والغايات وتحقيق المصالح ودرء المفاسد والمضار، وقد ادعى الإجماع على ذلك جمع من علماء الأصول، يقول ابن رحال: (قال أصحابنا: الدليل على أن الأحكام كلها مشروعة لصالح العباد إجماع الأمة على ذلك)(36)، يقول الآمدي: (الاتفاق من الفقهاء واقع على امتناع خلو الأحكام الشرعية من المصالح إما بطريق الوجوب على رأي المعتزلة، وإما بحكم الاتفاق على رأي أصحابنا، وسواء ظهرت الحكمة أم لم تظهر)(37) ويقول أيضاً: (أئمة الفقه مجمعة على أن أحكام الله تعالى لا تخلو عن حكمة ومقصود وإن اختلفوا في كون ذلك بطريق الوجوب كما قالت المعتزلة، أو بحكم الاتفاق والوقوع من غ ير وجوب كقول أصحابنا)(38).
وقد أثار جماعة من المحققين بأن هذا الإجماع على مستوى الفقهاء، وإنما الخلاف بين علماء الكلام الذي لا يعتد بخلافهم في مجال الفقه(39).
وفي رأيي أن سبب الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية من جانب وبين المعتزلة يعود إلى مفهوم العلة حيث عرفها المعتزلة بأنها موجبة، وبناء على ذلك أثبتوا وجوب الأصلح على الله تعالى في حين أن أهل السنة والجماعة أبوا ذلك، في حين أن العلة لدى علماء الأصول والفقه هي: وصف ظاهر منضبط معرف الحكم(40)، وأن الذين قالوا من أه السنة والجماعة: إنها وصف موجب للحكم بين المراد بأنه موجب بإرادة الله تعالى أو أنه تعالى قد التزم بالأصلح تفضلاً ورحمة بعباده(41).
الخلاف في تعليل العبادات:
وقد اختلف العلماء في تعليل العبادات على رأيين(42)، وذلك بعد استبعاد رأي الظاهرية في نفي القياس أصلاً(43)، بل إن بعض العلماء نفوا الخلاف الحقيقي بين المذاهب الأربعة في التعليل، حيث نقل ابن حاجب: إجماع الفقهاء على أنه لا بد للحكم من علة، وقد شرح المراد بذلك أحد كبار الشافعية وهو أبو الحسين بن القطان فقال: (إن الأحكام جميعها إنما تثبت بالعلة، إلا أن منها ما يقف على معناه، ومنها ما لا يقف، وليس إذا خفيت علينا العلة أن يدل على ع دمها)(44) وقريب من ذلك اختاره الحافظ ا بن صلاح الشهرزوري)(45).
الرأي الأول: هو لظاهر مذهب الحنفية حيث قالوا: (الأصل في النصوص من الكتاب والسنة وإجماع الأمة أن تكون ذات علة)(46) ولكن استثنوا من هذا الأصل أصول العبادات، والحدود، والكفارات والمقدرات(47).
والمقصود بأصول العبادات: (أن لا قياس في زيادة عبادة أو تغيير كيفية عبادة منصوص عليها أو في عددها، أما ما عدا ذلك فيجري القياس فيه، حيث يجري القياس مثلاً داخل العبادات مثل إتمام مسح اليدين إلى المرفقين قياساً على مثله في الوضوء، وهكذا..)(48) وإلى مثل هذا القول ذهب ابن تيمية(49).
الرأي الثاني: هو أن الأصل في العبادات هو التعبد وليس التعليل، وهذا مذهب المالكية وظاهر مذهب الشافعية، والحنابلة(50).
والتحقيق في المسألة هو: أن التعليل بالحكم لبيان المصالح ودرء المفاسد، ولإظهار الغايات العظيمة وارد عند الجميع، وفي جميع الشريعة بمها فيها العبادات، فالنصوص الشرعية واضحة في الدلالة عليها كقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت:45] وقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة:103] وقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج:28] فهذا ليس محل خلاف وإنما الخلاف في التعليل بالعلة الأصولية لأجل القياس، ولذلك يقول الشيخ محمد مصطفى شلبي: (إن التعليل بالحكمة – أي في العبادات – هو الأصل في التعليل)(51) يقول الآمدي: (لأن المقصود من شرع الحكم إنما هو تحصيل المصلحة، أو دفع المضرة.. في الدنيا والآخرة)(52) ومع ذلك فإن القياس وارد في العبادات لدى جمهور الفقهاء، ولكن ليس بالتوسع الذي نراه في غير العبادات(53).
القياس في العبادات:
إن المراد بالقياس في العبادات هو إثبات حكم لفرع لم يرد فيه نص بناء على علة جامعة في الأصل في أبواب العبادات – بمعناها الخاص -.
والتحقيق أن في هذه المسألة خلافاً بين الأصوليين والفقهاء(54)، ولكن التطبيقات الفقهية في باب العبادات تدل على أن جمهورهم – إن لم يكن جميعهم – قد استعملوا القياس فيها مثل قياس الاستنجاء بغير الحجر من الجمادات على الحجر ونقض الوضوء بذهاب العقل قياساً على النوم، وإثبات خطبتين في العيد قياساً على خطبتي الجمعة، وقياس حظر تقليم الأظافر قياساً على الحلق، كما أنهم اختلفوا في مسائل كثيرة من العبادات(55).
وقد أوّل الشيخ ابن عثيمين كلام الذين منعوا القياس في العبادات فقال: (المراد بقول أهل العلم: لا قياس في العبادات، أي في إثبات عبادة مستقلةن أما شروط في عبادة وما أشبه ذلك مع تساوي العبادتين في المعنى، فلا بأس به، وما زال العلماء يستعملون هذا كقولهم: تجب التسمية في الغُسل والتيمم قياساً على الوضوء)(56).
ولذلك نرى قاعدة ت كاد تكون متفقاً عليها تقضي بأن كل حكم شرعي أمكن تعليله فالقياس فيه جارٍ، حيث نراها تذكر عند الحنفية – كما سبق -، وعند المالكية(57) لأنه قاسوا في العبادات، والشافعية(58)، والمحققين الحنابلة حيث قالوا بجريان القياس في العبادات(59)، وقد ذكر ابن قدامة أصلاً مهماً حينما قال: (علم من الصحابة اتباع العلل، واطراح التعبد ما أمكن)(60) ولذلك قاس الحنابلة خروج الدم والقيح والصديد الكثير في نقض الوضوء على الاستحاضة(61)، والمسح على العمامة قياساً على المسح على الخفين(62) وقاسوا سائر النوافل من الأعمال في عدم اللزوم بالشروع فيها على الصيام(63)، وهكذا...
وحتى الظاهرية الذين منعوا القياس مطلقاً، استعملوا القياس في كتبهم الفقهية حتى في العبادات حيث يقول ابن حزم في مسألة اجتماع العيد في يوم الجمعة: (الجمعة فرض والعيد تطوع، والتطوع لا يُسقط الفرض)(64) وهنا استعمل قياسين هما: قياس المعة على سائر الفروض حيث لا تسقط بالنوافل، وقياس العيد على سائر النوافل حيث لا ترتقي إلى إسقاط الفرائض، ولذلك عقب الشيخ أحمد شاكر بقوله: (زعم المؤلف ما نعاه على غيره كثيراً من رد السنة بالآراء)(65).
استعمال النبي صلى الله عليه وسلم القياس في العبادات:
في هذا الباب يرد كل ما ذكره علماء الأصول والفقه من الأدلة في الكتاب والسنة على صحة القياس وحجيته(66)، ولكن الذي يهمنا هنا هو ذكر بعض الأمثلة التي استعمل فيها النبي صلى الله عليه وسلم القياس في العبادات منها:
أ – في باب الحج روى البخاري وغيره بسندهم عن ابن عباس رضي الله عنه أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: (نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء)(67).
ب – حديث عمر عندما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن قبلة الصائم فقال: (أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم) قلت: لا بأس بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: (ففيمَ).
وهنا أقيسة كثيرة للصحابة لا يسع البحث لذكرها(68).
أقيسة الفقهاء في أبواب العبادات:
لو رجعنا إلى أبواب الصلاة والصيام، والحج لوجدنا أمثلة كثيرة قاس فيها الفقهاء قديماً وحديثاً، حتى ألفت في (قياس العبادات) عدة رسائل علمية ومؤلفات(69).
ونحن هنا نذكر أهم الأصول التي جرى فيها القياس في الزكاة بإيجاز شديد، وللحقيقة أقول: إن هذه الأقيسة التي سنسردها نذكرها لبعض الفقهاء في بعض الأحيان باعتبارها قياساً على ما كان جارياً في عصر الرسالة، في حين أن أبا حنيفة ومن معه يستدلون على وجوب الزكاة في كل ما تنتجه الأرض بعموم الآيات والسنة – كما سيأتي -.
من الكتاب:
أ – قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة:267].
ب – وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141].
ومن النصوص العامة في السنة:
أولاً: في نطاق الزروع والثمار:
1 – ما رواه البخاري وأصحاب السنن بسندهم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً: العُشر، وفيما سقي بالنضح نصف العُشر)(70).
2 – ما رواه مسلم وأبو داود، والنسائي بسندهم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقي بالسانية نصف العشور)(71).
والشاهد في استعمال لفظ (ما) الذي هو للعموم، أي في جميع ما تنتجه الأرض، وقد ترجم البخاري له باب العشر فيما يُسقى من ماء السماء وبالماء الجاي، مما يفهم منه اختيار العموم، ويقول الحافظ ابن حجر: (فحديث ابن عمر بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب، وفي إيجاب الزكاة في كل ما سقي بمؤنة وبغير مؤنة)(72) ولكنه مخصص عند الجمهور بما بلغ النصاب كما دلّ عليه حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة، ولا في أقل من خمسة من الإبل الذود صدقة، ولا في أقل من خمس أوق من الورق صدقة)(73).
وقصدي من سرد الحديثين دلالتهما الواضحة الصريحة في وجوب الزكاة في كل ما تنتجه الأرض من الثمار والزروع والخضر إذا توافرت الشروط المطلوبة من النصاب، ونحوه...
ومع هذا العموم في هذين النصين، وفي الآيات القرآنية فإن الفقهاء قد اختلفوا قديماً وحديثاً في ذلك على أربعة مذاهب:
1 – مذهب ابن عمر وبعض التابعين ومن بعدهم إلى أنه لا زكاة إلا في الأقوات الأربعة، وهي: الحنطة والشعير من الحبوب، والتمر والزبيب من الثمار فقط، وهذا رواية عن أحمد، وموسى بن طلحة، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، والحسن بن صالح، وابن أبي ل يلى، وابن المبارك، وأبي عبيد(74).
2 – مذهب مالك والشافعي أن الزكاة إنما تجب فيما يقتات ويدخر على تفصيل(75) وهذا مبني على أن ذلك هي العلة الجامعة.
3 – مذهب أحمد أن الزكاة تجب في كل ما ييبس ويبقى ويكال، وهذا مبني أيضاً على أن العلة الجامعة هي الكيل والبقاء واليبس(76).
وقد عبر الشافعي عن رأيه في ذلك فقال: (قد أخذ بعض أهل العلم من الزيتون قياساً على النخل والعنب)(77) وهذا رأيه في القديم، ثم وضع علة جامعة في نظره وهي الاقتيات في حال الاختيار، وبناء على ذلك أوجب في كل ما يتخذه الإنسان قوتاً في حالة الاختيار مما تنبته الأرض مملوكة أو مستأجرة، خراجية أو عشرية، ولذلك لم يوجب الزكاة في الخوح والرمان، والتين واللوز مما ليس مقتاتاً(78)، قال الشافعي: (حفظنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخذ من الحنطة والشعير والذرة، وأخذ من قبلنا من الدخن والسلت، والعَلَس، والأرز وكل ما أنبته الناس، وجعلون قوتاً... اتباعاً لمن مضى، وقياساً على ما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ فيه الصدقة)(79).
4 – مذهب أبي حنيفة وهو وجوب الزكاة في كل ما أخرجته الأرض من الزروع والثمار والفواكه والخضروات، مما يقصد بزراعته نماء الأرض، وتستغل به عادة، ولهذا استثنى الحطب والحشيش والقصب الفارسي(80)، وهذا مذهب الظاهرية – ما عدا ابن حزم – وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وحماد بن أبي صليمان، وإحدى الروايتين عن إبراهيم النخعي(81).
فالذي يظهر لي رجحانه بوضوح هو قول الإمام أبي حنيفة ومن معه لأنه متفق مع النصوص العامة في الكتاب والسنة، بل مع الحديثين الصحيحين العامين لكل ما أخرجته الأرض من الحبوب والثمار والفواكه والخضر، في حين أن الفقهاء الآخرين منهم من وقف على ما كان سائداً في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه من استخرج العلة مما كان سائداً في عصره صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: في نطاق الثروة الحيوانية (المواشي):
فقد وردت السنة ببيان الزكاة في الأنعام فقط وهي: الإبل، والبقر والغنم والمعز، ثم قاس الفقهاء عليها ما يأتي:
1 – الخيل السائمة للنماء والنسل، حيث قال بوجوب الزكاة فيها: أبو حنيفة وزفر(82) اللذيْن استدلا له بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر... ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ثم لم ينس حق الله في رقابها، ولا في ظهورها، فهي لذلك ستر...)(83) ووجه الاستدلال أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترط أن لا ينسى حق الله تعالى في ظهورها بالعارية وحق رقابها بدفع الزكاة فيها، كما استدل بالقياس على الإبل في كونهما حيواناً نامياً، يقول القرضاوي: (ما جاء عن الصحابة مما يؤيد هذا القياس، ويشدّ أزره)(84).
وهذا مروي عن عمر رضي الله عنه حيث روى عن يعلى بن أمية: (أن أخاه عبد الرحمن بن أمية اشترى من أهل اليمن فرساً أنثى بمائة قلوص، فندم البائع، فلحق بعمر، فقال: غصبني يعلى وأخوه فرساً لي، فكتب عمر إلى يعلى: أن ألحق بي فأتاه، فأخبره الخبر، فقال: إن الخير لتبلغ هذا عندكم؟ ما علمت أن فرساً يبلغ هذا!!، فنأخذ عن كل أربعين شاة شاةً، ولا نأخذ من الخيل شيئاً؟ خذ من كل فرس ديناراً، فضرب على الخيل ديناراً، ديناراً، وعن الزهري أن عثمان كان يصدق الخيل – أي يأخذ الزكاة منها)(85).
وكذلك روى الطحاوي والدارقطني بإسناد صحيح إلى السائب بن يزيد قال: (رأيت أبي يقوم الخيل ويدفع صدقتها إلى عمر بن الخطاب)(86) وروى الدارقطني وابن حزم: (أن عمر كان يأخذ من الفرس عشرة – أي دراهم – ومن البراذين خمسة – أي دراهم -)(87).
وهذا أيضاً رأي الصحابي الجليل زيد بن ثابت حيث ثار الخلاف في عصر مروان بن الحكم في زكاة الخيل السائمة، فتشاور الصحابة الموجودين في ذلك فقال أبو هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على الرجل في عبده، ولا فرسه صدقة) فقال مروان لزيد: ما تقول يا أبا سعيد؟ فقال أبو هريرة: عجباً من مروان، أحدثه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ما يقول أبا سعيد؟ فقال زيد: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أراد به فرس الغازي، فأما تاجر يطلب نسلها، ففيها الصدقة، فقال: كم؟ قال: في كل فرس دينار أو عشرة دراهم(88).
وهذا أيضاً مروي عن بعض التابعين مثل إبراهيم النخعي، حيث أوجب في الخيل السائمة للنسل الزكاة، ولكنه خيّر – مثل أبي حنيفة – صاحبها بين دفع الزكاة من قيمتها، أو دفع دينار أو عشرة دراهم لكل فرس، ومثله مروي عن حماد بن أبي سليمان(89).
يقول الشيخ القرضاوي: (فقد دلّ تصرف عمر على أن للقياس فيها مدخلاً، وللاجتهاد مسرحاً)(90).
2 – غير الخيل السائمة من أنواع الحيوانات السائمة من الغزلان والنعام ونحوهما، حيث ذهب الشيوخ الثلاثة (محمد أبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف، وعبد الرحمن حسن) حيث قالوا: (وإذا كان الخليفة عمر قد اعتبر النماء هو العلة، وتبعه أبو حنيفة، فيصح بالتخريج على هذا المنهاج أن يقول: إن الزكاة تجب في كل الحيوانات التي تتخذ للنماء، وترعى في كل مباح، وبلغت النصاب وهو ما قيمته عشرون مثقالاً من الذهب، فإنه يكون فيها الزكاة بمقدار ربع العشر)(91).
وأيدهم الشيخ القرضاوي قائلاً: (فهو اجتهاد صحيح مبناه على القياس الذي يؤمن بإعماله في وعاء الزكاة، حتى لا نفرق بين مال نام وآخر فيدخل في ذلك البغال، والوعول وغيرها)(92) ولكنه خالفهم في النصاب بالذهب، حيث رجحه بنصاب الإبل أي خمسة(93).
ثالثاً: في صدقة الفطر:
فقد وردت السنة الصحيح عن ابن عمر قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على العبد والحرّ...)(94) وقال أبو سعيد الخدري: (كنا نخرج – إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم – زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حرّ أو مملوك صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم إلينا معاوية بن أبي سفيان حاجاً، أو معتمراً، فكلّم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: (أرى أن مُدّين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك)(95).
وقد قاس جماعة من العلماء (منهم الشافعية) كل ما يعد قوتاً من غير ما ذكر في السنة الصحيحة من الأرز ونحوه على ما ذكر فيها بجامع الاقتيات كما قاسوا على الأقط اللبن والجبن إذا كانا من أقوات من يخرج الفطرة(96).
وأجاز الحنفية ومن معهم دفع القيمة في زكاة المال، وزكاة الفطر(97).
رابعاً: مسائل متفرقة للقياس في الزكاة:
1 – من المعلوم أن حديث الخلطة وارد في الأنعام حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يُجمع بين مجتمع، ولا يُفرّق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية)(98).
فقاس الشافعية على الخلطة في الأنعام الخلطة في الزروع والثمار، وعروض التجارة ونحوها، بجامع أنها مال زكوي بالخلطة تحقق خفّة في التكاليف والمؤن(99)، وجاء المعاصرون فبنوا على قول الشافعي تأثير الخلطة في حصص وأسهم المساهمين حيث لا يحتاج أن يصل مال كل مساهم إلى النصاب، لأن النصاب يتحقق بنصاب أموال الشركة.
2 – قال الشافعية لا تجب الزكاة في ثمار الأشجار البرية وإن جناها شخص، قياساً على عدم وجوب الزكاة في البقر الوحش(100).
3 – إن أرباح عروض التجارة خلال السنة تضم إلى أصلها في الحول وإن لم يحل عليها الحول قياساً على ضم نتاج الأنعام إلى أمهاتها عند الحنفية، والشافعية في القول الثاني المقابل للأظهر(101).
4 – أجاز الشافعية إخراج زكاة الفطر من أول يوم من رمضان باعتبار أن سببها قد تحقق وإن لم يتحقق شرطها، قياساً على تعجيل الزكاة بعد ت حقق النصاب(102).
5 – قال جمهور الفقهاء: إن المسلم الذي وجبت عليه الزكاة ثم ارتد لم تسقط عنه الزكاة قياساً على زكاة الزروع والثمار(103)، وقاال الشافعية: وقياساً على الغرامات المالية، والديون، والحدود والحقوق التي لا تسقط بالردة(104).
6 – حسب الأحاديث الثابتة أن الواجب في زكاة الإبل الإناث، وفي البقر ثبت أنه يؤخذ تبيع، أو تبيعة أي الذكر والأنثى(105)، ولم ترد في الغنم نصوص صريحة، ومع ذلك قاسها الفقهاء على الإبل حيث لا يؤخذ منها الذكر إلا إذا لم توجد الأنثى(106).
7 – الأحاديث دلت على اشتراط السوم من باب مفهوم المخالفة في الإبل والغنم فقاس عليهما البقر(107) في اشتراط السوم.
8 – يقول الإمام الشافعي في زكاة الذهب: (وفرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الورق صدقة، وأخذ المسلمون في الذهب بعده صدقة، إما بخبر عن النبي لم يبلغنا، وإما قياساً على أن الذهب والورق نقد الناس الذي اكتنزوه، وأجازوه أثماناً...)(108).
9 – الذين لم يوجبوا الزكاة في الحلي المباح للمرأة قاسوه على ثياب البدن، وعوامل البقر، وفرس الإنسان(109).
10 – الذين أوجبوا الزكاة في المعادن غير الذهب والفضة قاسوها عليهما، أو جعلوها داخلة في عموم الركاز(110).
خامساً: في القضايا المعاصرة:
فقد أجمعت المجامع الفقهية، والفقهاء المعاصرون – حسب علمنا – على وجوب الزكاة في النقود الورقية قياساً على النقود المعدنية بجامع مطلق الثمنية(111)، وكذلك الزكاة في الأسهم والصكوك في الجملة(112).
والمعاصرون مختلفون بين متوسع، ومضيق، ومتوسط في وجوب الزكاة، كما رأينا ذلك في مسألتنا هذه (زكاة المستغلات) وفي مسائل كثيرة ذكر أهمها فضيلة العلامة القرضاوي(113).
الخلاصة:
تبين لنا بشكل قاطع أن الموجودات الزكوية في العصور اللاحقة لعصر الرسالة قد زادت من عصر إلى عصر كما شهدنا سواء كان ذلك اعتماداً على الأدلة العامة، أو بالقياس – كما سبق – وأن الفقهاء قد قاسوا في هذا المجال.
فإذا كان ذلك مسلماً به فلماذا نتوقف في ثروة عظيمة تقدر بثلث الثروات في العالم وهي المستغلات: الأصول المؤجرة، والمصانع الدارّة للدخل!
ما العلّة الجامعة؟ (تنقيح المناط وتخريجه وتحقيقه)
إذا نظرنا إلى النصوص الشرعية في الكتاب والسنة لوجدنا أن هناك عدة أوصاف يمكن إجراء السبر والتقسيم عليها لتنقيحها والوصول إلى العلة الجامعة، وهي: المالية، والنماء، والنصاب، والملكية، والحول، والزيادة عن الحاجة الأصلية.
ومن المعلوم أن العلة هي الوصف الظاهر المنضبط المناسب المعرّف للحكم(114)، وبهذا التعريف ت ختلف العلة عن السبب الذي لا يشترط فيه عند جمهور الأصوليين أن يكون بينه وبين الحكم مناسبة (أي إدراك المصلحة والحكمة) مثل دلوك الشمس لوجوب صلاة الظهر، كما أن بعضهم أضاف فرقاً ثانياً وهو: أن العلة تقتضي الحكم مباشرة دون واسطة، ولا يتراخى الحكم عنها، أما السبب فيقتضي الحكم بواسطة، ويتراخى عنه حتى تتوافر الشروط، وتنتفي الموانع(115)، والتحقيق أن الفرق الأخير غير مسلم، لأن العلة أيضاً تحتاج إلى الشروط، وانتفاء الموانع والقوادح، وخالفهم في ذلك الشاطبي وجعلهما مترادفين(116).
وهذه العلة قد يكون منصوصاً عليها في الكتاب أو السنة، أو الإجماع، وقد تكون مدركة من خلال الاجتهاد وبخاصة في مسلك السبر والتقسيم(117).
ونحن في هذه المسألة نبحث عن علة الزكاة من خلال النصوص في الكتاب والسنة التي لا يظهر منها النص على العلة، وإنما بيان الحكم والمعاني مثل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة:103]، حيث تدل الآية على أن الحكمة من وجوب الزكاة هي: تطهير قلوب الفقراء من الحقد والحسد، والأغنياء من الطمع والجشع، والتزكية للنفوس والقلوب، كما أن هناك آيات أخرى تدل على أن الحكمة هي شكر المنعم على نعمه شكراً من جنس النعمة، وأما قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19]، فليست اللام هنا للتعليل، وإنما لبيان محل الصرف مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].
فبالنظر إلى الأوصاف المستخرجة من الكتاب والسنة نرى أن الوصف الجامع الظاهر المنضبط المعرف للحكم أو الباعث له هو المالية وإن شئت قلت: المال النامي حقيقة أو حكماً مع التوسع في دائرة النماء – كما سيأتي – ثم تصبح بقية الأوصاف شروطاً متفقاً عليها، أو مختلفاً فيها، وذلك لما يأتي:
أولاً: أن الزكاة قد ربطها الله تعالى بالأموال في جميع الآيات فقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة:103]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ} [المعارج:24]، وهكذا في جميع الآيات التي تتحدث عن الزكاة والصدقات والإنفاق في الأموال، إذن فهو وصف جامع متفق عليه دون أي خلاف متصور.
وكذلك النماء بمعناه الواسع الشامل للنماء الحقيقي أو الحكمي المقابل للمال الذي يستعمل في الاستعمالات الشخصية مثل بيت الإنسان، وفرسه، وسيارته، ونحوها، فهو وصف ملازم للزكاة – كما سيأتي شرحه -.
ثانياً: أن بقية الصفات لا يتوافر فيها أنها محل الإجماع والاتفاق، أو أنها ليست منضبطة، فمثلاً:
1 – أن النصاب وإن عدّه جَمْع من الفقهاء بأنه سبب لكنه ليس محل الاتفاق، فالإمام أبو حنيفة لا يشترط في وجوب الزكاة فيما تخرجه الأرض بلوغه النصاب(118) كما أنه ليس له معيار محدد، وإنما يختلف من صنف إلى صنف – كما لا يخفى – ولذلك جعله معظم الفقهاء من شروط وجوب الزكاة على الخلاف(119)، وهو بكونه شرطاً أولى وأحرى، لأنه يترتب على عدمه عدم المشروط عند جمهور الفقهاء في جميع الأموال الزكوية، وعند أبي حنيفة أيضاً فيما عدا ما تنتجه الأرض وأنه إذا وجد لا يترتب عليه وجوب الزكاة كما إذا وجد النصاب ولكنه وجد الدين المستغرق، أو عدم حولان الحول فيما يشترط فيه حولان الحول...
2 – إن الحول لا يصلح أن يكون علة لأنه وصف غير منضبط، وغير مشروط فيما تنتجه الأرض بالاتفاق وهكذا الأمر بالنسبة للملكية، والزيادة عن الحاجة الأصلية.
والخلاصة أن هذه الأوصاف غير صالحة أن يكون أي واحد منها علة أصولية.
وبناء على ما ذكر فإن المالية (أو المال) وصف ظاهر منضبط مناسب معرف للحكم، وبالتالي فهي العلة الجامعة أو السبب الدافع الباعث، ومن المعلوم أن السبب إنما يعمل إذا لم توجد الموانع، وإن العلة إنما تكون مؤثرة إذا توافرت بقية الشروط، فمثلاً إن السفر هو علة لإباحة الفطر، والجمع، والقصر، ولكن له شروطه عند جمهور الفقهاء من كون السفر له مسافة معينة، وعند بعضهم أن لا يكون سفر معصية(120)، والبيع سبب لنقل الملكية إذا توافرت الشروط وانتفت الموانع، وهكذا المالية (أو كون الشيء مالاً) فهي علة ولكنها لا تؤثر في الحكم أو لا تعرف به إلا إذا توافرت الشروط المطلوبة من النصاب عند الجماهير، ومن حولان الحول في الأشياء التي تحتاج إلى حولان الحول، والنماء والزيادة عن الحاجة الأصلية على تفصيل في ذلك(121).
وحتى لو قلنا: إن المال النامي حقيقة أو حكماً هو العلة الجامعة لما تجاوزنا الحقيقة، وذلك لأن وصف النماء بمعناه الشامل للنماء الحقيقي كما في الأنعام أو الحكمي كما في غيرها، أي أن المال النامي المقصود به هنا هو مقابل للمال الشخصي الذي يستعمله الشخص في احتياجاته مثل البيت الذي يسكنه، والمكاتب أو السيارات التي يستعملها أو نحو ذلك.
وهذا المسلك قد تبناه جَمْع من الفقهاء، فنرى الحنفية يصرحون بأن: (سبب وجوب العشر والخراج الأرض النامية) يقول العلامة الكاساني: (والدليل على أن سبب وجوبهما الأرض النامية أنهما يضافان إلى الأرض، يقال: خراج الأرض، وعشر الأرض، والإضافة تدل على السببية، فثبت أن سبب الوجوب فيهما الأرض النامية...)(122).
وفي الوقت نفسه قال بعض فقهاء الحنفية: (أن سبب الوجوب في الكل واحد وهو الأرض، ألا ترى أنه يضاف الكل إليها يقال: عشر الأرض، وخراج الأرض، وزكاة الأرض، وكل واحد من ذلك حق الله وحقوق الله المتعلقة بالأموال النامية لا يجب فيها حقان منها بسبب مال واحد...)(123).
وبالتالي فنحن نقول: فالتعليل بالمال صحيح لأن الزكاة تضاف إليه زكاة المال، كما أنه لو قلنا إن السبب أو العلة: المال النامي أيضاً صحيح.
يقول الكاساني في التعليل لوجوب الزكاة في جميع ما تنتجه الأرض – سوى الحطب والحشيش والقصب الفارسي -: (ولأن سبب الوجوب هو الأرض النامية بالخارج...)(124).
ويقول أيضاً: (وأما سبب فرضية – أي العشر في كل ما تنتجه الأرض – فالأرض النامية بالخارج حقيقة، وسبب وجوب الخراج الأرض النامية بالخارج حقيقة أو تقديراً)(125).
وقد رأيت بعد كتابتي هذا البحث ووصولي إلى أن العلة الجامعة هي المال، أو المال النامي، إلى النص الآتي للكاساني ولغيره من علماء الأحناف، يقول ابن عابدين بعد خلاف الشراح حول كون النصاب شرطاً أو سبباً: (أقول ولا حاجة إلى ذلك فقد ذكر في البدائع: من الشروط الملك المطلق... وقال: إن السبب هو المال لأنها وجبت شكراً لنعمة المال، ولذا تضاف إليه يقال: زكاة المال، والإضافة في مثله للسببية كصلاة الظهر، وصوم الشهر، وحج البيت)(126) ويقول ابن عابدين في وجوب الزكاة على المؤجر في الأرض العشرية المستأجرة: (إن الأرض كما تُستنمى بالزراعة تُستنمى بالإجارة فكانت الأجرة مقصودة كالثمرة فكان النماء له معنى مع ملكه)(127) وهذا نص في أن الأرض المستأجرة نامية مثل الأرض المستزرعة، وهو نص في موضوعنا.
السؤال الثالث: هل يحتاج في المستغلات وغيرها إلى قياس؟
مع صحة القياس في الزكاة كما رأينا فلا يحتاج أساساً إلى هذا القياس لوجود نصوص عامة من الكتاب والسنة، نذكر هنا أهمها:
1 – قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة:103]، والشاهد في إضافة (أموال) إلى ضمير الجمع حيث يفيد العموم أي: خذ بعضاً من جميع أموالهم، أو أنها مطلق غير مقيد.
جاء في القرطبي: (وهذه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة... وهذا قول كافة العلماء)(128)، وقال أيضاً: (كلام العرب أن كل ما تمول، وتملك هو مال، والعلم محيط، واللسان شاهد بأن ما تملك يسمى مالاً.. ثم قال: قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة:103] مطلق غير مقيد بشرط في المأخوذ والمأخوذ منه، ولا تبيين مقدار المأخوذ، ولا المأخوذ منه... فتؤخذ الزكاة من جميع الأموال...)(129).
2 – قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24،25]، حيث فسّر الحق المعلوم بالزكاة(130).
3 – قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19]، حيث قال جماعة من العلماء منهم ابن سيرين، وقتادة بأن المراد بالحق المعرف هنا هو الزكاة، ويقول القرطبي: (والأقوى في هذه الآية أنها الزكاة)(131). والشاهد في هاتين الآيتين أن لفظ (أموال) مضاف إلى (هم) يفيد العموم، وبالتالي فإن جميع الأموال إذا توافرت شروط الزكاة فيها تجب فيها الزكاة، وأن لفظ (من) للبعضية فيكون المعنى: خذ بعضاً – وهو المقدار الذي حددته السنة – من جميع الأموال إذا توافرت فيها شروط الزكاة من النصاب ونحوه على التفصيل الذي بينته السنّة.
4 – قوله تعالى في فاتحة سورة البقرة في مواصفات الهداة المتقين: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:1-3]، وقد فسّر جماهير المفسرين الجملة الأخيرة بأن المراد بها الزكاة، قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:3]: زكاة أموالهم، ومنهم مَنْ عممه للزكاة والنفقات(132)، يقول ابن كثير: (كثيراً ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال، فإن الصلاة حق الله تعالى وعبادته... والإنفاق هو من الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم... والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(133).
5 – قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254]، وقد تكرر في السورة نفسها بلفظ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ} [البقرة:267] حيث تدل على وجوب الإنفاق (الزكاة) في جميع الأموال سواء كانت من كسب الأيدي أو مما تخرجه الأرض.
وقد تكرر الأمر بالإنفاق مما رزقهم الله أو بصيغة الوصف عشرات المرات(134) كلها إما عامة في الأموال، أو مطلقة.
فهذه النصوص كافية في إثبات الزكاة في جميع أنواع الأموال إذا توافرت شروطها فيها دون تفرقة بين مال ومال إلا ما دلّ عليه دليل صحيح صريح على عدم وجوبها فيه مثل فرس الإنسان وعبده أي ما يستعمله الشخص في حاجياته. والله أعلم.
السؤال الرابع: هل تخصيص العام ببعض الأفراد يمنع بقاء الحكم في غير ما ورد فيه التخصيص؟
وهنا نحتاج إلى أقوال علماء الأصول في هذا المجال، حيث قالوا: إن مدلول العام كُلّية(135) أي محكوم فيه على كل فرد دلالة مطابقة إثباتاً وسلباً(136)، كما في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} [النساء:11] أي في جميع أولادكم واحداً واحداً ثم خصص بغير الكافر(137) وبقي عاماً فيما سواه، وأن عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والبقاع، والمتعلقان عند جمع من العلماء(138).
وقالوا أيضاً: (من صيغ العموم صيغة الجمع، وأن الجمع إذا أضيف إلى جمع آخر يزداد عموماً مثل قوله تعالى: "في أموالهم"، "في أولادكم"، "أمهاتكم")(139) كما أن لفظ "ما" في الآيات التي ذكرناها عامة بالاتفاق(140).
ثم قال جمهور علماء الأصول: (العام بعد تخصيصه حقيقة فيما لم يُخص وأن العام بعد تخصيصه حجة إن خصّ بمبيّن معلوم، أو باستثناء بمعلوم عند الإمام أحمد، وأصحابه وهو قول للشافعية اختاره الجويني والرازي، وغيرهما)(141)، وقال الدبوسي: (هو الذي صح عندنا من مذهب السلف)(142).
والخلاصة أنه قد تبين لنا أن لفظ "أموالهم" ولفظ "مما أنفقوا" من ألفاظ العموم، وأن العام إذا خص بأشياء معينة يبقى حجة شرعية فيما عداه، علماً بأن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم مما أخذ منه الزكاة في عصره كان تطبيقاً عملياً لعموم الآيات ولا يدل على منع سواه مما لم يذكره.
وبناءً على ذلك فلا نحتاج إلى القياس في إلحاق الأصول المستأجرة أو المستغلات أو نحوها من الأموال التي تتوافر فيها شروط الزكاة بأصل آخر، لأنها داخلة في النصوص العامة التي لا زالت حجة ع ليها، والله أعلم.
والنتيجة بعد هذا العرض المفصل وجدنا أن النصوص الشرعية تشمل المستغلات (بما فيها الأصول المؤجرة) كما أن القياس يؤكد ذلك، وأن العقل يدعمه، لأنه لا يعقل أن تجب الزكاة في خمس إبل، وأربعين شاة، ونحو 647 كيلو غرام من الحبوب والثمار، ولا تجب في كل هذه العمارات والمصانع، والأبراج، ومشروعات الدواجه ونحوها مما يمثل أكثر من ثلث الثروات في العالم، فالإسلام لا يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين مختلفين فهو سائر مع الفطرة السليمة، والعقول المستقيمة.
ما نسبة الواجب؟
إذا توصلنا بمنتهى القناعة والاطمئنان إلى وجوب الزكاة في المستغلات بما فيها الأصول المؤجرة، هنا يرد سؤالان:
أحدهما: هل تجب الزكاة في الأصول ذاتها قياساً على عروض التجارة.
الجواب: أن هذا القياس لا يستقيم، لأن الأصول المؤجرة ليست معدة للبيع، فالقياس مع الفارق بإيجاز شديد، بالإضافة إلى أن ذلك يؤدي إلى حرج شديد وعبء كبير على أصحابها، فقد تغطي الزكاة كل الأرباح، بل قد تصل إلى الأصول.
ثانيهما: وهل تجب الزكاة في الناتج (الأجرة والناتج) وما مقدار الواجب فيه؟
الجواب: الذي يظهر من خلال النظر إلى مقاصد الشريعة في الزكاة أن الزكاة تجب في الناتج، وبما أن الناتج نقود فتجب فيها زكاة النقود أي 2.5%، ولكن الذي يظهر لي في هذا المقام هو أن هذه النسبة تؤخذ من إجمالي الإيراد تطبيقاً لقوله تعالى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141].
فهذه المسائل تحتاج إلى مزيد من المناقشة لا تسع طبيعة البحث بالخوض فيها، ولكن المهم هو إقرار وجوب الزكاة في هذه الثروة، ثم بعد ذلك قد نختلف في المقدار والكيفية فكل ذلك قابل للاجتهاد، والله الموفق.
القسم الثاني: صورة المسألة
صورة المسألة:
الأصول التي يتم تأجيرها مع الوعد الملزم بتمليكها في نهاية مدة العقد، هل تجب الزكاة في أصولها؟ أم تجب الزكاة في غلتها فقط؟
فسأجيب عنها حسب العناصر المطلوبة من الأمانة العامة لندوات قضايا الزكاة المعاصرة، ولكني أنطلق من الراجح الذي توصلت إليه، وهو وجوب الزكاة في الأجرة، أو الإيراد الإجمالي بنسبة 2.5%.
1 – هل وجود نية التمليك عند المؤجر مؤثر في وجوب الزكاة عليه وإن كان العقد بصيغة الإجارة؟
الجواب:
أ – إن نية التمليك عند المؤجر إذا كانت بتمليك الأصل المؤجر للمستأجر عن طريق الهبة لا تؤثر في الزكاة ما دامت هذه النية لم تنفذ، لأن الأصل المؤجر لا يزال مملوكاً ملكية تامة للمؤجر، وبالتالي يجب عليه أن يدفع الزكاة عن الأجرة المحققة خلال العام، حيث تجب الزكاة في مجموع الأجرة المحققة خلال العام نفسه ما دام يبلغ مجموعها النصاب – كما سبق -.
ب – أما إذا كانت النية (أو الاتفاق) على تمليك الأصل المؤجر للمستأجر عن طريق البيع، فهنا تطبق عليه قواعد عروض التجارة – من حيث الأصل والمبدأ العام – وذلك لأن المؤجر اشترى الأصل المؤجر بنية البيع، ووعد بذلك أو وعد له المستأجر، وبالتالي توافرت شروط كون العروض عروض تجارة، وهنا لا بد من التفرقة بين حالتين:
الحالة الأولى: أن يتم الاتفاق (أو الوعد) على بيع الأصل المؤجر خلال العام نفسه، فهنا تطبق قواعد الزكاة الخاصة بعروض التجارة، وبالتالي تجب الزكاة في قيمته السوقية، أو بما باع به الأصل المؤجر.
الحالة الثانية: أن يكون الاتفاق (أو الوعد) على أن يتم البيع بأكثر من عام ففي هذه الحالة الراجح عندي أنه تجب الزكاة في الأجرة السنوية (الإيراد الإجمالي) إلى أن يباع الأصل المؤجر للمستأجر، وحينئذ تجب الزكاة في قيمته بنسبة 2.5% وهذا على مذهب مالك في التفرقة بين التاجر المدير والتاجر المحتكر.
2 – زكاة الأصول المؤجرة مع تمليك لاحق هل تدخل في كلام الفقهاء رحمهم الله في زكاة المستغلات؟
الجواب:
إن الأصول المؤجرة ما دامت تدرّ دخلاً فهي داخلة في (المستغلات) على الخلاف السابق، ولكن على التفصيل السابق في الجواب السابق، حيث إنها داخلة في المستغلات في حالة الوعد بتمليك الأصل المؤجر على طريق الهبة، وكذلك الأمر إذا كان الاتفاق بالتمليك بعد عدة سنوات، وهي الحالة الثانية التي ذكرنا حكمها في الجواب السابق.
وأما في ضوء الحالة الأولى المذكورة في الجواب السابق أي الوعد بالبيع خلال العام فإنها تصبح من عروض التجارة، وبالتالي فإذا بيعت فتجب الزكاة في قيمتها التي يقبضها المؤجر الذي أصبح الآن بائعاً ببيعه الأصل بنسبة 2.5% في ضوء مذهب مالك الذي رجحناه.
3 – هل تعامل الأصول المؤجرة معاملة الديون التجارية؟
الجواب:
من الناحية الشرعية أن الأصول المؤجرة مملوكة لمالكها الذي يتحمل ضمان التلف الكلي والجزئي إلا إذا كان ذلك بسبب تعدي المستأجر أو تقصيره أو مخالفته للشروط، ولذلك فهي ملك له، وإلا لما جازت العملية التأجيرية برمتها، ولذلك فهي من الأصول الثابتة للمؤسسة وليست من الديون التجارية لها التي عليها.
فالأصول المؤجرة ليست ديناً في ذمة المؤجر أو المستأجر، وإنما هي مملوكة ملكية تامة للمؤجر، وملكية ناقصة (ملكية المنفعة) بالنسبة للمستأجر.
نعم الأجور التي تسلمها المؤجر قبل استحقاقها أي قبل انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة هي بمثابة دين، وسماه الشافعية بالدين غير المستقر، وفيه خلاف بين الفقهاء: هل تجب على المؤجر زكاة ما قبضه قبل الانتفاع وبعد العقد – كما سبق -.
وأما الأجور المستحقة للمؤجر بالعقد والانتفاع التي لم يدفعها المستأجر فهي ديون مستقرة لصالح المؤجر تطبق عليها قواعد الزكاة في الدين، بحيث إن كانت مرجوة فيجب أن يدفع عنها الزكاة، وإلا فلا يدفع إلى أن تعود إليه وحينئذ يدفع الزكاة عنها زكاة سنة واحدة.
4 – هل تأخذ الأصول المؤجرة حكم عروض التجارة إذا كانت هذه الأصول زائدة عن حاجة المؤجر؟ مع تحرير قول الحنابلة في هذه المسألة والقائلين بذلك.
الجواب:
أ – سبق أن حررنا قول ابن عقيل من الحنابلة، وقلنا: إنه يقول بأن الأصول المؤجرة تزكى زكاة ع روض التجارة، أي تقوّم سنوياً بقيمتها السوقية، فتدفع عنها 2.5% وقد بينا في السابق ضعف هذا القول وعدم رجحانه، وبالتالي فلا نبني عليه.
وهذا القول ليس مبنياً على كون الأصل المؤجر زائداً عن حاجة المؤجر وإنما هو مطلق، ولم أر تخصيصه بذلك – كما سبق -.
ب – تصبح الأصول المؤجرة المنتهية بالتمليك – في الراجح عندي – من عروض التجارة في حالتين:
الحالة الأولى: حالة ما إذا أجّر المؤجر الأصل للمستأجر ونوى أو وعد، أو وعد له المستأجر بشرائه في العام نفسه – كما سبق -.
الحالة الثانية: أن المؤجر أجّره إجارة منتهية بالتمليك لعدة سنوات مثلاً، وحسب العقد فإن العين المؤجر تملك بالبيع للمستأجر، فإن الثمن الذي يأخذه يدخل في الوعاء الزكوي، فيزكيه حسب رأي مالك – كما سبق -.
5 – هل يختلف الحكم إذا كانت هذه الأصول مموّلة من المطلوبات على المصرف أو من موجوداته وأصوله (الحقوق الملكية)؟
الجواب:
أ – إن ما ذكرناه من أحكام الزكاة في الأصول المؤجرة المنتهية بالتمليك إنما يخص التي اشتراها المؤجر من موجوداته، أما إذا كانت مشتراة بالدين فإن قواعد زكاة الدين تطبق عليه من حيث التفرقة بين الدين الذي له مقابل، والذي ليس له مقابل.
ب – أما إذا كانت مشتراة من أموال الودائع الاستثمارية فحينئذ تطبق القواعد والأحكام التي ذكرناها عليها بالنسبة لأرباب الأموال.
6 – إذا مُوّلت الأصول المؤجرة من المطلوب ومن حقوق الملكية وموجودات المصرف، وتعذر التمايز بين مصدر التمويل فما الحكم؟
الجواب:
إن هذه الفرضية المذكورة في السؤال بعيدة في ظل التقدم التكنولوجي في عالم المؤسسات المالية ووسائل الحسبة والبرامج التقنية المتطورة.
أما إذا وجدت فعلينا الحصول على تقدير من الخبراء، والأخذ بالأحوط لصالح الفقراء.
7 – هل التأجير المنتهي بالتمليك أقرب إلى الإجارة التي أرادها الفقهاء عندما أسقطوا الزكاة أم أقرب إلى البيع والمداينة؟
الجواب:
إذا لم تعتبر عمليات الإجارة المنتهية بالتمليك من باب الإجارة فإنها لا تصح حسب الصور التي تطبق في المؤسسات المالية التي أجازتها المجامع الفقهية، والمعايير الشرعية، فهذه الصورة المجازة لا تطبق عليها قواعد البيع وأحكامه، وإنما الأحكام الخاصة بالإجارة، من حيث بقاء العين المؤجرة في ملكية المؤجر وضمانه في حالة التلف الكلي، أو الجزئي إلا في حالات التعدي والتقصير، ومن حيث بقية أحكام الملكية وآثارها بالنسبة للمؤجر، وأما بالنسبة للمستأجر فتطبق أحكام الانتفاع والملكية الناقصة.
والتحقيق أن الإجارة المنتهية بالتمليك إجارة ابتداءً، وبيع أو هبة انتهاء، ولكن بما أن عملية البيع، أو الهبة تتم بعقد منفصل غير مرتبط بعقد الإجارة، فإن أحكام الإجارة تطبق على الأصل المؤجر ماه دام عقد الإجارة سارياً، ثم إذا بيع أو وهب فتطبق عليه حينئذ أحكام البيع أو الهبة.
8 – هل سقوط وجوب الزكاة على المصرف لأن جميع استثماراته في الأصول المؤجرة المنتهية بالتمليك يجعلنا نعيد النظر في ذلك؟ وماذا لو فُعل ذلك فراراً من الزكاة؟
الجواب:
إن ما ذكر في السؤال هو أحد الأسباب في ضرورة إعادة النظر في القرارات أو التوصيات السابقة القاضية بعدم وجوب الزكاة في الأصول المؤجرة، وفي أجرتها وغلاتها، إذ كيف لا تجب الزكاة في مئات المليارات من الأصول المؤجرة وفي دخلها في حين تجب على الفلاح المسكين إذا ملك 647 كيلو من القمح أو الشعير، أو التمر، أو الزيت، إن هذه المفارقة الفعلية غير مقبولة أبداً فقهاً وعقلاً في عصرنا الحاضر.
ولذلك قلنا: إن أعدل الأقوال هو: وجوب الزكاة في إجمالي الأجرة (الإيراد) بنسبة 2.5%.
9 – إذا أدى إيجاب الزكاة في الأصول المؤجرة إلى خسارة المصرف فهل يغير ذلك في الحكم؟
الجواب:
هذه الفرضية غير واردة – على مستوى الغالب على الأقل – في ظل القول بوجوب الزكاة في إجمالي الإيرادات الخاصة بالأجرة، لأنها إذا وجدت فقد وجدت الزكاة وإلا فلا.
وأما في ظل القول بوجوب الزكاة في القيمة السوقية للأصول المؤجرة فهو وارد، وقد يؤدي إلى الإجحاف بحق الملاك، ولذلك لم نقل به، ولم نجد له تأصيلاً معتبراً.
ثم إن الخسارة لو وجدت لا تعني عدم الغنى فقد يخسر الشخص أو المؤسسة ومع ذلك لا يزال يملك الكثير، ومن هنا لم يجعل الفقهاء الخسارة في عروض التجارة مانعاً من الزكاة ماه دام الباقي يبلغ النصاب وتوافرت بقية الشروط.
10 – كيف تتم الزكاة في الصندوق الاستثماري إذا كان الصندوق يستثمر في عمليات تأجير (تأجير واقتناء وتملك) ويحتفظ الصندوق التأجيري المنتهي بالتمليك بنسبة أصول سائلة لمواجهة احتياجات السيولة النقدية، فهل تجب الزكاة في الصندوق في المكوّن الرئيسي له عند حولان الحول أم تزكى الأعيان المؤجرة فقط زكاة مستغلات عند تمام الحول أم يزكي المستثمر أصل ماله المستثمر في هذه الأصول المؤجرة؟
الجواب:
تكون حسبة الزكاة وفق ما يأتي (في نظري):
أ – النقد وشبه النقد.
ب – إجمالي الإيرادات الخاصة بالأجور (ما عدا الأجور النقدية التي حسبت في البند السابق حتى لا يؤدي إلى الثني في الزكاة).
ج – بقية ما تجب فيه الزكاة من عروض التجارة والأموال الزكوية إن وجدت.
د – قيمة الأصول المؤجرة عند بيعها إذا تم بيعها بناءً على الوعد ونية المؤجر بالبيع، أما إذا انتهت عن طريق الوعد بالهبة فلا تحسب الزكاة عليها.
هـ - وفي السنة الأخيرة لانتهاء الصندوقن حيث تسيل الأصول والموجودات، وتصبح نقداً حينئذ تجب الزكاة في صافي النقود الموجودة بنسبة 2.5% حسب السنة القمرية أو 2.575% حسب السنة الشمسية، وهنا إذا كان الصندوق مخولاً أو وكيلاص بدفع الزكاة فعليه أن يدفع الزكاة عنها، أما إذا لم يكن كذلك فيخبر المستثمرين بنسبة الزكاة في وحداتهم، أو حصصهم، والله أعلم.
11 – بالنسبة لبقية مكونات الصندوق المخلوطة مع الأعيان المؤجرة كيف تقع الزكاة فيها أم يتم اعتبار كل منها وعاءً مستقلاً بحسب نوعية تلك الأموال؟
الجواب:
من المعلوم أن الوعاء الزكوي يشمل كل الموجودات الزكوية، وبالتالي فيعامل الصندوق في جميع موجوداتها الزكوية حسب أحكام الزكاة الخاصة بالشركات، من حيث ما يدخل في الوعاء الزكوي، أو يحسم، أو يحسب.
وفي هذه الحالة تحتسب الزكاة على جميع الموجودات الزكوية بالإضافة إلى إجمالي الإيرادات الخاصة بالأجرة حسبما شرحناه وبيناه في الفقرة (10) السابقة.
12 – كيفية احتسار زكاة محفظة الاستثمار العقاري التأجيرية التي يديرها المصرف إذا ما استحقت الزكاة؟ وما هي القيمة التي تحتسب عليها هل الاسمية أم السوقية؟
الجواب:
1-1 إذا كان الصندوق يدفع الزكاة (حسب نظامه الأساس، أو التوكيل أو الإلزام القانوني) فإنه يدفع الزكاة عن إجمالي الإيراد لكل سنة (حسب التفصيل الذي ذكرته في البند (10) السابق).
1-2 ثم في السنة الأخيرة عندما يصفى الصندوق فيدفع الزكاة عن جميع الموجودات النقدية (والموجودات الزكوية إن بقيت).
2 – أما إذا كان الصندوق غير مكلف بدفعها فيحسب الزكاة حسبما ذكرناه في البند (10) السابق.
3 – ولا يحسب المصرف (أو المؤسسة) الأصول المؤجرة حسب قيمتها السوقية، أو الاسمية لأن الزكاة لا تجب على الراجح فيها، وإنما تجب الزكاة في الأجور والإيراد الإيجاري – كما سبق – إلا في السنة الأخيرة عند التصفية حيث تتحول إلى النقود فتجب الزكاة في صافي النقود القابلة للتوزيع..
هذا ما أردنا بيانه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________________
(1) يراجع: القاموس المحيط، ولسان العرب، والمعجم الوسيط، مادة (أصل).
(2) أسنى المطالب 2/95.
(3) شرح منتهى الإرادات 2/206.
(4) موسوعة ويكيبيديا الموسوعة الحرة مادة (أصول) والقاموس الاقتصادي للدكتور حسن النجفي ط بغداد 1977 ص125 و د. عصام أبو نصر: زكاة الأصول الثابتة بحث مقدم إلى المعهد العالي لعلوم الزكاة، أغسطس 2009، و د. محمد سمير الصبان: دراسات في المحاسبة المالية ص 456، و أ.د. منذر قحف بحثه عن زكاة الأصول الثابتة في الندوة الخامسة لبيت الزكاة ص 380، وبحث أ. د. محمد شبير في الموضوع نفسه، وفي نفس الندوة ص 430.
(5) المراجع السابقة.
(6) مجلة المجمع العدد الثاني عشر ج1، ص 313.
(7) يراجع في ذلك: حاشية ابن عابدين 35-36 وبدائع الصنائع 2/6، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1/84، وشرح المحلى على المنهاج مع حاشيتي القليوبي وعميرة 2/41، والمغني 3/29، 47..
(8) المغني لابن قدامة ط. الرياض الحديثة 3/29.
(9) مناقب الإمام أحمد لابن أبي يعلى ص224.
(10) شرح الرسالة 1/329.
(11) فقه الزكاة ط. وهبة بالقاهرة الطبعة 25، 1/478، ويراجع مصادره المعتمدة مثل: الأموال ص413، والمصنف لعبد الرزاق، كتاب الزكاة 4/87، والطبراني في الكبير 9/318.
(12) رواه عنه ابن أبي شيبة في المصنف ط. حيدر آباد 3/160، وأبو عبيد في الأموال ص 413، وصححه ابن حزم في المحلى 6/84.
(13) رواه عبد الرزاق في المصنف 4/74، والطبراني في الكبير 9/318، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد الحديث 71، ج3ن ص208: (رجاله رجال الصحيح خلا هبيرة وهو ثقة، والزُبُل بضم الزاي والباء جمع زبيل بوزن أمير، وقد يرد بوزن قنديل وسكين، وهو: القفة).
(14) الموطأ مع المنتقى 2/95.
(15) الأموال ص 432.
(16) مصنف ابن أبي شيبة 3/85.
(17) الروض النضير 2/411، ونيل الأوطار 4/148، والمحلى لابن حزم 6/84، وفقه الزكاة 1/503.
(18) حاشية ابن عابدين 2/55.
(19) حاشية ابن عابدين 2/56، والمغني 2/428.
(20) حلقة الدراسات الاجتماعية للزكاة، التي عقدتها الجامعة العربية في دورتها الثالثة عام 1952 بدمشق ص 241-242 ويراجع: فقه الزكاة 1/479-481.
(21) مناقب الإمام أحمد لابن أبي يعلى ص224.
(22) حلقة الدراسات الاجتماعية للزكاة، المشار إليها سابقاً.
(23) فقه الزكاة 1/482.
(24) ورد في وجوب العشر في العسل عدة أحاديث منها ما رواه الإمام الشافعي بلفظ (إن في العسل العشر) وحكم عليه بالضعف، ورواه البهقي عنه في السنن الكبرى 4/127 وقال: ضعيف، ورواه أحمد وابن ماجه بسندهما عن أبي سيارة قال: (قلت: يا رسول الله إن لي نحلاً؟ قال: (فأدّ العشور...) وروى ابن ماجه بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه أخذ من العسل العشر، وفي رواية له: جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعور نحل له، وسأله (أن يحمي له وادي سلبة) فحمى له ذلك الوادي فلما ولي عمر كتب سفيان بن وهب إلى عمر يسأله عن ذلك، فكتب عمر: (إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله فاحم له سلبة...) رواه أبو داود والنسائي، يراجع في ذلك: نيل الأوطار 5/189.
(25) فقه الزكاة 1/483-484.
(26) بحثه المشار إليه سابقاً ص 386.
(27) المغني 4/640-641، والروضة 2/208، وشرح الرسالة لابن ناجي 1/318، والشرح الكبير 1/503، وحاشية ابن عابدين 2/14.
(28) حاشية ابن عابدين 2/14.
(29) رواه الشافعي كما في التلخيص 2/737، وأحمد 4/453 بسند صالح كما قال الحافظ في تلخيص الحبير 2/737، وأبو داود الحديث رقم 1575 وسكت عنه، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/9 وقال: (جاءت الآثار متواترة بذلك) ورواه ابن حزم في المحلى 6/75، وقال النووي في الخلاصة 2/1079: (إسناده إلى بهز صحيح) وجاء في تحقيق التعليق 2/257: الحديث صحيح.
(30) يراجع: البحر الزخار 2/142، وحاشية ابن عابدين 2/4، وفتح القدير 1/483، وبدائع الصنائع 2/4، 5، وحاشية الدسوقي 1/455، والمجموع 5/329-331، والمغني لابن قدامة 2/622.
(31) رواه البخاري في صحيحه، الحديث رقم 4409، 6733، 6939، ومسلم الحديث رقم 1628.
(32) الحدود في الأصول للباجي ص 57 بتحقيق د. نزيه حماد ط. الزغبي 1973.
(33) المسودة لآل تيمية ط. دار الكتاب العربي ص745.
(34) يراجع: القاموس المحيط، ولسان العرب، والمعجم الوسيط، مادة (دين).
(35) التعريفات للجرجاني ص223، والمنثور للزركشي 2/367، ويراجع: القرضاوي: العبادة في الإسلام ط. وهبة ص 7.
(36) نقله عنه الزركشي في البحر المحيط 5/122.
(37) الأحكام 3/329.
(38) المصدر السابق 3/357.
(39) يراجع: البحر المحيط للزركشي 6/410، وشرح الورقات ص309.
(40) يراجع لمزيد من التفصيل في تعريف العلة: الدكتور عبد الحكيم السعدين مباحث العلة ص 101.
(41) يراجع: الإبهاج 6/2283، والبحر المحيط 5/122-131، وغاية المأمول الرملي ص 360، والفصول للجصاص 2/199، وكشف الأسرار 3/531، وشرح المنار لابن مالك ص265، ويراجع د. مصطفى زيد: المصلحة في التشريع ص215.
(42) يراجع: البحر المحيط 5/122-123، والإحكام للآمدي 3/79، وشرح المحلى مع حاشية العطار 2/274.
(43) الفصل لابن حزم 3/210.
(44) وقد نقل كلامهما الزركشي في البحر 5/122، 126.
(45) المصدر السابق 5/126.
(46) شرح المنار ص265، وكشف الأسرار 3/532.
(47) الفصول في الأصول للجصاص 2/66، وكشف الأسرار 3/532.
(48) المصادر السابقة.
(49) بحثه المشار إليه مجموع الفتاوى 19/131، التمييز 9/3539، وقياس الأصوليين للشيخ علي جمعة ص102.
(50) الموافقات للشاطبي 1/589، والبرهان بتحقيق د. الديب ص905، وتخريج الفروع على الأصول ص41.
(51) أصول الفقه الإسلامي ص225.
(52) الإحكام للآمدي 3/69.
(53) يراجع: المقدمة في منهج الفقه الإسلامي للاجتهاد والبحث في القضايا المعاصرة ضمن حقيبة طالب العلم الاقتصادية ط. دار البشائر الإسلامية 1/171، ورامي سهلب: القياس في العبادات، وتطبيقاته، رسالة ماجستير بكلية الدراسات العليا بجامعة القدس عام 1430هـ ص36 وما بعدها.
(54) ذكر الدكتور الروكي في نظرية التقعيد الفقهي ص 484: أن الأحناف ومن تابعهم من المالكية يذهبون إلى أنه يجري القياس في العبادات.
(55) يراجع في هذه المسائل ومصادرها: رامي سلهب، رسالة في القياس المشار إليها سابقاً ص35-44.
(56) الشرح الممتع على زاد المستقنع ط. الدمام 6/524.
(57) تحفة المسؤول للرهوني 4/149، ولباب المحصول لابن رشيق 2/671.
(58) المستصفى 2/332، والبحر المحيط 5/123-128، ط. أوقاف الكويت.
(59) الروضة لابن قدامة 2/287.
(60) الروضة 2/239.
(61) الكافي 1/42.
(62) شرح المنتهى 1/130، والكافي 1/39، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 19/131.
(63) المغني 4/217.
(64) المحلى 5/89.
(65) تعليقه على المسألة 547 من المحلى 5/89.
(66) يراجع: كتب أصول الفقه في باب القياس.
(67) صحيح البخاري، باب الحج والنذور عن الميت، مع فتح الباري الحديث رقم 1754.
(68) يراجع: د. الخن: اجتهادات الصحابة ص65 ورامي سلهب: المرجع السابق ص67.
(69) منها رسالة تلميذنا النجيب: رامي سلهب بعنوان القياس في العبادات في المذهب الحنفي وتطبيقاته، رسالة ماجستير بجامعة القدس عام 1430.
(70) رواه البخاري في صحيحه مع الفتح ط. السلفية 3/347، الحديث رقم 1483، والترمي مع التحفة 3/291، وأبو داود مع العون 4/486.
(71) صحيح مسلم كتاب الزكاة، الحديث رقم 981، وأبو داود الحديث 1597، والنسائي 2489.
(72) فتح الباري 3/349.
(73) رواه البخاري مع الفتح 3/350، الحديث 1484، ومسلم 2/674، والنسائي 5/30.
(74) المحلى لابن حزم، والمغني لابن قدامة 2/691، ونيل الأوطار، ويراجع للمزيد من الأدلة والرد عليها: الشيخ القرضاوي: فقه الزكاة 1/360.
(75) الموطأ 1/176، والدسوقي على الشرح الكبير 1/447، وشرح الخرشي 2/168، والمجموع 5/493، والغاية القصوى 1/467.
(76) المغني 2/692.
(77) الرسالة فقرة 523.
(78) الوسيط 2/457، ونهاية المحتاج 3/71.
(79) الرسالة فقرة 525.
(80) المبسوط 3/2، وفتح القدير 2/2، وبدائع الصنائع 2/925.
(81) المحلى 5/212-213.
(82) هذا على المشهور عن أبي حنيفة، وفي رواية عنه أن الإناث الخالصة لا زكاة فيها، وفي رواية أخرى أن الذكور الخالصة لا زكاة فيها، يراجع: فتح القدير 1/502، 503، وحاشية ابن عابدين 2/25، 26.
(83) الحديث رواه البخاري، كتاب المساقاة، الحديث 2371، ومسلم، كتاب الزكاة الحديث 987.
(84) فقه الزكاة 1/239.
(85) أثر عمر، رواه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الزكاة 4/36، والبيهقي في السنن الكبرى 4/119ن وأثر الزهري عن عثمان رواه عبد الرزاق في المصنف 4/35، وابن أبي شيبة في المصنف 2/381، وابن حزم في المحلى 5/227.
(86) معاني الآثار الحديث 2612، والدارقطني 2/126.
(87) المصدر السابق.
(88) نصب الراية للحافظ الزيلعي 2/359.
(89) نصب الراية 1/359، ونيل الأوطار 4/136.
(90) فقه الزكاة 1/243.
(91) حلقة الدراسات الاجتماعية، الدورة الثالثة ص 246-247.
(92) فقه الزكاة 248.
(93) المرجع السابق 1/249.
(94) صحيح البخاري الحديث 1432، ومسلم الحديث 984، 985، والنسائي الحديث 2512، وأبو داود 1616.
(95) صحيح البخاري الحديث 1437، ومسلم الحديث 484.
(96) الحاوي 3/361، ونهاية المحتاج 3/121، والوسيط 2/508.
(97) المبسوط 2/157، وفقه الزكاة 2/813.
(98) رواه البخاري مع الفتح 3/315.
(99) المجموع للنووي 5/429، والغاية القصوى 1/465.
(100) الأم 3/88.
(101) فتح القدير 2/20، وتحفة المحتاج 3/299.
(102) تحفة المحتاج 3/354.
(103) فتح القدير وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير والمغني
(104) الحاوي 3/133.
(105) يراجع: كتب الصحاح والسنن، صحيح البخاري كتاب الزكاة باب زكاة الغن، وسنن أبي داود كتاب الزكاة، باب زكاة السائمة، والنسائي باب زكاة البقر، وابن ماجه باب صدقة البقر.
(106) الأم 3/28، والحاوي 3/113.
(107) تحفة المحتاج 3/236.
(108) الرسالة فقرة 527، ويراجع الأم 3/102.
(109) الوسيط 2/475.
(110) المصادر السابقة.
(111) قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، قرار رقم 42، 4/5، ويراجع مجلة المجمع العدد 3.
(112) قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار رقم 121، 3/13، ويراجع مجلة المجمع العلمية العدد 13.
(113) فقه الزكاة، الجزء الأول.
(114) ومن الأصوليين من قال: (الباعث على الحكم) ومنهم من قال: (الموجب له بإيجاب الشرع) يراجع للمزيد: المحصول 2/2/179) والإحكام للآمدي 3/276، وإرشاد الفحول ص207، والمستصفى 2/230، وكشف الأسرار 3/293، وشرح الكوكب المنير 4/40، ويراجع: الشيخ محمد مصطفى شلبي: تعليل الأحكام ط. دار النهضة العربية / بيروت 1981 ص112 وما بعدها، و د. عبد الحكيم السعدي: مباحث العلة في القياس ط. دار البشائر الإسلامية / بيروت.
(115) المصادر والمراجع السابقة، ويراجع: د. محمد شريف أحمد: نظرية تفسير النصوص المدنية ط. بغداد 1979 ص325.
(116) الموافقات 1/122.
(117) يراجع: شرح الكوكب 4/142 وما بعدها.
(118) حاشية ابن عابدين 2/49.
(119) يراجع: الموسوعة الفقهية الكويتية ومصادرها 23/236-247.
(120) يراجع مصطلح (السفر) في الموسوعة الفقهية الكويتية.
(121) يراجع في تفصيل ذلك: فقه الزكاة للقرضاوي 1/143-180.
(122) بدائع الصنائع 2/175، ط. مؤسسة التأريخ العربي.
(123) المصدر السابق 2/176.
(124) المصدر السابق 2/179.
(125) المصدر السابق 2/170.
(126) حاشية ابن عابدين 2/40، ط. دار إحياء التراث العربي.
(127) المصدر السابق 2/55.
(128) تفسير القرطبي 3/24.
(129) المصدر السابق في تفسير الآية 103 من سورة التوبة.
(130) تفسير الطبري في تفسير الآية 24 من سورة المعارج.
(131) تفسير القرطبي في تفسير الآية 19 من سورة الذاريات.
(132) تفسير الطبري، وابن كثير، والرازي في تفسير الآية 3 من سورة البقرة.
(133) تفسير ابن كثير ط. دار ابن حزم 1/129، وسورة البقرة الآية 3.
(134) يراجع: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم مادة (نفق).
(135) والكلية تختلف عن (الكلي) الذي يشترك في مفهومه كثيرون كالحيوان والإنسان فإنه صادق على جميع أفراده ويسمى مطلقاً، ولكنه ليس عاماً، كما أنها تختلف عن (الكل) لأنه الحكم على المجموع من حيث هو كأسماء العدد، ومنه (كل رجل.. أي المجموع، لا كل واحد)، يراجع: شرح الكوكب المنير 1/93، 2/113، والمحلى على جمع الجوامع 1/406، والتمهيد ص83.
(136) يراجع: جمع الجوامع 1/405، وشرح منتقى الفصول ص195، وتيسير التحرير 1/193ن وشرح الكوكب المنير 3/112.
(137) وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) رواه البخاري 4/115، وصحيح مسلم مع شرح النووي 11/52.
(138) المصادر الأصولية السابقة.
(139) يراجع: التلويح على التوضيح 1/233، والمستصفى 2/37، وجمع الجوامع 1/410، والإحكام للآمدي 2/197، والمحصول 1/ف2/518، وشرح الكوكب المنير 3/129-131.
(140) المصادر السابقة.
(141) يراجع: المحصول 1/ف3/22، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/108، والمستصفى 2/57، وجمع الجوامع 2/7، وأصول السرخسي 1/144، وكشف الأسرار 1/307، وشرح الكوكب المنير 3/161-162.
(142) أصول السرخسي 1/144 والمصادر السابقة.