أنت هنا

طعم فوز أردوغان
15 شوال 1435
موقع المسلم

حصل ما كان متوقعاً.. فاز أردوغان في سباق رئاسة قصير، وأصبح الرئيس ثاني العشر لتركيا، وبنسبة تبلغ نحو 52% تجاوز خصميه، وفاز بالجولة الأولى، وتفرد بتوليه الرئاسة بعد ثلاث حكومات ترأسها خلال عقد ونيف.

كان أكثر خصومه تطرفاً في تحليلهم يتوقعون فوزه، لكن في الجولة الثانية، وبالتالي؛ فإن ما حدث  كان من قبيل تحصيل الحاصل، على أنه لم يخل من دلالات واستنتاجات وملاحظات متعددة؛ فأردوغان الذي تولى رئاسة تركيا الآن يتوقع منه الكثيرون ألا يحذو حذو سابقيه في التخلي عن بعض صلاحياته الدستورية، أو الاكتفاء حتى بكامل صلاحياته الدستورية، فما يرشح عنه تسلسل برامج إدارته وتدرجها يشي بأن الزعيم التركي عازم على وضع بلاده في صدارة المشهد العالمي، أو هكذا يخطط وفق رؤية يتبناها وترنو إلى جعل تركيا الأولى اقتصاديا وسياسيا بحلول العام 2023، وهو تحد هائل يستلزم القفز فوق معوقات كثيرة جداً، أولاها وأصعبها كسر نفوذ الدولة العميقة التي لم تزل تمسك بتلابيب أذرع بالغة الأهمية في مؤسسات الدولة التركية، لاسيما الجيش والاستخبارات والقضاء. وهذا التحدي ليس سهلاً بالمرة، إذ قد مضى عقد كامل دونما قدرة من حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية على إحداث تغيير كبير في ملف الهوية الإسلامية؛ فحتى الحجاب قد تم تأجيل السماح به في بعض الأماكن الرسمية ليت ذلك منذ فترة قصيرة فقط!

طعم فوز أردوغان مختلف هذه المرة؛ فقد جاء في أعقاب تحول طارئ على الحالة العلمانية في تركيا، حيث بدأت في التخفي خلف عمامات وشخصيات دينية ظهر ذلك باستحياء في الانتخابات البلدية، لكنه افتضح مع ترشيح أمين عام منظمة التعاون الإسلامي أمام أردوغان، مع أن تلك القوى العلمانية كانت أوشكت قبل عقود أن تدعو لإخراج تركيا من تلك المنظمة لتصادم ذلك مع "علمانية الدولة"! هذا اللجوء الذي عاذت به الأحزاب والقوى العلمانية وخلفها يهود الدونمة لم يغن عنها شيئاً.. وفاز أردوغان، وأطاحت هي بمبادئها، وبدت زئبقية حرباء متلونة..

اتفقت كل القوى من أقصى اليمين القومي إلى اليسار على إطاحة أردوغان، وتجمعت "الأحزاب"، وكانت الخطة أن الشعب إن أراد "ديناً" فدونه "أكمل الدين"، وإن احتاج إلى تجييش إعلامي؛ فأمامه شاشات 70% من تلفزة تركيا يدعمها الدونمة، والقوى العلمانية، وبعض الدول الغربية والعربية، تقف جميعها ضد أردوغان، وماكينة شائعات استخبارية عملاقة تضخ كل يوم مئات الشائعات؛ فلقد نجحت هذه الحيلة في بلدان أخرى.. ولئن كانت القوى العلمانية، لاسيما حزب الشعب الذي يقوده علويون (نصيرية)، قد أساءت كثيراً إلى القومية الكردية؛ فإنه لإحباط نجاح أردوغان في مناطق الكرد لابد أن يتقدم مرشح كردي واعد لضمان الإعادة ضمن الجولة الثانية، والتي يمكن أن يتغير فيها مزاج الناخب.. لكن أردوغان نجح في قلب الطاولة، والفوز من الجولة الأولى.

على أن طعم الفوز الحقيقي لدى أردوغان هو تمكنه لحد الآن من تجاوز منطقة خطرة في مساعي الإطاحة به، تمثلت في مؤامرات الدولة العميقة وما يسمى بالجماعة أو الدولة الموازية، وتسديده ضربات تكتيكية قاصمة من دون أن تؤثر على نتائج الانتخابات البلدية، ثم الرئاسية، والتي زاد فيها عن شعبية حزبه قبل شهور بنحو 6 ملايين ناخب منحوه أمس أصواتهم.. هذا ربما طعم الفوز الحقيقي، لكن هل ينتهي به المطاف هنا؟! لا، بالطبع؛ فدونه دول كبرى تسعى لإطاحته حيث بدا أن مشروعه يمثل خطراً وتهديداً حقيقياً على مشاريعها الاستنزافية للشعوب المسلمة، لاسيما أن هذا الفوز قد منحه أرضية أوسع للتحرك، وشهية أكبر لمواصلة طريقه إلى "العثمانية".