21 ذو الحجه 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة توفي عني زوجي منذ شهر، عندما توفي تأثرت عليه جدًا، وصرخت بصوت عالي، ثم تقبلت الأمر، لكن دائمًا أبكي وأشعر أن قلبي فارغًا، أشعر بفراغ شديد، وأحيانًا أقول: لو جلس فقط سنتين ثم توفي، وأستغفر الله على ذلك.
هل أُعتبر في هذه الحالة معترضة على القدر، ولست صابرة، علمًا بأنَّ زوجي كان من أفضل الرجال خلقًا، جزاه الله خيرًا وأبدله زوجًا خيرًا مني.
أقرأ كثيرًا عن الصبر، أريد أن أكون من الصابرات عند الله، لكن!! لا أتحمل وأبكي كلما تذكرته.
ماذا أفعل؟ انصحني وادْعُ لي بالثبات والصبر.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أختي الفاضلة: بداية أرحب بكِ أجمل ترحيب في موقع المسلم، وأشكركِ على ثقتكِ، بموقع المسلم، ومتابعتكِ له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم.
أختي الفاضلة: ذكرتِ في معرض الحديث عن مشكلتكِ أنكِ تعانين من آثار فقدكِ السريع لزوجك نسأل الله أن يجعله في جنات النعيم، فلا تقلقي أختي الفاضلة، فقد وصلتِ إلى برِّ الأمان، فإخوانك في موقع المسلم عندهم العلاج الناجع – بإذن الله - لمشكلتك، والتي يمكننا معالجتها باتباعك للإرشادات والتَّوجيهات الآتية:
أولاً: في الله خير عوض.
إنَّ في الله - تبارك وتعالى - مِن فَقْدِ زوجكِ عِوَضًا، وفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مصيبتِكِ أُسْوةً، فإن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فاصبري واحتسبي، يقول الأبْشِيهي في "المُسْتَطْرَف": " فينبغي للعبد أن يَتَفَكَّرَ في ثواب المصيبةِ، فتسهل عليه، فإذا أحسن الصبرَ استقبله يوم القيامة ثوابُها، حتى يَوَدَّ لو أنَّ أولادَه وأهله وأقاربه ماتوا قبله؛ لينالَ ثواب المصيبةِ، وقد وَعَد الله تعالى في المصيبة ثوابًا عظيمًا إذا صبر صاحبُها واحْتَسَب؛ قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ محمد: 31. وقال - تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة: 155.
ثانيًا: دورة الحزن.
لقد أوجزتْ إليزابيث كوبلر روس دورة الحزن عند موت محبوب في خمس مراحل:
( مرحلة الإنكار، ثم مرحلة الغضَب، ثم مرحلة المساوَمة، ثم مرحلة الاكتئاب، ثم مرحلة التقبُّل).
1- مرحلة الإنكار:
تتَّسِم هذه المرحلةُ بإنكار مصيبة الموت، والشعور بالصدمة وعدم التصديق، كاعتقاد الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَمُتْ، ولكن ذهب إلى ربِّه كما ذهب موسى - عليه السلام.
2- مرحلة الغضَب:
في هذه المرحلة يطغى الغضب على كافة الانفعالات؛ نتيجة الشعور بالفقْد والتخلي والوحدة، فيظهر في الداخل على هيئة تأنيب ضمير، وشعور أليم بالذنب، ويمتد إلى الخارج نحو الطبيب الذي لم يفلحْ في علاج المرض، وإلى الناس والأصدقاء الذين تخاذلوا عنه، وإلى الميت نفسه لأنه فارَقَ الحياة وترَكهم، وأحيانًا يصل الغضبُ إلى سوء الظن بالله - تعالى ذكره - وتسخط القلب على وُقُوع القدَر المؤلِم.
3- مرحلة المساوَمة:
قد تحدُث هذه المرحلة قبل أو بعد موت المحبوب؛ بحيث يوجب المصاب بالفَقْد على نفسه شيئًا، تبرُّعًا من عبادة أو إقلاعٍ عن ذنبٍ، على أن يصرفَ عنه الله - عز وجل - مُصيبة الموت وما جرى به القضاء عليه.
4- مرحلة الاكتئاب:
في هذه المرحلة يبدأ الحزن بالتسلُّل إلى القلب، مع استيقان حقيقة وقوع مصيبة الموت، فيدخل المصابُ بالفَقْد مرحلة الاكتئاب، غير أنَّ الاكتئاب في هذه المرحلة لا يُعَدُّ مرضًا، بل مرحلة طبيعية للتعافي مِن الحزن.
5- مرحلة التقبُّل:
وهي مرحلة تقبُّل فكرة الغياب الأبدي الذي لا أَوْبَةَ فيه، والتسليم والرِّضا بالقضاء والقدَر.
وإني أرى رحمة الله تحيط بك، فقد وصلت ولله الحمد لآخر مرحلة من مراحل هذه الدورة فقد قلت في معرض حديثك بأنك تقبلت الأمر وتتعايشين معه، وإن كانت فترات الحزن تحيط بك أحيانا فهذا أمر طبيعي.
ثالثًا: تعاملي مع هذا الحدث بواقعية:
وهذا أمر مهم جدًا أختي الفاضلة، فعلى الرغم من ألم المصيبة إلا أنك يجب أن تعلمي أن دورة الحياة لن تتوقف، وأنك لا بد أن تأخذي دورك من جديد، فأمامك طريقان:
الأول: أن تستسلمي للمصيبة وتغرقي فيها؛ فيحيط بك الألم والقلق طوال الوقت، وتحوم حولك الأمراض والأسقام.
الثاني: وهو الذي أنصحك به: أن تعلمي أن المصيبة قد وقعت، ولا فائدة من العيش في تذكرها، فتنطلقي من جديد في حياتك -بخطوات سأذكرها لك في الفقرة التالية - رابعا- فتحولي الطاقة السلبية إلى طاقة إيجابية، والمحنة إلى منحة، والألم إلى أمل.
وتخيلي ماذا لو كان زوجك حيًّا؟ هل كان يرضى منك أن تعيشي حياة الألم والنكد والضيق، أم يتمنى لك حياة السعادة؟.
فكوني وفيَّة لزوجك بأن تتحملي الصدمة، وتنطلقي من جديد في الحياة، بدل أن تستسلمي وتضعفي.
رابعًا: كيف تصبرين نفسك على هذه المصيبة ؟.
إليك خطوات.. استعيني بالله أولاً وابدئي بتطبيقها:
1- تقْويةِ الإيمان بالقضاء والقَدَر، والقُرب مِنَ الربِّ - سبحانه - و((أقرب ما يكون العبد مِنْ رَبِّه وهو ساجدٌ، فأكْثِروا الدعاء))؛ رواه مسلم، فأكثري مِنَ الدعاء، ومِن قيام الليل، ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ الإسراء: 78؛ فاقرئي القرآنَ بصوتٍ تُسمِعين به نفسَكِ؛ فلذلك أطيب الأثر في شفاء حزنكِ.
2- أن تأخذي بالأسباب التي تدفع عنك هذا التعلق بهذا الرجل، ومن هذه الأسباب استحضار اليأس، فإن النفس بطبيعتها إذا يئست من الشيء نسيته، فاستحضري اليأس: بأنه لا يمكن الوصول إلى هذا الرجل بعد أن غادر الدنيا، والمتعلق بما لا يمكن الوصول إليه مثله – كما يقول العلماء – كمثل من يعشق الشمس ويريد الوصول إليها، فأنت إذا ذكّرت نفسك بهذا المعنى على الدوام, وأن هذا شيء يستحيل الوصول إليه سيساعدك على نسيان هذا الماضي.
3- افعلي طاعةً، وتطوَّعي بقربةٍ مِنْ صدقة، ودعاء، وحج، وعمرة، وقراءة قرآن، وزرع شجر، واسألي الله عز وجل أن يجعل ثوابَ أعمالِكِ لزوجكِ - رحمه الله.
4- أشغلي أوقاتك بما ينفعك، فاشتركي في الأعمال الخيرية، وزيارة دور الأيتام، ومسح الألم عن نفوسهم، فهذا يعينك على مسح ألمك، وشاركي في الأنشطة الثقافية وحلقات القرآن ومجالس العلم، لتنسي هذا الماضي المؤلم، وتعرفي على أخوات صالحات وتعاوني معهن على الخير.
5- إذا تقدّم لك من ترضين دينه وخلقه؛ فبادري للزواج ولا تتأخري، فهذا من أعظم ما يعين على نسيان الألم الذي خلفه فراقك لزوجك، وتذكري قصة أم سلمة – رضي الله عنها - وقد كان حالها شبيهًا بحالك يوم فقدت زوجها أبا سلمة، ولكنها دعت بالدعاء المأثور "اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفْ لي خيرًا منها"، فأبدلها الله خيرا من زوجها، فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخيرًا: تذكري !!.
تذكَّري أخيرًا أننا لا نملكُ القدرة على تجنُّب الأقدار المؤلِمة، ولكننا نمتلكُ المقدرةَ على إدارة مشاعرنا وأوقاتنا وحياتنا، فلا تَسْتَسلِمي لأحزانكِ وإن عظُمَتْ، ولا تنظري إلى الجانب المظلِم مِنَ القمر (المصائب)؛ فهو لم يزلْ مضيئًا وجميلًا في الجانب الآخر، ولكننا لا نعلم الغيب، موتُ زوجكِ لا يعني موت حياتكِ، بل يعني ولادة حياة مختلفة لم تَعهَدِيها، تمارسين فيها أدوارًا إضافية؛ فلا تبقي حبيسةَ الألم وأنتِ امرأةٌ مؤمنةٌ بالقدرِ، ولكن فكَّري في المستقبل، وأحْسِني التخطيط لحياتكِ الجديدة بشجاعةِ وعظمة المرأة المسلمة، واستعيني بالله ولا تعجزي؛ فإنه حسبُكِ ونعم الوكيلُ، وسيعوِّضكِ خيرًا مما فقدتِ - إن شاء الله - فقولي: "اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفْ لي خيرًا منها".
نوَّر الله قلبك، وسدد خطاك، ورزقنا وإياك حسن الصلة بالله سبحانه وتعالى.