سباق الرئاسة في تركيا: الرابحون والخاسرون
29 رمضان 1435
طه أوزهان

بقي أقل من شهر على انتخابات الرئاسة في تركيا، ومع ذلك ماتزال وسائل الإعلام محجمة عن إعطاء تصور واضح لما يمكن أن يحدث.

متابعة الأحداث كما تعرضها وسائل الإعلام ليست كافية لفهم الانتخابات الرئاسية التركية القادمة. إذا ما أردنا حقيقة أن نفهم ما الذي يجري فنحن بحاجة إلى تحليل لعدة عوامل تتعلق بتاريخ التحديث في تركيا، وبالكمالية، والأهم من ذلك بهوية الناخب التركي.

مثل هذا التحليل يتطلب بعض المعرفة بعلم الاجتماع السياسي التركي. إلا أن ارتباط وسائل الإعلام الغربية عاطفياً بالعلمانيين الأتراك يستحيل معه أن تتمكن هذه الوسائل الإعلامية من تقديم مثل هذا الشرح الموضوعي.

والمقصود بكلمة “موضوعي” في هذا السياق ما هو إلا التحليل السليم والمتوافق مع الواقع للانتخابات. لا مفر على كل حال من أن تتضح الصورة بمجرد انتهاء الانتخابات، وحينها سيكون أسهل على المرء رؤية من كان أكثر دقة ومن كانت تقديراته غير متوافقة مع الواقع.

لربما قربتنا بيانات استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة أنار أكثر إلى نمط التحليل المطلوب. تبين نتائج استطلاع أنار أن 90 بالمائة ممن يحق لهم الاقتراع ينوون المشاركة في الانتخابات القادمة. ولكن، نظراً لأن يوم الانتخابات يتصادف مع إجازة شهر رمضان قد يكون العدد الفعلي أقل من ذلك بقليل.

ولكن، علينا أن نتذكر أن نسبة المشاركة في الاقتراع في الانتخابات التي جرت يوم 30 مارس 2013 كانت أيضاً تقترب من 90 بالمائة. هذه المعلومة مهمة لفهم مدى نجاح حزب إردوغان، حزب العدالة والتنمية، والطبيعة الحالية للنشاط السياسي في تركيا.

إن الحصول على 50 بالمائة من الأصوات في انتخابات تتنافس فيها أربعة أحزاب سياسية ويبلغ معدل المشاركة فيها نسبة قريبة من عدد من يحق لهم الاقتراع لهو نجاح بارز.

سوف تظهر علاقة عكسية ما بين نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية ونسبة الأصوات التي حصل عليها رئيس الوزراء الحالي ورئيس حزب العدالة والتنمية إردوغان. فكلما انخفضت نسبة المشاركة كلما ارتفع عدد الأصوات التي سيحصل عليها إردوغان، والسر في ذلك أن الجماهير المؤيدة لحزب العدالة والتنمية تشارك باستمرار بنسب عالية وثابتة، بمعنى آخر نحن متأكدون من مشاركة المؤيدين لإردوغان في التصويت، ولكن لا يمكن قول نفس الشيء بحق المعارضة. 

الأمر الآخر الذي يمكن أن يؤثر في نسبة مشاركة المعارضة هو أن أياً من أحزاب المعارضة التي رشحت مجتمعة كمال الدين إحسان أوغلو لن تقف خلف مرشحها بشكل كامل.

نسبة التأييد للمرشح المشترك تبدو منخفضة، وتقدر بحوالي 70 بالمائة بين ناخبي حزب الشعب الجمهوري وحوالي 60 بالمائة بين ناخبي حزب الحركة القومية.

بالمقابل، يبدو أن إردوغان يتمتع بالدعم الكامل للقطاعات المحسوبة عليه. ورغم أن المرشح الثالث صلاح الدين ديميرتاس عن حزب السلام والديمقراطية الكردي يتمتع بموافقة 80 بالمائة من أصوات الناخبين المسجلين داخل حزبه، إلا أن معظم الأكراد يستمرون في التصويت لصالح إردوغان. يمكن بوضوح من خلال حملات التنافس على الرئاسة استشعار الموافقة الكردية على عملية السلام التي دشنها إردوغان لحل المسألة الكردية وإنهاء الصراع الذي استمر عقوداً طويلة.

أحد أكبر المشاكل التي ماتزال المعارضة التركية تواجهها هي أنها لا تستطيع فيما يبدو تجاوز المساحات الجغرافية التي تحظى ضمنها بالدعم والتأييد. فعلى سبيل المثال، يبدو أن حزب الشعب الجمهوري يحظى بتأييد قاعدة وازنة من الناخبين فقط في ثلاث من المحافظات السبع في تركيا.

أما الحركة السياسية الكردية فهي تحظى بوضوح بدعم الناخبين في المحافظتين اللتين تعيش فيهما نسبة عالية من الأكراد، ولكن ينبغي التأكيد على أنه حتى في هذه المحافظات ذات الكثافة السكانية الكردية العالية، فإن الحزب المفضل لدى السكان مايزال هو حزب العدالة والتنمية.

بمعنى آخر، تفشل الحركة السياسية الكردية في التمتع بكامل دعم المكون الكردي حتى مع الأخذ بعين الاعتبار ثلاثين عاماً من الصراع المسلح ومن القمع المستهجن على أيدي نظام المتنفذين الكماليين.

في المقابل، يعتبر حزب العدالة والتنمية هو الحزب المفضل في كافة المحافظات السبع، وقد أظهرت الانتخابات المحلية التي جرت في 30 مارس 2014 تصدر حزب العدالة والتنمية في جميع المحافظات بنسبة كبيرة فيما عدا الساحل الغربي من تركيا حيث وحد حزبا الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية جهودهما في مواجهة حزب العدالة والتنمية.

بطبيعة الحال، لا يمكن الفوز بانتخابات الرئاسة إلا إذا حظي المرشح بدعم كافة المناطق السبع، ومن نافلة القول أن الحزب السياسي الذي يقبل عليه الناخبون في كافة المحافظات التركية هو الذي سيحظى بالسبق بلا منازع.

سيستفيد حزب العدالة والتنمية من ميزة السبق هذه في التنافس على الرئاسة. في الأسبوع الماضي، أي قبل شهر تماماً من الانتخابات، أظهرت استطلاعات الرأي تفوق إردوغان بخمسة وخمسين بالمائة، بينما حصل إحسان أوغلو على نسبة 38 بالمائة وديميرتاس على نسبة 7 بالمائة.

سوف نرى إلى مدى ستتغير هذه الصورة في الجولة الأولى من التصويت. ما من شك في أن استطلاعات الرأي التي ستجرى خلال الأسبوعين القادميين سوف تمنحنا مؤشراً حول الكيفية التي ستتمخض عنها الانتخابات. حتى هذه اللحظة لا يبدو فقط أن إردوغان سيفوز من الجولة الأولى، وإنما أنه سيحصل على نصر مؤزر ضد الحزب المعارض، لا يختلف كثيراً عن النصر الذي أحرزه في استفتاء عام 2010. ورغم أن إردوغان حفز أحزاب المعارضة على التوحد ضده في الاستفتاء الدستوري عام 2010 إلا أنه فاز فوزاً كاسحاً بنسبة 58 بالمائة.

إذا ما نجم التنافس على الرئاسة عن نتيجة مشابهة فسوف تشعر المعارضة على وجه التأكيد بتعاظم الضغوط عليها، وهذا لا محالة سيثير تساؤلاً مفاده: إلى متى سيتمكن زعماء المعارضة من الاحتفاظ بكراسيهم بعد أن يكونوا قد خسروا كل واحدة من المنافسات الانتخابية التي خاضوها ضد إردوغان خلال الاثني عشر عاماً الماضية؟

 لن تؤدي مثل هذه التساؤلات إلى أي تغييرات رئيسية، فقد رأينا كيف أن خسارة كل انتخابات جرت على مدى ثمانية أعوام لم يغير شيئاً في المعارضة.  يعد هذا الاستمرار الأعمى في الوضع القائم بأن يظل حزب تركيا الحاكم في قلب الممارسة السياسية التركية إلى سنوات طويلة قادمة.

طه أوزهان: رئيس مؤسسة سيتا في أنقرة. أكاديمي وكاتب وله أعمدة ثابتة في "ذي ديلي ستار" و"ديلي صباح". يشارك في برنامج حواري سياسي أسبوعي في قناة التلفزة الوطنية، وله مشاركات دورية في وسائل الإعلام الدولية. صدر له مؤخراً في عام 2014 كتاب عن المسألة الكردية بعنوان "لتطبيع يؤلم".

 

 

المصدر/ عربي 21