4 ذو الحجه 1437

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. لي سؤال في حقوق الآباء على الأبناء..! كثيراً ما تصير بيني وبين والدي مشاكل، وأحياناً تنتهي بسبه لي وسبي له!! على الرغم من أن هذا يؤلمني لأني شخص المفترض أني متدين. وفي آخر مشكلة لي معه هاجمته بحدة وقاطعته.. المشكلة هنا أني لا أستطيع الاعتذار أو حتى لدي رغبة في بره من الأساس مهما حاولت؛ لأنه كان في الصغر يعاملني معاملة المتخلف عقليا، وكان يسبني ويضربني أكثر من مرة أمام الناس وأمام أصدقائي، ومرتين تعرضت للتحرش الجنسي وما أخبرته خوفا منه. ولما بلغت 11 سنة كنت والحمد لله مهتما بدراسة الدين والفقه، ولما كنت أجد منه تقصيرا في معاملة أمي، مثل أن يسبها أو يظلمها؛ كنت أدافع دوما حتى ولو سأضرب، والمثل مع أقاربي. ثم في العشرين من عمري أصبح أقل حدة في تعاملاته.. ففي هذا العمر أصبحت أقوى بدنا وأكثر تعلما وفقها، وهو كذلك أصبح أكثر وعيا وإدراكا لتصرفاته معي، لكن كنت أيضا أدافع عن تصرفاته مع إخوتي، وتحدث بيني وبينه مشاكل، أو عن عملي وتعلمي وما هو الأنسب لي، أو عن أسلوب تصرفات أختي الخاطئة وتجاوزاته عنها، حتى وصل الأمر مرة إلى أنه اتصل بأصحابي وسبهم لأنهم هم السبب في ضلالي على حد قوله. ويشهد الله أنهم هم سبب فرحتي وفخري في ديني. كما أنه كثيرا ما يسب الدين وكثيرا ما يتطاول على الذات الإلهية ونبينا صلى الله عليه وسلم وقت غضبه، والعياذ بالله. وفي إحدى المرات ذهب معي لأحد الأشخاص للبحث عن عمل لي، وفوجئت أن هذا الرجل يزيد من كرهه للمشايخ والعلماء ويعتبرهم تجار دين.. ومثل هذا الكلام، فكان من موقفي الدفاع عنهم، وكان من موقف الوالد الملاينة والموافقة حتى ننهي المقابلة، وبعد أن نزلنا للسيارة أخذ يؤنبني ويعاتبني ويوجه أصابع الاتهام لهم، وأنهى كلامه بأن قال: اجعل الله ينزل عليك إذن الذهب من السماء! وحتى الآن هو يعتبر أني ليس لي خبرة في الحياة ونحو ذلك، مع أني عملت بكثير من المهن أثناء الدراسة إضافة لمعرفتي الدينية والعلمية ودراستي، مع توفيق الله لي في عمل ممتاز. لكن من باب الأمانة أوضح أن أبي لم يقصر معي ماديا رغم كثرت منِّه بهذا، ودائماً ما كان يسعى لي في عمل، كما أنه تكفل بزواجي كله.. لكني لم أعد أستطيع حمل نفسي على بره، ويخالطني شعور بالبعد عنه وكرهه في بعض الأحيان. فماذا أفعل؟!

أجاب عنها:
خالد عبداللطيف

الجواب

مرحبا بك أخي في موقع المسلم.. وفقك الله لما يحبه ويرضاه، وأصلح لك شأنك كله. مشكلتك أخي بحسب روايتك تتمثل في علاقة متوترة مع والدك لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بصفاته الشخصية والأخلاقية، ومنها ما يتعلق بتعامله معك ومع والدتك وإخوتك؛ الأمر الذي يؤدي بك في كثير من الأحيان إلى مبادلته الإساءة وتقصيرك في بره وعدم عقوقه. أخي الفاضل لقد تأملت فيما ذكرت.. فوجدت لك بعض العذر في مشاعر القلب، خصوصا بعض ما تذكره من منكرات شنيعة تتعلق بإساءة والدك (هداه الله) للذات الإلهية ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لأهل العلم والدين؛ الأمر الذي يدل – للأسف – على بُعد والدك الشديد عن جادة الدين وتقوى الله تعالى وخشيته. ثم يلي ذلك مواقفه الحادة في العشرة والتربية معك وبقية أهل بيته؛ مما يتسبب فيما تذكره من مشاعر الضيق التي تصل إلى حد الكُرْه؛ بسبب الطيش والاستهتار في طريقته في التواصل والتعامل، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أخي الكريم مع هذا كله.. تبقى هذه الندّية التي تعامل بها والدك؛ بحيث تصل أحيانا إلى مبادلته السب (!) ضربا من العقوق لا شك فيه ولا ريب؛ فأنت مأمور ببر الوالدين وإن كانا مشركين، بل وإن جاهداك على أن تشرك بالله تعالى! فلا تغفل أخي عن ذلك؛ مصداقا لما تذكره من تديّنك وعنايتك بالفقه في الدين، وجاهد نفسك في بر أبيك والصبر عليه وإن ظلمك وأساء إليك؛ بل الأجدر بك تجاهه أن تستشعر الشفقة عليه وأن تدعو له بالهداية والصلاح. وأما ما تحس به من العجز عن حمل نفسك على بره فلا سبيل إلى تجاوزه إلا بإصلاح نيتك وابتغاء وجه الله تعالى، وجعل أمره ونهيه تعالى أحب إليك من ميل نفسك؛ فإن النفس أمارة بالسوء! فاصبر أخي واحتسب ما تلقاه من والدك؛ لتظفر بإحدى الحسنيين (إن لم تظفر بهما معا) وهي مرضاة الله جل وعلا بهذه الفريضة العظيمة "بر الوالدين"، بل إن في مجاهدة نفسك على مقابلة إساءاته بالإحسان والبر سبيلا للحسنى الأخرى؛ أعني التأثير فيه وكفه عن كثير مما يفعل. كما أنه من المهم للغاية أن تناصحه بالمعروف في الجرم الشنيع المتعلق بالإساءة للذات الإلهية ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تتواصى مع من يؤثر فيه من أقارب أو أصدقاء له أخيار؛ فهذا منكر وفساد شنيع لا يُسكت عنه بحال. أسأل الله لك التوفيق والسداد لما يحبه ويرضاه، ولوالدك الهداية والغفران، وأن يجمع شملكما على الحق والهدى..

ولمزيد من الفائدة يمكنك الرجوع إلى استشارة سابقة مقاربة لموضوعك بعنوان:

أبي تركني وليداً.. وجفاني كبيراً!