بين «أكمل الدين» و«أكمل»
24 شعبان 1435
إسماعيل ياشا

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في أول تعليقه على ترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو لرئاسة الجمهورية، قال إنه «لا داعي للتعليق»، مضيفاً أن «الشعب هو أفضل من يقرر»، وشبّه تقديم حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية مرشحاً مشتركاً بـ «بناء سقف بلا أساسات أو قواعد». وهذا التعليق الموجز يعطينا فكرة حول كيفية التعامل الذي سينتهجه أردوغان مع ترشيح إحسان أوغلو خلال الحملات الانتخابية.

 

أردوغان ورفاقه حين انشقوا عن تيار الراحل نجم الدين أربكان ليؤسسوا حزب العدالة والتنمية فضَّلوا عدم انتقاد أستاذهم بلهجة جارحة، بينما كان أربكان رحمه الله وقادة تياره يكيلون الشتائم لهؤلاء المنشقين ويتهمون الحزب الجديد بالعمالة للولايات المتحدة والصهيونية العالمية، ولكن الشعب التركي لم يلتفت إلى تلك الاتهامات ولم يؤيد ذلك السلوك، بل رد عليهم نيابة عن المتهمين وعاقبهم بالوقوف إلى جانب أردوغان وحزبه.

 

ومن المتوقع أن يختار أردوغان النهج نفسه ليتجاهل إحسان أوغلو في كلماته قدر المستطاع ويركز في انتقاداته على حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية وزعيميهما، ليترك تقييم «نجل إحسان أفندي» إلى الشعب. وأعتقد أن إحسان أوغلو هو أيضاً سيتجنب توجيه اتهامات جارحة إلى أردوغان أمام الكاميرات ولن يقع في الخطأ الذي وقع فيه أربكان رحمه الله.

 

في الحقيقة، أردوغان ليس بحاجة إلى توجيه أي انتقاد للسيد أكمل الدين إحسان أوغلو لأن الرجل أوقع نفسه في ورطة كبيرة بقبوله أن يكون مجرد أداة في لعبة الآخرين وأن يكون مرشحاً من حزب خاطئ. وهو في هذه الورطة سيضطر لبناء حملته الانتخابية على إنكار ماضيه وماضي عائلته، في محاولة لإرضاء أنصار الحزب الذي رشَّحه لرئاسة الجمهورية، وسيتظاهر كأن والده «إحسان أفندي» هاجر إلى مصر للسياحة أو التجارة ولم يهرب من ظلم حزب الشعب الجمهوري ونمط الحياة الذي فرضه أتاتورك على الأتراك. وكأول مؤشر لهذا التوجه، بدأ إحسان أوغلو في تصريحاته يشدِّد على إعجابه بأتاتورك ومبادئه، وحذف من اسمه كلمة «الدين» ليسهل نطقه على أعضاء حزب الشعب الجمهوري وأنصاره، زاعماً أن كثيراً من الناس يسمونه «أكمل».

 

«أكمل الدين» ولد في مصر وترعرع في بيئة عربية وحفظ كتاب الله والتحق بالأزهر للتدريس ومهتم بالدولة العثمانية وتراثها إلى درجة أنه أشرف على تأليف وتحرير 18 مجلداً في تاريخ الأعمال المنشورة حول العلوم عند العثمانيين.

 

وكذلك ألَّف كتابه الشهير «الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي». وكتب أردوغان تقديماً لهذا الكتاب قال فيه «إن العلاقات التركية المصرية التي ترجع جذورها إلى القرن التاسع الميلادي واحد من مجالات البحث الأكثر جدارة بالاهتمام في تاريخ منطقتنا وتاريخ العالم، فالأتراك والعرب يدينون بدين واحد ويتقاسمون تراثاً ثقافياً واحداً وأخذوا على عاتقهما أدواراً مركزية في بناء الحضارة الإسلامية». وقام إحسان أوغلو بتأسيس مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية «أرسيكا» في اسطنبول تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي قبل أن يتم انتخابه أميناً عاماً للمنظمة نفسها.

 

 

أما «أكمل» فيبدو أنه سيقدِّم نفسه إلى الرأي العام، وإلى أعضاء حزب الشعب الجمهوري وأنصاره على وجه الخصوص، بشكل مغاير تماماً، في محاولة لرسم صورة ذهنية مختلفة حتى يثبت أنه ليس «إسلامياً» ولا معادياً لمبادئ أتاتورك، ولا بعيداً عن اليسار، وذلك من خلال تصريحات حول العلمانية وميراث أتاتورك والحديث عن ترجمته لكتاب الشاعر التركي الشيوعي ناظم حكمت إلى اللغة العربية، ولفت الأنظار إلى زوجته غير المحجبة، ولعل هذه الأخيرة هي الأهم في نظر العلمانيين المتطرفين وأحد أسباب ترشيح إحسان أوغلو لرئاسة الجمهورية.

 

بيّن «أكمل الدين» و «أكمل»، هناك حقائق ستحدد نتائج الانتخابات الرئاسية وأول هذه الحقائق أن الانتخابات التي ستجرى بعد أقل من شهرين ليست من أجل انتخاب رئيس لإحدى الجامعات أو لأحد المراكز الثقافية، وبالتالي لا يعني كثيراً كون المرشح مجيداً لخمس لغات، بل الأهم أن يفهم لغة الشعب وتطلعاته، وأن يفهمه الشعب.

 

لم يكن إحسان أوغلو يهتم بالسياسة ولا بهموم الشعوب وقضاياها، ولا يعرف له موقف -على سبيل المثال- من حظر الحجاب في الجامعات التركية، بل كان مثقفاً نخبوياً ومقرباً من الأنظمة، وهذا ما يفسر موقفه السلبي من الربيع العربي. وها هو اليوم يدخل المعترك السياسي، وعليه أن ينزل من الأبراج العاجية إلى الساحات والشوارع، ويستمع إلى العمال والمزارعين وعموم المواطنين.

 

المصدر/ العرب القطرية