دلالات سقوط الموصل
13 شعبان 1435
د. عامر الهوشان

كثيرة هي الدلالات التي يمكن للمتابع لما يحدث بالعراق استنتاجها , خاصة بعد الحدث المفاجئ المزلزل الذي حدث بالأمس من سقوط ثاني أكبر مدن العراق "الموصل" بيد المسلحين من أبناء العشائر والثوار , وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام . والحقيقة أن قراءة الحدث قراءة متأنية وواعية وعميقة , ومحاولة استنطاق مجريات الأحداث وفهم ما بين السطور , والغوص في آثار ما يجري على أرض الواقع على المستقبل القريب والبعيد , واستنتاج الدلالات والدروس والعبر من هذا الحدث أو ذاك , يوصلنا إلى الحقيقة التي نبتغيها ونطلبها . وإذا أردنا استخلاص دلالات ما جرى بالأمس في الموصل , وتداعياته المستمرة حتى لحظة كتابة هذه السطور إقليميا ودوليا , فيكمن إجمالها فيما يلي : 1- اضطراب جيش المالكي ومليشياته , حيث أكدت الأحداث فرار قيادات جيشيه وعلى رأسهم كبار الضباط والمسؤولين – محافظ نينوى أثيل النجيفي – فضلا عن جنوده ومرتزقته , وسقوط المدينة في وضح النهار وخلال بضع ساعات دون قتال أو مقاومة تذكر . الأمر الذي يؤكد أن جيش المالكي ليس على قلب رجل واحد كما يقال , وأن المعركة إن كانت بين الحق والباطل فهي معركة محسومة النتيجة للحق في وقت ليس بطويل , وأن النصر في المعارك لا يأتي من القوة المادية العسكرية فحسب كما يحاول أهل الباطل تسويقه – لإضعاف إيمانهم وعقيدتهم بنصر الله للمؤمنين الصادقين - وإنما يتأتى من تمسك أهل الحق بحقهم ونصرهم لدين الله أولا وآخرا , وعندها فقط يظهر ضعف وجبن الباطل وفراره من مصيره المحتوم أمام أهل الحق . 2- استغاثة المالكي بالغرب بدءا من أمريكا – حليفه الرئيسي الذي أوصله إلى سدة الحكم بعد خروجه من العراق – وصولا إلى الاتحاد الأورربي والأمم المتحدة , يشير إلى حلفاء وأسياد المالكي على وجه الحقيقة , ويكشف زيف ودجل الرافضة الذين يزعمون عداءهم وحربهم على الشيطان الأكبر – أمريكا – بينما الحقيقة أنه أول وأهم حليف لهم , ولا أدل على ذلك من استغاثتهم به واستقوائهم بقوته في حالات الضرورة والشدة . 3- الهستريا التي أصابت المالكي وحكومته من هذا السقوط المدوي للموصل , وإعلانه حالة التأهب القصوى في البلاد والتعبئة الشاملة لمواجهة من سماهم المسلحين , ومطالبته البرلمان بإعلان حالة الطوارئ أيضا , يشير إلى مشابهة القوم لليهود الذين يصابون بنفس حالة الخوف والهلع والرعب من صاروخ يسقط من المقاومة الفلسطينية , أو من أي انتصار يتحقق لهم وإن كان محدودا , والإجراءات التي يحيطون بها أنفسهم جراء ذلك . 4- محاولة تركيز المالكي وحكومته وأمريكا والغرب على "تنظيم دولة العراق والشام" , من خلال تصريحاتهم التي تجعله الخصم الوحيد لسياسة المالكي وحكومته , والتضخيم المتعمد لقوة هذا التنظيم , وإغفال أي دور لأبناء العشائر والثوار في معارضتهم لسياسات المالكي منذ حوالي العام , وكأنهم غير موجودين أو ليس لهم أي تأثير , يشير إلى سياسة غربية خبيثة وقذرة , تحاول حصر معركة المالكي مع ما تسميه "إرهاب الدولة الإسلامية" , وهو بخلاف الحقيقة والواقع كما يعلم الجميع , فالشعب العراقي بأبرز مكوناته – السني – قد أطلقوا وما زالوا يطلقون الكثير من نداءات الاعتراض على سياسات المالكي الإقصائية , دون أي تجاوب من المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا والغرب . فقد اعتبرت الولايات المتحدة أن مقاتلي "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" يهددون منطقة الشرق الأوسط بكاملها ، معربة عن "قلق أميركي بالغ" بشأن الوضع "الخطير جدا" , وندد المتحدث باسم البيت الأبيض "جوش إيرنست" بمسلحي تنظيم الدولة "بأقسى العبارات" , بينما أكدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية "جنيفر بساكي" أن واشنطن تؤيد "ردا قويا لصد هذا العدوان". من جهته أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن "قلقه العميق" إزاء الوضع الأمني المتردي في الموصل , بينما لم نرى أي تحرك فعال من الأمم المتحدة لإيقاف أحكام الإعدام المجحفة بحق الآلاف من أهل السنة , ناهيك عن القصف بالبراميل التي تعرضت له الفلوجة أكثر من مرة . 5- ثبوت عدم جدوى الحل الأمني في مواجهة المطالب المحقة والعادلة للشعوب بشكل عام وللشعب العراقي بشكل خاص , فلو أن المالكي استجاب لمطالب المحتجين منذ البداية لما وصلت الأمور إلى هذه الحالة , ولكنه العناد والغرور والنزعة الطائفية التي تدمر البلاد وتهجر العباد , وتنشر الحرب والفوضى والخراب , ثم تلقى اللائمة كاملة على المحتجين أصحاب الحق , وينعتون "بالإرهابيين" و "المسلحين" وغيرها من الأوصاف السيئة . إن الدرس الأبرز والدلالة الأهم لسقوط الموصل تكمن في انتباه واستيقاظ أهل الحق في كل مكان لضرورة اجتماعهم وعدم تفرقهم , ولزوم تنحية خلافاتهم الفرعية والجزئية في أيام المواجهة المصيرية التي تخوضها الأمة , فإذا كان العدو المتربص بهم يتحالف ويجتمع ضده رغم الخلافات الجوهرية بينهم , فكيف بمن تجمعهم عقيدة واحدة وكتاب واحد وسنة نبوية واحدة ؟!!