انتخابات العودة للوراء
8 شعبان 1435
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

شهدت المنطقة العربية في الأيام الأخيرة وستشهد في الأيام القادمة انتخابات رئاسية تدور في أجواء قديمة عفا عليها الزمن, وكان من المفترض أن تواكب الثورة العالمية في الاتصالات وتداول المعلومات وبحث الشعوب عن حريتها في اختيار من يحكمها..

 

انتخابات رئاسية تليق بتطلعات هذه الشعوب خصوصا مع ثورات الربيع العربي التي أحيت الآمال في النفوس...بدأت هذه الانتخابات الرئاسية في الجزائر في أوضاع غريبة حيث كان المرشح المدعوم من الجيش ومؤسسات الدولة هو الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة في وضع صحي متدهور لم يمكنه حتى من الإدلاء يصوته إلا وهو جالس على مقعد متحرك كما أقسم اليمين على نفس المقعد وهو يجاهد ليحفظ أنفاسه من الانقطاع في حادثة فريدة ونادرة من نوعها علقت عليها وسائل الإعلام العربية والأجنبية ومع ذلك لم تهتز شعرة في رأس المؤسسة العسكرية والدولة العميقة التي سيطرت على البلاد بالحديد والنار منذ إلغاء انتخابات عام 1992 التي فازت بها جبهة الإنقاذ فوزا ساحقا...

 

رغم تندر وسائل الإعلام الغربية على ما جرى في الجزائر ووضوح شبكة المصالح الحاكمة لتمرير ولاية أخرى لبوتفليقة بعيدا عن الصناديق أو نزاهة العملية الانتخابية إلا أن الدوائر الرسمية الغربية لم تعلق على ما حدث ولم تستنكر تولي رئيس غير مؤهل صحيا لقيادة بلاده لسبب بسيط أنها تتعامل مع مؤسسة عسكرية تتعاون معها في "مكافحة الإرهاب" في صحراء أفريقيا وهو ما يهمها, أما مسألة حرية التعبير وخيارات الشعوب فهي "رفاهية لا تناسب دول العالم الثالث المتخلفة"!..وطبعا فاز بو تفليقة باكتساح بعد أن قاطعت معظم أحزاب المعارضة الانتخابات وندد أكبر منافسيه بانحياز مؤسسات الدولة لبوتفليقة وأكد حدوث تزوير على نطاق واسع وهو أمر يصعب إثباته قانونيا ما دامت السلطة التي تحقق في القضية هي التي تزور بمختلف مؤسساتها...

 

وبعد قليل من انتخابات الجزائر شاهدنا انتخابات مصر التي عادت بنا إلى ما قبل ثورة يناير حيث رأينا مرة أخرى مرشحا واحدا ينتمي للمؤسسة العسكرية تقف وراءه جميع أجهزة الدولة والإعلام الحكومي والخاص ويقولون جميعا أنهم يدينون له بإزالة عدوهم اللدود من الساحة السياسية فهل يمكن أن تكون هذه المؤسسات على الحياد في أي معركة انتخابية؟! لقد فاز عبدالفتاح السيسي بـ97 في المائة وهي نسبة قريبة من النسب التي كان يفوز بها الرئيس الأسبق أنور السادات والرئيس المخلوع حسني مبارك وكانت مثار سخرية الناشطين والإعلاميين, وكلاهما ينتمي للمؤسسة العسكرية التي تتصدر المشهد منذ جلاء الاحتلال البريطاني عام 1952 وكان يتم توجيه النقد لها دائما بأنها "غير ديمقراطية" بطبيعتها وبالتالي لا تصلح لإدارة العملية السياسية التي تتسع لمختلف الآراء...

 

كان المحللون والسياسيون الذين يتصدرون الفضائيات في عهد الإسلاميين يؤكدون دائما أن الصناديق ليست كل شيء وأن الاهم هي الأجواء التي تجري فيها الانتخابات والاستفتاءات وفجأة تراجع هؤلاء عن أقوالهم وأصبحوا لا يعتدون إلا بالصناديق رغم عدد المعتقلين الكبير وإغلاق الكثير من القنوات والجمعيات الخيرية ومصادر الأموال وهو ما يكشف عن التحالف النخبوي العلماني القائم مع العسكر في الفترة الحالية على هدف واحد فقط هو إقصاء الإسلاميين بأي شكل حتى يخلو لهم الشارع وبعدئذ يتقاسموا السلطة أو فتاتها معهم.. هي النفعية إذن وليست المبادئ ولا القيم....

 

أما سوريا فشهدت انتخابات رئاسية هي الأغرب فالبلاد مقسمة بين قوات الأسد والمعارضة وتعيش أجواء حرب واقتتال منذ 3 سنوات ومع ذلك يصر النظام على إجراء انتخابات يقصي فيها المعارضة الحقيقية ويصر على تزيينها بمرشحين من أتباعه ليتنافس مع نفسه و"يتواضع" ويفوز بـ 87 في المائة فقط! يفوز بانتخابات رئاسية والملايين من شعبه نازحون داخل وخارج البلاد لا يجدون قوت يومهم في ظروف إنسانية حرجة ويظهر فرحا بين أنصاره والمصوتين له رغم حجم الدمار والقتل والتعذيب المنقول بالصوت والصورة والذي يعم معظم مناطق البلاد...

 

هذه انتخابات جرت وأخرى ستجري بمعايير مشابهة في موريتانيا قريبا في حالة من الغيبوبة المجتمعية التي تفرض معايير قديمة على شعوب تتطلع للأمام ولكنها تُدفع للخلف بقوة بحجة الحفاظ على الأمن والاستقرار ...فمن الذي يمنع الأمن عن الشعوب التي تختار رئيسا من خارج الصندوق ويحققه لمن يوافقون على الرئيس "المعلب"؟! هذا هو السؤال الأهم في المرحلة الحالية والإجابة عليه هي التي ستحدد مستقبل المنطقة.